المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على مائدة الإفطار ...{{ قصه قصيرة }}


الحيدرية
14-09-2007, 02:03 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخواني واخواتي الزينبيين جئتكم اليوم بقصه قصيرة لا تخلو من العبر
وبأسلوب رائع اتخذه الكاتب مستشهدا بالاحاديث والسير لأهل البيت عليهم
السلام لا احب ان اطيل عليكم سأترككم مع هذه القصه متمنيا لكم طيب القراءة..

نشأ (حيدر) في بيئةٍ إسلاميةٍ محافظةٍ فدرجَ في ذلك البيت الذي تَدبُ فيهِ الحركةُ مع أَذانِ الفجرِ ليستيقظَ مَنْ فيه مستقبلاً مُصلياً ثم يمضي كُلٌ إلى وجهتهِ للعَملِ فَلم يعكر صفوَّ حياةِ هذهِ الأسرةِ شيءٌ لبساطتها وتماسكها الأُسري فكانت مَضربَ الأمثالِ في مجتمعها لما تتمتعُ فيهِ من خصال حميدةٍ وعفةٍ وإيمان فطريٍ وما لأفرادها من وجاهةٍ اجتماعية فاعلةٍ لهيبتهم المستمرة من غورِ أسبارِ الورعِ والتقوى.. فكانوا يخشون اللهَ في سرهم وعلانيتهم ونشأوا متمسكينَ بتلك الخصالِ حتى غدت سمةً لَهُم.

ومن الذكريات التي بقيت عالقةً في ذاكرةِ (حيدر) أيامَ رمضانَ موائد الإفطارِ فيهِ وهم ينتظرون الأذان بقلوبٍ حَرى.

(حيدرٌ) يعيش في المنافي اليوم، تذكرَ تَلك الألفةُ والعلائقُ الحميمةُ وكأنَ الملائكة تحِفُ بموائدِ الإفطارِ، رائعةً غنيةً كانت تِلكَ الموائد رغم بساطتها.. تذكرَ أباهُ يضعُ في فمه بعضَ (ما جادت به عَمتنا النخلةِ) لينهضَ قائماً للهِ، ثَم يعودُ على بقايا ما تركوه.. فقد عودَهُم أن لا يأكلَ إلا فتاتَ المائدةِ ويرفضُ أن تُعَدَ له مائدةٌ خاصةٌ به.. إنه سموُ النفسِ وتواضُعها قائلاً لأبناء أسرتهِ لقد تعلمنا من القرآنِ وأهل البيت هذا، فإني حينَ أجلسُ معكم على مائدة الإفطارِ أتذكرُ مَن (ويطعمون الطعام على حُبهِ مسكيناً ويتيماً وأسيرا) علياً وفاطمة وأبنائهما (عليهم السلام) وكيفَ إنهم جادوا بطعامِ إفطارهم وهو رغيفُ الشعير والملح والتَمرِ لسائلٍ وقفَ عند بابهم قبلَ الإفطارِ وباتوا على طوىً ليكملوا صيامَ اليومِ التالي... كانَ يعظهم مواعظاً فطريةً ورِثها عن أسلافهِ فأباهُ لم يكمل تعليمَهُ ولكنه دائماً كانَ يُرَد على من يسألهُ ممن تَعَلمَ هذا... يقولُ إن (المجالسَ مدارس) وحقاً ما ذهب إليه الرجل... ومِن أقوالِ أبيهِ التي طرقها على مسامعي إنه كانَ يقولُ لهم مَنْ لم يستطعْ أن يُمسكَ لسانهِ عن الغيبةِ وعما لا يرضاهُ الله وعينهُ عن النظرِ إلى أعراضِ الناس فليفطر.. فليسَ الصوم هو الإمساك عن الطعامِ لمعرفةِ ما يعانيهِ الفقير كما هو شائِعٌ ففي الصومِ معانٍ كثيرةٌ.. كان يتكلمُ لنا عَن الصومِ وكأنه قد قرأ كُلَ ما كُتِبَ عَنهُ... وحين نعود بجواباتهِ ونعرضها على قولِ الفقهاءِ تكون صحيحةً، وكانَ خِصبُ ذاكرتهِ مَعيناً ثراً لَهُ فيما يقول وحقاً (إن المجالسَ مدارس)... على عهدهم أما اليومَ فلابُدَ لهذا الجيلِ من المطالعةِ المُنتقاةِ لمعرفة علومِ دينهم عَن كَثَبٍ (فخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ) فهو الذي لا تُمَلُ صحبتهُ والمأمونُ جانبهُ، وهو نافذةُ المَرءِ لمعرفةِ أخبارِ السَلفِ ومرامي الخلفِ، ولكنَ حديثَ (أبي حيدرٍ) يعيدنا إلى صفاءِ الناسِ ونقاءِ سرائرِهم فكانوا لقناعتِهم يرونَ الترابَ ذهباً، والليلَ نهاراً... والإساءةَ إحساناً.. وتلِكَ واللهِ من صفاتِ المسلم الخالصِ في إيمانه لله وبولائه لنبيه الكريم وأهل بيتهِ الأئمةِ المعصومينَ (عليهم السلام). مستنيراً بسيرتِهم في الحياة فالنستمعَ إلى حديث (حيدرٍ) ففيهِ المعتةُ في تصفحِ ذكريات الماضي القريبِ والنفعُ من أحاديثِ والدهِ القريبةِ من منابعِ العِلِم فَمنَ جالسَ قوماً أخذَ منهم، فكيفَ بمن جالسَ العلماءَ وأهلَ الخبرةِ في الناسِ والدين... قال: كان أبي في كُلِ يومٍ يروي لنا موعظةً عِبرَ كلامهِ عن الغابرينَ أو من أحداثٍ عاصرها وأُناسٍ إلتقى بهم.. كانَ حتى في سلوكهِ اليومي درساً لنا، وانا اليومَ بَعضٌ منه، بالرغمِ من اني متعلمُ أكاديمي ولستُ أُمياً أبجدياً مثله.. فهناكَ الكثيرٌ ممن يُجيدونَ القراءَةَ والكتابة ولكنهم لا يعلمونَ شيئاً، فللأمُيةِ وجهان: أميةٌ حاضريةٌ وأخرى أبجديةٌ.

فترى الكثيرَ من حَملةِ الشهاداتِ الجامعيةِ لا يعرفون سوى الحديث بالمنهج الذي تعلموهُ وهو منهجٌ أحاديٌ (لا يسمنُ ولا يغني من جوع) بينما ترى أن هناكَ من خضعَ قسراً لأمرٍ حالَ دونَ أن يتعلمَ الكتابةَ ولكنهُ استوعبَ من العلومِ المعرفيةِ والحديث من خلالِ مماحكاتهِ الآخرين فيعتبرُ هذا من المثقفينَ المفوهين ومفهومُنا للثقافةِ خطأٌ شائِعَ فهي ليس التأثر بنتاجِ الغربِ البيئي وتقليدهِ تقليداً أعمى، فمثلما أخذوا الجيد المفيد من بضاعتنا علينا انتقاء النافعَ من بضاعتهم والتأكد من رائحتها فالكثير منها مغلفٌ بالسيلفون لنتانتها، ومن تلك تأثرنا بثقافاتهم الهجينة فكلمة الثقافة في اللغة تعني الاستقامةَ وقد جاءت من تثقيف الرماح، أي تعديلها وسَقلِها واستعارةُ العربُ هذا وأطلقته على مَنْ كان مستقيماً بسلوكه مهذباً في القول والفعل. قال هذا (حيدر) بأنفعالٍ فقلت لهُ دعك عن هذا وتكلم عن أبيكَ. فقال: كان يأمرنا أن نصومَ قبلَ رمضانَ لعدةِ أيامٍ من شعبان لاستقباله قائلاً: يجب أن نكرم رمضان فهو كريم فلابدَ من استقباله صائمين أجلالاً لمقدمه المبارك... وكانت تكثرُ الدعواتُ على تناولِ الفطورِ والتزاورِ لما لهذا الشهرِ من قُدسيةٍ فأيامه كلُها بركةٌ ورحمةٌ.

كان والدي يدعونا إلى الإكثارِ من القراءةِ في (مفاتيح الجنان) ليرددَ ما نقرأهُ من أدعيةٍ وزياراتٍ تَقرُباً لله سبحانه وتعالى وقد كانَ يقولُ ان رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) قال: (مَن صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ لَهُ ما تقدمَ من ذنبه).

كانَ بعضنا لم يَقُمْ من نومه للسحور فيتأثر أبي كثيراً ويقول الصيامُ لهم مقبولٌ إن لم تتسحروا إن شاء الله ولكن اتباعَ السُنةِ واجب ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ وهو القائل: (تسحروا فإنّ في السحورِ بَركةً) حقاً ما تقول يا أبي فإن هُناكَ فلسفةً للصومِ لم نُدركها بعد فإن الدراساتِ العلميةً أثبتت لنا أن للصومِ فوائدَ لا يتيسرُ لنا أحصاؤها ومنها ما يتعلقُ بالصحة والسلوك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (صوموا تَصحوا).

وقد نزلَ الوحيّ يا أمُرنا بقوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكمُ الصيامُ كما كُتِبَ على الذينَ من قبلكمْ لعلكمُ تتقون أياماً معدودات).

كان يدعونا أبي رَغم بساطته إلى الصيام فيقول أن في الصيام عافيةً.. وكانَ من يشكو أمامهُ من أمراضِ المعدة يقول له صُم لتَصُحَّ، وسوف ترى. إن المعدةَ بيتٌ لكلِ داءٍ، كان يحذرنا من أن نفطِرَ يوماً قائلاً: إياكمُ والإفطارَ في شهر رمضان من غير عذرٍ فإنه يُذهبُ عنكم الحياءَ ويكسوكم بثوبِ الفقرَ والفاقة وليسَ هنالِكَ أذلُ من حاجتكَ لغيرِ الله، فقلنا له: إنك في هذا ترغبنا لصيام (شهر رمضان) قال أنا لا أرغبكم فذلك فرضٌ عليكم وأكدَ ذلك الفرض رسولُ الله بقوله (من أفطر يوماً من رمضانَ من غَيرِ عُذرٍ ولا مَرضٍ لم يقضهِ صيامُ الدهرِ وان صامَهُ) أتعرفون لماذا. قلنا له: ومَنْ يعَلمُ ما تَعلم فأنت القريبُ دائماً من الله لتواجدُكَ في المسجد واستماعك لحلقاتِ الدرسِ والدعاء، فقال: قال رسول الله بحديثٍ قدسي عن الله (كلُّ عمل ابن آدمَ لهُ إلا الصيامَ فإنهُ لي وأنا أجزي به) وإن اللهَ يا أولادي أمرَ ملائكتهُ ان تصلي على عبده الصائم إذا دعى المؤمنين لمشاركته إفطارَهُ فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الصائَم تصلي عليه الملائكةُ إذا أُكلِ عندهُ حتى يفرغوا).

لذلكَ كان أبي يحرصُ دائماً على أن يدعوا بعضَ المؤمنين الصائمينَ مَعهُ لإفطارهم في دارِنا. كُنا في رمضانَ كخليةِ نَحلٍ نسرعُ للاجتماع على مائدةِ الإفطارِ فكم هي جميلةٌ تلكَ الأيامُ. لم يزل عَبقُها للآن يملأُ حياتي سروراً حينما أتذكرها. فلابدَ من أن نعيدَ طقوسَها الروحانية تلك من خلالِ إحياء شعائرها الفطريةِ.

كان أبي يدعونا إلى أن نَرفعَ أيدينا متضرعينَ ونحن جالسين على مائدة الإفطار قائلاً: كُلٌ يدعوا الله بحاجتهِ فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنَ للصائمِ عندَ فِطره دعوةٌ لا تُرَد).

وكانَ يحذرنا من بطلانِ صومنا بالغيبةِ والنفاقِ وسوء السيرة قائلاً بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من لم يَدعْ قولَ الزورِ والعَملَ به فليسَ للهِ حاجةٌ في أن يَدعَ طعامَهُ وشرابَهُ).

نعم يا أبتي إن الله جلَ شأنهُ ليسَ بحاجةٍ لنا فعلينا أن نزكيَّ أنفسنا مما علَقَ بها من عللٍ نفسانيةٍ وشهوانيةٍ فقد قال إمام المتقين أميرُ المؤمنين عليٌ (عليه السلام): (صومُ النفسِ عن لذات الدُنيا أفضلُ الصيام) وقال الإمام جعفرُ الصادق (عليه السلام): (إن صُمتَ فليصُمْ سَمعُك وبَصرُكَ ولسانُكَ) فنحنُ في أمسِ الحاجة اليومَ من أن نكونَ لحمةً واحدةً كالبُنيانِ المرصوصِ لندرءَ الأخطارَ المحيقة بإسلامنا من كل جانبٍ فالله سبحانهُ وتعالى لم يَردْ من عَبدهِ سوى الامتثالِ لأوامرِ الحقِ التي تُنجينا من بؤسِ الحاضرِ وعذاباتِ الخوفِ من المستقبلِ المجهول.

مضى أبي وبقيت ذكرى رمضانَ الأمسِ عالقةً في ذاكرتي أتذكرهُ من خلالها كلما حَلَ رمضانٌ ضيفاً بيننا.