المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البداء عند الشيعة الامامية


سلطان البرزخ
31-08-2011, 02:37 AM
البداء في اللغة : الظهور بعد الخفاء .
والبداء في الاصطلاح : ظهور شيء بعدما كان خافيا على الناس .
والشيعة الامامية تعتقد بالبداء وأنه من المسلّمات وقد حثّت روايات أهل البيت (عليهم السلام) على الاعتقاد به وهي روايات كثيرة منها :
1 ـ قال الصادق (ع) : (ما عظّم الله بمثل البداء). (الكليني / الكافي ـ باب البداء) .
2 ـ قال الصادق (ع) : (لو علم الناس ما في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه). (المصدر السابق).
3 ـ قال الباقر أو الصادق (عليهما السلام) : (ما عبد الله بشيء مثل البداء). (المصدر السابق).
هذا اجمالاً، وأمّا تفصيلاً:
فقد تعرّض المخالفون الى مسألة البداء من دون مراجعة الى كتب الشيعة فاتهموا الشيعة بانهم يقولون بالبداء على الله تعالى وعليه يلزم من هذا القول الجهل على الله تعالى.
والواقع أن منكري البداء اختلقوا من عند أنفسهم للبداء معنى وجعلوا يردّدون به على الشيعة غافلين عن أن أتباع ائمة أهل البيت (عليهم السلام) براء من ذلك المعنى براءة يوسف (ع) من الذنب.
ولتوضيح الحقيقة ،نقول:
قلنا في بداية الجواب ان معنى البداء في اللغة هو : الظهور بعد الخفاء، والدليل عليه بعض الآيات المباركة من قبيل:
1 ـ قوله تعالى : (( وبدا لهم سيئات ما كسبوا )) (الزمر / 48) أي ظهر لهم ما كان خافيا عليهم سيئات ما كسبوا .
2 ـ قوله تعالى : (( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات )) (يوسف/ 35) .
وهذا المعنى من البداء يحصل كثيراً ما للانسان فقط . ولا يحصل في حق الله عز وجل لانه يلزم الجهل عليه، وقد اتفقت الشيعة الإماميّة على انّه سبحانه وتعالى لا يجهل شيئا بل هو عالم بالحوادث كلها غابرها وحاضرها ومستقبلها ، لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء فلا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ولا العلم بعد الجهل بل الاشياء دقيقها وجليلها حاضرة لديه.
ويدل على ذلك الكتاب الكريم ـ كقوله تعالى: (( إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) (آل عمران 5)، والسنة المروية عن طريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ـ كقول أمير المؤمنين (ع) : (كل سر عندك علانية وكل غيب عندك شهادة). (نهج البلاغة الخطبة 105)، مضافا الى البراهين العقلية المقررة في محلها.
وأما البداء في الاصطلاح، فيمكن نسبته الى الله تعالى ولا يلزم منه الجهل، فعندما يقال: بدا لله تعالى بمعنى أظهر ما كان خافيا على الناس لا خافيا عليه لأنّ الآيات والاحاديث دلّت على أنّ مصير العباد يتغيّر بحسب أفعالهم وصلاح أعمالهم من الصدقة والاحسان وصلة الارحام وبر الوالدين والاستغفار والتوبة وشكر النعمة وأداء حقّها الى غير ذلك من الامور التي تغيّر المصير وتبدل القضاء وتفرّج الهموم والغموم وتزيد في الارزاق والأمطار والاعمار والآجال، كما أن لمحرّم الاعمال وسيئها تأثيراً في تغيير مصيرهم بعكس ذلك.
ويدل على هذا التغيير من الآيات قوله تعالى: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم )) (الرعد: 11) . والآيات التالية: (الاعراف 96 ، ابراهيم 7 ، نوح 10 ـ 12 ، الصافات 143 ـ 146 ، يونس 98 ، الانبياء 76 ، 83 ، 88 ، الطلاق 2 ـ 3 ، الانفال 33 ، 53).
ومن الاحاديث الشريفة:
1 ـ قول الامام الكاظم (ع): (عليكم بالدعاء فان الدعاء لله والطلب الى الله يرد البلاء وقد قدّر وقضى ولم يبق إلاّ امضاؤه فإذا دعي الله وسئل صرف البلاء صرفه) (الكافي 2 / 470 / ح8 باب ان الدعاء يرد القضاء) .
2 ـ قال أمير المؤمنين (ع) في خطبه: (أعوذ بالله من الذنوب التي تعجّل الفناء ) فقام اليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال : يا أمير المؤمنين أو تكون ذنوب تعجّل الفناء ؟ فقال: (نعم ويلك قطيعة الرحم).
وقال أيضا: (إذا قطعوا الارحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار) (الكافي 2 / باب قطيعة الرحم ح7 و 8).
3 ـ قال الامام الصادق (ع): (إن الدعاء يرد القضاء وإن المؤمن ليذنب فيحرم بذنبه الرزق) (قرب الاسناد).
4 ـ قال أمير المؤمنين (ع): ( الاستغفار يزيد في الرزق ) (الخصال / باب الاستغفار ح4 ـ 17).
اذن تغيّر مصير العباد له أثر في مسألة البداء، ولتوضيح ذلك نقول:
المقدرات الالهية على قسمين:
1 ـ مقدّر محتوم لا يتغير وهو موجود في اللوح المحفوظ وعبّرت الآية المباركة عنه بأمّ الكتاب (( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب )) (الرعد 39)، وهذا القسم لا بداء فيه ولا تغيّر.
2 ـ مقدّر معلّق قابل للتغيير غير محتوم موجود في لوح المحو والاثبات وأشارت الآية السابقة إليه (( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ))، فراجعوا التفاسير التالية من الفريقين في تفسير هذه الآية المباركة الدالة على وجود هذا القسم من المقدّرات التي يتصوّر فيه البداء. (تفسير الرازي 10 / 64، تفسير ابن كثير 2 / 520، تفسير المراغي 5 / 155، روح المعاني 13 / 111، الدر المنثور 4 / 660، فتح البيان 5 / 171، الكشاف 2 / 169، الجامع لاحكام القران 5 / 329، تفسير جامع البيان 3 / 112، مجمع البيان 6 / 398).
اذن المراد من البداء هو تغيير المقدّر بالأعمال الصالحة أو الطالحة.
ولا يخفى هنا ان الله سبحانه يعلم كلا التقديرين .
والخلاصة: البداء اذا نسب الى الله سبحانه فهو بداء منه ، وإذا نسب الى الناس فهو بداء لهم ، فالبداء من الله هو اظهار ما خفي على الناس ، والبداء من الناس بمعنى ظهور ما خفي لهم ، وهذا هو الحق القراح لا يرتاب فيه أحد