المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات بين يدي الإمام الحسن العسكري ( ع ) ....حلقات


ابو فاطمة العذاري
07-02-2011, 10:31 PM
في رحاب سيرة الإمام العسكري نفق عند القدوة الحسنة الروحية والفكرية التي تستغرق كل نواحي الحياة على صعيد الفرد والمجتمع .
هو أبو محمد الحسن العسكري .
ولد الإمام العسكري عليه السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الأخر سنة232هـ في مدينة جده رسول الله صلى الله عليه و اله ، وهو القول المشهور في ولادته عليه السلام .
حوى كل صفات الفضل وألقابها وأشهر ألقاب الإمام أبي محمد عليه السلام هو العسكري ، و قد أطلق عليه وعلي أبيه عليه السلام ، لانهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو سامراء
وقيل : هو اسم محلة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : ان المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن علي عليه السلام بسر من رأي كانت تسمي عسكر ، فلذلك قيل لكل واحد منهما العسكري .
وكان هو وأبوه وجده عليه السلام يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا .
وهناك ألقاب أخرى تطلق علي الإمام العسكري عليه تدل على كمال من كمالاته او مظهر من مظاهر شخصيته التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية ومنها :
الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها .
كنيته : اشتهر الإمام العسكري عليه السلام بكنية واحدة هي أبو محمد سلام الله عليهما .
وصفه احد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو احمد بن عبيد الله بن خاقان بقوله : « انه اسمر اعين ـ اي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة » .
وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض » .
وجاء في صفة لباسه : « انه كان يلبس ثيابا بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحا اسود خشنا علي جلده ، ويقول : هذا لله ، وهذا لكم » .
كان نقش خاتمه : سبحان من له مقاليد السماوات والارض ,وقيل : أنا لله شهيد , وقيل : ان الله شهيد .
وقال الطبري الأمامي : « كان له خاتم فصه : الله وليي » .
المشهور ان بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه. وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر أشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير .
وشاعره قيل هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي .
عمره يوم وافاه الأجل (28) عاما ، فقد ولد في سنة 232هـ واستشهد سنة 260هـ وعاش 22عاما في ظل أبيه الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام الذي استشهد سنة254هـ ، ووصفه بقوله : « ابو محمد ابني انصح ال محمد غريزة ، و اوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، واليه تنتهي عري الإمامة وإحكامها »
ومدة إمامته ست سنوات (254 ـ 260هـ) عاصر فيها من سلاطين بني العباس المعتز (251 ـ255 هـ) والمهتدي (255 ـ 256هـ) والمعتمد (256 ـ 279هـ) .
زوجته وهي نرجس عليها السلام ، وكان الإمام أبو الحسن الهادي عليه السلام قد أعطاها الى أخته حكيمة بنت محمد الجواد عليه السلام وقال لها : « يا بنت رسول الله ، أخرجيها الي منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد وام القائم » .
ونقل في التاريخ انه بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام هجم جند السلطان لتفتيش دار الإمام عليه السلام طلبا للولد ، ولما لم يعثروا علي شيء فقبضوا علي نرجس ، وحملوها الي داره ، فطالبوها بالولد فأنكرته .
ذكر المؤرخون ان له ثلاثة أخوة ، وهم : محمد سبع الدجيل ، والحسين ، وجعفر المعروف بالكذاب وله اخت واحدة مختلف في اسمها فقيل : علية ، اوعالية.
والمشهور هو أخوه السيد محمد ابو جعفر بن الإمام ابي الحسن الهادي ، المتوفي نحو سنة252هـ .
وقال عنه السيد محسن الامين : جليل القدر ، عظيم الشان ، وكان ابوه خلفه بالمدينة طفلا لما اتي به الي العراق ، ثم قدم عليه في سامراء ، ثم اراد الرجوع الي الحجاز ، فلما بلغ القرية التي يقال لها (بلد) علي تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفي ودفن قريبا منها ، ومشهده هناك معروف مزور ، ولما توفي شق اخوه ابو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامه علي ذلك : « قد شق موسي علي اخيه هارون » .
وامام امه اسمها سوسن ، وقيل اسمها حُديث ، وسُليل ، وسمانة .
ذكر الشيخ عباس القمي في ( الأنوار البهية 251 ) :
( امه (عليه السلام) تسمى حديث او سليل، ويقال لها الجدة، وكانت من العارفات الصالحات، وكفى في فضلها انها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة ابي محمد (عليه السلام)،)
كانت وفي فترة مهمة تعتبر أحد الوسائط بين الإمام الحجّة القائم ( عليه السلام ) وبين شيعته و من علو شانها في هذا المجال مارواه الشيخ الصدوق في كتاب (كمال الدين: ج 2 ص 507 ) :
عن أحمد بن إبراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام في سنة اثنتين ومئتين، فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم .
ثم قالت: والحجة بن الحسن (عليه السلام) فسمت
إلى أن قال: فقلت لها: أين الولد ؟ يعني الحجة عليه السلام
قالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة ؟
فقالت : إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام،
فقلت لها اقتدي بمن وصيته إلى امرأة ؟
قالت: اقتداء بالحسين بن علي، والحسين بن علي عليه السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي عليهما السلام، في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين عليه السلام من علم ينسب إلى زينب ستراً على علي بن الحسين عليه السلام.
من هنا نعلم انها كانت المفزع للشيعة بعد وفاة ابنها العسكري ( عليه السلام ) ويذكر إنّ الإمام العسكري ( عليه السلام ) قد أوصى إليها وثبتت وصيّته لها عند القاضي فقسّم ميراثه بين أُمّه وأخيه جعفر .
وقد أثنى عليها الإمام الهادي عليه السلام وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها وكرامتها فقد نقل في ( إثبات الوصية ) روي عن العالم (عليه السلام) :
(( أنه لما دخلت سليل أم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على الهادي (عليه السلام) قال: سليل سلت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجس ونجاسة، ثم قال: لا تلبثين حتى يعطيك الله عز وجل حجته على خلقه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً )) ( الروايتان ذكرتا في كتاب امهات المعصومين للشيرازي )
أنها تشرفت باللقاء بالإمام الهادي (ع) وبطبيعة الحال تكون عاشت بين يديه فترة باعتبارها زوجة له وهذا مما اكسبها مزيدا من التكامل والرقي العلمي والروحي .
لعل السبب وراء اشتهارها باسم ( سليل ) وهو تعبير عن نقائها وصفائها من هذه الأمور كلها على حد تعبير المعصوم (ع) فهي صافية من الآفات ومن المعاصي والرذائل وكل ما من شانه ان يكون الآفات، والأرجاس والأنجاس واياضا من كل آفة وعاهة فقد قال الإمام ((سليل سلت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجس ونجاسة )) وهي سليل من كل ذلك ماديا ومعنويا .
ان الإمام الهادي ( ع ) بشرها بالمهدي (ع) وانه يكون حفيدا لها وهي تستحق ذلك فضلا من الله تعالى فقد قال الإمام (( لا تلبثين حتى يعطيك الله عز وجل حجته على خلقه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً))
واما حالها بعد العسكري (ع) فقد ورد في التاريخ انه قد بعثها الأمام العسكري عليه السلام الى الحج سنة259هـ ، واخبرها عما يناله من رحيل عن الحياة بالشهادة فأظهرت الحزن وبكت على ولدها المعصوم لفراقه فقال عليه السلام : « لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي »
وفعلا في سنة 260هـ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج الي خارجها تتجسس الأخبار وقد أخذها القلق على ولدها العسكري لعلمها بتاريخ شهادته .
ويذكر أنها حينما وصل إليها خبر شهادة الأمام العسكري عليه السلام عادت الى سامراء حتى بقت الى حين وفاتها.
ولم تحدّد لنا المصادر تاريخ وفاتها ( عليها السلام ) ، إلاّ أنّها ماتت بعد شهادة ابنها الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، ودفنت بجانبه في سامراء .
ولكن السيد الصدر قال في الغيبة الصغرى :

(( واما وفاة الجدة ، فهو متأخر عن مطالبته بالارث، كما تدل عليه الرواية نفسها ولكنه على أي حال غير محدد الموعد فلعله كان في نفس السنة ولعله كان في العام الذي يليه. وعلى أي حال فقد حصلت وفاتها في غضون ممارسة جعفر لنشاطه واصراره على دعواه، قبل ان ييأس من تنفيذ مخططه ويرفع يده عنه ويتوب ))
ويذكر المؤرخون انه :
(( توفيت في سامراء وكانت قد أوصت ان تدفن في الدار الى جنب ولدها الأمام العسكري عليه السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لاتدفن فيها ))
قال السيد الصدر في الغيبة الصغرى :
(( وفي حادثة أخرى بعد ذلك، نجد المهدي يقف من عمه مثل هذا الموقف الحاسم. وذلك: أن الجدة أم الإمام العسكري وفيت، وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار... إلى جنب زوجها وولدها الإمامين العسكريين. ونازع جعفر، محتجاً بمزاعمه القديمة وقال: هي داري لا تدفن فيها.
وهنا... تكتسب القضية شأناً أكبر من الميراث... إنه ضرورة احترام هذه الجدة المقدسة، وتنفيذ وصيتها، طبقاً لتعاليم القرآن الكريم. والدار وإن كانت لجعفر، بحسب قانون السلطات الحاكمة، ولكنها في، الواقع، ملك للوريث الشرعي الحقيقي، وهو الولد، وليس للأخ أي حصة من المال مع وجود الولد، في قانون الإسلام. ومن لا يملك ليس له حق في أن يأذن وأن يتصرف.
ومن هنا بادر الإمام المهدي ، إلى مجابهة عمه بالقول - بنحو الاستفهام الاستنكاري-: يا جعفر، دارك هي؟. ثم لم يستطع جعفر ان يراه بعد ذلك.
وسنبقى جاهلين - باعتبار غموض النقل التاريخي - بما إذا كان لهذا القول أثره في نفس جعفر وضميره، فسمح بدفن الجدة في الدار... أو لم يسمح... وكان سبيل هذا القول هو سبيل القول الأول، وهو التسامح به والعصيان له.
وعلى أي حال، يكون المهدي قد أدى ما يشعر به من المسؤولية تجاه أعمال جعفر، من ضرورة إفحامه في دعاواه الباطلة والتوصل - جهد الإمكان - إلى التخفيف من نتائجها السيئة ))
ويبدو أن أهم ما يستوقف الباحث في حياة الإمام العسكري عليه السلام هو كونه أخر إمام ويبدأ بعده عصر الغيبة لذلك وقع على الإمام العسكري عليه السلام العبء الأكبر في ترسيخ الغيبة في نفوس وقد استطاع إمامنا العسكري عليه السلام أن ينجز هذه المهمة الخطيرة بكل جدارة وقوة .
وأن يحافظ علي حياة المهدي عليه السلام من وقت عصيب حتى استطاع أن يهيء ذهنية شيعته لتقبل الغيبة بالاحتجاب عن الناس واتخاذ الوكلاء الذين يختارهم من خاصته ، والاتصال بأصحابه عن طريق المكاتبات والتواقيع .

أبو فاطمة العذاري

ابو فاطمة العذاري
09-02-2011, 12:16 AM
الإمام قضى طيلة حياته تقريبا في مواجهة مع طواغيت بني العباس فقد ولد الإمام العسكري عليه السلام في الثامن من الربيع الأخر سنة232هـ وذلك في أواخر ملك الواثق بن المعتصم (227ـ132هـ) وبويع بعده لأخيه بالمتوكل لست بقين من ذي الحجة سنة232هـ ، وكان عمر الإمام العسكري عليه السلام نحو ثمانية أشهر ونصف وتولي بعده ابنه المنتصر السلطة لستة اشهر ومات سنة248هـ ، فتولي بعده المستعين سنة248هـ ، وخلع نفسه بعد فتنة طويلة وحروب كثيرةسنة251هـ ، وتولي بعده المعتز وفي حكمه استشهد الإمام علي الهادي عليه السلام بعد مضي سنتين ونصف من حكم المعتز في الثالث من رجب سنة 254هـ ، ثم تولى الإمام العسكري الإمامة الإلهية.
ثم جاء الي السلطة المهتدي بعد خلع المعتز وقتله سنة 255هـ ، وحكم نحو سنة واحدة ، ثم قتله الأتراك سنة256هـ ، وتولي المعتمد حتى قتل سنة 279هـ ، وهكذا استغرقت حياة العسكري عليه السلام الأيام الأخيرة من حكم الواثق ، ثم تمام حكم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي وبقى اربع سنين من حكم المعتمد ، حيث استشهد إمامنا عليه السلام في الثامن من ربيع الاول سنة260هـ .
كان هذا العصر بداية لضعف الدولة العباسية وزوال هيبتها لأسباب كثيرة منها استيلاء الأتراك سلطويا وانفلات أطراف الدولة واستيلاء الولاة عليها وانصراف الخلفاء الى اللهو والمجون وقد وصف بعض الشعراء حالة الخلافة العباسية في زمن المستعين مع امراء الجند الاتراك ومنهم وصيف وبغا بقوله :
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
يقول ما قال له كما تقول الببغـا
فضلا عن استعمالهم بيت المال لخدمة مصالحهم الخاصه وحرمان الأغلبية فقد كان رجال الدولة ينفقون الأموال الكثيرة لاتفه الأمور منها مثلا بناء القصور والجواري والمغنين والمجون و يسرفون في البذخ على الشعراء فتفشى التفاوت الطبقي بين أبناء الأمة وخصوصا الغالبية مسحوقة مما ولد حالات الشغب والاضطراب وكثرة الثورات الداخلية وعلي رأسها ثورة الزنج والخوارج .
في المقابل كانت السلطة تشعر بالخوف من الإمام وتأثيره في الأمة الإسلامية حتى وصل الأمر الى درجة خانقة فتعاملوا مع الإمام بحصار ورقابة ضده وضد أصحابه وشيعته .
ونحن نعلم ان الإمام العسكري عليه السلام رافق أباه في رحلته من المدينة المنورة الي سامراء وكان صبيا حينما استدعي الإمام الهادي عليه السلام من قبل المتوكل الى العاصمة ليكون مراقبا ومعزولا عن عموم الأمة وعن شيعته خصوصا حتى استشهد الهادي في سنة (254هـ) .
كان من اشد الخلفاء بغضا لأهل البيت ( ع ) وقال ابن الاثير : « كان المتوكل شديد البغض لعلي بن ابي طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه انه يتولي عليا وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد علي بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون ، قد اقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين ، يحكي بذلك عليا عليه السلام والمتوكل يشرب ويضحك.))
و كان ينادمه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي وعمرو بن الفرج الرخجي ، وابو السمط من ولد مروان بن ابي حفصة .
كان المتوكل حريصا على وضع الإمام الهادي عليه السلام تحت الرقابة وعزله عن الناس لهذا كتب بأشخاصه مع اهل بيته من مدينة جده صلى الله عليه و اله الى سامراء.
ذكر الشيخ المفيد انه لما ابا الحسن عليه السلام سعاية عبد الله بن محمد به ، كتب الي المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه ويكذبه في ماوشي به اليه ، فتقدم المتوكل بإجابة الإمام عليه السلام بكتاب دعاه فيه الي حضور العسكر علي جميل الفعل والقول .
وكان جواب المتوكل الذي استدعي بموجبه الامام عليه السلام الي سامراء هادئا لينا ، تظاهر فيه بتعظيم الامام عليه السلام واكرامه ، و وعده فيه باللطف والبر ، وذكر فيه براءته مما نسب اليه واتهم به من التحرك ضد الدولة ، وانه امر بعزل الوالي الذي سعي به ـ وهو عبد الله بن محمد ـ عن منصبه و ولي محله محمد بن الفضل ، وادعي في أخر الكتاب انه مشتاق الي الإمام عليه السلام ، ثم أفضى الي بيت القصيد وهو ان يشخص الإمام عليه السلام الي سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه ، وان يرافقه يحيي بن هرثمة الذي أرسله لأداء هذه المهمة علي رأس الجند.
ان المتوكل لم يكن صادقا فيما وعد ، فحينما دخل يحيي بن هرثمة المدينة فتش دار الإمام عليه السلام حتى ضج أهل المدينة ، ولما وصل ركب الامام عليه السلام الي سامراء احتجب عنه المتوكل في اليوم الأول ، ونزل عليه السلام الإمام في خان الصعاليك ، وأمر بتفتيش داره في سامراء مرات عديدة ، ولم يمض مزيد من الوقت حتى عزل محمد بن الفضل وولي مكانه محمد بن الفرج الرخجي المعروف بعدائه السافر لأل البيت عليهم السلام .
ورافق العسكري أباه الهادي عليهما السلام في رحلته من المدينة الي سامراء مع أهل بيته وبعض مواليه سنة 234هـ و عمر الإمام العسكري عليه السلام حينما غادر المدينة نحو سنتين .
فرض العباسيون على الإمام العسكري عليه السلام الإقامة الجبرية لتقليص حركته بل أوجبوا عليه ان يركب الى دار الخلافة أسبوعيا في كل اثنين وخميس .
فقد جاء في الرواية: « حد ثني ابي ، انه كان يغشي ابا محمد عليه السلام بسر من راي كثيرا ، و انه اتاه يوما فوجده وقد قدمت اليه دابته ليركب الي دار السلطان ، وهو متغير اللون من الغضب ، وكان يجيئه رجل من العامة ، فاذا ركب دعا له وجاء باشياء يشنع بها عليه ، فكان عليه السلام يكره ذلك... »
وبلغت درجة الحيطة لديه عليه السلام انه أوصى بعض أصحابه ان لا يسلم عليه او يدنو منه فقد خرج التوقيع منه عليه السلام إليهم : « الا لا يسلمن علي احد ، و لا يشير الي بيده ، ولا يومئ ، فأنكم لا تامنون علي أنفسكم ».
و نادى عليه السلام يوما حمزة بن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن علي ، وقد اراد الاقتراب منه حينما خرج مع السلطان وأحس منه خلوة : « لا تدن مني ، فان علي عيونا ، وانت ايضا خائف ».
و من بين تلك الإجراءات الاحترازية ما روي انه كان يضع بعض كتبه في خشبة مدورة طويلة ملء الكف كأنها (رجل باب) ليرسلها الي العمري .
وكان الوكلاء يحتاطون كثيرا في الوصول الى الإمام عليه السلام فمثلا تجد أوثق وكلائه عثمان بن سعيد العمري السمان يتاجر بالسمن حتى كان الشيعة إذا حملوا الى الإمام عليه السلام شيئا أنفذوها إليه فيجعلها في جراب السمن وزقاقه .
وتستمر الضغوط العباسية حتى تعرض العسكري عليه السلام خلال خلافة المعتز والمهتدي والمعتمد إلى السجن أكثر من مرة ، ومن أساليبهم أنهم كانوا يوكلون به أشخاصا من ذوي الغلظة والعداء لأهل البيت عليه السلام من أمثال : علي بن اوتامش ، واقتامش ، ونحرير ، وعلي بن جرين حتى ان العباسيون يدخلون علي بعض مسئولي السجن ومنهم صالح بن وصيف فيوصونه بان يضيق عليه حتى في الاعتقال كانت الرقابة بدس الجواسيس بين أصحابه في السجن .
يذكر أبو يعقوب إسحاق بن أبان حراسة السجن الذي يودع فيه الإمام عليه السلام بقوله : « ان الموكلين به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه السلام بالليل والنهار ، وكان يعزل الموكلون ويولي آخرون بعد ان تجدد عليهم الوصية بحفظه والتوفر علي ملازمة بابه » .
وكان موقف الإمام عليه السلام من السجن والسجانين يتمثل في إقامة الحجة عليهم من خلال أقواله وأفعاله وعبادته وصلاحه وقد استطاع هداية بعضهم و يفرض هيبته علي غالبيتهم حتى ان بعضهم يزداد خوفا بمجرد ان ينظر اليه فقد قال بعض الأتراك الموكلون به حينما كان في سجن صالح بن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لانملكه من انفسنا » .
وحينما كان في سجن علي بن اوتامش الذي كان شديد العداوة لأهل البيت عليه السلام لكنه تأثر بالإمام عليه السلام و أخلاقه ، فوضع خده علي الارض تواضعا له ، وكان لا يرفع بصره اليه اجلالا ، وخرج من عنده وهو أحسن فيه قولا .
وحينما أوصى العباسيون صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام عنده بان يضيق عليه ، قال لهم صالح وهو يلعن اعتذاره وعجزه عن هذا الامر : « ما اصنع به وقد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه ، فقد صاروا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ».

أبو فاطمة العذاري

علي الكاظمي
09-02-2011, 01:18 AM
سلمت الايادي النورانيه
طرح رائع

بحب الله نحيا
09-02-2011, 02:57 AM
اللهم صلـِ على محمد وعلى آلـ محمد الطيبين الطاهرين وعجلـ فرجهم
وأحشرنامعهم ياربّ العالمين

السلام على الإمام الحسن العسكري المظلوم ورحمة الله وبركاته
رزقنا الله زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة

جزاك الله خيراً أخي الفاضل للطرح القيّـم
مثـاب إن شاء الله
بوركت ^^

ابو فاطمة العذاري
10-02-2011, 08:01 PM
ذكر المسعودي:
« ان يحيي بن هرثمة قدم المدينة ، فأوصل الكتاب الي بريحة ، وركبا جميعا الي أبي الحسن عليه السلام فأوصلا اليه كتاب المتوكل ، فاستاجلهما ثلاثا ، فلما كان بعد ثلاث عاد يحيي الى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، وخرج صلوات الله عليه متوجها نحو العراق ، واتبعه بريحة مشيعا ، فلما صار في بعض الطريق ، قال له بريحة : قد علمت وقوفك علي اني كنت السبب في حملك ، وعلي حلف بايمان مغلظة لئن شكوتني الي امير المؤمنين او الي احد من خاصته وابنائه ، لاجمرن نخلك ، ولاقتلن مواليك ولاعورن عيون ضيعتك ، ولافعلن واصنعن.
فالتفت اليه ابو الحسن عليه السلام فقال له : ان اقرب عرضي اياك علي الله البارحة ، وما كنت لاعرضنك عليه ثم لاشكونك الي غيره من خلقه. فانكب عليه بريحة وضرع اليه واستعفاه. فقال له : قد عفوت عنك »
ونقل سبط ابن الجوزي: « ان المتوكل دعا يحيي بن هرثمة وقال : اذهب الي المدينة ، وانظر حاله واشخصه الينا ، قال يحيي : فذهبت الي المدينة ، فلما دخلتهاضج اهلها ضجيجا عظيما ماسمع الناس بمثله خوفا علي علي ، وقامت الدنيا علي ساق ، لانه كان محسنا اليهم ملازما للمسجد ، ولم يكن عنده ميل الي الدنيا.
قال يحيي : فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه ، وانه لاباس عليه ، ثم فتشت منزله ، فلم اجد فيه الا مصاحف وادعية وكتب العلم ، فعظم في عيني ، وتوليت خدمته بنفسي ، واحسنت عشرته ، فلما قدمت به بغداد بدات باسحاق بن ابراهيم الطاهري ، وكان والياعلي بغداد فقال لي : يا يحيي ، ان هذا الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تعلم ، فان حرضته عليه قتله ، وكان رسول الله صلى الله عليه و اله خصمك يوم القيامة ، فقلت له : والله ما وقعت منه الا علي كل امر جميل ، ثم صرت به الي سر من راي ، فبدات بوصيف التركي فاخبرته بوصوله ، فقال : والله لئن سقط منه شعره لايطالب بها سواك ، قال : فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق » .
هذا يدل على المكانة للإمام الهادي عليه السلام في نفوس الناس ومحبتهم على اختلاف انتماءاتهم وتأثرهم بشخصيته العظيمة وكان شعورهم خوفا علي حياة الإمام عليه السلام من ظلم المتوكل .
وكذلك كان اهل بغداد الامام الهادي عليه السلام في اجتماعهم لرؤيته ، مما اضطرهم الى دخولها ومغادرتها في الليل ، فقد قال اليعقوبي « انه لما كان في موضع يقال له الياسرية نزل هناك ، وركب اسحاق بن ابراهيم الطاهري لتلقيه ، فراي تشوق الناس اليه واجتماعهم لرؤيته ، فاقام الي الليل ، ودخل به في الليل ، فاقام ببغداد بعض تلك الليلة ثم نفذ الي سر من راي » .
وحينما وصل ركب الإمام الهادي عليه السلام الي سامراء تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه ، وانزل في خان الصعاليك فأقام فيه يومه ، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له ، فانتقل إليها ، فأقام ابو الحسن مدة مقامه بسر من راي والظاهر ان المتوكل أمر أولا بحجز الإمام عليه السلام وفرض الإقامة الجبرية عليه في مكان غير لائق ، ثم انه لما سمع الإطراء من قادة الجند الموكلين به ، صار مضطرا الى إكرامه .
نقل سبط ابن الجوزي عن يحيي بن هرثمة انه قال : « لما دخلت علي المتوكل سالني عنه فاخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته و ورعه وزهادته ، واني فتشت داره فلم اجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وان اهل المدينة خافوا عليه ، فاكرمه المتوكل واحسن جائزته و اجزل بره ، وانزله معه سر من راي » .
عمدت أجهزة السلطة الى التفتيش المفاجئ لدار الإمام الهادي عليه السلام في سامراء فعن ابراهيم بن محمد الطاهري قال : « سعي البطحاني بابي الحسن عليه السلام الي المتوكل ، وقال : عنده سلاح واموال ، فتقدم المتوكل الي سعيد الحاجب ان يحجم ليلا عليه ، وياخذ ما يجده عنده من الاموال والسلاح ويحمله اليه. قال ابراهيم : فقال لي سعيد الحاجب : صرت الي دار ابي الحسن بالليل ، ومعي سلم ، فصعدت منه الي السطح ، ونزلت من الدرجة الي بعضها في الظلمة ، فلم ادر كيف اصل الي الدار ، فناد اني ابوالحسن من الدار : يا سعيد ، مكانك حتي ياتوك بشمعة ، فلم البث ان اتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبه صوف وقلنسوة منها ، وسجادته علي حصير بين يديه ، وهو مقبل علي القبلة. فقال لي : دونك البيوت ، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئا... » .
هدم قبر الامام الحسين عليه السلام ومنع زيارته :
باشر المتوكل بعمل وقح في سنة 236هـ بهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام ، وقد بعث شخصا من أصحابه يقال له الديزج ، وكان يهوديا فاسلم وامره بكرب القبر ومحوه واخراب كل ما حوله ، فمضي لذلك وخرب ما حوله ، وهدم البناء ، وكرب ما حوله نحو مائتي جريب ثم امر ان يبذر ويزرع وجعل الرصد على قبره فلا يزوره زائر الا أخذوه ووجهوا به إليه ، فقتل عدد كبير من زواره و باشروهم بالعقوبة ، ونودي بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة ايام حبسناه في المطبق .
وأمروا بإغراق المنطقة بالماء لدثر القبر الشريف فقد نقل التاريخ : « انه لما صار الماء فوق مكان القبر وقف وافترق فرقتين ، يمينا وشمالا ، ودار حتى التقي تحت المكان ، وبقي الوسط خاليا من الماء ، والماء مستدير حوله ، فسمي من ذلك اليوم بالحائر » .
رفض أبناء الأمة ما فعلوا مع قبر الحسين ( ع ) وكتب اهل بغداد شتم المتوكل علي الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، ومنهم دعبل بن علي الخزاعي والبسامي الذي يقول :
تالله ان كان امية قـد اتت
قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد اتـي بنو ابيه بمثلـه
هذا لعمري قبرة مـهدوما
اسفوا علي ان لايكونوا شاركوا
في قتله فتتبعوه رميمـا
ولم يكتف المتوكل بالاعتداء على القبر بل اعتدى على حرمة اخرى لذكرى شهادة الحسين ( ع ) فجعل المتوكل العاشر من المحرم الحرام سنة 256هـ يوما لافتتاح مدينته التي بناها بالماحوزة ، ونزوله في قصر الخلافة فيها الذي سماه اللؤلؤة ، وكان يوما يعج بالملاهي والمطربين وقيل : انه وهب فيه أكثر من ألفي ألف درهم .
وروي المورخون انه في سنة244هـ قتل المتوكل يعقوب بن السكيت العالم الخبير في اللغة العربية ، فقد جاء به لتعليم اولاده ، فنظر المتوكل يوما الي ولديه المعتز والمؤيد ، فقال لابن السكيت : من أحب إليك : هما او الحسن والحسين ؟ فقال : قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات وقيل : أمر بسل لسانه من قفاه فمات ، وأرسل الى ابنه بديته !!!
بقي المتوكل في حذر من الإمام عليه السلام ففرض عليه ملازمة داره ومنعه من الركوب الي اي مكان ومن ثم امر باعتقاله ، فبقي رهن الاعتقال عند علي بن كركر وقبل مقتل المتوكل بايام امره ان يترجل ويمشي بين يديه يوم الفطر ، وكان يوما قائظا شديد الحر ، فمشي عليه السلام مع بني هاشم حتى تفصد عرقا ، وكان عليه السلام لا يستطيع السير الا متكئ لمرض الم به مما جعله يتوجه الى الله سبحانه بدعاء ضد الظالم .
روي المسعودي:
« انه لما كان يوم الفطر في السنة التي قتل فيها المتوكل ، امر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه ، وانما اراد بذلك ان يترجل له ابو الحسن عليه السلام ، فترجل بنو هاشم وترجل فاتكا علي رجل من مواليه ، فاقبل عليه الهاشميون ، فقالوا له : يا سيدنا ، ما في هذا العالم احد يستجاب دعاؤه فيكفينا الله! فقال لهم ابو الحسن عليه السلام : في هذا العالم من قلامة ظفره اكرم على الله من ناقة ثمود ، لما عقرت وضج الفصيل الي الله ، فقال الله : ((تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)) ، فقتل المتوكل في اليوم الثالث. وروي انه عليه السلام قال وقد اجهده المشي : اما انه قد قطع رحمي ، قطع الله اجله فقد قتل المتوكل في الرابع من شوال سنة247هـ.
في رواية السيد ابن طاووس الدعاء الطويل الذي سماه الإمام عليه السلام ( دعاء المظلوم على الظالم ) قال عليه السلام : « لما بلغ مني الجهد رجعت الي كنوز نتوارثها من ابائنا ، وهي اعز من الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم علي الظالم ، فدعوت به عليه فأهلكه الله ».
لم يبقى المتوكل بعد هذا الدعاء سوى ثلاثة أيام حتى أهلكه الله تعالى علي يد ابنه المنتصر وخمسة من القادة الترك فقد اتفق الأتراك مع المنتصر علي قتل ابيه ، فدخل عليه خمسة في جوف الليل وهو سكران ثمل في مجلس لهوه ، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان .
وعن ابن الاثير : « ان عبادة المخنث الذي كان يرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون : قد اقبل الأصلع البطين...يحكي بذلك عليا عليه السلام ، قد فعل ذلك يوما والمنتصر حاضر ، فاوما الى عبادة يتهدده فسكت خوفا منه. فقال المتوكل : ما حالك ؟ فقام واخبره. فقال المنتصر : يا امير المؤمنين ، ان الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ، فكل أنت لحمه اذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه لكن المتوكل تمادي في طغيانه ـ فقال للمغنين : غنوا جميعا :
غار الفتى لابن عمه
رأس الفتي في حر أمه
قال ابن الأثير : فكان هذا من الاسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل » .
في رواية ابن الاثير : « ان المتوكل شرب في الليلة التي قتل فيها اربعة عشر رطلاً ، وهو مستمر في لهوه وسروره الى الليل بين الندماء والمغنين والجواري » .
وتوالى الطواغيت حتى جاء المعتز وتعرض الطالبيون في زمانه الى القتل والحبس والمطاردة وفي يوم الاثنين الثالث من رجب سنة254هـ توفي الامام الهادي عليه السلام شهيدا مسموما وصلى عليه ابنه الامام ابو محمد الحسن العسكري عليه السلام .
كان المعتز قد وضع العسكري عليه السلام تحت الرقابة ثم الاعتقال بل حاول قتل الامام عليه السلام علي يد سعيد بن صالح الحاجب الذي قتل المستعين بعد ان حمله الى سامراء فوصلت أنباء تلك المحاولة الى الشيعة ، فكتب بعضهم الى الامام عليه السلام يتساءل عن ذلك ، فطمأنه بمصير الذي ينتظر المعتز قبل ان ينفذ عزمه.
عن محمد بن بلبل قال : « تقدم المعتز الي سعيد الحاجب ان اخرج ابامحمد الي الكوفة ، ثم اضرب عنقه في الطريق ، فجاء توقيعه عليه السلام الينا : الذي سمعتموه تكفونه ، فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل »
قال المؤرخون : كان خلع المعتز في رجب سنة 255هـ حيث ان الجند وعلي راسهم القادة الترك اجتمعوا فطلبوا منه ارزاقهم ، فلم يكن عنده ما يعطيهم ، فسال من امه ان تقرضه مالا يدفعهم عنه به ، فلم تعطه وأظهرت انه لاشيء عندها ، فاجتمع الأتراك علي خلعه وقتله ، فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه ، وجروا برجله وأخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم ، فأوقفوه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر ، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب : اخلعها والناس مجتمعون. ثم ادخلوه حجرة مضيقا عليه فيها ، ومازالوا عليه بانواع العذاب حتي خلع نفسه من الخلافة وولي بعده المهتدي بالله ، ثم سلموه الي من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلاث ، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة ايام حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم ادخلوه سربا وجصصوا عليه ، فاصبح ميتا ، واشهدوا عليه جماعة من الاعيان انه مات وليس به اثر .
ثم بويع بالخلافة للمهتدي في سنة255هـ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته انه كان من أحسن خلفاء بني العباس وانه اطرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلل في ماكوله وملبوسه حتى قال بعض المؤرخين بان المهتدي كان يتشبه بعمر بن عبد العزيز .
ولكن المهتدي مارس نفس سيرة إسلافه في التعامل مع الإمام عليه السلام وشيعته فقد تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبرا او او السجن او الترشيد في اقل من سنة واحدة ، علي ما نقله ابو الفرج وحده.
وحاول (المهتدي) العباسي التضييق على العسكري عليه السلام بشتي الوسائل ، وكان عازما علي قتل الامام .
عن ابي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوسا مع ابي محمد في حبس المهتدي ، فقال لي : يا ابا هاشم ، ان هذا الطاغية اراد ان يعبث بامر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولدا بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك علي المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحح العزم علي قتل ابي محمد عليه السلام ، فشغله الله بنفسه حتي قتل ومضي الي اليم العذاب » .
حتى نكل به الأتراك لتنكره لهم فاستحلوا دمه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتي مات في رجب سنة256هـ .
ثم بويع المعتمد سنة256هـ وفي زمانه اعتقل العسكري عليه السلام عدة مرات ، فقد روي انه سلم الي نحرير ، و كان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك!وعرفته صلاحه ، وقالت : اني اخاف عليك منه. فقال : لارمينه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئي عليه السلام قائما يصلي والسباع حوله .
وحبس عند علي بن جرين سنة260هـ ، وروي « انه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت ام ابي محمد عليه السلام تخرج في الاحايين الي خارج المدينة وتجس الاخبار ، حتي ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، و حبس اخاه جعفرا معه ، وكان المعتمد يسال عليا عن اخباره في كل مكان ووقت ، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل ، فساله يوما من الايام عن خبره فاخبره بمثل ذلك ، فقال له : امض الساعة اليه واقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف الي منزلك... » الي اخر الرواية وفيها انه عليه السلام ابي ان يخرج من السجن حتي اخرجوا اخاه معه رغم ان جعفراً كان يسيء اليه ويتربص به كما قيل !!!
وفي تلك الفترة حصلت تلك الرواية المذهلة :
وروي ابن حجر الهيتمي وغيره انه عليه السلام اخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لما حبس عليه السلام قحط الناس بسر من راي قحطا شديدا ، فامر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة ايام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم
راهب كلما مد يده الي السماء هطلت ، ثم في اليوم الثاني كذلك ، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم ، فشق ذلك علي المعتمد ، فامر باحضار الحسن الخاص عليه السلام وقال له : ادرك امة جدك رسول الله صلى الله عليه و اله قبل ان يهلكوا. فقال الحسن : يخرجون غدا وانا ازيل الشك ان شاء الله ، وكلم الخليفة في اطلاق اصحابه من السجن فاطلقهم.
فلما خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيمت السماء ، فامر الحسن عليه السلام بالقبض علي يده ، فاذا فيها عظم ادمي ، فاخذه من يده وقال : استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسن عليه السلام : ما هذا ياابا محمد؟فقال : هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء الا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن عليه السلام الي داره » .
ومن اسباب تشدد المعتمد على الامام عليه السلام واعتقاله ، لانه يعلم انه الامام الحادي عشر ، وانه ابو اخر ائمة اهل البيت عليهم السلام الذي يقضي على دولة الظالمين .
وانتهت مراحل صراع الإمام العسكري عليه السلام مع بني العباس بشهادته مسموما في الثامن من ربيع الاول سنة 260هـ ، وهو في الثامنة والعشرين او التاسعة والعشرين من عمره الشريف .


أبو فاطمة العذاري

العجل يا مولاي
10-02-2011, 08:44 PM
(اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرج قائم ال محمد)
وفقنا الله واياكم
لخدمة الدين والمذهب

ابو فاطمة العذاري
11-02-2011, 07:59 PM
واصل العسكري ( ع ) عطاء المعصومين عليهم السلام للبشرية فكان له دور بارز في الحركة العلمية على مختلف الأصعدة فضلا انه ربى مجموعة من العلماء الثقات وتصدى بنفسه عليه السلام لبعض الحركات المنحرفة .
عن يعقوب بن اسحاق ، قال : « كتبت الى أبي محمد عليه السلام اساله : كيف يعبد العبد ربه وهو لايراه ؟ فوقع عليه السلام: يا ابا يوسف ، جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلي ابائي ان يري ».
وعن سهل بن زياد ، قال : « كتب الى ابي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين وومائتين : قد اختلف يا سيدي اصحابنا في التوحيد فمنهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول : هو صورة ، فان رايت يا سيدي ان تعلمني من ذلك ما اقف عليه ولا اجوزه ، فعلت متطولا علي عبدك ؟ »
« فوقع بخطه عليه السلام: سالت عن التوحيد ، وهكذا منكم معزول ، الله واحد احد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا احد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالي ما يشاء من الاجسام وغير ذلك وليس بجسم ، ويصور ما يشاء وليس بصورة جل ثناؤه وتقدست اسماؤه ان يكون له شبه ، هو لاغيره ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » .
و جاء في كتاب له عليه السلام الي اسحاق بن اسماعيل النيسابوري : « ...ان الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض ، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه اليكم ، بل برحمة منه ـ لااله الا هو ـ عليكم ، ليميز الخبيث من الطبيب ، وليبتلي ما في صدوركم ، وليمحص ما في قلوبكم ، لتسابقوا الي رحمة الله ، ولتتفاضل منازلكم في جنته. ففرض عليكم الحج والعمرة واقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية ، وجعل لكم بابا تستفتحون به ابواب الفرائض ، ومفتاحا الي سبيله ، لولا محمد صلى الله عليه و اله والاوصياء من ولده لكنتم حياري كالبهائم ، لاتعرفون فرضا من الفرائض ، وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما من عليكم باقامة الاولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ((اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا)) وفرض عليكم لاوليائه حقوقا امركم بادائها ليحلَّ لكم ماوراء ظهوركم من ازواجكم واموالكم وماكلكم مشاربكم ، قال الله تعالي : (( قل لا اسالكم عليه أجرا الا المودة في القربى ))... » .
تصدى العسكري (عليه السلام) للفرق الضالة من خلال مواقف وقوية تجاه كل فرقة يخشى على المجتمع من انحرافاتها.
في حين كانت الحضارة الإسلامية في زمن العسكري قد تسارعت فيها عوامل الانهيار والانسلاخ ولولا دفاع الإمام ومن معه عن قيم الإسلام وجهادهم العظيم ضد الانحرافات الخطيرة يمكن لنا القول لكانت الحضارة تكون مشوهه ومحرفة بل تتلاشى بصورة كلية.
فمثلا في عصر الإمام العسكري ( عليه السلام ) برزت الثنوية وهم من أثبت مع القديم قديماً غيره فكانوا شبه المجوس يثبتون مع مبدأ الخير مبدءاً للشر وهما النور والظلمة .
روى الشيخ الكليني :
عن إسحاق قال : أخبرني محمّد بن الربيع الشائي ، قال : ناظرت رجلاً من الثنوية بالأهواز ثمّ قدمت (سرّ من رأى) وقد علق بقلبي شيء ممّا قاله ، فإنّي لجالس على باب أحمد بن الخصيب ، إذ أقبل أبو محمد (عليه السلام) من دار العامّة يوم المركب ، فنظر إليّ وأشار بسبّابته : أحد ، أحد ، فرد . فسقطت مغشيّاً عليَّ .
كان الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) بارعا في رعاية الأمة وإرشادها إلى فهم الإسلام الصحيح ونشر الوعي والعقيدة والأحكام الشرعية ومن ابرز نشاطات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) في عصره هي الردّ الرادع لأكبر محاولة تخريبية كان إسحاق الكندي ـ وهو من الفلاسفة المشهورين ـ فإنّ هذا الفيلسوف قد جمع جملة من الآيات القرآنية التي يبدو للناظر فيها أنها تحمل التناقض، وكان ينوي نشرها، وهي محاولة تستهدف القرآن الكريم الذي يعتبر رمز للكيان الإسلامي .
وهي من الحوادث المهمة المشهورة في تاريخ العرب والمسلمين وعرفت محاولة الفيلسوف الكندي في تأليف كتاب ( تناقض القرآن) للاستدلال ان كتاب الله تعالى فيه تناقضات .
لم ينتبه أحد إلى مدى خطورة هذه المحاولة وتأثيرها الخطير على المسلمين بالإضافة وما تقدمه من دليل يستغله أعداء الإسلام للطعن بصحة اكبر دليل لإثبات أحقية الدين.
لكن الإمام (عليه السلام) قد رصد هذه المحاولة وأجهضها وهي في مهدها، حيث يروى في .( المناقب: 4 / 457، 458) :
(( انه قد دخل أحد تلامذة الكندي على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقال له الإمام (عليه السلام): أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟
فقال التلميذ: نحن تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟
فقال أبو محمد (عليه السلام): أتؤدّي إليه ما ألقيه إليك ؟
قال: نعم.
قال الإمام (عليه السلام): فصر إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الأُنسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسألك عنها ; فإنّه يستدعي ذلك منك ، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلّم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنّك ذهبت إليها ؟
فإنه سيقول لك: إنّه من الجائز ; لأنه رجل يفهم إذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعلّه أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فيكون واضعاً لغير معانيه.
ثمّ إن الرجل صار الى الكندي، ولمّا حصلت الأُنسة ألقى عليه تلك المسألة فقال الكندي: أعد عليّ ، فتفكّر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر.
فقال ـ الكندي ـ: أقسمت عليك إلاّ أخبرتني من أين لك ؟
فقال تلميذه: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك، فقال: كلاّ ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فعرّفني من أين لك هذا ؟
فقال: أمرني به أبو محمّد العسكري (عليه السلام).
فقال: الآن جئت به ما كان ليخرج مثل هذا إلاّ من ذلك البيت ثم دعا بالنار وأحرق ما كان أ لّفه )
قال السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره الشريف ) في كتاب الغيبة الصغرى :
(( جهاده العلمي: من حيث قيامه بمسؤوليته الإسلامية في رد الشبهات وإقامت الحق، بطريق المناقشة العلمية والجدل الموضوعي. أو إصدار البيانات العلمية أو تأليف الكتب ونحو ذلك.
فمن ذلك موقف الإمام من الكندي [أبي يوسف يعقوب بن اسحق] فيلسوف العراق في زمانه، حين أخذ في التأليف في تناقض القرآن، وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله، فسلط الإمام عليه أحد طلابه بكلام قاله له، جعله يتوب ويحرق أوراقه. وملخص الفكرة التي بذرها الإمام في ذهن هذا الفيلسوف، بعد أن وصفه لتلميذه أنه رجل يفهم إذا سمع... هو احتمال أن يكون المراد بالآيات القرآنية غير المعاني التي فهمها وذهب إليها.
وحين ذكر له تلميذه هذا الاحتمال فكر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر. فقال: أقسمت عليك ألا أخبرتني من أين لك. فقال: إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك. فقال: كلا، ما مثلك من اهتدى إلى هذا، ولا من بلغ هذه المنزلة، فأخبرني من أين لك هذا. فقال: أخبرني به ابو محمد ص فقال: الآن جئت به. وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت، ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه ))
ومن الفرق الضالة أيضا الواقفة و هم الذين وقفوا علي الإمام الكاظم عليه السلام والسبب المهم في انحرافهم عن باقي المعصومين ( ع ) تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق في وقت كان فيه الكاظم عليه السلام في سجن الرشيد فطمعوا فيها وادعوا بعد شهادة الكاظم عليه السلام انه حي لم يمت وقد صرح الإمام العسكري عليه السلام بالبراءة منهم ورد أباطيلهم .
ما رواه الاربلي عن احمد بن محمد بن مطهر قال : « كتب بعض اصحابنا الي ابي محمد عليه السلام من اهل الجبل ، يساله عمن وقف على ابي الحسن موسى عليه السلام اتولاهم ام اتبرا منهم؟ فكتب عليه السلام : اتترحم على عمك؟ لارحم الله عمك. وتبرا منه ، انا الي الله منهم برئ ، فلا تتولاهم ، ولاتعد مرضاهم ، ولاتشهد جنائزهم ، ولاتصل علي احد منهم مات ابدا من جحد اماما من الله ، او زاد اماما ليست امامته من الله ، كان كمن قال ان الله ثالث ثلاثة ، ان الجاحد امر اخرنا جاحد امر اولنا ، والزائد فينا كالناقص الجاحد امرنا... » .
ووقف الإمام العسكري عليه السلام بوجه بعض الوضاعين والصوفية المتصنعين ومنهم عروة بن يحيي الدهقان الذي كان يكذب على الإمام عليه السلام وعلي أبيه من قبله ، ويختلس الأموال التي ترد على الإمام عليه السلام.
روي الكشي عن محمد بن موسي الهمداني ، قال : « ان عروة بن يحيي البغدادي المعروف بالدهقان (لعنة الله) كان يكذب علي ابي الحسن علي بن محمد ابن الرضا عليه السلام وعلي ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام بعده ، وكان يقتطع امواله لنفسه دونه ، ويكذب عليه حتي لعنه ابومحمد عليه السلام وامر شيعته بلعنه ، ودعا عليه بقطع الاموال لعنه الله » .
ومنهم احمد بن هلال العبر تائي ، الذي كان يتظاهر بالورع والزهد ، ويخفي الانحراف في فأطلق عليه الإمام عليه السلام لفظ ( الصوفي المتصنع ) وكتب الى اصحابه يحذرهم منه .
قال الشيخ الطوسي : « روي محمد بن يعقوب ، قال : خرج الي العمري في توقيع طويل اختصرناه : ونحن نبرا الي الله تعالي من ابن هلال لا رحمه الله ، وممن لا يبرا منه ، فاعلم الاسحاقي وأهل بلده مما اعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سالك ويسألك عنه » .
وكان له دور كبير في هداية المنحرفين عن الإسلام والتشيع فقد جاء في الأخبار أن أبا العلاء صاعد ابن مخلد النصراني وزير المعتمد اسلم علي يد الأمام العسكري عليه السلام كما اسلم علي يده راهب دير العاقول وفي ذلك قصة لطيفة فقد ورد :
ان الإمام العسكري عليه السلام أراد مرة ان يفتصد ، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا ان يرسل اليه اخص اصحابه عنده ليفصده ، فبعث اليه اعلم تلامذته ، وقال له : « قد طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر اليه وهو اعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر ان لا تعترض عليه فيما يامرك به » فعلمه له الامام عليه السلام طريقة في الفصد لم يالفها في الطب ، ففصده وقدم له تخت ثياب وخمسين دينارا ، وقال عليه السلام : « خذ هذا واعذرنا وانصرف » فتحير الطالب واستاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه السلام في الفصد ، فبعث بخيتشوع تلميذه ومعه كتاب الي راهب دير العاقول ، وكان اعلم النصاري في الطب ، في ذلك الوقت ، فلما قرا الكتاب طلب منه ان يوافي معه الي سامراء ، فوصلوا الي دار الامام عليه السلام وقد بقي من الليل ثلثه ، ومكث عنده عليه السلام الي الصباح ، ثم خرج الراهب وقد رمي بثياب الرهبانية ، ولبس ثيابا بيضا وقد اسلم ، فقال : « خذ بي الان الي دار استاذك ، قال : فصرنا الي دار بختيشوع ، فلما راه بادر يعدو اليه ، ثم قال : ما الذي ازالك عن دينك ؟ قال : وجدت المسيح فاسلمت علي يده. قال : وجدت المسيح ؟!قال : او نظيره ، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح ، وهذا نظيره في اياته وبراهينه ، ثم انصرف اليه ولزم خدمته الي ان مات » .
ومن مظاهر الهداية التي باشرها العسكري ( ع ) هو تأثيره في السجن بحيث انقلب السجانون من أعدائه الى حبه وطاعته مؤثرا فيهم بشخصيته الروحانية .
روي الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي ، قال : « حبس ابو محمد عليه السلام عند علي بن نارمش ، وهو انصب الناس ، واشدهم علي آل ابي طالب ، وقيل له : افعل به وفعل ، فما اقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له ، وكان لايرفع بصره اليه اجلالا واعظاما ، فخرج من عنده وهو احسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولا » .
بل امتدت تأثيرات الإمام الروحية الى عوائل المتولين للسجن فقد روي الشيخ الكليني : « سلم ابو محمد عليه السلام الي نحرير ، فكان يضيق عليه ويؤذيه ، قال : فقالت له امراته ، ويلك اتق الله ، لاتدري من في منزلك؟وعرفته صلاحه وقالت : اني اخاف عليك منه... » .


أبو فاطمة العذاري

ابو فاطمة العذاري
12-02-2011, 08:42 PM
ان من اكبر المهام التي نهض بها إمامنا العسكري عليه السلام هي ترسيخ الغيبة باعتباره والد الإمام الثاني عشر عليه السلام واستطاع ان ينهض بهذه القضية بجدارة ودقة وفي نفس الوقت كان يتخذ تدابير الحذر والسرية للحفاظ على ولده الحجة عليه السلام من السلطة التي تترقبه وتلاحقه .
من تلك الطرق انه قد اتخذ العسكري عليه السلام اسلوبا يشبه اسلوب ولده المهدي عليه السلام في الاحتجاب عن الناس ومن ثم ايكال امر تبليغ الشريعة والاحكام عبر التواقيع الصادرة الى الوكلاء من خاصة اصحابه من اجل تهيئة الذهنية العامة لكي تستسيغ هذا الاسلوب .
قال المسعودي في ( اثبات الوصية ) :
« روي ان ابا الحسن صاحب العسكر عليه السلام احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه ، فلما افضي الامر الي ابي محمد عليه السلام كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في الاوقات التي يركب فيها الي دار السلطان ، وان ذلك انما كان منه ومن ابيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان عليه السلام لتالف الشيعة ذلك ، ولاتنكر الغيبة ، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار » .
وكان اسلوب الوكلاء ـ معمولا به حتى قبل الامامين العسكريين عليهم السلام عند باقي المعصومين ( ع ) من اجل ارتباط البلاد البعيدة المتواجده فيها القواعد الموالية بالأئمة عليهم السلام ولكنه على يد العسكريين ( ع ) صار طريقة تمارس حتى القواعد القريبة .
من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الامام العسكري عليه السلام : ابراهيم بن عبدة النيسابوري ، واحمد بن اسحاق الاشعري ، وايوب بن نوح بن دراج ، وجعفر بن سهيل الصيقل ، وحفص بن عمرو العمري ، وابو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعلي بن جعفر الهماني ، والقاسم بن العلاء الهمداني ، ومحمد بن احمد بن جعفر القمي ، وابوجعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، ومحمد بن صالح بن محمد الهمداني وغيرهم.
واستخدم العسكريان عليهما السلام اسلوب المكاتبات والتواقيع فكان الوكلاء والموالين يكتبون الى الامام عليه السلام بعض المسائل في امور دينهم ودنياهم ، والامامين عليهما السلام يجيبا عليها عن طريق التواقيع.
حتى اتخذت المكاتبات والتواقيع حيّزاً واسعاً في تراث الامامين العسكريين و اصبحت موضوعا للتاليف من قبل بعض العلماء المعاصرين للعسكريين عليهم السلام ، ومنهم :
عبد الله بن جعفر الحميري صنف (مسائل الرجال ومكاتباتهم ابا الحسن الثالث عليه السلام) و (مسائل لابي محمد الحسن عليه السلام علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل ابي محمد وتوقيعاته) .
وعلي بن جعفر الهماني البرمكي ، وله (مسائل لابي الحسن عليه السلام) .
ومحمد بن الحسن الصفار وله (مسائل كتب بها الي ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) .
محمد بن الريان بن الصلت الاشعري ، وله (مسائل لابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) .
ومحمد بن سليمان ابن الحسن الزراري ، وله (مسائل وجوابات لابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) .
ومحمد بن علي بن عيسي القمي ، وله (مسائل لابي محمد العسكري عليه السلام) ... وغيرهم.
والشيء الرئيسي هنا انه كان على العسكري دور مهم جدا وهو الموازنة بين امرين متقابلين ان لم يكونا متناقضين !! :
الأول : إثبات وجود الإمام المهدي عليه السلام و ولادته والإشهاد عليها واثبات النص انه القائم الموعود ( ع ) .
الثاني : أخفاء ولادته والتكتم على شخصه حذرا من الاعداء هموما ومن السلطة خصوصا التي بذلت مختلف وسائلها في سبيل القبض عليه.
ومن هنا وبتوفيق من الله تعالى استطاع العسكري عليه السلام الموازنة بين الامرين فقد جهد خلال السنوات الخمس التي قضاها مع ابنه المهدي عليه السلام في اجل إخفاء ولادته واسمه ومكانه وسائر اموره عن اسماع السلطة بل الأعم الأغلب من الناس .
فمن اساليب الكتمان انه عليه السلام لم يعق عن ابنه عليه السلام في داره ، بل اوصي احد اصحابه لاداء هذ المهمة ، فقد روي انه امر ابا عمرو عثمان بن سعيد ان يعق عنه بكذا وكذا شاة كما روي انه عليه السلام وجه الي ابراهيم بن ادريس بكبشين ، وكتب اليه « عق هذين الكبشين عن مولاك ، وكل هناك الله ، واطعم اخوانك » .
وفي كتاب له بخطه بعثه الي احمد بن اسحاق بن سعد الاشعري ، جاء فيه : « ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستورا ، وعن جميع الناس مكتوما ، فانا لم نظهر عليه الا الاقرب لقرابته والولي لولايته.... » .
وجاء في حديث اخر : « يا احمد بن اسحاق ، لولا كرامتك علي الله عزوجل وعلي حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا انه سمي رسول الله صلى الله عليه و اله وكنيه الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ».
الي ان قال : « يا احمد بن اسحاق هذا امر من امرالله ، وسر من سرالله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما اتيتك واكتمه ، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين » .
ونضيف الى ذلك هو انه يمكن القول انه قد ساعد كثيرا علي أخفاء الولادة المباركة انشغال الدولة آنذاك بحوادث كبري على رأسها ثورة صاحب الزنج وحركات يعقوب بن الليث الصفار وبعض الخوارج واضطرابات أخرى كلها ساهمت على ارتباك الدولة وانشغالها.


أبو فاطمة العذاري

Dr.Zahra
13-02-2011, 01:52 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,,...

..
طرح موفق اخي الفاضل
سلمت يداك..
علما تم دمج الحلقات مع بعضها
وفقك الله


ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه,,,,...

ابو فاطمة العذاري
13-02-2011, 11:04 PM
الهادي عليه السلام: ((ابو محمد ابني أنصح ال محمد غريزة وأوثقهم حجة)) .
من الظواهر المهمة في تاريخ الامام العسكري ( ع ) هو تمسك ابناء الأمة بالامام و محبته في نفوسهم وقد ظهر ذلك في عدة مواقف ومن أبرزها حينما اشخص العسكري مع أبيه عليهما السلام بأمر المتوكل من مدينة النبي صلى الله عليه و اله إلي عاصمة الدولة انذاك سامراء ، فقد روى المورخون عن يحيى بن هرثمة - المكلف بإشخاصهم - أنه قال : « فذهبت إلي المدينة ، فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ماسمع الناس بمثله...وقامت الدنيا علي ساق... »
وموقف اخر حينما نعاه الناعي عند شهادته « صارت سامراء ضجة واحدة : مات ابن الرضا...وعطلت الأسواق ، و ركب سائرالناس إلى جنازته ، فكانت سامراء يومئذ شبيها بالقيامة »
ان حب جماهير الامة للامام عليه السلام وادواره الفعالة في نهضتها الاسلامية جعل حتى أعداءه من رجال الدولة يذعنون بفضله ومنهم وزير المعتمد عبيد الله بن خاقان حيث قال لابنه أحمد عامل الخراج والضياع في قم في كلامه عن الامام العسكري عليه السلام : « يابني لوزالت الامامةعن خلفائنابني العباس ما استحقهااحدمن بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل اخلاقه وصلاحه »
من هنا يحظى الامام العسكري عليه السلام بهيبة فرضت نفسها على معظم الناس قال القطب الراوندي في صفة الحسن العسكري :
« ...له بسالة تذل لها الملوك ، وله هيبة تسخر له الحيوانات كما سخرت لابائه عليه السلام بتسخير الله لهم اياها ، دلالة وعلامة علي حجج الله ، وله هيئة حسنة ، تعظمه الخاصة والعامة اضطرارا ، ويبجلونه ويقدرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه... » .
وليس البشر فقط بل حتى الحيوانات فقد وصف احد خدم الامام عليه عند ركوبه عليه السلام الي دار الخلافة في كل اثنين وخميس ، بان الشارع كان يغص بالدواب والبغال والحمير ، بحيث لا يكون لاحد موضع قدم ، ولا يستطيع احد ان يدخل بينهم ، فاذا جاء الامام عليه السلام هدات الاصوات وسكنت الضجة وتفرقت البهائم وتوسع له الطريق حين دخوله وخروجه .
نقل ابن ابي الحديد عن ابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ) في صفاته وصفات ابائه المعصومين عليهم السلام قوله : « من الذي يعد من قريش او من غيرهم ما يعده الطالبيون عشرة في نسق؛كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك؟فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشحون : ابن ابن ابن ابن ، هكذا الي عشرة ، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام ، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بيوت العجم » .
وكان الامام العسكري عليه السلام اعلم اهل زمانه منذ حداثة سنه ، فقد روي المؤرخون« انه راه بهلول وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظن انه يتحسر علي ما في ايديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به؟ فقال : ما للعب خلقنا. فقال له : فلماذا خلقنا؟ قال : للعلم والعبادة. فقال له : من اين لك هذا؟ قال : من قوله تعالي : ((افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون)) ثم وعظه بابيات من الشعر حتي خر مغشيا عليه » .
وكان مراس الامام العسكري عليه السلام التوجه الى الله تعالي والانقطاع لبارئه في مختلف الظروف فقد كان يحيي الايام التي امضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القران علي رغم التضييق عليه قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « انه يصوم النهار ويقوم الليل كله لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة » .
ومن لطائف ذلك انه عليه السلام كان معروفا بطول السجود ، فقد روي عن احد خدمه وهو محمد الشاكري : « كان استاذي اصلح من رايت من العلويين والهاشميين...كان يجلس في المحراب ويسجد ، فانام وانتبه وانام وهو ساجد » .
وكان عليه السلام مثالا للزهد والبعد عن زخارف الدنيا قال كامل بن ابراهيم المدني ، وهو احد اصحابه عليه السلام :
« لما دخلت علي سيدي ابي محمد عليه السلام نظرت الي ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ، ويامرنا نحم بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله؟ فقال : متبسما : يا كامل ـ وحسر عن ذراعية ، فاذا مسح اسود خشن علي جلده ـ هذا الله وهذا لكم... » .
وجاء في روايه عن خادمه محمد الشاكري« انه عليه السلام كان قليل الاكل ، وكان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله ، فياكل منه الواحدة والثنتين ، ويقول : شل هذا يا محمد الي صبيانك ، فاقول : هذا كله ؟ فيقول : خذه » .
وقال الشيخ الطوسي : « كان عليه السلام مع امامته من اكرم الناس واجودهم » .
حتى انه عليه السلام يحث اصحابه على المعروف ، فقد روي ابوهاشم الجعفري عنه عليه السلام انه قال :
« ان في الجنة بابا يقال له المعروف ، لا يدخله الا اهل المعروف ، قال : فحمدت الله تعالي في نفسي وفرحت بما اتكلف به من حوائج الناس ، فنظرالي ابو محمد عليه السلام فقال : نعم فدم علي ما انت عليه ، فان اهل المعروف في الدنياهم اهل المعروف في الاخرة ، جعلك الله منهم يا اباهاشم ورحمك » .



أبو فاطمة العذاري

ابو فاطمة العذاري
14-02-2011, 10:03 PM
قال الشيخ المفيد :

كان الإمام بعد ابي الحسن علي بن محمد عليه السلام ابنه ابا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه ، وتقدمه علي كافة اهل عصره فيما يوجب له الامامة ويقتضي له الرئاسة ، من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم زكثرة الاعمال المقربة الي الله ، ثم لنص ابيه عليه السلام عليه واشارته بالخلافة اليه .
ومن النصوص الواردة في إمامته عليه السلام :
عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : « سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : انشدت مولاي الرضا علي بن موسي عليه السلام قصيدتي التي اولها :
يـقوم علي اسم الله والبركات
خروج امام لا محالة خارج
فلما انتهيت الي قولي :
مدارس ايات خلت من تلاوة ويجزي علي النعماء والنقمات
ومنزل وحي مقفر العرصات
يميز فينا كل حـق وباطل
بكي الرضا عليه السلام بكاء شديدا ، ثم رفع راسه الي فقال لي : ياخزاعي ، نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الامام ومتي يقوم؟فقلت : لا يا مولاي ، الا اني سمعت بخروج امام منكم يطهر الارض من الفساد ، ويملاها عدلا كما ملئت جورا.
فقال : يا دعبل ، الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره... » .
وعن الصقر بن ابي دلف قال : « سمعت ابا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول : ان الامام بعدي ابني علي ، امره امري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن ، امره امر ابيه ، وقوله قول ابيه ، وطاعته طاعة ابيه... » .
ومن النصوص الواردة في إمامته عن ابيه عليه السلام :
عن يحيي بن يسار القنبري قال : « اوصي ابوالحسن عليه السلام الي ابنه الحسن عليه السلام قبل مضيه باربعة اشهر ، واشهدني علي ذلك وجماعة من الموالي » .
وعن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كنت مع ابي الحسن عليه السلام في صحن داره ، فمر بنا محمد ابنه ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا صاحبنا بعدك؟فقال : لا ، صاحبكم بعدي الحسن » .
وعن عبد الله بن محمد الاصفهاني ، قال : « قال ابو الحسن عليه السلام : صاحبكم بعدي الذي يصلي علي. قال : ولم نعرف ابا محمد قبل ذلك. قال : فخرج ابو محمد فصلي عليه » .

وعن ابي بكر الفهفكي قال : « كتب الي ابو الحسن عليه السلام: ابومحمد ابني انصح ال محمد غريزة ، واوثقهم حجة ، وهو الاكبر من ولدي وهو الخلف ، واليه تنتهي عري الامامة واحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يحتاج اليه » .
وعن الصقر بن ابي دلف قال : « سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول : ان الامام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » .
وفي المقابل كان عليه السلام يثبت إمامته لبعض المشككين بإظهار الدلالة الثابتة والواضحة ومنها ما روي :
روي علي بن جعفر عن الحلبي ، قال : « اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لابي محمد عليه السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : الا لا يسلمن علي احد ، ولايشير الي بيده ولا يؤمي ، فانكم لا تامنون علي انفسكم. قال : والي جنبي شاب فقلت : من اين انت؟قال : من المدينة. قلت : ما تصنع هاهنا؟قال : اختلفوا عندنا في ابي محمد عليه السلام فجئت لاراه واسمع منه ، او اري منه دلالة ليسكن قلبي ، واني لولد ابي ذرالغفاري.
فبينما نحن كذلك ، اذا خرج ابو محمد عليه السلام مع خادم له ، فلما حاذانا نظر الي الشاب الذي بجنبي. فقال : اغفاري انت ؟ قال : نعم. قال : ما فعلت امك حمدويه ؟ فقال : صالحة ، ومر. فقلت للشاب : اكنت رايته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم؟قال : لا. قلت : فينفعك هذا؟قال : ودون هذا » .
وعن يحيي بن المرزبان ، قال : « التقيت مع رجل من اهل السيب سيماه الخير ، فاخبرني انه كان له ابن عم ينازعه في الامامة والقول في ابي محمد عليه السلام وغيره ، فقلت : لا اقول به او اري منه علامة ، فوردت العسكر في حاجة فاقبل ابو محمد عليه السلام فقلت في نفسي متعنتا : ان مد يده الي راسه ، فكشفه ثم نظر الي ورده قلت به. فلما حاذاني مد يده الي راسه فكشفه ، ثم برق عينيه في ثم ردها ، وقال يا يحيي ، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة ؟ فقلت : خلفته صالحا. فقال : لا تنازعه ، ثم مضي » .
************
شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
في وقت كان الإمام العسكري عليه السلام كان بصدد تهيئة الشيعة لمرحلة الغيبة الصغرى والكبرى ومن هنا نجده قد نعى نفسه لأصحابه في أكثر من مناسبة ومن ابرز من اخبره بقرب الشهادة هو امه السيدة سوسن ( رض ) .
ورد عن المسعودي : « انه امر ابو محمد عليه السلام والدته بالحج في سنة259 ، وعرفها ما يناله في سنة (260) ، واحضر الصاحب عليه السلام فاوصى اليه ، وسلم الاسم الاعظم والمواريث والسلاح إليه ، وخرجت ام أبي محمد مع الصاحب عليه السلام جميعا الى مكة ، وقبض في شهر ربيع الأخر سنة260هـ ». .
وعن محمد بن ابي الزعفران ، عن ام ابي محمد عليه السلام قالت : « قال لي ابومحمد يوما من الايام : تصيبني في سنة ستين حزازة اخاف ان انكب فيها نكبة ، فان سلمت فالي سنة سبعين ، قالت : فاظهرت الجزع وبكيت ، فقال : لابد لي من وقوع امرالله فلا تجزعي » .
استشهد الإمام العسكري عليه السلام وهو في عمر الشباب ، حيث كان عمره 28عاما وقيل : 29 عاما .
واما سبب شهادته عليه السلام فان بحث الإخبار والضروف والاستنتاجات تقودنا الي الاعتقاد بان السلطة العباسية التي كانت منذ زمن المعتز (252 ـ255هـ) تنوي قتل الإمام ( ع ) .
مثلا نقل التاريخ ان المعتز امر سعيد بن صالح الحاجب ان يحمل الإمام العسكري عليه السلام الى الكوفة ويضرب عنقه في الطريق ، لكن الإمام عليه السلام اجتهد بالدعاء عليه ، فقتل قبل ان ينفذ عزمه .
وروى ثقة الإسلام الكليني عن احمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن ابي محمد عليه السلام حين قتل الزبيري : هذا جزاء من اجترا علي الله في اوليائه ، يزعم انه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف راي قدرة الله فيه؟وولد له ولد سماه محمدا » .
ومن ثم حاول المهتدي العباسي ذلك فهدد الإمام عليه السلام بالقتل قائلا : « والله لا جلينهم عن جديد الأرض » لكنه قتل قبل ذلك وأيضا المعتمد اكثر من مرة حاول قتل الإمام عليه السلام .
فضلا انه ورد التصريح بموت الإمام عليه السلام مسموما عن كثير من مؤرخي الشيعة وغيرهم فقد قال الطبرسي :
« ذهب كثير من اصحابنا الي انه عليه السلام مضي مسموما ، وكذلك ابوه وجده وجميع الائمة عليهم السلام خرجوا من الدنيا بالشهادة ، واستدلوا علي ذلك بما روي عن الصادق عليه السلام من قوله : مامنا الا مقتول شهيد. والله اعلم بحقيقة ذلك » .
يكفي ان الثابت ان جميع الأئمة عليهم السلام فارقوا الدنيا بالقتل واغلبهم من خلال دس السم وليس منهم من يموت حتف انفه .
واما الصلاة على الإمام عليه السلام فقد روي عن احد خدم الإمام العسكري انه قال في حديث طويل منه : « فلما هم (جعفر) بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي ، وقال : تاخر ياعم ، فانا احق بالصلاةِ علي ابي ، فتاخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر » .
و عن احمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس ، قال : « حضرت دار ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام بسر من راي يوم توفي ، واخرجت جنازته ووضعت ، ونحن تسعة وثلاثون رجلا قعود ننتظر حتي خرج الينا غلام عشاري حاف عليه رداء قد تقنع به ، فلما ان خرج قمنا هيبة له من غير ان نعرفه ، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه فصلي ، ومشي فدخل بيتا غير الذي خرج منه » .
واما فضل قبره الطاهر الذي اعتدى عليه الوهابيون – سود الله وجوههم – قبل سنوات فقد ورد فيه عن الحسين بن روح ، قال : « قال ابو الحسن عليه السلام : قبري بسر من راي امان لاهن الخافقين » .
وعن ابي هاشم الجعفري ، قال : « قال لي ابو محمد الحسن بن علي عليه السلام : قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين » .
السلام على الإمام التقي الطاهر أبي محمد الحسن العسكري ورحمة الله وبركاته


أبو فاطمة العذاري

Dr.Zahra
16-02-2011, 05:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,,...

..
باركك الله اخي الفاضل
تم دمج المواضيع
مع بعض
مرة اخرى
وتم تعديل حجم الخط لكبره
وفقكم الله



ودمتم محاطين بالألطاف المهدويه,,,,...

ابو فاطمة العذاري
24-08-2012, 04:44 AM
نسأل خير مسؤول أن يحبب لنا العمل باخلاص حتى لا نفارق طاعته ولا يفارقنا رضاه....