عاش السنة والشيعة بجوار بعضهم بسلام لم نسمع عن التحذير من خطر الشيعة في أوساطنا السنية إلا بعد قدوم الإحتلال الأمريكي وغزوه للعراق، ومن يومها وأصبحت فزاعة الشيعة هي المسيطر لدي أذهان كثير من السنة .
المُسبب واضح..أن السلفيون هم من أقاموا تلك الفزاعة المتوهمة واستخدموا كافة أدواتهم الإعلامية والسياسية لتضليل الناس عبر تنمية الحِس الطائفي والشعور بالدونية وكراهية الآخر..فالآخر لديهم شر كبير متربص ومتآمر ، لذا فلن تجد مشكلتهم فقط مع الشيعة بل ستجدها مع كافة مخالفيهم الدينيين والسياسيين...
ومن هذا المنطلق سأطرح بعض الأسئلة هنا باعتباري سني وابن من أبناء الإخوان المسلمين وأثق في منهجي ولا أري أي خطر مزعوم لا من زيد ولا من عبيد..
1-أيها السني الذي تخاف من المد الشيعي لو كنت واثقا من منهجك عالما به وغير مذبذب العقيدة لما كنت تخاف علي نفسك ..فالخوف هو أولي دركات الهزيمة والعلم "الكامل والشامل" بالشئ يضعه في ميزان التقييم الصحيح لديك فيختفي المجهول والذي كان سببا في هاجسك.
2-لو قلت أنني لا أنام وأقلق علي حال المسلمين فأنت كاذب، لأن قلقك المزعوم لا يصاحبه ثقة في وعد الله بالنصر والتمكين فلو وُجدت تلك البشائر لديك لاطمأنيت إلي قدر الله وحكمته ولخلقت تلك البشائر لديك نزعة إصلاحية وفكرية هائلة تمكنك من التعامل الجيد مع المواقف.
3- ولو قلت أنني لا أنام وأقلق علي حال المسلمين فأنت كاذب أيضا ،لأن قلقك المزعوم لا يصاحبه عمل فأنت كسول وتركن إلي مراقبة الآخر وتنسي نفسك وستنسي هويتك حتما..والحق أن هذا الهاجس لديك هو انعكاس لمشكلتك مع الآخر بصراحة ودون التفاف وخداعك لنفسك ..
4-الداعي دوما لخطر الشيعة أو لهاجس الشيعة لا يفقه الآخر ولا يتعامل معه بعدل وانصاف، ولو وُجد هذا الآخر في أرضه سيعتقد بوصايته عليه، لأنه في نفسه المالك للحق والمحتكر لرضاء الله..
5-معني كلمة مد وربطها بفكرة أي كان نوعها ستوحي للمستمع بأن هناك تيارا جارفا يزحف ويتغلغل دون التصدي له..ووجود مثل هذه الحالة في الوسط الفكري السني أيدلوجيا وجغرافيا دلالة تحول مذهبي كاسح من الممكن تفسيره بتحول قري بكاملها أو تيارات من أخمص قدميها..وهذه الحالة ليست موجودة لدي الطرف السني ، فلربما حدث تحولا فرديا ولكن إخراجه من حالتة الفردية إلي حالة ظاهرة عامة هو الكذب بعينه وهو الغلو بذاته..
6-لذلك لا أعتقد شخصيا بوجود مثل هذا المد "المزعوم" في الوسط السني، وكل ما هنالك أنه قد يكون هناك تحولا فرديا كنتيجة طبيعية للإنفتاح الفكري الإعلامي ، بالإضافة إلي اطلاع العقل الإسلامي علي الآخر بشكل عام قد يكون سببا مباشرا في نشوء هذا الهاجس..
7-ليس كل من حذر من المد الشيعي في الوسط السني هو متآمر أو جاهل..بل منهم أطراف سياسية ودينية تعمل في المجال الفكري التنويري أو في مجال التقريب بين المذاهب ومنهم مستقل..ولكن خشيتهم من تحول الدائرة عليهم واتهامهم في عقائدهم من قِبل الإعلام السلفي المتغول في المجتمع يلجأون لدفع تلك الشُبَه عن أنفسهم بمجاراة التيار وهؤلاء في المحصلة أقلية..
8- من أهم دوافع التحرك الطائفي هو الإيمان المُطلق بفكرة التميز الديني، وهذه الفكرة موجودة لدي جميع طبقات وشرائح المجتمع ، فلا يوجد اعتقاد ديني إلا ويؤمن أصحابه بالأفضلية والنجاة من العذاب..ولكن هذه الفكرة هي فكرة كُلية وليست جزئية إذ أنها تتعامل مع الدين بمنطق الإيمان والكُفر...لذلك أري أن من يُحذر من المد الشيعي أو الخطر الشيعي لدي الأطراف السُنية في غالبهم يؤمنون بأن الشيعة في مُجملهم ليسوا بمسلمين...
9-وبناء عليه لو استمعت تلك الأطراف للآخر وعقدوا حوارات ثقافية ومنهجية تهدف في المقام الأول إلي تحري الحقيقة وابتغاء مرضاة الله وعدم الإنتصار للذات والعمل علي تجاوز الأفكار التي تبحث عن الخلاف قبيل الإتفاق....لوقفوا علي أن للآخر حق في نفس المصير وأنه وطالما آمنا بأن الشيعة مسلمين وأن اتفاقنا معهم أكثر من الخلاف لحقا علينا التعاون معهم عملا بالقول الشائع"يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ويعين بعضنا فيما اتفقنا عليه"
10- الحرص علي الإتفاق والعمل له هو نقيض الخلاف وتعزيزه..فحقا علي الإنسان بشكل عام علي الآخر هو التعايش، والتعايش أيضا هو نقيض الصدام..والصدام في بدايته تحريض ،لذلك كان زرع الهاجس من الآخر هو في حد ذاته تحريض..وقد لمسنا ذلك بوضوح في الفتنة المذهبية العراقية، التي كانت في بداياتها التذكير بالخلافات وبالتالي تعزيزها وكنتيجة طبيعية لعدم وجود تيار ثقافي وسياسي قوي يصد تلك الهجمة الخِلافية أدي ذلك إلي نشوء التحريض المجتمعي والذي تحول إلي فتنة مذهبية حصدت أرواح مئات الآلاف من الطرفين..
11-تذكرني كلمة المد بالمد البحري والذي يُغرق الأشياء ولا يجعل متنفسا يخترق حاجز المياه..وهذا التصور لدي هو أكبر هادم لفكرة المد الشيعي..فاستخدام مصطلح المد نفسه قد يكون مقصودا به المد المائي وهو في تلك الحالة يختزل الرؤية في حالة طغيان ثقافي وديني واجتماعي تمكن للطرف المغضوب عليه بفرض ثقافته وهيمنة تصوراته ، ولو نظرنا للمجتمع السني بمختلف أمكنته ووجوده لوقفنا علي واقعا يحكي بأن الهوية السنية قوية وصلبة ولا يمكن زعزعتها بدعوة أيا كانت قوتها وصلابتها..بيد أنه ربما يحدث ذلك الإختراق ولكن في حالة واحدة فقط وهي غياب الطرف السني عن المشهد بالكامل ..
12- هناك رابط معنوي مشترك يجمع السني بالشيعي وهو حب آل بيت رسول الله..لذلك كان هذا الأصل المشترك هو محور اهتمام الداعين لخطر الشيعة فبدأوا بتوهين نظرة الشيعة لآل بيت رسول الله كدعوي حرق سيدنا علي رضي الله عنه لهم بالنار ..
13- شارك غلاة الشيعة للأسف في زيادة الفجوة ونصرة غلاة السُنة فعملوا علي الإنتقاص من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأهدوا غلاة السنة أثمن هدية لهم.. ..
14- سارع معتدلي الشيعة بتدارك الأمر وإصدار فتاوي تحرم النيل من أم المؤمنين عائشة وتُحرم سب الصحابة إجمالا وكان من أبرز الداعين إلي ذلك هو السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله مرورا بالمجمع العالمي لأهل البيت إلى علماء الشيعة الكويتين والبحرينيين وآخرها من المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية السيد علي الخامنئي أعلى مرجع شيعي في العالم, وقد لاقت هذه المواقف ترحيبا من شيخ الأزهر وكثيرا من علماء السنة أثنوا علي تلك المواقف.
15- هناك خصوصية ثقافية يمتاز بها بني البشر إجمالا..تلك الخصوصية هي التي تُمكن لهم إيجاد التنوع عبر فهم النص بالتطبيق فيما يسميه البعض العلاقة بين النص والتطبيق، تلك العلاقة التي تختلف من مجتمع لآخر ، ونستثني منها الخصائص العامة والسمات الرئيسية لكل دين أو مذهب فهي إجمالا موحدة..عدا ذلك من أفهام نسبية للنصوص والخلاف بشأن تطبيقها فهي ليست عامة بل هي مقيدة حسب ظروف كل مجتمع..
16-وبناءا علي النقطة السابقة فالعلم الأولي للأحداث والصور يستلزم منا عدم تعميم تلك الأحداث والصور والمشاهد علي جميع المجتمعات، بيد أن هناك مجتمعات تقبلها ومجتمعات لا تقبلها..وأقرب مثال علي ذلك مشاهد التطبير في عاشوراء، تلك المشاهد موجودة لدي بعض شيعة الخليج..ولكن لو أردنا تطبيقها علي مجتمعات متفتحة ومتعلمة كالمجتمعين المصري والتونسي فمستحيلة الحدوث نظريا وعمليا...
17-لذلك كان مفهوم المد الشيعي نفسه مستحيل نظريا وعمليا من حيث التطبيق المورود أوليا في الذهن، وهذه نقطة في غاية الأهمية..وهناك البعض ممن يتخيل تلك المشاهد ويرمي بها إلي اعتقاده بخطر الشيعة من نفس الصورة المنطبعة لديه في ذهنه فيتخلط عليه الأمر ...
18-كثيرا من جُهال الشيعة ما يرمي إلي كراهية السنة لآل بيت رسول الله ومن ثم يطور خطابه الثقافي إلي خطاب كلي موجه كليا، وقد كان ذلك سببا في زيادة رقعة الرفض للشيعة وسط المجتمع السني والعكس صحيح..والحق أن حب آل بيت رسول الله هو حب فطري لدي جميع المسلمين..
19-أري أن التناظر المبني علي الإفحام كان سببا مباشرا في زيادة الهوة بين طرفين لديهما علما حصوليا غير مرتبط بالواقع الخارجي، وباستكبارهما اعتقدا أنهما ممثَلين عن طائفتيهما ، فينظر المراقب بعين التقييم أن كل طرف سينتصر هو انتصار للمذهب وهذا خبَل عظيم..فانتصار الحق لا يلزمه تناظر حبيس الذهن والخيال بل انتصار الحق يلزمه الربط بين الموجود في الذهن وبين الواقع الخارجي ليُشكلا معا قفزة انطلاق نحو الواقعية والتوازن...
20-مروجو نظرية المد الشيعي يتناسون أن الشيعة أنفسهم لا يُروجون لنظرية المد السُني ، وهذا الإدعاء منهم في حقيقته ضعف كبير وخذلان لمريديهم..فحضور المد الشيعي ينفي المد السني وحضور المد السني ينفي المد الشيعي..يعود ذلك لأن مفهوم المد نفسه كما أشرنا إليه سابقا أنه يعني الإغراق الفكري والإكتساح الثقافي..وهذا الأمر في حقيقته ليس له وجود كما أشرنا وأثبتنا من قبل..
22-الإيمان بالإسلام يعني الإيمان بخيرية هذا الدين وسيادته والخيرية نتاج الإيجابية ومُضاد السلبية..مما يعني أن تكريم الأمة الإسلامية مشروطا باستقامة أحوال البشر..وما رأيت من ذلك الخطاب الإسلامي نافعا للأمة الجالب للاستقامة أفضل من خطاب الشيخ يوسف القرضاوي، حيث اختصر فضيلته خصائص هذا الخطاب في 15 نقطة سنذكرها إجمال أن يكون المسلم"يؤمن بالله ولا يكفر بالإنسان - يؤمن بالوحي ولا يغيب العقل - يدعو إلى الروحانية ولا يهمل المادية - يعني بالعبادات الشعائرية ولا يغفل القيم الأخلاقية - يدعو إلى الاعتزاز بالعقيدة وإلى إشاعة التسامح والحب - يغري بالمثال ولا يتجاهل الواقع - يدعو إلى الجد والاستقامة ولا ينسى اللهو والترويح - يتبنى العالمية ولا يغفل المحلية - يحرص على المعاصرة ويتمسك بالأصالة - يستشرف المستقبل ولا يتنكر للماضي - يتبنى التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة - يدعو إلى الاجتهاد ولا يتعدى الثوابت - ينكر الإرهاب الممنوع ويؤيد الجهاد المشروع - ينصف المرأة ولا يجور على الرجل - يصون حقوق الأقلية ولا يحيف على الأكثرية"..
23-من نقاط الخطاب الإسلامي للشيخ القرضاوي أري أنه وبالتمسك بتلك الضوابط ستتوسع الرؤي أكثر..وهنا لن أقف علي مواقف الشيخ القرضاوي الأخيرة فهو إنسان غير معصوم وما يهمنا أفكاره القابلة للتطبيق ولا يهمنا مواقفه التي أُسست علي مشاعر عاطفية أكثر من تلك المشاعر العقلانية..
24-حينما يضيق عقل الإنسان يطول إما لسانه أو يده..ففي هذه الحالة ينزع الإنسان نحو الأسهل..فالقضاء علي الآخر بالفكرة قد تستهلك من وقته وجهده الكثير فهو في حاجة إلي المُدارسة والتعلم والثقافة..من أين له تحصيل ذلك وفي يده أن يُنهي عدوة بالضربة القاضية..
25-نستنتج من ذلك أن الداعي للخطر الشيعي هو نفسه عدو الشيعة هو نفسه من أراد القضاء عليهم واستئصالهم ونفي وجودهم..فتناظره معهم مغامرة لا يستطيع الإيفاء بمتطلباتها فهو يريد نصرا مضمونا وما أسهل شيطنته كي يسهل القضاء عليه..
26-الكثير من السنة للأسف الشديد يلجأ إلي السير مع التيار عملا بالرأي القائل "رأي الأغلبية حق دائم ومطلق"..فشذوذه عن القاعدة قد يجلب عليه الطعن في عقيدته او وطنيته..وهؤلاء ضعفاء لا يملكون من أمرهم إلا ما قُدر لهم، أما سعيهم مُنتفي وبقائهم مرهون بضعف الآخر..
27- الداعي للخطر الشيعي متعصب..وهذا الشخص نفسه لو قُدر له أن يولد شيعيا فسيتعصب ضد السنة ويدعو للخطر السني بنفس مقدار دعايته للخطر الشيعي...فإيمان المتعصب هو إيمان بالوراثة ، وليس إيمانا بالاكتساب أو التبرير..ولو برر إيمانه لاعتدلت أفكاره وفهم الدين والحياة..
28-فارق بين التعصب والعصبية وقد نكتب مقالا قريبا في هذا الشأن..فالتعصب آفة كل متكبر جاهل متبع للهوي..أما العصبية فقد تكون مصحوبة بفهم وعلم..وفي تلك الحالة تزول العصبية ، وسرعان ما يعود المرء لاتزانه..أما المتعصب فسيظل ينافح عن رأيه بالحق والباطل..
29- القلق من المد الشيعي أغري بعض جهال الشيعة بقوتهم وظنوا أن مذهبهم حق مُطلق ودليلهم خوف الآخر منهم وجُبنهم عن المواجهة في ساحة الحوار والنقاش..حتي لو أقيمت بعض ساحات الحوار ففي أغلبها تقوم علي يد متعصبين ضد متعصبين..والفهم والعلم قليل وشاذ في تلك الأحوال..ولو حضر العلم والفهم لارتقت الأفكار ولراجع كل طرف نفسه وموقفه..
30-المسلمون في حاجة الآن إلي معايير يُميزون فيها بين الاصول والفروع من جهة..والأولويات والثانويات من جهة أخري...تلك المفاهيم ليست دينية بقدر ما هي سياسية..فالأزمة الطائفية منشأها سياسي وليس ديني..ولو عولجت سياسيا في إطار فهم الحداثة ومتطلباتها الحضارية اجتماعيا ودينيا وسياسيا واقتصاديا..لوقف الباحث علي إطار فهم مشترك للدين يقف فيه علي المجامع ويعذر فيه علي المفارق...
31-أبناء المذهب السني ومع حبهم لآل بيت رسول الله شرفا ونسبا إلا أنهم وفي غالبيتهم يجلهون سيرة آل بيت رسول الله تعصبا وحمية للصحابة...بيد أن عُرفهم في العلم لديهم أصبح قاصرا علي التعريف بالصحابة والتحذير من النيل منهم..مما جلب علي أكثرهم غلوا وصل بالبعض لمرتبة العصمة يقينا وليس تصريحا..
32-المسلم المنصف وإن أيقن بحب الصحابة والتحذير من الطعن فيهم لابد وأن يرافقه تحذير من الطعن أو الإنتقاص أو سب آل بيت رسول الله..هكذا ستوزن الكفة بمصداقية نفسية..فإذا حكم بالكُفر علي من سب صحابيا فعليه أن يحكم بالكفر علي من سب فردا من آل البيت..
33-لو تعامل المسلم مع قضية السب بهذا المعيار سيصعب عليه تكفير مسلم..وإلا لزم قوله تكفير خطباء وأئمة وملوك الدولة الأموية ممن قاموا علي سب آل البيت من فوق المنابر..
34- قضايا السب هي قضايا أخلاقية وقيمية في المقام الأول..فإن حَسُنت الاخلاق حَسُن تعامله مع تلك القضية..وإن ساءت أخلاقه وقع في براثن الفتنة والتحريض الطائفي..لذلك أري أن من أولي واجبات الداعية المسلم هو تعيين الأخلاق ليس كمفهوم ولكن كإنسان ربّاني خلوق عفيف يَقطُر لسانه طيبا من القول وحُسنا..