هل وصل الأنبياء إلى كل زاوية من زوايا الأرض. مصطفى الهادي
أي رئيس دولة لابد له من أجل إدارة دولته أن يجعل له في كل زاوية من زواياها مبعوثا او ممثلا عنه. وهذه المسألة لا تحتاج نقاش. وكل فرد من أفراد هذه الدولة يعرف رئيس دولته وكذلك يعرف أن له أعوان ومبعوثين.
أخذت الأدلة العقلية والنقلية بأعناقنا بأن الله تعالى خالق هذا العالم بعث في كل زاوية من زواياه مبعوثا عنه ، فلا يخلو مكان منه ولو خلا مكان ما لأصبح فوضى. والأرض كذلك هي جزء من هذا الكون الرحيب وضع الله فيها الإنسان وبقية مخلوقاته فإذا أهمل الخالق امر مخلوق فسوف يحتج عليه (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). ومن هنا فإن رعايته تعالى لمخلوقاته دائمة ومننه مستمرة قائمة ومن هذه المنن العظيمة علينا أنه بعث لنا أنبياء يُساعدوننا إلى الوصول للكمال المنشود من خلال تصحيح مسارات العقول.
العقل السليم يأبى أن ينكر ذلك. ولكننا أيضا بالرجوع لما توفر من مصادر نرى أن الأنبياء ملئوا كل زوايا الأرض ولم يتركوا مكانا لم يدخلوه هم أو مبعوثيهم أو الحجج الأخرى مثل وصول أخبارهم أو كتبهم، فلا تكاد تجد زاوية من زوايا الأرض تخلو من معبد أو مكان عبادة ، أو شكل من أشكال الدين.ولعل أروع ما نقرأه في هذا المجال هو قول المؤرخ الإغريقي (بلوتارك) الذي يقول : (قد تجد فى التاريخ مدنًا بلا أسوار مدنًا بلا ملوك، مدنًا بلا ثروات ومدنًا بلا مسارح، ولكنك لن تجد مدينة دون ديانة أو معبد). (1)
ومن العلماء المعاصرين نقرأ ما يقوله (نيكولاس واد) عن الله والدين في كتابه (غريزة الدين). فيقول : (إن البشر يحملون داخلهم ما يُسمى جين الله ، وهو الذي يجذبنا إلى الإيمان بوجود إله).(2) وهذا الجين هو ما نطلق عليه (الفطرة) التي يقول عنها تعالى : (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم). (3) الدين موجود في داخل الإنسان ودور الأنبياء هو إثارة دفائنه ، وهذا ما أشار إليه الإمام علي (ع) بقوله : (فبعث فيهم رسله وواتر أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته .. ويُثيروا لهم دفائن العقول). (4)
أقدم النصوص التي تدل على وجود الأنبياء وانتشارهم في الأرض هو ما نقرأه في كتب الأديان السابقة ومنها التوراة التي تقول : (إن الأنبياء الذي كانوا قبلي وقبلك منذ القديم تنبأوا على أراضٍ كثيرةٍ وعلى ممالك عظيمة).(5)
وكذلك يقول : (الأنبياء الذين بإسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الأرض). (6)
خذ مثلا الهند ونواحيها الصين وغيرها فحسب ما جاء في التوراة فإن الله بعث فيهم أنبياء منهم مثلا كرشنا إلى الهند كما نقرأ : (وكان المقربون إليه كرشنا وشيشار وأدماثا و وترشيش و مرس و مرسنا ، ومموكان).(7) ولا تزال بقايا ديانة كرشنا إلى اليوم في الهند. (8)
ولو تمعّنا في سلوك السيد المسيح مع رسالته (ع) قبل رحيله لرأيناه حريصا جدا على إيصالها إلى كل زاوية فيها بشر فكانت آخر وصاياه لحوارييه هو ما قالهُ لهم : (اذهبوا وبلّغوا جميع الأمم وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وبعد ذلك عين سبعين آخرين أيضا، وأرسلهم اثنين اثنين.. فقال لهم:الذي يسمع منكم يسمع مني . اذهبوا إلى العالم .. للخليقة كلها).(9)
وأما الدليل القرآني فمما نقرأه في القرآن قوله تعالى : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).(10) وهذا شامل لكل خلقه ثم عقّب تعالى بقوله : (إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم).(11) يعرفهم ويعرفونه ولم يكن غريبا طارئا. ولم يستثن تعالى اي مكان فيه بشر كما قال تعالى : (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير).(12) وكذلك قوله تعالى : (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا).(13) وسبب ذلك بينه تعالى فقال : (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل).(14)
ولكن الإنسان يتدخل في شؤون السماء دائما ويخلق له آلهة وأديان لا بل لربما نصّب نفسه إلها على العالمين: (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري).(15) ولكن يبقى عقل الإنسان وما فيه من إمكانيات هو الحجة لأن الله إنما يرسل الرسل لمخاطبة العقول وإثارة دفائنها. ولذلك قال تعالى : (إنما انت منذر ولكل قوم هاد).(16) أمّا الذين يقولون بأن الله لم يرسل رسل إلا للمنطقة العربية الشرق الاوسط خاصة ، فهذا نابع من عدم فهمهم لقوله تعالى : (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك).(17) وقوله تعالى : (ومنهم من لم نقصص عليك) تتمدد لتشمل الخافقين.
وفي مسند الإمام أحمد ما يؤيد ذلك من حديث أبي إمامة قال : (أن أبا ذر قال: يا رسول الله؛ كم وفّى عدة الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جما غفيرا).(18) فهل أرسل الله تعالى هؤلاء للشرق الأوسط فقط؟
ومما يدل على عالمية إرسال الأنبياء من قبل الله تعالى هو قوله مخاطبا نبيه : (وإن يُكذبوك فقد كذّب الذين من قبلهم جائتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير). (19) وكما هو معلوم أن الخطاب في مكة التي لم ينزل فيها نبي قبل نبينا صلوات الله عليه وآله. فكان المقصود بقوله : (كذّب الذين من قبلهم). أي من الأمم.
ومع ذلك فإن الحجة الشرعية على جميع الخلق قد قامت بما أخذه الله تعالى من العهد على بني آدم، في عالم الذر، في قوله تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين).(20) فتمعن في قوله تعالى (أن تقولوا يوم القيامة). فهذا الخطاب شامل لكل البشر.
إن الله بعث في كل أمة نبيا لقومه خاصة (ولكل قومٍ هاد).(21) ثم ختمهم بالنبوة العالمية الشاملة : (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا).(22)
أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. (23)
ملاحظة : هذه البحوث مختصرة ، ولكن عندما ننشرها على المواقع الكبرى تكون كاملة مستوفية كل جوانبها.
المصادر:
1- بلوتارك - باليونانى پلوتارخوس كاتب مقالات، وقسيس، ورجل قضاء، وكاتب سير، ومؤرخ، وكاتب، وفيلسوف.
2- نيكولاس واد صحفى إنجليزى يعمل بالقسم العلمى فى صحيفة نيويورك تايمز وأصدر عدداً من الكتب مثل كتاب : استعادة تاريخ أجدادنا المفقود.
3- سورة الروم آية : 30.
4- نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ١ - الصفحة ٢٣.
5- سفر إرميا 28: 8.
6- سفر دانيال 9: 6.
7- سفر أستير 14: 1.
8- أحد آلهة الديانة الهند الكبار، تعبده الطائفة الهندوسية.
9- إنجيل متى 28 : 19.و: إنجيل لوقا 10 : 1.و:إنجيل مرقص 16 : 15.
10- سورة الإسراء آية : 15.
11- سورة آل عمران آية : 164.
12- سورة فاطر آية : 24.
13- سورة النحل آية : 36.
14- سورة النساء آية : 165.
15- سورة القصص آية : 38.
16- سورة الرعد آية : 7.
17- سورة غافر آية : 78 . وتكررت هذه الآية في سورة النساء آية : 164.
18- رواه الإمام أحمد (5/ 178)، وصححه الشيخ الألباني في مشكاة المصابيح (5737).
19- سورة فاطرة آية : 25.
20- سورة الأعراف آية : 172.
21- سورة الرعد آية : 7.
22- سورة سبأ آية : 28.
23- سورة الروم آية: ٣٠.