اليوم الأخير ، ويوم الخلاص . والمنتظر والموعود، ويوم الدينونة. أسماء اشرقت في سماء البشرية منذ الاصطدام الأول بين الخير والشر، فأرسل الله الأنبياء لإصلاح الأمر وتحقيق هذا الوعد لهم ، ولكن لمّا عجزوا وطاردتهم البشرية فقتلت بعض الأنبياء وكذّبت بعضهم وحرفت رسائلهم وكتبهم ، وبسبب التعنت والاطماع والأنانية وصل الظلم إلى حد لابد للقدرة الخالقة أن تتدخل. فتدخل الله بقدرته فأرسل طوفا عارما ، وريحا صرصر وزلازل وخسف ، ثم امطر النار والحجارة ، وكلما صلّح الأمر عاد الشر من جديد ليتسيّد على الموقف ، والسبب هو الإنسان نفسه ، بغروره وكبريائه وأنانيته. وتكررت محاولات اصلاح البشرية.حتى زمن النبوة الخاتمة
ثم استمرت عمليات محاولات الاصلاح على ايدي نخبة من المعصومين ولكن أيضا قتلوهم ، واستمرت ايضا على يد نخبة من خيرة العلماء الذين بذلوا الجهد من أجل الإصلاح ولكن جرفهم طوفان التطور والتقدم وأعمى بهرج العلم الخادع والتفنن في طرح المغريات والشهوات أعين الناس عن رؤية الحقيقة.
اليوم السعيد الذي يحلم به الإنسان موجود في وجدان كل البشرية. فكما نعلم أن الله أعد البرنامج العام لإدارة الكون ومن ضمنه الكرة الأرضية. وقد أودع الخالق الرب كل هذه الاسرار في القالب الطيني للإنسان من خلال النفخة التي دبت فيه . ولذلك نرى حلم البشرية ومنذ وجودها على هذه الأرض تحلم بأن تكون هي التي تشهد العصر السعيد. وهناك قسم آخر من البشر اعتقدوا بأنهم هم المعنيون بإيجاد هذا اليوم فنبذوا ما جاء به الأنبياء فقاموا بتأسيس الجيوش وسنوا القوانين وظهرت احزاب ونظريات وفلسفات من اجل ان يصنعوا دولة العدل والسلام ولكن الجميع خاب.
أن العقل البشري غير مؤهل لتأسيس ذلك اليوم مالم يكن عقلا كاملا معصوما اتصف بأقصى حدود الحكمة والمعرفة وله اتصال بالقدرة المطلقة. وهذا الشخص له اسماء ومواصفات كثيرة حسب كل دين ،ولكن أحد اشهر اوصافه بأنه ابن الإنسان.(1) وسبب اختيار هذا الاسم من دون سائر الاسماء هو أن المسيحية تقول بأن المقصود بابن الإنسان هو (المسيح) في حين أن الإنجيل يُكذّب هذه المزاعم كما سترى.
وفي عالم المسيحية لا يزال المسيحيون يقرؤون دعاء الفرج كل يوم طالبين نزول مسيّاهم الذي سوف يُخلصهم وينقذهم من الضيقة (ليتك تشق السموات وتنزل، من حضرتك تتزلزل الجبال؛كما تشعل النار الهشيم وتجعل النار المياه تغلي لتعرّف أعداءك اسمك، لترتعد الأمم من حضرتك).وقد يعتقد البعض أن هذا التوسل بنزول المخلّص يتعلق بالسيد المسيح ولكن المفسر المسيحي يرى عكس ذلك حيث يقول : (ما أود تأكيده أن نصوص إشعياء النبي لا تُفهم بطريقة حرفية، لأن مسيحنا ملك روحي، رفض أن يملك ماديا).(2) المسيحية تعترف بأن السيد المسيح في عودته الثانية لا يأتي ليؤسس دولة يحكم فيها فهو رفض ذلك عندما قال لأتباعه : (مملكتي ليست من هذا العالم).(3)
بناءا على ما تقدم ومن خلال الكتاب المقدس نفهم أن الأوصاف التي يصفون بهذا هذا القائد لا تنطبق على أي شخصية أخرى غير التي طرحها الإسلام فهو : (المخلّص ، والموعود، والمنتظر، والقائد وابن الإنسان والقائم) ولا تنطبق أي منها على شخصية السيد المسيح الذي رفض وبكل وضوح ان تكون له مملكة في هذا العالم.
فمن مواصفات هذا القائد ما يلي:
أن يكون له سلطانا على الأرض كما يقول: ( أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض).(4) وهذا ما نفاه الإنجيل نفسه فليس للمسيح أي سلطان على شبر من الأرض ، إنما سوف يقوم بالتمهيد للقائم الأعظم من خلال قتل المسيح الدجال وهداية المسيحيين إلى الدين الصحيح، لأن اليوم الموعود لا يكتمل إلا على دين واحد وإله واحد ، وقائد واحد..
ان تكون له سلطة على الملائكة كما يقول: ( ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله).(5) وهذا يتعلق بمحاسبة المسيحيين دون غيرهم.
أنه يأتي بغتة فجأة فيضرب من المشرق إلى المغرب كما يقول: ( لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضا مجيء ابن الإنسان).(6) والحديث عن المشرق تردد كثيرا في الروايات الإسلامية.
أن تكون لمجيئه علامة وهي انه ينزل من السماء بوسيلة ما كما يقول: ( وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء).(7) وهذا ما اكدته الروايات من أن المهدي سوف ينزل من السماء في سبع قباب من نور(أما إنه سيركب السحاب ، و يرقى في الأسباب).(8)
هناك من ينتظر ظهورة في اي لحظة بسبب مجهولية توقيت ظهورة كما يقول: (فاسهروا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان).(9) وهذا ما أكده القرآن بقوله : (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).(10) أو قوله تعالى : (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو اقرب).(11) والمهدي حسب الروايات من اشراط الساعة.
ومن علامته أنه يتألم على ما آلت إليه البشرية وعندما يخرج سوف ترفضه طبقة العلماء الفقهاء من كل الأديان كما يقول: (أن ابن الإنسان يتألم كثيرا، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة).(12)
من علامته أنه لم يأت قاتلا بل مخلصا للناس كما نقرأ: ( أن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس، بل ليخلص).(13)
أن من اكبر أماني البشرية أن تنعم بيوم واحد من ايام حكم الموعود فيقول: ( ستأتي أيام فيها تشتهون أن تروا يوما واحدا من أيام ابن الإنسان).(14)
من علاماته ان ظهوره مقرون بقلة الإيمان في الأرض كما يقول: ( أقول لكم:انه متى جاء ابن الإنسان، ألعلهُ يجد الإيمان على الأرض).(15) وهذا ما أكدهُ القرآن بقوله عن المؤمنين في الماضي والمستقبل : (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين).(16)
من علاماته أنه في زمنه تكون السماء مفتوحة كما نقرأ: ( ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان).(17) وهذا ما ذكره القرآن أيضا بقوله: (وفتحت السماء فكانت أبوابا).(18) يقول القرطبي أي لنزول الملائكة، كما قال تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا.
ولرب قائل يقول بأن ابن الانسان المقصود هو السيد المسيح فنقول له أن المسيح نفسه عندما سألوه لم يقل لهم انه ابن الانسان بل تكلم ومضى واختفى عنهم كما يقول: (فأجابه الجمع: من هو هذا ابن الإنسان؟ فقال لهم يسوع: النور معكم زمانا قليلا ما دام لكم النور آمنوا بالنور. تكلم يسوع بهذا ثم مضى واختفى عنهم).(19) فقد اختفى عنهم ولم يقل لهم من هو ابن الانسان. ولكنه طلب منهم ان يؤمنوا به في حال ظهوره لأنه النور الموجود معهم قليلا ثم يذهب.
وهناك امرٌ آخر مهم ، وهو أن الغالبية العظمى من المسيحيين ترى أن يسوع المسيح هو الله ، والقسم الآخر يرى المسيح ابن الله . فمن المستحيل أن يقولوا بأن يسوع المسيح هو ابن الانسان لأنهم بذلك يُناقضون مزاعمهم حول الهية يسوع.وكل ما ورد من نصوص في صفة حاكم آخر الزمان هي صفات بشرية خالصة تخالف وبكل وضوح ما تزعمه المسيحية من أن يسوع (الرب) سوف ينزل في آخر الزمان.
المصادر:
1- منذ زمن حزقيال النبي بدأت تظهر لنا مسميات لهذه الشخصية التي يتحقق العدل على أيديها. يذكر كتاب الرد على الاسئلة التشكيكية للانباء بيشوي وهو من كتب المكتبة القبطية بعضا من هذه التسميات: (ابن الله ،ابن الإنسان،المسيّا ، المخلّص، وتكلم يسوع عن صانعوا السلام).
2- تفسير الكتاب المقدس القمص تادرس يعقوب إشعياء 64 . تضرع من أجل مجيء المسيّا.
3- إنجيل يوحنا 18 : 36.
4- إنجيل متى 9: 6.
5- إنجيل متى 16: 27.
6- إنجيل متى 24: 27.
7- إنجيل متى 24: 30.
8- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٣.
9- إنجيل متى 25: 13.
10- سورة القمر آية : 50.
11- سورة النحل آية: 77. وقد فُسر الكثير من الآيات بأنها نزلت في المهدي.
12- إنجيل لوقا 9: 22.
13- إنجيل لوقا 9: 56.
14- إنجيل لوقا 17: 22.
15- إنجيل لوقا 18: 8.
16- سورة الواقعة آية : 13.
17- إنجيل يوحنا 1: 51.
18- سورة النبإ آية : 19.
19- إنجيل يوحنا 12: 34.