البداية :
إن أنس فلن انسى تلك الليلة المباركة منذ ما يزيد عن اربعين سنة ، لا زلت وقتها طفلا ، كان عمري و قتها لا يتجاوز العشرة سنوات عندما دعاني والدي –اسكنه الله فسيح جناته- لاجتماع هام أنا وأختي التي تكبرني بثلاث سنين ...
لا زلت اذكرك يا والدي الفاضل ، يا من قل نظيرك في الآباء في ذلك الزمن ... ولكن من كان يحمل اسما مثل اسم الوصي المرتضى " علي" ويلقب بلقب الرسول الأعظم " الأمين " لا يستغرب منه هذا الذي دعوتنا إليه في تلك الليلة الغراء...لا زالت كلماتك ترن في مسامعي وأنت تقول لنا : لقد دعوتكمالأعلمكما ثاني أركان الإسلام...أعلمكما كيف تؤديان الصلاة فهي عمود الدين وقد حان الوقت لذلك ، فإنني سمعت إمام الجمعة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه –وآله- وسلم (علموا أولادكم الصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر )
ما اروعك يا والدي وانت توجه ابنائك لاروع واغلى ما في الوجود....وهل هناك اغلى وارفع من ان تهدي انسانا في هذا الكون ... لان يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت علي الشمس...
لقد اعطيتني يا والدي المفتاح ... مفتاح السعادة الدنيوية والاخروية... فانا اكن لك واعترف لك بهذا الجميل فكل ما انا فيه الآن من التوفيق والسعادة هي بلا شك ثمرة الشجرة التي زرعتها انت يا اعز الآباء ... اسال الله تعالى ان يجعل ثواب كل عمل اقوم به في ميزان حسناتك...
كانت تلك الكلمات فاتحة دخولي المسجد فمنذ ذلك الحين التزمت بالصلاة و حضور الجمعة والجمعات صحبة والدي وبدات اركز على تلاوة القرآن وحفظه .
وتمضي السنون ...وانا ازداد التزاما وتحصيلا لعلوم الدين وخصوصا بوجود مكتبة كبيرة تحتوي على امهات المجلدات الاسلامية السنية من تفسير وصحاح وفقه فضلا عن الكتب الصغيرة الحجم ...كنت كلما قرات كتابا بادرت للذي يليه ...لقد نما في حب المطالعة حتى انني ولحد الآن لا استطيع ان ابقى يوما واحدا لا اطالع فيه شيئا...
ومما لا زلت اذكره بالرغم من مرور عشرات السنين تلك الكلمة التي كان يسر بها الينا شيخنا في المسجد عندما نفتح موضوع الفتن والحروب التي وقعت بين اوائل الصحابة من جمل وصفين وكربلاء كان يقول لنا هامسا " العن يزيدا ولا تزيد " اما البقية الباقية فكلهم مجتهدون ...ومن اجتهد ولم يصب فله اجر واحد...
وبمرور الوقت وبعودة بعض الاخوة الذين درسوا في اوروبا بدات اسمع عن جماعة الاخوان المسلمين وبدات تنتشر بين اوساطنا نحن شبان المساجد والذين كانوا وقتها يعدون على الاصابع كتب الجماعة مثل رسائل الشيخ حسن البنا وكتب محمد و سيد قطب وسعيد حوى وغيرهم...
بدات الامور تتغير ، فبعد ان كنا مجموعة من الشباب تربطنا الاخوة في الله برباط عفوي اصبحت هناك اياد خفية تريد ان تؤطرنا داخل جماعة منظمة يكون على راسها " الامير " وبدات ادبيات الحركات الاسلامية تتسلل الى افكارنا وعقولنا والذي من اهمها تلك المستوحاة من قول الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ( من مات ولم يكن في عنقه بيعة لامام مات ميتة جاهلية ) فما العمل اذا ؟؟؟ فمن هو امامنا؟؟؟ اكيد انه ليس الحاكم او السلطان او الرئيس ... فهؤلاء في نظرنا ليسوا منا... فربنا سبحانه وتعالى يقول : وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ... إذا ليكن " الأمير " هو الإمام الذي تجب طاعته والذي بمبايعتنا او اختيارنا له نكون قد عصمنا أنفسنا من ميتة الجاهلية....
و ... تمر الايام بل السنين ....
كنت في بداية العشرينات من عمري عندما بدأت تصلنا أخبارا عن طريق وسائل الإعلام تتحدث عن انتصار الثورة الإسلامية في إيران وكنا نسمع عن تطبيقات واختيارات للإسلام في تلك البلاد وكنا نقرا في المجلات الإسلامية السياسية التي تتبنى شعار " الإسلام هو الحل " عناوين بارزة مثل
" الرسول ينتخب إيران للقيادة "
في اشارة لما جاء كما في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد و الترمذي و ابن جرير و ابن أبي حاتم و الطبراني في الأوسط و البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله هذه الآية: «و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم - ثم لا يكونوا أمثالكم» فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على منكب سلمان ثم قال: هذا و قومه، و الذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس.
كنا نقرا وننبهر وننظر لبعضنا البعض ونقول تلك المقولة التي لا تزال ترن في مسامعي كلما أتذكر تلك الفترة
" خسارتهم شيعة "
كثيرا ما كنا نكرر تلك الجملة لأننا و لا ادري كيف رسخت في أذهاننا تلك العقيدة الخبيثة التي تقول " إن الشيعة كفار ، مشركون بل خارج الدائرة الاسلامية اصلا "
كيف لا وهم يعتقدون إن جبرائيل عليه السلام قد أخطا والعياذ بالله وانزل القرآن على محمد بدل علي
أما المتطرفون منهم فإنهم يقولون بإلوهية عليا ....
نعم كان ذاك هو اعتقادنا ، بل عندما كنت اسأل من البعض عن الشيعة اعرفهم للسائل بهذا التعريف - اسأل الله أن يغفر لي هاته الخطيئة الكبرى –