العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى الفقهي

المنتدى الفقهي المنتدى مخصص للحوزة العلمية والمسائل الفقهية

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي دروس في القواعد الفقهية21 درس
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:39 PM


الدرس الأول: نظرة في القواعد الفقهيّة

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى القاعدة في اللغة والاصطلاح.
- التعرّف على الفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسألة الفقهيّة.
- التعرّف على الفرق بين القواعد الفقهيّة والقواعد الأصوليّة.


--------------------------------------------------------------------------------
13

--------------------------------------------------------------------------------


مقدّمة
لا شبهة في أنَّ الفقه الإسلاميّ من أشرف العلوم وأجلّها مرتبة وقيمة من بين العلوم، كما أنَّه أهمُّ العلوم وأوسعها عملاً ونطاقاً، والفقه (الأحكام الشرعيّة) يُستنبط من الحجج والأمارات الشرعيّة (كالكتاب والسنَّة والإجماع والعقل)، وأكثر ما يُستنبط منه الحكم الشرعيّ هوالسنَّة (خصوصاً النصوص)، وتنبثق من هذه الأدلَّة الأصليّة جملةٌ من الضوابط والأصول (الكبريات)، فتسمَّى بـ "القواعد الفقهيّة"، وهي كبريات تُطبّق على مصاديقها، وهذه القواعد منتشرة في مختلف الأبواب وشتَّى المسائل، ولم يقم بتدوينها من الفقهاء إلا عددٌ قليلٌ، وعليه يكون تدوين القواعد ذا أهمية كبيرة معنىً ومدركاً ومورداً.1

فإنّه من ضروريّات المتبحِّر في الفقه الإسلاميّ (الّذي يروم الوصول إلى الفهم العلمي المركّز أو يسعى للوصول إلى مرتبة الاجتهاد) الإحاطة بنوعين من القواعد:
الأول: القواعد الأصوليّة، وترتكز عليها عملية استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة الكلّيَّة.


--------------------------------------------------------------------------------
15

--------------------------------------------------------------------------------


الثاني: القواعد الفقهيّة، وهي أحكام كلّيَّة يندرج تحت كلٍّ منها مجموعة من المسائل الشرعيّة المتشابهة، (ولها مصاديق كثيرة). وبالإحاطة بهذه القواعد ـ إضافة إلى بعض المعدَّات الأخرى للاجتهاد ـ تحصل للفقيه ملكة الاجتهاد الشرعيّ. وبقدر الإحاطة بتلك القواعد يعظم قدر الفقيه، وتتّضح مناهج الاستنباط لديه.2

تعريف القاعدة
في اللغة: تستعمل القاعدة، في اللغة، تارةً بمعنى الأمر الكلِّيّ المنطبق على جميع جزئيّاته:
القاعدة: حكمٌ كلّيّ ينطبق على جزئيّاته.3 والقاعدة في مصطلح أهل العلم: الضابطة، وهي الأمر الكلِّيّ المنطبق على جميع الجزئيّات، كما يقال: "كلّ إنسان حيوان، وكلّ ناطق إنسان" ونحوذلك.4

في الاصطلاح: القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلّيّ المنطبق على جميع جزئيّاته.5

فعندما تُضاف كلمة القاعدة إلى الفقه يُراد بها الحكم الشرعيّ الكلّيّ المستنبط من أدلّته، المنطبق على موارده الجزئيّة، فقاعدة: "من ملك شيئاً ملك الإقرار به" مثلاً هي حكم شرعيّ كلّيّ بعد أن يستنبطه الفقيه من مداركه يطبّقه على مصاديق متعدّدة، كنفوذ إقراره في بيعه، وشرائه، وهبته، وصلحه، وعاريته، وإجارته، وطلاقه، وعتقه. وسيأتي مزيد بيان لذلك عند البحث عن الفارق بينها وبين القاعدة الأصوليّة.


--------------------------------------------------------------------------------
16

--------------------------------------------------------------------------------


الفرق بين القاعدة الفقهيّة والقاعدة الأصوليّة
1- إنّ المستنتج من المسألة الأصوليّة لا يكون إلاّ حكماً كليّاً، بخلاف المستنتج من القاعدة الفقهيّة، فإنه يكون حكماً جزئيّاً، وإن صلحت في بعض الموارد "لاستنتاج الحكم الكليّ أيضاً، إلاّ أنّ صلاحيتها لاستنتاج الحكم الجزئيّ هوالمائز بينها وبين المسألة الأصوليّة، حيث إنّها لا تصلح إلاّ لاستنتاج حكم كلّيّ"6.

- توضيح ذلك: إنّ قاعدة الطهارة- مثلاً- تنتج من خلال تطبيقها على مواردها، أنّ هذا الماء طاهر، وذاك الثوب طاهر، وهذا الفراش طاهر وهكذا، وهذه أحكام جزئيّة خاصّة بموارد معيّنة، بينما يُستفاد من قاعدة حجيّة خبر الثقة أنّ العصير العنبيّ إذا غلا حرم، لا خصوص هذا العصير أوذاك، وأنّ البول من مأكول اللحم ذي النفس السائلة نجس، وهكذا. نعم بعض القواعد الفقهيّة قد تقدّم لنا حكماً كليّاً أيضاً في الموضوع الكليّ، كما لوشككنا في أنّ العصير العنبيّ إذا غلا فهل هوطاهر أم لا؟ وأن الفأرة طاهرة أم لا؟ فإنّنا نحكم بالطهارة في الموردين لأصالة الطهارة، والحكم بالطهارة في مثلهما حكم كليّ، إذ لا نظر فيه إلى عصير معيّن أوفأرة معيّنة، ومع هذا يبقى المائز بين المسألة الفقهيّة والمسألة الأصوليّة محفوظاً، وذلك بأن نقول: إنّ القاعدة الفقهية تنتج حكماً جزئيّاً غالباً، وقد تنتج حكماً كلّيّاً نادراً، وهذا بخلافه في المسألة الأصوليّة، فإنّها لا تعطينا إلاّ حكماً كلّيّاً دائماً.

2- إنّ نتيجة المسألة الفقهيّة قاعدة كانت أوغيرها بنفسها تلقى إلى العاميّ


--------------------------------------------------------------------------------
17

--------------------------------------------------------------------------------


غير المتمكّن من الاستنباط، فيقال له: كلّما دخل وقت الظهر، وكنت واجداً للشروط وجبت عليك الصلاة، أويُقال: كلّما فرغت من عملٍ وشككت في صحّته وفساده فلا يجب عليك الاعتناء به، فيذكر له جميع قيود الحكم الظاهريّ، وهذا بخلافه في المسألة الأصوليّة، فإنّ إعمال نتيجتها مختصٌّ بالمجتهد، ولاحظَّ للمقلّد فيها، ولا معنى لإلقائها إليه، بل الملقى إليه يكون الحكم المستنبط من تلك المسألة".7

- توضيح ذلك: إنّ القاعدة الفقهيّة يتعهّد المكلّف العامّيّ بتطبيقها دون المجتهد، بل يقدّم المجتهد كبرى قاعدة الطهارة، والمكلّف يطبّقها فيقول: هذا طاهر، وذاك طاهر، باعتباره مشكوك الطهارة، بدون حاجة إلى الرجوع إلى الفقيه ليتصدّى لاستنتاج ذلك، بخلاف كبرى حجيّة خبر الثقة، فتطبيقها على مواردها من وظيفة المجتهد، فهوالّذي يبحث عن الخبر الدّالّ على حرمة العصير العنبيّ، ويبحث عن وثاقة الراوي، ويطبّق كبرى حجيّة خبر الثقة عليه، بعد ثبوت كونه ثقة.

3- ما ذكره السيّد الخوئي قدس سره: "أنّ استفادة الأحكام الشرعيّة الإلهيّة من المسألة الأصوليّة من باب الاستنباط والتوسيط، لا من باب التطبيق، أي تطبيق مضامينها بنفسها على مصاديقها، ... والنكتة في اعتبار ذلك الاحتراز عن القواعد الفقهيّة، فإنّها قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعيّة الإلهيّة، ولا يكون ذلك من باب الاستنباط والتوسيط، بل من باب التطبيق".8


--------------------------------------------------------------------------------
18

--------------------------------------------------------------------------------


- توضيح ذلك: أنّ القاعدة الفقهيّة حكم شرعي عامّ، إذا طبِّق على موارده حصلنا على أحكام تتّفق ومضمون القاعدة، وتشكّل مصداقاً من مصاديقها، وليس شيئاً غير القاعدة، بل هي أحكام أضيق دائرة من القاعدة، بخلاف القاعدة الأصوليّة فإنّها بتطبيقها على مضامينها نحصل على أحكام مغايرة للقاعدة، فحجيّة خبر الثقة مثلاً - كقاعدة أصوليّة - يُستنتج منها وجوب صلاة الجمعة، وحرمة العصير العنبيّ إذا غلى، وهي أحكام شرعيّة مغايرة لخبر الثقة، ولا تشكِّل مِصداقاً من مصاديقه.

4- ما ذكره السيّد الشهيد الصدر قدس سره بقوله: "الميزان في أصوليّة القاعدة عدم اختصاص مجال الاستفادة والاستنباط منها بباب فقهيّ معيّن..., لأنّ قاعدة الطهارة، والقواعد الفقهيّة الاستدلالية، وإن كانت عامّة في نفسها، ولكنّها لا تبلغ درجة من العموميّة تجعلها مشتركة في استنباط الحكم في أبواب فقهيّة متعدِّدة، وهذا هوالذي يسوِّغ أن يكون البحث عن كلّ واحدة منها في المجال الفقهيّ المناسب لها، بخلاف القواعد الأصوليّة المشتركة في أبواب فقهيّة مختلفة، فإنّه لا مسوِّغ لجعلها جزءاً من بحوث باب فقهيّ معيّن دون سائر الأبواب".9

- توضيح ذلك: إنّ القاعدة الأصوليّة يستفيد منها الفقيه في أبواب فقهيّة مختلفة، ولا اختصاص لها بباب دون باب، كحجيّة خبر الثقة، والعموم والإطلاق، والمفهوم، ... ومقدّمة الواجب، بخلاف القاعدة الفقهيّة فإنّها تختصّ بباب معيّن كقاعدة الطهارة، فإنّها وإن استفيد منها حكم كلّيّ أحياناً إلّا أنّها تختصّ بباب الطهارة، ولا يُستفاد منها في أبواب فقهية أخرى.


--------------------------------------------------------------------------------
19

--------------------------------------------------------------------------------


نعم بعض المسائل الفقهيّة قد يتّسع مجالها كقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، حيث إنّها ترفع كلّ حكم ضرريّ، فتجري في الوضوء، والغسل، والصلاة، والصوم، والحجّ، وفي أغلب العقود والإيقاعات، إلاَّ أنّها تبقى محدودة في أبواب خاصّة، بدون أن تكون عنصراً مشتركاً في كلّ الأبواب الفقهيّة كما هو الحال في القاعدة الأصولية.

الفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسألة الفقهيّة
الفارق بينهما هوأنّ موضوع الأولى عامّ، ويمكن أن تكون له تطبيقات متعدَّدة مأخوذة منه كقاعدة الطهارة، بخلاف المسألة الفقهيّة، فإنّ موضوعها خاصّ، ولّما كان كذلك فلا تطبيقات لها بحيث يُستنتج منها أحكام تعدُّ مصاديق للقاعدة، بل المستنتج في المسألة الفقهيّة أحكام لموضوعات خاصّة، فقاعدة الطهارة مثلاً موضوعها أوسع من موضوع المسألة الفقهية، وتكون المسألة الفقهيّة مندرجة تحت القاعدة، فهذا الثوب طاهر، وذاك الفراش طاهر مسائل فقهيّة، وكذلك نفوذ إقرار الإنسان في بيعه، وشرائه، وهبته، وصلحه، وعاريته، وإجارته، وتزويجه، وطلاقه، وسائر العقود والإيقاعات مندرجة تحت قاعدة: "مَنْ ملك شيئاً ملك الإقرار به".


--------------------------------------------------------------------------------
20

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- القاعدة في اللغة قضيّة كلّيّة منطبقة على جزئيّاتها، وتستعمل اصطلاحاً في المعنى اللغويّ نفسه.
- عندما تُضاف كلمة القاعدة إلى الفقه يُراد بها الحكم الشرعيّ الكلّيّ المستنبط من أدلّته، المنطبق على موارده الجزئيّة.
- أهمّ الفروق بين القاعدة الفقهيّة والقاعدة الأصوليّة أنّ المستنتَج من المسألة الأصوليّة لا يكون إلّا حكماً كلّيّاً، بخلاف المستنتَج من القاعدة الفقهيَّة فإنّه يكون حكماً جزئيّاً غالباً.
- الفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسألة الفقهيّة هوأنّ موضوع الأولى عامّ، ويمكن أن تكون له تطبيقات متعدَّدة مأخوذة منه، بخلاف المسألة الفقهيّة، فإنّ موضوعها خاصّ، ولا تطبيقات لها، بل المستنتَج في المسألة الفقهيّة أحكام لموضوعات خاصّة.



مطالعة

تاريخ القواعد الفقهيّة
إنّ البذور الأولى لهذه القواعد زُرعت في الوسط العلميّ مبكِّراً، فنشاهد جذورَ هذه القواعد في نصوص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمّة المعصومين عليهم السلام . بل إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أوَّل من بدأ بطرح قواعد كلّيَّة فقهيّة، وغير فقهيّة، كبيان قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، وقاعدة "على اليد"، وحديث "الرفع"، وقاعدة "الجبّ"...، فإنَّه صلى الله عليه وآله وسلم صاحب جوامع الكلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أُعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي... وأُعطيت جوامع الكلم و..."10.

بل وردت بعض القواعد الكلّيَّة في الكتاب الكريم، كقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...﴾11، و﴿...أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ...﴾12، وغيرهما.
كما أنّنا نلاحظ بوضوح القواعد الكلّيّة في أحاديث الأئمّة عليهم السلام والكتب المدوَّنة فيها. ويمكن القول بأنَّهم كانوا أوَّل من فتح هذا الباب وبدأ ببيانها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تكن هذه القواعد بمحتواها أمراً مغفولاً عنه لديهم عليهم السلام ، فقد أملى الإمام الباقر عليه السلام ـ وأعقبه الإمام الصادق عليه السلام ـ على الأصحاب قواعد كلّيَّة في الاستنباط, رتّبها بعض الأصحاب قدّست أسرارهم، فروي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "الأشياء مطلقةٌ ما لم يرد عليها أمرٌ ونهيٌ، وكلُّ شيء يكون فيه حلالٌ وحرامٌ فهولك حلالٌ أبداً ما لم تعرف الحرامَ منه فتدعه"13.

وعنه عليه السلام أيضاً: "إنَّما علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن تفرِّعوا"14.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- القواعد الفقهيّة هي أحكام جزئيّة، يندرج تحت كلٍّ منها مجموعة من المسائل الشرعيّة المتشابهة من باب فقهيّ واحد أوأكثر.
2- القواعد الفقهيّة هي أحكام كلّيَّة، يندرج تحت كلٍّ منها مجموعة من المسائل الشرعيّة المتشابهة من باب فقهيّ واحد.
3- موضوع القاعدة الفقهيّة عامّ، ويمكن أن تكون له تطبيقات متعدَّدة مأخوذة منه، بينما موضوع المسألة الفقهيّة خاصّ.
4- القاعدة الفقهيّة حكم كلّيّ يُستنتج منها حكمٌ جزئيّ غالباً.
5- المستنتَج من القاعدة الأصوليّة لا يكون إلّا حكماً كلّيّاً دائماً.
6- القاعدة الفقهيّة يتعهّد المكلّف العامّيّ بتطبيقها، بينما يتكفّل المجتهد دون غيره بتطبيق القاعدة الأصوليّة.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- اشرح معنى القاعدة في اللغة؟
2- اشرح معنى القاعدة في الاصطلاح؟
3- كيف تقارب المعنى الاصطلاحيّ للقاعدة في علم الفقه؟
4- ما هوالفرق بين القاعدة الفقهيّة والقاعدة الأصوليّة ؟
5- ما هوالفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسألة الفقهية؟
6- ما هوالميزان في أصوليّة القاعدة ؟



هوامش
1- المصطفوي، محمد كاظم: مائة قاعدة فقهية، ط 3، قمّ المقدّسة، مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1417هـ.ق، ص5.
2-العاملي، القواعدوالفوائد، م.س، ج1، مقدّمة التحقيق، ص3.
3- فتح الله،أحمد: معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ط1، السعودية - الدمام، مطابع المدوخل، 1415هـ.ق/ 1995م، ص261.
4- الطريحي، فخرالدين: مجمع البحرين، ط2، طهران، نشر مرتضوي, چابخانه طراوت، 1362هـ.ش، ج3، ص131.
5- الفيُّومي، مصباح المنير،لاط، لام، دار الفكر، لات، ج2،ص510.
6- النائيني، حسين: فوائد الأصول، تقرير الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، تعليق الشيخ آغاضياء الدين العراقي،لاط،مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، قمّ المقدّسة، 1404هـ.ق، ج1 ص19.
7- الخوئي، أبوالقاسم: أجود التقريرات،ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة مطبوعات ديني, مطبعة أهل البيت عليهم السلام ، 1369هـ.ش، ج4،ص345. عن تقريرات المحقّق النائيني قدس سره.
8- الخوئي، محاضرات في أصول الفقه، م.س، ص11.
9- الهاشمي، محمود: بحوث في علم الأصول، ط3، إيران، مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي, مطبعة فروردين، 1418هـ.ق/ 1996م، ج1، ص26.
10- الحرّ العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، قم المقدّسة، مطبعة مهر، 1414هـ.ق، ج3، باب7 من أبواب التيمّم، ح4، ص351.
11- الحج: 78.
12- المائدة: 1.
13- الطوسي، الأمالي، م.س، ح1405، ص669.
14- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج27، باب 6 من أبواب صفات القاضي...، ح51، ص61-62.


يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:40 PM


الدرس الثاني: قاعدة الفراغ والتجاوز

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة الفراغ والتجاوز وأدلّتهما.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التعرّف على إمكانية جريان قاعدة الفراغ والتجاوز في مختلف الأبواب الفقهيّة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
25

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
إنّ من القواعد المهمَّة الّتي اشتهرت على ألسنة الفقهاء المتأخِّرين1 حتّى صارت كالمسلّمات الدائرة بينهم، هي قاعدة التجاوز والفراغ، وإن اختلفوا في أنّها هل ترجع إلى قاعدتين: (التجاوز) و(الفراغ)، أوهي قاعدة واحدة يعبّر عنها باسم تارة، وبآخر أخرى، بحسب اختلاف المقامات؟ وهي المدرك الوحيد لكثير من الفروع الفقهيّة في أبوابها، ولذا وضع غير واحد من المحقّقين رسالات خاصّة بها.

في بيان المراد من القاعدة
قاعدة الفراغ: معنى القاعدة هوالحكم بصحّة العمل المركّب الّذي شُكّ في صحّته بعد الفراغ منه (أي الشكّ بعد تمامية الفعل المركّب ونهايته)، كالشكّ في صحّة الصلاة (لاحتمال الخلل)، فيُحكَم بصحّة الصلاة وتماميّتها، ولا يترتّب الأثر على الشكّ2, ولهذا يفتي الفقهاء بأنّ المكلّف إذا فرغ من عمل عباديّ


--------------------------------------------------------------------------------
27

--------------------------------------------------------------------------------


معيّن كالوضوء أوالصلاة مثلاً، ثمَّ شكَّ في صحّته، فإنّه يبني على الصحّة، ولا يعتني بشكّه. وقيل إنّ قاعدة الفراع لا تختص بالشك في صحة الكلّ، بل تعمّ الشكّ في صحّة الجزء أيضاً، فمن شكّ في صحّة الفاتحة بعد الفراغ منها يبني على الصحّة، ومن شكَّ في صحّة تكبيرة الإحرام بعد الفراغ منها يبني على الصحّة، وهكذا...

قاعدة التجاوز: وأمّا قاعدة التجاوز فهي ‏الحكم بوجود عمل شُكَّ في وجوده بعد التجاوز عن‏ محلّه والدخول في غيره، أوبعد ما خرج وقته (علماً بأنّ الشكّ في أجزاء المركّب هنا يعني الشك في أثناء الفعل). فالمصلّي إذا شكّ في وجود3 جزء من أجزاء الصلاة بعد أن تجاوز محلّه لم يعتن بشكّه، واعتبر الجزء المشكوك كأنّه موجود، وبنى على صحّة صلاته. فهي قاعدة مجعولة لحكم الشكّ ‏في وجود الشيء بمفاد كان التامّة، بعد الخروج عن محلّه والدخول ‏في غيره، وهوالبناء على وجود المشكوك فيه، وحكمه عدم ‏الاعتناء بالشكّ، وصحّة العمل. قال السيد الخوئي قدس سره: "ملاك قاعدة التجاوز هو الشكّ في وجود الشيء بعد التجاوز عن محلّه"4 واشترط المحقّق النائيني قدس سره الدخول في الجزء الآخر"5.

في بيان مدرك القاعدة
يستدلّ على القاعدة بالأخبار المستفيضة الواردة في أبواب مختلفة6: بعضها مختصّة بالطهارة أوالصلاة، وبعضها عامّة لا تقييد فيها بشيء، وقسم ثالث منها وإن كان وارداً في مورد خاصّ، ولكنّه مشتمل على كبرى كليّة يُستفاد منها


--------------------------------------------------------------------------------
28

--------------------------------------------------------------------------------


قاعدة كليّة شاملة لسائر الأبواب الفقهيّة. ونحن نكتفي بذكر بعض الروايات بما يلبّي الحاجة اختصاراً.

1- ما رواه زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر؟ قال يمضي، قلت: رجل شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال يمضي، قلت: شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال: يمضي، قلت: شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال: يمضى على صلاته، ثم قال: يا زرارة، إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكُّك ليس بشيء"7.

هذه الرواية، بحسب ظاهرها، شاملة للطهارة والصلاة، وغيرهما من العبادات، بل تشمل جميع المركّبات الّتي لها أثر شرعيّ في أبواب العبادات والمعاملات, لعموم لفظ "شيء" فيها. ولكنّ ظاهرها بقرينة قوله: "خرجت من..." اختصاصه بالشكّ في صحّته بعد الفراغ عن أصل وجوده، فانّ الخروج عن الشيء - بحسب الظهور الأوّليّ - هوالخروج عن نفسه لا عن محلّه. كما أنّ ظاهره، بادئ الأمر، هواعتبار الدخول في الغير، إلّا أن يكون جارياً مجرى الغالب, لأنّ الإنسان لا يخلومن فعل ما غالباً، فكلّما خرج من شيء دخل في غيره عادة، فيكون قوله: "ودخلت في غيره" من باب التأكيد للخروج من الفعل الأوّل.

- وتوضيح ذلك: إنّ قاعدة الفراغ ناظرة إلى الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ منه، بينما قاعدة التجاوز ناظرة إلى الشكّ في الإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق.
فلو شكّ المصلّي في صلاته تارة يكون شكّه في صحّتها بعد الفراغ منها، وأخرى يشكّ في أثنائها بالإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق. فإنْ شكّ في صحّتها بعد الفراغ منها حكم بصحّتها، وذلك مضمون قاعدة


--------------------------------------------------------------------------------
29

--------------------------------------------------------------------------------


الفراغ. وإن شك في الإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في اللاحق حكم بتحقّقه، وذلك مضمون قاعدة التجاوز.

وبعبارة أوضح: أنً المصلي تارة يشك في صحة ما أتى به بعد جزمه بإتيانه به، سواء أكان ما شك في صحته هو الكل أم الجزء، وأخرى يشك في أصل إتيانه بالشيء. ففي الحالة الأولى يحكم عليه بصحة ما أتى به، وذلك هو مضمون قاعدة الفراغ، من دون تخصيصها بالشك في صحة الكل بل تعم الشك في صحة الجزء أيضاً. وفي الحالة الثانية يحكم بتحقّق الجزء المشكوك، وذلك مضمون قاعدة التجاوز. والأخبار الواردة في المسألة على نحوين، فبعضها ناظر إلى الحكم بوجود الشيء المشكوك، وبعضها الآخر ناظر إلى الحكم بصحة الشيء المشكوك.

2- عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو"8.
دلّت على الحكم بالصحّة والتماميّة، بالنسبة إلى العمل الذي شكّ فيه بعد الفراغ منه، وهي أعمّ من أن يكون المشكوك هوجزء العمل أوتمامه.
وهي ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير. إلّا أن يقال بأنّ إطلاقها منصرف إلى ما هو الغالب من تلازم بين مضيّ الشيء وبين الدخول في الآخر، ولكنّها من حيث اختصاصها بالشكّ في الصحّة دون أصل الوجود كالرواية الأولى، وإن كان القول بالتعميم (هنا) أقرب, لأنّ إطلاق مضيّ الشيء على مضي وقته أو محلّه كثير، يقال: مضت الصلاة أي فات وقتها9.

3- عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا شكّكت في شيء


--------------------------------------------------------------------------------
30

--------------------------------------------------------------------------------


من الوضوء، وقد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه"10. والرواية عامّة للشكّ في الصحّة والوجود معاً، وليست مختصّة بأحدهما، فظاهر صدرها التعميم، فإنّ الشكّ في شيء من الوضوء أعمّ من الشكّ في أصل الوضوء أو صحته.

4- عن إسماعيل بن جابر قال: قال أبوجعفر عليه السلام: "إنْ شكَّ في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شكّ في السجود بعدما قام فليمضِ، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه".11

وصدر الرواية وإن كان مختصًّا بباب أجزاء الصلاة، إلّا أنّ ذيلها قضيّة عامّة كالرواية الأولى، وظهورها (بادئ الأمر) في اعتبارالدخول في الجزء الآخر مثلها.

5- صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "كلُّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد"12، دلّت على أنّ كلّ صلاة شكّ في صحّتها بعد الإتيان يُحكم بالصحّة والتماميّة.

وبالنتيجة يُستفاد من هذه الأدلّة وغيرها حجيّة مدّرك قاعدة الفراغ والتجاوز، فالروايات صحيحة السند، صريحة أو ظاهرة الدلالة على المطلوب في موردي الفراغ والتجاوز.


--------------------------------------------------------------------------------
31

--------------------------------------------------------------------------------


اعتبار الدخول في الجزء الآخر
يقع الكلام تارة في اعتبار هذا القيد في قاعدة التجاوز، وأخرى في اعتباره في قاعدة الفراغ.
- أمّا اعتباره في قاعدة التجاوز فمّما لا ينبغي الارتياب فيه, لكونه مصرّحاً به في صحيحة زرارة13، قال: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء"، وموثّق إسماعيل بن جابر: "كلُّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمضِ عليه"،14 ورواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: "إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه".15

- وأما اعتباره في قاعدة الفراغ، فإنّ النظر لا يساعد عليه, فإنّ المذكور في الأدلّة عنوان: "ممّا قد مضى"، وهو صادق على انقضاء الفعل سواء أدخل في فعل وجوديّ غير ما مضى أم لم يدخل فيه، خصوصاً إذا فسّرنا "غير" بمطلق المغاير للصلاة - مثلاً -، فإنّ الإنسان لا يخلو (بعد انتهاء الفعل) من الحركة أوالسكون. فالمتحصِّل هو عدم اعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ، بل يكفي صدق عنوان: "أنّ الفعل قد مضى"، وعليه، فإذا شكّ الإنسان في صحّة الصلاة لشكّه في آخر جزء منها بعد الفراغ منها، وهولا زال جالساً، فيبني على صحّة صلاته، بخلاف ما لواعتبرنا الدخول في غيره فإنه يجب إعادة التسليم.

ماذا يراد من الجزء الآخر؟
قد وقع الاختلاف في المراد بغير المشكوك المعتبر في قاعدة التجاوز، بين


--------------------------------------------------------------------------------
32

--------------------------------------------------------------------------------


متمسّك بإرادة الأجزاء المستقلّة, تمسّكاً بلفظ ما جاء في الأخبار، وبين من ذهب إلى القول بالعموم, اعتماداً على ما جاء من كلمات تفيد ذلك في الأخبار أيضاً، فهنا قولان:
الأوّل: اشتراط الدخول في الأجزاء المستقلّة:اختار جماعة منهم الشيخ النائينيّ اعتبار الدخول في الأجزاء المستقلّة، ولا يكفي الدخول في أجزاء الأجزاء16, لأنّ القدر المتيقّن من غيره الأجزاء المستقلّة المذكورة في صحيحة زرارة من الشكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة، والشكّ في الإقامة بعد الدخول في التكبير... الخ، ولا يجب الوقوف عند الأجزاء المذكورة لفظاً، بل يمكن إجراؤها في غيرها من الأجزاء المستقلّة، كما إذا شك في السجود بعد الدخول في التشهّد، لأنّ المتّبع إطلاق قوله عليه السلام: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء". فالمقصود من الدخول في "غيره" هنا الدخول في الجزء المستقلّ، بحسب الاصطلاح، على ألسنة المتشرّعة دون غيره كجزء الجزء ونحوه.

الثاني: اشتراط الدخول في الأجزاء المستقلّة وغيرها: ذهب فريق آخر إلى أنّ المناسب التعميم لتشمل القاعدة الأجزاء المستقلّة وغيرها من أجزاء الأجزاء، وأجزاء أجزاء الأجزاء، تمسّكاً بإطلاق كلمة "غيره" الواردة في صحيحة زرارة، حيث لم تقيّد بما إذا كان الغير جزءاً مستقلًّا بحسب الاصطلاح.

وعليه إذا شكّ المكلّف في القراءة بعد الدخول في الركوع، أو شكّ في قراءة الحمد بعد الدخول في السورة، أوشكّ في آية بعد الدخول في آية أخرى، فلا يعتني بشكّه كما هو واضح. نعم لا تجري قاعدة الفراغ فيما لو دخل في


--------------------------------------------------------------------------------
33

--------------------------------------------------------------------------------


كلمةٍ وشكّ في سابقتها، فضلاً عمّا إذا دخل في حرفٍ وشك في سابقه، لعدم صدق الخروج منه والدخول في غيره - عرفاً -، وإن كان الإطلاق صادقاً بالدقّة العقليّة.

عموم القاعدتين
وقع البحث في عموم القاعدتين وإمكانيّة الاستناد إليهما في مختلف الأبواب الفقهيّة أم لا، ونظراً لاختلاف الأدلّة يقع الكلام في مقامين:
الأوّل: في قاعدة الفراغ:
أمّا قاعدة الفراغ فينبغي الجزم بعمومها، فهي عامّة، وإن كانت أغلب نصوصها قد وردت في باب الطهارة أوالصلاة، كرواية محمّد بن مسلم17، ولكن يمكن استفادة العموم من موثّق ابن بكير في قوله عليه السلام: "كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو". وعموم التعليل كما في بعض الأخبار كقوله: "هو حين يتوضأ أَذْكَرُ منه حين يشكُّ"، وقوله: "وكان حين انصرفَ أَقْرَبَ إلى الحقّ منه بعد ذلك"، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في كلّ مركّب شرعيّ إذا شكّ في صحّته بعد الفراغ منه وإحراز أصل وجوده.

الثاني: قاعدة التجاوز:
أمّا قاعدة التجاوز فهي من القواعد العامّة أيضاً، وقد خرج عنها الوضوء للنصوص الخاصّة، ووجود القدر المتيقَن في مقام التخاطب في صحيحة زرارة لا يمنع من انعقاد الإطلاق في القاعدة, لقول الإمام عليه السلام في آخرها: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء". أوبناءً على أنّ عموم موثقة محمّد بن مسلم، كما يشمل الشكّ في صحّة المركّب بعد الفراغ


--------------------------------------------------------------------------------
34

--------------------------------------------------------------------------------


منه، كذلك يشمل الشكّ في صحّة أوأصل تحقّقه، فلا تختصّ القاعدة بالطهارة والصلاة، بل تعمّ جميع العبادات بل والمعاملات أيضاً.

عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء
لقد أجمع الأعلام على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء، قبل إتمام الوضوء، يأتي به وإنْ دخل في فعل آخر، فمن شكّ في غسل الوجه وهويغسل اليد اليمنى وجب عليه إعادة غسل الوجه. ومستند خروج الوضوء من القاعدة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أوتمسحْهُ، ممّا سمّى الله ما دمت في حالة الوضوء، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه، وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أوفي غيرها، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه"18، وهي صريحة في وجوب الاعتناء بالشكّ، والإتيان بالمشكوك مادام مشتغلاً بالوضوء، وأنّ عدم الاعتناء به يختصّ بصورة الفراغ منه والدخول في حال آخر.

اشتراط عدم العلم بالغفلة حين العمل في القاعدتين
توضيح ذلك: إنّه تارة يفرض أنّ الشخص بعد فراغه من العمل، وطروالشكّ عليه، يقطع بكونه حين العمل كان غافلاً عن الجزء أوالشرط المشكوك، وأخرى يفترض احتماله الالتفات. فمثلاً الشخص الّذي يتوضّأ وهولابس الخاتم، وبعد إتمامه الوضوء شكّ هل وصل الماء تحته، أولا19؟

فهنا يوجد حالتان: الأولى: يحتمل أنّه كان حالة الوضوء ملتفتاً إلى الخاتم،


--------------------------------------------------------------------------------
35

--------------------------------------------------------------------------------


وإلى تحريكه وإيصال الماء تحته. ففي هذه الحالة لا إشكال في جواز تطبيق قاعدة الفراغ. الثانية: إنّه تارة يقطع بكونه كان غافلاً حالة الوضوء(حين العمل) عن وجود الخاتم بيده، وعن تحريكه، غايته يحتمل تسرّب الماء تحته بلا التفات منه، ففي هذه الحالة عند القطع بكونه كان حين العمل غافلاً عن الجزء أوالشرط المشكوك، فقد رفض بعض الأعلام كالسيّد الخوئيّ قدس سره والسيّد الشهيد قدس سره تطبيق قاعدة الفراغ، مدّعياً عدم شمولها لمثل ذلك, لأنّ جريان قاعدة التجاوز والفراغ مختصٌّ بما إذا كان الشكّ ناشئاً من احتمال الغفلة والسهو، فلا مجال لجريانهما فيما إذا احتمل ترك الجزء أوالشرط عمد, لأنّ القاعدة ليست من القواعد التعبّديّة بل إمضاء لقاعدة ارتكازيّة عقلائيّة، وهي أصالة عدم الغفلة, لظهور حالهم حين الامتثال في عدم الغفلة، ولا يُستفاد من الأدلّة أزيد من هذا المعنى، مضافاً إلى دلالة التعليل المذكور في بعض الروايات على الاختصاص، فإنّ كونه "أذكر" إنّما ينافي الترك السهويّ، لا الترك العمديّ، كما هوواضح20.


--------------------------------------------------------------------------------
36

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة الفراغ: هي الحكم بصحَّة العمل الّذي يُشكُّ في صحَّته وتماميّته بعد الفراغ منه.
- قاعدة التجاوز: هي الحكم بصحّة العمل وتحقُّق الجزء الذي يشكُّ في تحقُّقه وإيجاده بعد تجاوز موضع الشكّ ومحلِّه والدخول في غيره.
- تجري قاعدة الفراغ في كلِّ مركَّب فرغ منه المكلَّف وتعقَّبه الشكّ، في أبواب الصَّلاة والطَّهارة كالغسل والوضوء والتيمُّم، بل جميع العبادات والمعاملات.
- اختار جماعة اعتبار الدخول في الأجزاء المستقلّة ولا يكفي الدخول في أجزاء الأجزاء, لأنّ القدر المتيقّن من غيره الأجزاء المستقلّة.
- ذهب فريق آخر إلى أنّ المناسب التعميم لتشمل القاعدة الأجزاء المستقلّة وغيرها من أجزاء الأجزاء، وأجزاء أجزاء الأجزاء، تمسّكاً بإطلاق كلمة "غيره".
- ينبغي الجزم في عموم قاعدة الفراغ، والاستناد إليها في مختلف الأبواب الفقهيّة، فهي عامّة، وإن كانت أغلب نصوصها قد وردت في باب الطهارة أوالصلاة.
- يمكن أن يُقال بعموم قاعدة التجاوز, للإطلاق في صحيحة زرارة، ولا يمنع من انعقاد الإطلاق وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب.
- تجري قاعدة التجاوز في أجزاء المركَّب إذا كان الشكّ بعد تجاوز محلّه، فتجري في الصَّلاة أيضاً، ولا تجري عند الشكّ في أجزاء الوضوء قبل القيام عن محلّ الوضوء، وقد أُلحق الغسل والتيمُّم بالوضوء للدليل الخاصّ.
- لقد أجمع الأعلام على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، فإنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء، قبل إتمام الوضوء يأتي به وإنْ دخل في فعل آخر.



مطالعة

القواعد والفوائد للشهيد الأوّل
يعتبر كتاب "القواعد والفوائد" أوَّل تأليف مستقلّ وصل إلينا في قواعد الفقه الإماميّ وفروعه، وقد قال عنه الشهيد الأوَّل قدس سره في إجازته لابن الخازن الحائريّ: "فممَّا صنعته كتاب القواعد والفوائد، مختصر يشتمل على ضوابط كلّيَّة أصوليَّة وفرعيَّة، تُستنبط منها الأحكام الشرعيَّة، لم يعمل الأصحاب مثله"21. وقد احتوى هذا الكتاب على ما يقرب من ثلاث مئة وثلاثين قاعدة، إضافةً إلى فوائد تقرب من مئة فائدة، عدا التنبيهات والفروع.

أمَّا منهج الشهيد قدس سره في هذا الكتاب22 فهو أنَّه يورد القاعدة أو الفائدة ثمّ يبيِّن ما يندرج تحتها من فروعٍ فقهيَّة، وما قد يرد عليها من استثناءات إن كان هناك استثناء منها.ولم يقتصر الشهيد قدس سره على بيان رأي الإماميّة في ما يذكره من المسائل فحسب، بل اتَّخذ منهج المقارنة في أغلب الفروع الفقهيّة، فيعرض ما قيل من الوجوه سواءً أكان القائل إماميَّاً أم غيره، كما أنَّه قد يذكر قولاً نادراً تفرَّد به بعض الإماميّة أو غيرهم. ولا يكتفي بنقل تلك الأقوال والوجوه في المسألة الفقهيّة، بل هو ـ غالباً ـ ما يذكر أدلَّتها وحججها، ويناقش ما لا يرتضيه منها مناقشات جليلة.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة أو خطأ في المكان المناسب:
1- معنى قاعدة الفراغ هوالحكم بصحّة العمل المركّب، الّذي شُكّ في صحّته بعد الفراغ منه والدخول في غيره.
2- معنى قاعدة التجاوز هو‏الحكم بوجود عمل شُكّ في وجوده، بعد التجاوز عن ‏محلّه بعد ما خرج وقته.
3- مورد قاعدة الفراغ والتجاوز هوالشكّ المتعلّق بالشبهات الموضوعيّة، دون الشكّ المتعلّق بالشبهات الحكميّة.
4- يُشترط في تطبيق قاعدة الفراغ الدخول في غير المشكوك من الأجزاء.
5- يُشترط في تطبيق قاعدة التجاوز الدخول في غير المشكوك من الأجزاء.
6- الدخول في غيره يصدق على الدخول في أجزاء الأجزاء.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- إذا قطع بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، ولكنّه شكّ في أنّه هل كان هناك مسوِّغ لذلك من جبيرةٍ أوضرورة أوتقيّة، أم فعل ذلك من غير مسوّغ شرعيّ؟ فهل يمكن الالتزام بقاعدة الفراغ للحكم بالصحّة؟
2- إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله، ولكن شكّ في أنّه هل عدل عنه باختياره أوباضطرار؟ فهل تجري قاعدة الفراغ للحكم بالصحّة؟
3- إذا علم بوجود مانع، وعلم زمان حدوثه، وشكّ في أنّ الوضوء هل كان قبل حدوثه أوبعده؟ فهل يُبنى على الصحّة أم الفساد؟ ولماذا؟
4- إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجساً فتوضّأ، وشكّ بعده في أنّه طهّره ثمّ توضّأ أم لا، فما حكم هذا الوضوء؟ وما حكم الوضوء لما يأتي من الأعمال؟
5- إذا شكّ بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه، فما حكم الصلاة؟ وما حكم البناء على هذا الوضوء بالنسبة إلى لصلاة الآتية؟ وما حكم الشكّ السابق لوكان في أثناء الصلاة؟
6- إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءاً ثمّ تبدّل يقينه إلى شكّ؟ فهل يحكم ببطلان الوضوء أم بصحّته؟ ولماذا؟



هوامش

1- لم تكن قاعدة الفراغ والتجاوز معروفة عند القدماء كمعروفيّتها عند المتأخِّرين وإن استند إليها بعضهم أحياناً في مسائل الطهارة والصلاة، لكن لا بعنوان أنّها قاعدة كلّية سارية في معظم أبواب الفقه.
2- المصطفوي، مائة قاعدة فقهية، ص 187.
3- أي: شكّ في الإتيان به.
4- الخوئي، مصباح الأصول، ج3، ص 279.
5- المحقّق النائيني: أجود التقريرات: ج2، ص 465.
6- الشيرازي، ناصر مكارم: القواعد الفقهية، ط 3، قم المقدّسة، مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، 1411هـ.ق، ج1،ص213.
7- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج5، الباب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح1، ص237.
8- م.ن، ح3، 237-238.
9- الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص214.
10- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج1، الباب 42 من أبواب الوضوء، ح5، ص331.
11- م.ن، ج4، الباب 13 من أبواب الركوع، ح4، ص318.
12- م.ن، ج5، باب 27 من أبواب الخلل، ح2، ص343.
13- م.ن، الباب 23 في أبواب الخلل الواقع في الصلاة،ح1، ص237.
14- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج4، الباب 13 من أبواب الركوع، ح4، ص318.
15- م.ن، ج1، الباب 42 من أبواب الوضوء، ح2، 469-470.
16- الخوئي، أجود التقريرات، م.س، ج2، ص473.
17- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج5، الباب27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.
18- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج1، الباب 42 في أبواب الوضوء، ح1.
19- هاتان حالتان ولا ثالثة لهما، إذ الثالثة ليست هي إلا حالة القطع بالالتفات، ومعها لا يبقى مجال للشكّ واحتمال عدم وصول الماء ليحتاج إلى تطبيق قاعدة الفراغ.
20- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج3، ص268.
21- العاملي، محمّد بن مكّي (الشهيد الأوّل): غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، تحقيق ونشر مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية،ط1، قم المقدّسة، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ.ق، ج1، مقدّمة التحقيق، ص106.
22- انظر: العاملي، محمّد بن مكّي (الشهيد الأوّل): القواعد والفوائد، تحقيق السيّدعبدالهادي الحكيم، لاط، قم المقدّسة، منشورات مكتبة المفيد، لات، ج1، مقدّمة التحقيق، ص8.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:40 PM


الدرس الثالث: قاعدة لا تُعاد الصلاة

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة لا تُعاد الصلاة وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
41

--------------------------------------------------------------------------------


مقدّمة
قاعدة "لا تُعاد الصلاة إلّا من خمسة" من القواعد الفقهيّة التي تنطبق على فروع كثيرة مذكورة في الفقه، في أبواب الخلل من كتاب الصلاة. ولا إشكال في اختصاص هذه القاعدة بباب الصلاة، حيث إنّها واردةلتصحيح الصلاة، ونفي لزوم إعادته, إذا كان ‏الخلل الواقع فيهامن غير الخمسة المذكورة في الرواية وهي: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود.

بيان المراد من القاعدة
معنى القاعدة هوعدم وجوب إعادة1 الصلاة في فرض وقوع الخلل فيها، إلّا في الموارد الخمسة المنصوصة في الحديث (الركوع أوالسجود أوالطهارة من الحدث والقبلة والوقت) وعليه، إذا ورد الخلل في الصلاة، من غير عمد ولا تقصير، ولم يكن ذلك الخلل في أحد الأمور الخمسة المذكورة في الحديث، فلا يجب إعادة الصلاة.


--------------------------------------------------------------------------------
43

--------------------------------------------------------------------------------


اختصاص القاعدة بحالة الفراغ من الصلاة
تختصّ القاعدة بحالة الفراغ من الصلاة, لأنّ القدر المتيقّن من الحديث مختصّ في حالة فراغ المكلّف من الصلاة، وبعد الفراغ منها يتّضح له الخلل فيها، بترك جزء أوشرط. وأمّا إذا اتّضح ذلك له في أثناء العمل، فقد يقال بعدم شمول الحديث له, لأنّ التعبير بالإعادة يدلّ على فرض الفراغ من العمل، وإلّا فلا معنى للإعادة وعدمها. وهكذا التعبير بالصلاة يدلّ على إرادة تمام الصلاة.

شمول القاعدة لحالتيّ النقصان والزيادة:
بعد ثبوت عدم وجوب إعادة الصلاة في فرض وقوع الخلل فيها إلّا في الموارد المستثناة في الرواية، من المناسب أن نحدّد ما هونوع هذا الخلل المفهوم من الرواية؟ والجواب أنّ الخلل في الصلاة، هنا، ينحصر بين النقصان بترك جزء أوشرط فيها، والزيادة بزيادة جزء أوشرط فيها.

وقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنّ القدر المتيقّن من الحديث هوالأوّل، أعني النقصان. وهذا لا يعني عدم شمولها للإخلال في حالة الزيادة، وإن كان ثلاثة من الخمسة "الوقت والقبلة والطهور" لا يتصوّر فيها الزيادة, لأنّ عدم قبول بعض الأفراد للزيادة لا يمنع من التمسّك بالإطلاق، بلحاظ ما يقبل ذلك2.

بيان المراد من الطهور في الرواية:
إنّ كلمة الطهارة الواردة في الصحيحة وإن كانت أعمّ من الطهارة الحدثيّة والخبثية، ولكنّ الظاهر اختصاصها بالطهارة الحدثيّة دون الخبثيّة، وتقريب ذلك أنّ الرواية واردة في بيان أنّ الإخلال بما فرضه الله ناقض للصلاة، دون


--------------------------------------------------------------------------------
44

--------------------------------------------------------------------------------


ما كان منشأ التشريع فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "ولا تنقض السنّةُ الفريضةَ"3، وحيث إنَّ الطهارة الحدثيّة، سواء أكانت وضوءاً أم غسلاً أم تيمّماً، ممّا نصَّ الله تعالى عليه بقوله: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ...ï´¾،4 فتركها ناقض للصلاة، دون الطهارة الخبثيّة، حيث لم ترد في نصّ قرآنيّ، فوجودها سهواً ليس ناقضاً للصلاة, لعدم النصّ القرآنيّ عليها، بل جاء تشريعها وتفصيلها من السنّة المطهّرة.

بيان مدرك القاعدة
المدرك للقاعدة المذكورة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: "لا تُعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود. ثمّ قال عليه السلام: القراءة سنَّة والتشهُّد سنة والتكبير سنّة، ولا تنقض السنّة5 الفريضة"6.

ولا ينبغي الإشكال في أنّ المستفاد منها كبرى كليّة، وهي أنّ الصلاة مشتملة على‏صنفين من القيود:
الأوّل: صنف منها قيود مهمّة خطيرة يعبّر عنها بالفرض، تكون مفروضة من قبل الله سبحانه في‏القرآن الكريم، ولا بدَّ من حفظها، وعدم الإخلال بها، حتّى سهواً.
الثاني: وصنف آخر قيود أقلّ أهمّيّة وركنيّة يعبَّر عنها بالسنّة، والسنّة تُطلق بالأصل بمعنى ما جعله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وفرضه قولاً أوعملاً، في‏ قبال ما فرضه


--------------------------------------------------------------------------------
45

--------------------------------------------------------------------------------


الله سبحانه في القرآن الكريم، وأمّا استخدام السنّة بمعنى المستحبّ في قبال الواجب، فهو مصطلح محدث من الفقهاء دارج على ألسنتهم، والظاهر أنّ المراد بها (في المقام) هوالمعنى الأوّل، برغم عطف التكبير في ذيل صحيح زرارة على التشهّد والقراءة، في‏سياق بيان السنّة، وظاهره غير تكبيرة الإحرام، وهومستحبّ، إلّا أنّه مع ذلك يناسب كلا المعنيين كما هوواضح، فيكون المعنى الثاني هوالظاهر, لتصريح جملة من الروايات السابقة وغيرها، بلزوم سائر الأجزاء غير الركنيّة في الصلاة، بل ووجوب الإعادة إذا ترك شيئاً منها متعمِّداً، فهي واجبة كالأركان، إلّا أنّه يكون لأجل‏ متابعةالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أوأمره، لا من جهة فرض الله سبحانه وتعالى في القرآن، ومن هنا لم تجب الإعادة بالإخلال به إلّا عن عمد، بل لعلّ المعنى الثاني للسنّة اصطلاح متأخِّر7.

وعلى كلّ حال، فقد دلّت هذه الصحيحة على عدم وجوب إعادة الصلاة عند وقوع الخلل فيها، إلّا إذا كان الإخلال في أحد الأمور الخمسة المنصوصة، والدلالة - بعد صحّة السند - صريحة لا إشكال فيها.

كيف نوفّق بين أدلّة الأركان ومفاد الحديث؟
وقع الإشكال في الجمع بين مفاد الحديث، ومفاد أدلّة الركنيّة وأدلّة الجزئيّة، فلا بدَّ من حلّ هذه الإشكالية. حيث إنّ مفاد الحديث هو حصر الإعادة في فرض النقص أو الزيادة الواقع بوساطة أحد الأمور الخمسة، ولكن دلّت الأدلّة الخاصّة - المتّفق عليها بين الفقهاء - أنّ مثل التكبير والنيّة والقيام هي من الأركان، وتجب الإعادة عند وقوع الخلل بكلّ واحد منها بلا فرق بين الزيادة أو النقصان، مع العلم أنّ الحديث لم يذكر إلّا ركنين من الأركان الخمسة المبطلة للصلاة عند وقوع الخلل فيه زيادة أو نقصاناً. فكيف يمكن التوفيق بين مفاد


--------------------------------------------------------------------------------
46

--------------------------------------------------------------------------------


الحديث ومفاد أدلّة الأركان؟ وللإجابة عن هذا الإشكال نقول:
- إنّ التكبير والنيّة معاً مفتاح الصلاة، والقيام الركنيّ (في أحد مورديه) يتحقّق في ضمن التكبير، أمّا النيّة فإنّ الفعل لا يُسمّى صلاة إلّا بعد تحقّقها، والصحيحة كأنّها تفرغ عن فعل سُمّي بالصلاة، فقالت: "لا تعاد الصلاة"، أي بعد تمام النيّة.

- وأمّا القيام فإنّ حقيقة الركوع هي الانحناء عن قيام، فالهويّ عنه إلى الحدّ المعتبر في الركوع داخل في حقيقته ومتقوّم به، فالإخلال به إخلال بالركوع، فلا ركوع حقيقة واصطلاحاً إن لم يكن عن قيام، ولذا اكتفى بذكره دونه.فمفاد الحديث هوبيان الوظيفةبعد تحقّق الصلاة. وبعبارة واضحة يقال: إنّ الصلاة لا توجد بدون الأمور الثلاثة، والحديث يبيّن الحكم بعد التكوّن والإقامة، فيكون مفاده في طول هذه الأمور الثلاثة، فلا تعارض في المقام.

عدم شمول الحديث للعامد
إنّ حديث "لا تُعاد" لا يشمل الترك العمديّ، فلوترك الفاتحة أوالسورة أوالتشهّد أوالذكر، في الركوع والسجود، عامداً عالماً، بطلت صلاته, إذ لوكانت الصلاة صحيحة مع تركها عمداً، وأنّ حديث "لا تعاد" شامل لصورة العمد، لكان خُلف تشريعها والأمر به, إذ معناه أنّ ما هوجزء أوشرط أومانع بأدلّة الأجزاء والشروط والموانع ليس بجزء، ولا بشرط، ولا بمانع، وهذا عين الخلف والمناقضة. هذا مضافاً إلى انصراف التعبيربـ "لا تعاد" إلى من اعتقد إتيانه الصلاة بكامل متطلّباتها ثمّ التفت بعد ذلك إلى وقوع الخلل فيها.


--------------------------------------------------------------------------------
47

--------------------------------------------------------------------------------


هل تشمل القاعدة كلًّا من الناسي والجاهل؟
لا إشكال في أنّ القدر المتيقّن من الحديث هوالناسي، وإنّما الكلام في شموله للجاهل.
اختار جمع من العلماء الاختصاص بالناسي، وقرّبوا ذلك بأنّ الجاهل حيث لم يأت بالواجب الثابت عليه واقعاً، فلا يخاطب بخطاب "أَعِدْ أولا تُعِدْ"، بل بخطاب إئت بالسورة أوبالتشهّد أو...، وهذا بخلاف الناسي فإنّه حيث لا يكون مكلّفاً حالة النسيان بما نَسِيَهُ لعدم إمكان تكليف الناسي، بسبب عدم قدرته على فعل المنسيّ حالة نسيانه - وهذا بخلاف الجاهل، فإنّ جهله لا يسلب قدرته على فعل الجزء - فمن المناسب توجيه الأمر بالإعادة إليه، فيقال له "أَعِدْ أولا تُعِدْ"8.


--------------------------------------------------------------------------------
48

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة "لا تُعاد" من القواعد الخاصّة بالصلاة، بالاتّفاق بحسب صريح الرواية.
- يُقصد بالقاعدة عدم وجوب إعادة الصلاة عند وقوع الخلل - زيادة أونقيصة - إلّا إذا كان في الركوع أوالسجود أوالطهور أوالقبلة أوالوقت.
- تختصّ القاعدة بحالة الفراغ من الصلاة.
- مستند القاعدة رواية حجّة سنداً، صريحة الدلالة، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
- يمكن التوفيق بين مفاد حديث "لا تعاد" وبين أدلّة الأركان والأجزاء بعدة وجوه.
- لا يشمل حديث "لا تعاد" العامد، والقدر المتيقّن شموله للناسي.
- الظاهر شمول حديث "لا تعاد" للجاهل على تفصيل بين القاصر والمقصّر.



مطالعة

تعريف الفقه وموضوعه ومسائله
في اللغة: يقال: فقهت الكلام إذا فهمته، ومنه سمِّي الفقيه فقيهاً. يقال: فَقِهَ الرجل بالكسر يَفقَه فقهاً من باب تَعِبَ: إذا عَلِمَ. وفَقُهَ بالضمّ مثله، وقيل: الضمّ إذا صار الفقه له سجيَّة. وفلانٌ لا يَفْقَهُ أي لا يفهم. ثمَّ خُصّ به علم الشريعة. قال بعض الأعلام: الفقه هوالتوصُّل إلى علمٍ غائبٍ بعلمٍ شاهدٍ، ويسمَّى العلم بالأحكام فقهاً، والفقيه: الذي علم ذلك، واهتدى به إلى استنباط ما خفي عليه. انتهى.9

فقه: الفِقْهُ: العلم بالشيء والفهم له، وغلب على علم الدين؛ لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النجم على الثريَّا، والعود على المندل، قال ابن الأثير: واشتقاقه من الشقّ والفتح، وقد جعله العُرف خاصَّاً بعلم الشريعة، شرَّفها الله تعالى، وتخصيصاً بعلم الفروع منها. قال غيره: والفِقْهُ في الأصل: الفَهم. يقال: أُوتيَ فلانٌ فِقهاً في الدين، أي فَهماً فيه.10

في الاصطلاح: "الفقه هوالعلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة"11.
موضوع الفقه: موضوع الفقه هو: أفعالُ المكلَّفين12 من حيث الاقتضاء13 والتخيير، وأوصاف الأفعال والتروك.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صح أو خطأ في المكان المناسب:
1- إذا سجد على الموضع النجس جهلاً بالنجاسة أونسياناً، حكم بالبطلان لقاعدة "لا تعاد".
2- شخص صلّى نسياناً، وعلى ثوبه نجاسة من الدم، فصلاته صحيحة لقاعدة "لا تعاد".
3- المقصود بالخلل في الصلاة - في قاعدة "لا تعاد"- النقصان بترك جزء أوشرط فيها، والزيادة بزيادة جزء أوشرط فيها.
4- لا يشمل حديث "لا تعاد" العامد، والقدر المتيقّن منه هوالناسي.
5- المقصود من "الطهور" الوارد في الحديث هوالأعمّ من الطهارة الحدثيّة والخبثيّة.
6- الظاهر شمول حديث "لا تعاد" للجاهل القاصر دون المقصّر.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- هل ينطبق حديث "لا تعاد" فيما لو نوى الخروج من الصلاة، بعد أن حصلت النيّة الصحيحة منه، ثمّ عاد إليها قبل أن يقع شيء من أفعال الصلاة بدونها؟
2- بيّن معلّلاً إمكانية جريان، أوعدم جريان قاعدة "لا تعاد" إذا تيقّن دخول الوقت فصلّى، ثمّ تبيّن وقوعها بتمامها قبل الوقت.
3- ما الحكم في ضوء قاعدة "لا تعاد" فيما لوصلّى شخص العشاء قبل المغرب بتخيُّل أداء المغرب، أوالعصر قبل الظهر بتخيُّل أداء الظهر؟
4- شخص كان يقلِّد مجتهداً يقول بوجوب أداء الصلاة قصرا،ً ثمّ قلّد ثانياً ممّن يقول بوجوب التمام. ما حكم صلاته في الأيام السابقة؟
5- إذا اتّضح للمكلّف عدم صحّة قراءته في الصّلاة بعد مدّة من الزمن، فهل يلزم إعادة صلواته السابقة؟ ولماذا؟
6- شخص كان يغتسل أويتوضّأ مدّة من الزمن وعلى بعض أعضائه حائل ثمّ التفت، ما حكم صلواته السابقة بناءً على قاعدة "لا تعاد"؟



هوامش

1- إنّ مفهوم الإعادة عبارة عن إيجاد الشيء بعد إيجاده ثانياً أوثالثاً، وهكذا مقابل الإيجاد ابتداءً من غير سبق إيجاده، غاية الأمر أن الإعادة بالمعنى المذكور قد تكون إعادة بالدقّة بحيث يكون الوجود الثاني مثل الوجود الأول بالدقّة، وقد تكون إعادة عرفاً ولوكان المعاد لا يكون على طبق الوجود الأوّل تماماً وطابق النعل بالنعل.
2- الإيرواني، محمّد باقر: دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة الفقه؛ مطبعة باقري، 1417هـ.ق، ج1، ص29.
3- المراد بالفريضة ما ثبت بتشريع الله سبحانه وتعالى، والمراد بالسنّة ما ثبت بتشريع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
4- المائدة: 6.
5- التعبير بالسنة مصطلح يراد به عادة ما سنّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثبت بتشريعه، في مقابل الفرض الذي يراد به عادة ما شرعه الله سبحانه تبطل الصلاة به، بخلاف الخلل فيما شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا تبطل به الصلاة ولا يؤثّر في صحة ما فرضه الله سبحانه. وقد عقد الشيخ الكليني في الكافي تحت عنوان: "باب التفويض إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمّة عليهم السلام في أمر الدين"، ما يدلّ على ثبوت السلطة التشريعية للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. الكليني، محمّد بن يعقوب: الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط5، طهران، دار الكتب الإسلامية؛ مطبعة حيدري، 1363هـ.ش، ج1، ص265.
6- العاملي، وسائل الشيعة، م.س،ج4، باب1 من أبواب أفعال الصلاة، ح14.
7- الهاشمي، مجلّة فقه أهل البيت، م.س، العدد1 8-19، قاعدة لاتعاد.
8- الخوئي، أبو القاسم: شرح العروة الوثقى- التقليد- (موسوعة الإمام الخوئي قدس سره)، شرح الشيخ علي الغروي، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة إحياء آثارالإمام الخوئي قدس سره، 1426هـ.ق/ 2005م، ص33.
9- الطريحي، مجمع البحرين، م.س، ج6، ص355.
10- الإفريقي، لسان العرب، م.س، ج13، ص522.
11- العاملي، حسن بن زين الدين: معالم الدين وملاذ المجتهدين،تحقيق ونشر مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، لاط، قم المقدّسة، لات، ص26.
12- الخوئي، أبوالقاسم: محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفيّاض، تحقيق ونشر مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، لاط، قم المقدّسة، لات، ج1، ص28.
13- الاقتضاء: ما يقتضي اللزوم، من وجوب وحرمة. والتخيير: ما يجوز معه الفعل والترك.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:40 PM


الدرس الرابع: قاعدة نفي الحَرَج

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة نفي الحرج وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
53

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
اشتهر بين الفقهاء - ولاسيّما المتأخّرين منهم - الاستدلال بهذه القاعدة في كثير من الموارد، لنفي كثير من التكاليف التي تستلزم العسر والحرج على المكلّفين، وذلك في غير واحد من أبواب العبادات، كالوضوء والغسل والتيمّم والصلاة والصيام وغيرها. وهذا ما يعطي الفقيه بصيرة ومعرفة بحال الفروع الكثيرة المبنيّة عليها، ويساعد المكلّف على التعامل الشرعيّ مع الأحكام الشرعيّة الحرجيّة. ولا يوجد (بين الأعلام) اختلاف في المقصود من قاعدة نفي الحرج, والسبب في ذلك هوأنّ مدرك القاعدة - الآتي ذكره - لا يحتمل احتمالات وفروضاً متعدّدة، كما سيأتي.

بيان المراد من القاعدة
معنى القاعدة هونفي الحكم الشرعيّ الموجب للعسر والحرج، وعليه كلّ حكم كان موجباً للعسر أوالحرج هو منفيّ من ناحية الشرع، فإذا كان الغسل أوالوضوء - مثلاً - في شدّة البرد في الشتاء عسراً أوحرجاً يرتفع عن عاتق المكلّف,


--------------------------------------------------------------------------------
55

--------------------------------------------------------------------------------


امتناناً منه تعالى على العباد، فتكون القاعدة حاكمة1 على الأدلّة الأوّليّة الّتي تدلّ على وجوب الأحكام الشرعيّة كالوضوء والغسل وغيرهما. وإلى هذا أشار السيّد الخوئيّ قدس سره بقوله: "إنّ مفاد نفي الحرج في عالم التشريع هونفي الحكم الحرجيّ"2، وحكم "بسقوط وجوب الطلب (طلب الماء للوضوء) في ضيق الوقت، كما يسقط ... إذا كان في طلبه حرج ومشقّة لا تتحمّل, وذلك لقاعدة نفي الحرج"3، و"وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص، منهم: الشيخ والشيخة وذوالعطاش، ... إذا كان حرجاً ومشقّة".

إذاً المقصود من القاعدة: نفي كلّ حكم شرعيّ يستلزم ثبوته الحرج على المكلّف، فحرمة كشف المرأة جسدها أمام الطبيب، أوعورتها أمام الطبيبة للفحص ونحوه من العلاجات، إذا استلزم الحرج عليها، يكون مرفوعاً.

بيان المراد من مصطلحيّ العُسر والحرَج
العُسر لغةً: هوالصعب الشديد، والحرج: هوالتعب والضيق. ويتّحد العسر والحرج في الحكم، وأُخذا كموضوع واحد للقاعدة الواحدة، ولكن من المعلوم أنّهما يختلفان معنىً، فإنّ العسر أخفّ بالنسبة إلى الحرج، فالعسر عبارة عن المشقة التي تتعلّق بعضومن أعضاء البدن، وأمّا الحرج فهوعبارة عن المشقّة التي تتعلّق بالنفس الإنسانية، وعليه يُقال: إنّ العسر بدنيّ، والحرج نفسيّ، والذي يسهّل الخطب أنّ العسر والحرج أصبحا معاً موضوعاً واحداً للقاعدة4.

فالمراد من الحرج الذي يكون سبباً في رفع التكليف الفعل الذي يشقّ تحمّله،


--------------------------------------------------------------------------------
56

--------------------------------------------------------------------------------


ويصعب على فاعله صعوبة شديدة عادة5، لا مطلق الصعوبة، وإلاّ للزم كون جميع التكاليف حرجيّة ومرفوعة, لأنّ التكليف إنّما يكون تكليفاً لما فيه من الكلفة والمشقّة.

فليس المقصود من الحرج عدم القدرة على الشيء، وأنّ كلّ شيء لا يكون مقدوراً يكون حرجيّ, لأنّ المتبادر من الحرج المشقّة والضيق دون عدم القدرة. نعم ليس كلّ مشقة حرجاً بل خصوص المشقّة الشديدة. والشاهد على ذلك (مضافاً إلى قضاء الوجدان والتبادر) أنّ لازم تفسيره بمطلق المشقّة كون جميع التكاليف حرجيّة, لأنّ التكليف إنّما كان تكليفاً باعتبار اشتماله على الكلفة والمشقّة.

بيان مدرك القاعدة
1 - دليل القاعدة من الكتاب جملة آيات منها:
قال تعالى: ï´؟وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ...ï´¾6. ومنها: ï´؟مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍï´¾7. ومنها: ï´؟يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَï´¾8.
وقد أرشد الإمام الصادق عليه السلام إلى إحدى هذه الآيات الكريمة بما رواه عبد الأعلى مولى آل سام، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "عثرت فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: ï´؟وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍï´¾، امسح عليه"9.

فهذه الآيات تدلّ دلالةً واضحة على أنّ المولى تبارك وتعالى لم يجعل في دينه حكماً يلزم من امتثاله وإطاعته حرجاً على عباده، في أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، كما يشعر به قوله -تعالى - ï´؟عليكم، وبكمï´¾.


--------------------------------------------------------------------------------
57

--------------------------------------------------------------------------------


2- دليل القاعدة من السنّة:
يمكن الاستشهاد من السنّة الشريفة بجملة من النصوص، أنهاها الشيخ النراقي في عوائده إلى ثمانية عشر حديثاً10، بيد أنّه لا حاجة إلى استعراضها بالكامل بعد دلالة الكتاب الكريم على ذلك، فنقتصر على ما ورد في صحيح محمّد بن مسلم قال: "سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان"11، فالحكم بالإفطار في هذه الصحيحة يستند إلى وجود الحرج عليهما في الصوم، وما هذا إلا قاعدة لا حرج.

3- الاستدلال بالعقل:
وأمّا الاستدلال بالعقل فيقال فيه: إنّ الإدراك العقلي إذا لم يدخل من باب التحسين والتقبيح العقليين لا يؤخذ به, لأنّ العقل لا يأبى التكليف مع المشقّة, نعم يمكن تقريب الاستدلال به من باب اللطف، فإنّ قضيّة العقل السليم عدم وقوعهما (العسر والحرج) في التكاليف, نظراً إلى أنّ المتّفَق عليه عند الفقهاء وجوب اللطف على الله سبحانه وتعالى، ومعناه التقريب من الطاعة، والتبعيد من المعصية الّتي هي المهلكة العظمى، ولا ريب أنّ التكليف البالغ حدّ الحرج يُبعّدُ عن الطاعة ويكون باعثاً لكثرة المخالفة، والله سبحانه أرحم بعباده من أن يفتنهم بما يوقعهم في العذاب غالب, وكما أنّ التكليف بما لا يطاق ممتنع عليه تعالى, للزوم القبح والخروج عن العدل، فكذلك التكليف الحرجيّ فإنّه منافٍ للّطف والرحمة.12

خروج الأحكام الحرجيّة بالأصل عن القاعدة
إنّ قاعدة نفي العسر والحرج لا تشمل التكاليف الشاقّة بطبعها، كوجوب الجهاد، وحرمة الفرار من الزحف، وتسليم النفس للقصاص والحدّ وأمثاله,


--------------------------------------------------------------------------------
58

--------------------------------------------------------------------------------


لأنّ أدلّة القاعدة ناظرة إلى العمومات والإطلاقات الدّالة على التكاليف الّتي قد تكون في بعض الأحيان حرجيّة، وفي بعضها لا تكون كذلك، وتقيّدها بصورة عدم العسر والحرج على المكلّف، لا تنظر إلى الأحكام التي لا تكون بطبعها إلّا حرجيّة، فهي خارجة عن القاعدة تخصّصاً.

هل المدار على رفع الحرج النوعيّ أوالشخصيّ؟
الحرج تارة يكون شخصيّاً وأخرى نوعيّاً. والمراد من الحرج الشخصيّ: الحرج الثابت لهذا الشخص بخصوصه أولذاك بخصوصه، بينما المراد من الحرج النوعيّ: الحرج الثابت لنوع الناس (أي غالبهم) كما هوالحال في وجوب الوضوء حالة‌المرض، فإنّه حرجيّ لغالب المرضى، وإن لم يكن حرجيّاً بلحاظ بعض المرضى.

وإذا كان المدار على الحرج الشخصيّ فوجوب الوضوء - مثلاً - لا يرتفع إلّا عمّن كان ثبوت الوجوب في حقّه حرجيّاً بالخصوص، ولا يكفي كونه حرجيّاً بلحاظ النوع والغالب، وهذا بخلافه بناءً على إرادة الحرج النوعيّ، فإنّه يرتفع به الوجوب في حقّ كلّ مريض، حتّى من لم يكن ثبوت الوجوب في حقّه حرجيّاً.

وباتضاح المقصود نعود لنطرح السؤال: هل قاعدة "لا حرج" تنفي الأحكام الأوّليّة في حالة لزوم الحرج الشخصيّ بالخصوص، ولا يكفي لزوم الحرج النوعيّ؟ أوأنّها تنفي الأحكام حالة الحرج النوعيّ أيضاً، ولا يلزم تحقُّق الحرج الشخصيّ؟

والصحيح كون المدار على الحرج الشخصيّ, لأنّ ذلك هوالمتبادر والمفهوم من لسان دليل القاعدة ï´؟وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...ï´¾، والحمل على الحرج النوعيّ يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة13. وقد يكفي الحرج النوعيّ في بعض الموارد، حتّى لو لم يوجد حرج شخصيّ.


--------------------------------------------------------------------------------
59

--------------------------------------------------------------------------------


هل القاعدة ترفع الإلزام والرخصة معاً؟
بعد ثبوت أنّ القاعدة ترفع الأحكام الحرجيّة عن المكلّف، يجب أنّ نبيّن أنّ القاعدة هل ترفع الإلزام والرخصة معاً؟ بمعنى أنّها ترفع حكم وجوب الوضوء والحجّ الحرجيّين، وتمنع الرخصة في الإتيان بهما حتّى مع تحمّل الحرج والمشقّة، فلو أتى بهما مع تحمّل الحرج والمشقة كانا باطلين. أم أنّ القاعدة ترفع الإلزام بالحكم الحرجيّ، دون الرخصة بالإتيان به، فلو أتى بهما مع تحمّل الحرج والمشقة كانا صحيحين؟

ولزيادة الإيضاح يمكن القول: إنّه إذا كان وجوب الوضوء في حق مريض حرجيًّا فلا إشكال في ارتفاعه بالقاعدة، ولكن لو فرض أنّ المريض تكلّف وأتى به بالرغم من كونه حرجيًّا في حقّه فهل يقع منه صحيحاً أو يحكم ببطلانه؟

وجوابه أنّه على القول بأنّ الرفع في القاعدة وارد بنحو الرخصة، أي أنّ المكلّف مرخّص في ترك الوضوء مثلاً وليس ملزماً به ولكنّه في نفس الوقت مرخّص في الإتيان به، ولذا فلو أتى به حتّى مع وجود الحرج يقع صحيحاً، كما ذهبه إليه جماعة من العلماء، كالسيّد اليزدي في العروة الوثقى.14

وأما على القول بأنّ الرفع في القاعدة وارد بنحو العزيمة، أي أنّ المكلّف ملزم بترك الوضوء مثلاً وليس مرخّصاً في الإتيان به، ولذا فلو أتى به يحكم ببطلان وضوئه، كما ذهب إليه جماعة أخرى من العلماء.

والدليل على أنّ القاعدة ترفع الإلزام دون الرخصة أنّ العقلاء يرون أن تحمّل المشاقّ والصعاب في سبيل امتثال أوامر الموالي أمرٌ ممدوح في نظرهم، بل يعدّونه من أعلى مراتب الامتثال، حتى اشتهر الحديث: "أفضل العبادات أحمزها" (أشقّها)15، من دون تقييد للأحمزيّة بعدم وصولها إلى مرتبة الحرج.


--------------------------------------------------------------------------------
60

--------------------------------------------------------------------------------


وإلى هذا ذهب آية الله الشيخ مكارم الشيرازي بقوله: "إلّا أنّ الذي يظهر من غير واحد من أعاظم المتأخّرين في الفروع الفقهيّة المتفرّعة على هذه القاعدة، كونها من باب الرخصة لا العزيمة"16.

بينما ذهب آخرون إلى القول: بأنّ هذا لا يمكن الالتزام به, حيث إنّ الدالّ على الملاك والرجحان هو الوجوب، فإذا رفع بقاعدة لا حرج لا يبقى ما يدلّ على بقاء الملاك والرجحان حتى يمكن بواسطته الحكم بصحّة الوضوء مثلاً17.


--------------------------------------------------------------------------------
61

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة نفي العسر والحرج من القواعد المتّفق عليها بين المسلمين، وقد استُدِلّ عليها كتاباً وسنّة.
- مفاد القاعدة نفي الحكم الشرعيّ الموجب للعسر والحرج، ورفعه عن عاتق المكلّف.
- إنّ العسر بدنيّ، والحرج نفسيّ.
- لا تشمل قاعدة نفي الحرج الأحكام الحرجيّة بطبعها كوجوب الجهاد ونحوه.
- وقع الاختلاف في أنّ القاعدة ترفع الإلزام والرخصة معاً، بمعنى أنّها ترفع حكم وجوب الوضوء والحج الحرجيَّيْن، وتمنع الرخصة في الإتيان بهما، حتّى مع تحمّل الحرج والمشقّة، أم أنّها ترفع الإلزام بالحكم الحرجيّ دون الرخصة بالإتيان به، فلوأتى بهما مع تحمّل الحرج والمشقّة كانا صحيحين.
- تختصّ القاعدة بنفي الأحكام الحرجيّة في الواجبات دون المحرّمات، وإن شمل إطلاق الآيات الشريفة كلّ حكم شرعيّ حرجيّ، سواء أكان في الواجبات أم المحرّمات، فإنّ بناء الفقهاء
على ترك الأخذ بهذا الإطلاق، وقد قيل في توجيه رفع اليد عن إطلاق الآيات هي أنّها واردة في مقام الامتنان على العباد، ولا امتنان في إلقائهم في المفاسد الواقعية.
- يباح كثير من محظورات الإحرام مع الفدية، ويباح الإفطار في شهر رمضان للحامل والمرضع، والشيخ والشيخة، وذي العطاش، والتداوي بالمتنجّسات والمحرّمات، عند الاضطرار,
لرفع الحرج والمشقّة المترتبيْن عليها.



مطالعة

قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
معنى القاعدة هوأنّ العقد الذي لا يوجب الضمان في فرض الصحّة لا يوجب الضمان في فرض الفساد، كالرهن والوكالة والمضاربة وغيرها. وقد تحقّق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة، كما قال المحقّق صاحب الجواهر رحمه الله نقلاً عنهم: "إنّ الأصحاب وغيرهم أطلقوا القول في هذه القاعدة ولم يخالف فيها أحد"18.

ويمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة أيضاً: بالأولويّة: قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: ثمّ إنّ مبنى هذه القضية السالبة على ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط هي الأولويّة، وحاصلها أنّ الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده. وتوضيحه: إنّ الصحيح من العقد إذا لم يقتضِ الضمان مع إمضاء الشارع له فالفاسد الذي بمنزلة العدم لا يؤثّر في الضمان.

وبالاستقراء: الصحيح أنّ هذه القاعدة قد حصلت من الاستقراء التامّ في موارد العقود التي لا توجب الضمان، فوجدوا عدم الضمان في فاسدها كصحيحها، وإن كان المنشأ هوعدم وجود السبب للضمان بحسب الواقع، فلا كلام فيه (عدم الضمان) بينهم، والأمر متّفق عليه عندهم، فلمّا تمّ الاستقراء تمّ المدرك للقاعدة، ولا حاجة بعد ذلك إلى ذكر الدليل من الأولويّة وانتفاء السبب وغيرهما19.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- يتّحد العسر والحرج في الحكم، وأُخذا كموضوع واحد للقاعدة الواحدة، ولكنّهما يختلفان معنىً.
2- المقصود من قاعدة نفي الحرج كلُّ حكم شرعيّ يستلزم ثبوته الحرج على المكلّف في العبادة.
3- محلّ البحث في "قاعدة لا حرج" هوالأفعال الحرجيّة البالغة حدّاً لا يُطاق، والموجبة لاختلال النظام.
4- يسقط وجوب طلب الماء للوضوء والغسل إذا كان في طلبه حرج ومشقَّة جسديّة أوماليّة, لقاعدة نفي الحرج.
5- يجوز مصافحة الأجنبية في الموارد الّتي يقع فيها الحرج الشخصيّ على المكلّف.
6- إذا ثبت بوساطة الأجهزة الحديثة أنَّ الحمل مشوّه الخلق، فيجوز للأمّ الإجهاض رفعاً للحرج.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- رجل حصل على مال يساوي الاستطاعة للحجّ ولم تكن له دار سكن، فهل يجوز له صرف ذلك في شرائها، رفعاً للحرج ؟
2- هل يجوز لمن حصل على ما يساوي مقدار الاستطاعة صرف المال في شراء سيّارة، أوالزواج به؟
3- إذا حضر شخصٌ بعض الحفلات الّتي يشترك فيها الرجال والنساء وتقدّمت إليه امرأة للمصافحة، فهل يجوز له تقديم يده رفعاً للحرج؟
4- كثيراً ما تذهب النساء إلى الطبيبة لإجراء فحوصات عليها بالرغم من عدم وجود حاجة ملحَّة لها، فهل يجوز ذلك؟
5- امرأة تريد وضع لولب لمنع الحمل، فهل ذلك جائز بعد الالتفات إلى أنَّ ذلك يستدعي الكشف عن عورتها أمام الطبيب أوالطبيبة؟
6- لو توضَّأ المكلَّف في البرد الشديد ممَّا سبَّب له حرجاً، أوصام في النهار القائظ الطويل، فما هوحكم وضوئه وصيامه, بحسب المباني المختلفة؟



هوامش

1- الحاكم هو الدليل الشارح والمفسّر للدليل المحكوم، ويتقدّم الدليل الحاكم تقدّم القرينة على ذيها، وهو إمّا أن يضيّق دائرة المحكوم (كما في المقام) أو يوسّع. وفي مقام الوضوء - مثلاً - يجب الوضوء بالدليل الأوّليّ، لكنّه يُنفى عند الحرج بأدلّة نفي الحرج، فيسقط وجوب الوضوء.
2- الخوئي، مصباح الأصول، م. س، ج2، ص530.
3- م.ن،ج2 ،ص530.
4- المصطفوي، مئة قاعدة فقهية، م. س، ص299.
5- عادة تعني غالباً.
6- الحج: 78.
7- المائدة: 6.
8- البقرة: 185.
9- العاملي، وسائل الشيعة، م.س،ج1، أبواب الوضوءح5 ، ص327.
10- النراقي، أحمد: عوائد الأيام، تحقيق ونشر مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، إيران، 1417هـ.ق/ 1375هـ.ش، ص57-58.
11- وسائل الشيعة: ح7، باب 15 من أبواب من يصح منه الصوم، حديث 1 و 2.
12- الحسيني المراغي، مير عبد الفتّاح: العناوين الفقهية، تحقيق ونشر مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، ط1، قم المقدّسة،1417هـ.ق، ج1،ص286.
13- الإيرواني، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص178.
14- العروة الوثقى مسألة 18، من فصل مسوّغات التيمّم.
15- المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار، تحقيق محمّد الباقرالبهبودي، ط3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ.ق/ 1983م، ج79، ص279.
16- الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص201.
17- الإيرواني، باقر، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، م.س. ص58.
18- النجفي، جواهرالكلام، م.س، ج25، ص227.
19- المصطفوي، مئة قاعدة فقهية، م.س، ص205.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:41 PM


الدرس الخامس: قاعدة سوق المسلمين

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة سوق المسلمين وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
67

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
لقد منّ الشارع المقدّس على عباده بمجموعة كبيرة من التشريعات الّتي تكفل العلاقة الإيجابيّة والحسنة بين المسلمين، في تعاملاتهم وعلاقاتهم شبه اليوميّة مع بعضهم البعض، ما يعني انتظام العلاقات، وحفظ الحقوق. وقاعدة سوق المسلمين من جملة القواعد الّتي اعتبر الفقهاء أنّ انتظام السوق وحركة البيع والشراء قائمان عليها، بل إنّ لازم عدم حجيّة سوق المسلمين اختلال نظام الحياة الّذي جاء الإسلام للحفاظ عليه وتشييده.

بيان المراد من القاعدة
يُقصد بقاعدة السوق الحكم بأماريّة السوق على التذكية، فإنّ الحيوان إذا لم يذكَّ لم يجز تناول لحمه ولا الصلاة في جلده، وإذا شكّ في تذكيته حكم عليه بعدمه, تمسّكاً باستصحاب عدمها، فإنّ الحيوان حالة حياته لم يكن مذكّى، فإذا شكّ في حصولها له عند زهاق روحه استصحب ذلك العدم، فالأصل عند الشكّ في تذكية لحوم الحيوانات وجلودها وعدم تذكيتها، هوالحكم بعدم التذكية استصحاباً، حيث يترتّب على الاستصحاب الأثر الشرعيّ من الحرمة، والنجاسة وغيرهما1.


--------------------------------------------------------------------------------
69

--------------------------------------------------------------------------------


فمعنى القاعدة هوأماريّة سوق المسلمين للطهارة والذكاة عند الشكّ فيهما بالنسبة إلى البضائع الّتي توجد في أسواق المسلمين، من اللحوم والجلود وغيرها، فإن نفس كونها في سوق المسلمين يكفي للطهارة والحلّيّة، وإن كان من يعرضها مجهول الحال، ولا مجال لأصالة عدم التذكية, لحكومة القاعدة عليها وعلى الاستصحاب.

وبعبارة ثانية: إنّ الأصل عند الشكّ في التذكية وغيرها العدم، وفي قاعدة السوق يراد إثبات الخروج بها عن هذا الأصل، وإمضاء أسواق المسلمين على ظاهرها في الطهارة وغيرها، وعدم لزوم الفحص عن حال البائعين. ولا يراد من خلال قاعدة السوق إثبات خصوص تذكية الحيوان، وطهارته، بل إمضاء السوق كما هي، فمن ابتاع رقيقاً من سوق المسلمين، فادّعى الحرّيّة لم تسمع دعواه، إلّا أن تقوم البيّنة، ومن اشترى من أسواقهم جلداً بنى على طهارته، ولحماً بنى على تذكيته. وبهذا تكون قاعدة سوق المسلمين حاكمة على استصحاب عدم التذكية المعّبر عنه بأصالة عدم التذكية.

مدرك القاعدة
بيان مدرك القاعدة: يمكن الاستدلال على القاعدة بعدّة أدلّة. أهمّها:
الأوّل: الروايات:
1- صحيح الحلبيّ، قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف الّتي تباع في السوق؟ فقال: اشترِ وصلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه"2.
2- صحيحة فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم، حيث سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق، ولا يدري ما صنع القصّابون؟ فقال: "كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين، ولا تسأل عنه"3.


--------------------------------------------------------------------------------
70

--------------------------------------------------------------------------------


3- صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال: "سألته عن الرجل يأتي للسوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة، أيصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك"4.

4- صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال: "سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ، لا يدري أذكيٌّ هوأم لا، ما تقول في الصلاة فيه وهولا يدري؟ أيصلي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخفّ من السوق، ويُصنع لي، وأصلّي فيه، وليس عليكم المسألة".5

5- خبر إسماعيل بن عيسى، قال: "سألت أبا الحسن عليه السلامعن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: "عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه"6.

وغيرها من الروايات التي لا يبقى معها شكّ في اعتبار السوق أمارة، ولمزيد من التوضيح لا بدّ من ملاحظة عدّة أمور:
منها: الظاهر أنّ المراد بالسوق هو خصوص سوق المسلمين لا مطلق السوق، ولوكان للكافرين, لأنّها وردت في الروايات مُعرّفة بالألف واللام العهدية، ومن المعلوم أنّ المراد به الإشارة إلى أسواق المدن الإسلاميّة, إذ إنّها واردة عن الأئمّة الصادق والباقر والرضا عليه السلام، أعني في زمان كان حافلاً باتّساع رقعة الأرض الإسلاميّة. بل في رواية الفضلاء وردت كلمة السوق مضافة إلى المسلمين في كلام الإمام عليه السلام, فلوصحّ أن تكون روايات السوق مطلقة، ولم يكن هناك عهد


--------------------------------------------------------------------------------
71

--------------------------------------------------------------------------------


صارف لها لأمكن تقييدها بما ورد في كلماته عليه السلام، بل قد يُفهم من موثّق إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح عليه السلام أنّه قال: "لا بأس بالصلاة في الفراء اليمانيّ، وفيما صُنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس"7، فإنّ المدار على كون المسلمين يشكّلون الأغلبيّة على الأرض، سواء أكانت الأرض سوقاً لهم أم لم تكن.

ومنها: أنّه ليس في كلمات الأعلام بيان الضابط في تحديد سوق المسلمين، وفي موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّم جعلُ المدار في الحكم بالذكاة على أغلبيّتهم في الأرض، سواء أكانت سوقاً أم لا، وهومطابق للإطلاق العرفيّ. ثمّ إنّه لا أثر لوقوع البلد تحت حكومة المسلمين أم لا، وإنّما المدار على كونهم يشكّلون أغلب أفراده، سواء أكان الحاكم مسلماً أم كافراً، إذ لا مدخليّة له في تحديد ذلك، ففي يومنا هذا لا مانع من تصوّر سوق المسلمين في بلاد الغرب، إذا فرض أنّهم أغلبيّة عرفيّة فيه، أوسوق الكّفار في بلد المسلمين بالشرط المتقدّم.

هذا وتدلّ صحيحتا البزنطي ورواية إسماعيل بن عيسى على اعتبار السوق مطلقاً، أعني: سواء أسأل عن ذكاته أم لم يسأل، بل ورد النهي عن السؤال.

الثاني: سيرة المتشرّعة:
استقرّت سيرة المسلمين والمؤمنين على أنّهم يدخلون الأسواق ويشترون اللحوم والجلود من دون السؤال عن أنّها ميتة أومذكّاة، حتّى إنّ صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً كانوا كذلك، وهذا شيء لا يقبل الإنكار، ولم يرد عنهم عليهم السلام ردع عن هذه السيرة، قال السيّد الخوئي قدس سره: "إنّ اعتبار السوق هوالّذي جرت عليه سيرة المسلمين, لأنّه لم يعهد منهم السؤال عن كفر البائع وإسلامه في شيء من أسواقهم"8.


--------------------------------------------------------------------------------
72

--------------------------------------------------------------------------------


ويؤيّد ما ذكر من الأدلةإنّ لازم عدم حجّيّة سوق المسلمين اختلال النظام, إذ يلزم أن يذبح كلّ فرد مسلم الحيوان لنفسه، ولا يجوز له شراء اللحم من السوق والأكل منه, لأنّ احتمال عدم تحقّق التذكية بشكلها الشرعي ما دام موجوداً، فبالاستصحاب يثبت عدم تذكية الحيوان المشكوك فيه، وبالتالي عدم جواز تناوله، وبذلك يلزم اختلال نظام الحياة الذي جاء الإسلام للحفاظ عليه وتشييده، ولهذا ورد عنه عليه السلام في رواية حفص بن غياث: "لولم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق"9، وظاهر هذه العبارة أنّ الاعتناء بهذه الاحتمالات - أي احتمال عدم التذكية في اللحوم والجلود، واحتمال كونهم أحراراً في العبيد والإماء، واحتمال كونه مال الغير وأنّه سُرق أوغُصب في سائر الأموال - يوجب تعطيل الأسواق واختلال أمر المسلمين في معاملاتهم، وهذا أمر مرغوب عنه عند الشارع، فعدم الاعتناء بأسواق المسلمين وترتيب الأثر على هذه الوساوس منفور منه.

ما المقصود بيد المسلم؟
تارة يؤخذ اللحم من سوق المسلمين، وأخرى من يد المسلم بدون فرض مروره بسوق المسلمين. والأوّل محكوم بالتذكية كما تقدّم. وهل الثاني كذلك؟
نعم, لأنّ الروايات وإن عبّرت بسوق المسلمين إلا أنّا لا نحتمل الخصوصية لنفس السوق بما هوبناء خاصّ ذومحلّات محدودة، بل لأنّ المكان إذا ضمّ المسلمين وتواجدوا فيه كشف ذلك عن كون اليد المأخوذ منها يداً مسلمة.

فالمنصرف من الروايات أنّ كاشفيّة السوق ناشئة من كونه كاشفاً عن إسلام من بيده مشكوك التذكية، باعتبار أنّ الغالب في سوق المسلمين أوفي بلدهم المسلمون، فتكون هذه الغلبة أمارة على إسلام البائع، وتكون يده هي الأمارة على التذكية، وهذا ما ذهب إليه السيّد الخوئيّ قدس سره، حيث قال: "إنّ أماريّة


--------------------------------------------------------------------------------
73

--------------------------------------------------------------------------------


السوق ليست في عرض أماريّة يد المسلم، إنّما هي في طولها، بمعنى أنّ السوق جُعلت أمارة كاشفة عن يد المسلم، وهي الأمارة على التذكية حقيقة، والسوق أمارة على الأمارة"10. وعليه، فلوأحرزت يد المسلم كانت أمارة على التذكية، ولولم يكن موجوداً في ضمن سوق المسلمين، أوفي ضمن أرضهم، فاعتبار السوق ناشئ من كشفه عن يد المسلم، ولا اعتبار له بما هو سوق.

شمول القاعدة لجميع المسلمين
هل الحكم بأماريّة سوق المسلمين على التذكية يختصّ بما إذا كان مسلموالسوق من الإمامية؟ كلا، بل يعمّ ما إذا كانوا من الفرق الأخرى11، قال السيّد اليزدي: "مايؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين، أومن أسواقهم محكوم بالتذكية، وإن كانواممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ12، إشارة إلى بعض المذاهب الذين يرون طهارة جلد الميتة بالدبغ، وذلك لوجهين:
- إطلاق النصوص وعدم تقييد كلمة "المسلمين" فيها بفرقة دون أخرى.
- إنّ الطابع العامّ على سوق المسلمين، عصر صدور النص، احتواؤها على المذاهب الأخرى من غير الإماميّة، وتخصيصها بهم دون غيرهم يلزم منه تخصيص الأكثر الّذي هومستهجن عرفاً.

حكم ما وُجد مطروحاً في أرض الإسلام
لاشكّ في أماريّة السوق بالنسبة إلى الأشياء الّتي تكون في معرض تصرّف المسلمين، وأمّا إذا كان شيء خارجاً عن ذلك كالجلد الذي كان مطروحاً في الصحاري والأراضي - داخل البلاد الإسلاميّة - فهل يكون من موارد القاعدة،


--------------------------------------------------------------------------------
67

--------------------------------------------------------------------------------


أولا؟ قال السيّد اليزديّ رحمه الله في العروة: "ما يؤخذ من يد المسلم من اللّحم أوالشحم أوالجلد محكوم بالطهارة وإن لم يعلم تذكيته، وكذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحاً إذا كان عليه أثر الاستعمال، لكنّ الأحوط الاجتناب13، والتحقيق عدم قصور الدليل عن شمول المقام، كما يستظهر من صحيحة إسحاق بن عمّار المتقدّمة".


--------------------------------------------------------------------------------
68

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- يقصد بقاعدة السوق الحكم بأماريّة السوق على التذكية، فمعنى القاعدة هوأماريّة سوق المسلمين للطهارة والذكاة، عند الشكّ فيهما، بالنسبة إلى البضائع الّتي توجد في أسواق المسلمين، من اللحوم والجلود وغيرها.

- يمكن الاستدلال على القاعدة بعدّة روايات، تدلّ دلالة واضحة على حجيّة القاعدة، والمراد منها.
- استقرّت سيرة المسلمين والمؤمنين على أنّهم يدخلون الأسواق ويشترون اللحوم والجلود من دون السؤال عن أنّها ميتة أومذكّاة، حتى إنّ صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً كانوا كذلك.

- إنّ لازم عدم حجّيّة سوق المسلمين اختلال النظام.
- ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين، أومن أسواقهم محكوم بالتذكية، وإن كانوا ممّن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ.

- ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أوالشحم أوالجلد محكوم بالطهارة، وإن لم يعلم تذكيته، وكذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحاً، إذا كان عليه أثر الاستعمال.



مطالعة

قاعدة كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
معنى القاعدة هوأنّ كل عقد يوجب الضمان في فرض الصحة يكون كذلك في فرض الفساد، والمراد من العقد هنا هوالذي يتعلّق بالمعاملة المالية، وعليه يخرج عقد النكاح تخصّصاً.
وبناءً على تمامية هذه القاعدة واعتبارها فالضمان في الصحيح والفاسد بمعنى واحد، غاية الأمر في الصحيح حيث إن المتعاملين عيّنا ضمان كل واحد من العوضين في الآخر والتزما بذلك وأمضى الشارع هذه المعاوضة والالتزام من الطرفين فيجب على كل واحد منهما الوفاء بالتزامه. وأما في الفاسد حيث إن الشارع لم يمض تلك المبادلة وذلك الالتزام الذي التزم به الطرفان فلا يجب الوفاء فلا يبقى محل ومجال لضمان المسمىّ14. فمفاد هذه القاعدة إذاً هوأن المقبوض بالعقد الفاسد أوبالإيقاع الفاسد لا يذهب هدراً، بل هو مضمون على القابض بمعنى أنّ نفس المقبوض والمأخوذ بوجوده الاعتباري في عهدة القابض وفي ذمّته، ولا يفرغ إلّا بأدائه إلى صاحبه، وأداؤه ما دام كان المال المأخوذ موجوداً يكون بأداء نفس العين المأخوذة، ومع تلفه فبالمثل إن كان مثلياً وبالقيمة إن كان قيمياً. ويمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بما يلي:

السيرة: فقد قامت السيرة القطعية العقلائية الممضاة للشارع على أنّ التسلّط على مال الغير تسلّطاً غير مجّاني موجب للضمان، وحيث إنّ الشارع المقدّس لم يمضِ الضمان بالمسمّى فيثبت الضمان (الواقعيّ) بالمثل أوالقيمة، إذاً فثبوت الضمان إنّما هوبالإقدام المنضمّ إلى الاستيلاء من جهة السيرة العقلائية15.

كما يستدلّ بالإقدام المعاملي: والمراد به أنّ كلا المتعاقدين أقدما على أن يكون مال الآخر له بضمان، لا مجاناً وبلا عوض، ولذلك لوكانت المعاملة صحيحة كان كلّ واحد منهما ضامناً للمسمّى حسب إقدامه والتزامه، فالبائع مثلاً يكون ضامناً للمبيع المسمّى، بمعنى أنّه في عهدته ويجب عليه تفريغ ما في ذمّته، بإعطاء المبيع المسمّى في العقد للمشتري، وكذلك الأمر في طرف المشتري.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أوخطأ في المكان المناسب:
1- يجوز ابتياع ما سباه الظالمون من الرقيق، وتحلّ سائر التصرفات الخاصة بملك اليمين، إذا عُرض في سوق المسلمين.
2- يجوز الصلاة في جلد وجِد مطروحاً في أرض بلاد الغالب فيها من المسلمين.
3- معنى قاعدة السوق هوأماريّة سوق المسلمين للطهارة دون الذكاة، عند الشكّ فيهما، بالنسبة إلى اللحوم والجلود التي توجد في أسواق المسلمين.
4- يجوز الصلاة في الأحزمة التي نجدها في سوق الكفّار وقد كتب عليها أنّها مصنوعة في بلد إسلامي، إذا حصل الاطمئنان بصدق الكتابة.
5- يُحكم بتذكية ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين، أومن أسواقهم، وإن كانوا من غير الإمامية.
6- يُستفاد من الروايات أنّ كاشفيّة السوق ناشئة من كونه كاشفاً عن إسلام من بيده مشكوك التذكية, لأنّ الغالب في سوق المسلمين أوفي بلدهم من المسلمين.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- إذا لم يعلم أنّ الجلد ميتة، فصلّى فيه، ثمّ علم، فما حكم المسألتين الآتيتين:
أ- إذا كان قد أخذه من يد مسلم أومن سوق المسلمين؟
ب- إذا كان قد أخذه من غير مسلم؟

2- جاء في رواية إسحاق بن عمّار، عن العبد الصالح ، قال: "لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني، وفيما صُنع في أرض الإسلام. قلت له: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إن كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس".

- كيف جُعل الضابط في سوق المسلمين أغلبيّتهم فيه استناداً إلى هذه الرواية، مع أنّ المذكور فيها عنوان (أرض الإسلام).؟ فما الحكم من حيث الطهارة فيما إذا وجد جلد في سوق:
أ- الكفّار، وعُلم صنعه في أرض الإسلام؟
ب- الكفّار، وعُلم صنعه في أرض الكفّار؟
ج- المسلمين، وعُلم صنعه في أرض الكفّار؟
د- المسلمين، وعُلم صنعه في أرض المسلمين؟
هـ - كيف يمكن أن نتصوّر سوقاً للمسلمين في بلاد الكفر؟
و- كيف يمكن أنّ نتصوّر سوقاً للكافرين في بلاد المسلمين؟

3- عن أبي عبد الله عليه السلام إنّ أمير المؤمنين سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "يُقوّم ما فيها ثمّ يؤكلُ, لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين لا يُدرى سفرة مسلم أوسفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتّى يعلموا"16.

هل يُستفاد من هذه الرواية إمكان الخروج عن أصالة عدم التذكية بوجدان اللحم مطروحاً في أرض المسلمين؟ أوأنّ ذلك مستفاد من آثار استعمال المسلم له؟ أم كيف؟

4- عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: "سألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للّبس، لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاةُ فيه؟ قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصلِّ فيه، وإن اشترى من نصرانيّ فلا يصلِّ فيه حتّى يغسله"17.
أ- ما هي الثمرةُ المترتّبةُ على القولِ بأنّ السوقَ أمارةٌ على الأمارة ِ، أوأنّه أمارةٌ برأسه؟
ب- هل تؤيّدُ هذه الروايةُ القولَ الأوّلَ أوالثاني؟ وكيف؟

5- إذا اشترينا طعاماً من سوق الكفّار، وهويشتمل على مادّة لا ندري هي من قسم اللحوم أولا، فهل يجوز تناوله؟ وما حكم الأسماك الّتي تباع في أسواق البلاد الكافرة؟
6- شخص يبيع اللحم وهوليس في السوق ولا ندري هومسلم أولا، والطابع العامّ على البلاد هوالإسلام. ما هوحكم شراء اللحم منه؟ ولأيّ قاعدة؟



هوامش

1- النراقي، عوائد الأيّام، م.س، ص607.
2- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج3، باب 50 من أبواب النجاسات، ح2.
3- م.ن، ج16، باب29 من أبواب الذبائح، ح1.
4- م.ن، ج3، باب 50 من أبواب النجاسات، ح3.
5- م.ن، ح6.
6- م.ن، ح7.
7- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج 3، باب 50 من أبواب النجاسات، ح5.
8- الخوئي، شرح العروة الوثقى- الطهارة- موسوعة الإمام الخوئي قدس سره، م.س، ص454.
9- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج27، باب25 من أبواب كيفية الحكم، ح2.
10- الخوئي، شرح العروة الوثقى- الطهارة- موسوعة الإمام الخوئي قدس سره، م.س، ص453.
11- الإيرواني، دروس تمهيدية في القواعدالفقهية،م.س، ج2، ص87.
12- اليزدي، محمّد كاظم: العروة الوثقى، تحقيق ونشر مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، ط1، قم المقدّسة، 1417هـ.ق،ج1، ص295.
13- اليزدي، العروة الوثقى، م.س، ص130.
14- المسمّى هو المثمن والثمن المتّفق عليهما بين المتعاملين.
15- الخوئي، مصباح الفقاهة، م.س، ج3، ص96.
16- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج3، الباب 50 من أبواب النجاسات، ح11.
17- م.ن، ح1.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 6  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:41 PM


الدرس السادس: قاعدة الطهارة

أهداف الدرس:
- التعرّف على معنى قاعدة الطهارة وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في موارده.


--------------------------------------------------------------------------------
81

--------------------------------------------------------------------------------


مقدّمة
قاعدة الطهارة من القواعد المشهورة والمسلّمة الّتي لم يقع فيها خلاف في الجملة، ولهذا أرسلها الفقهاء في كتبهم إرسال المسلّمات، وقد اتّفقت كلماتهم على مدلول القاعدة، فلا خلاف ولا إشكال فيه بينهم، والأمر متسالم عليه عندهم، بل إنّ مدلول القاعدة من الواضحات العلميّة والضرورات الفقهيّة، وهي من القواعد المهمّة الّتي تعين الفقيه في الحكم على الأشياء بالطهارة، حتّى يعلم بأنّها نجسة أومتنجّسة، فيتمسّك بها في أبواب الطهارات، وحاصلها الحكم بطهارة كلّ شيء ما لم تثبت نجاسته.

بيان معنى القاعدة
يقصد بقاعدة الطهارة، الحكم بالطهارة على كلّ شيء يشكّ في طهارته ونجاسته بنحوالحكم الظاهري المغيّى بالعلم بالنجاسة، وهذا الحكم على إجماله مجمع عليه بين الفقهاء، كما ذكر صاحب الحدائق بقوله: "إنّ أصل الحكم المذكور ممّا لاخلاف فيه ولا شبهة تعتريه"،1 فمتى ما تحقّق العلم


--------------------------------------------------------------------------------
83

--------------------------------------------------------------------------------


بالنجاسة ارتفع الحكم بالطهارة، ومتى لم يتحقّق لم يرتفع وكان باقياً. فالأصل في كلّ شيء شُكّ في طهارته هوالطهارة.وليس المقصود الحكم بالطهارة على الأشياء في مرحلة الواقع، بل في مرحلة الظاهر، أي ما دام يُشكّ في طهارة الشيء واقعاً، محكوم بها ظاهراً لا واقعاً2.

بيان مدرك القاعدة
بالإمكان أن يُستدلّ على القاعدة بوجوه:
الأوّل: موثّقة عمّار، فعنه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ قال: "كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، وما لم تعلم فليس عليك شيء"3.
فقد دلّت على طهارة كلّ شيء شُكّ في طهارته دلالة كاملة تامّة، واستدلّ عليها غير واحد من الفقهاء، كما قال السيّد الخوئي قدس سره: "ومن جملة أدلّتها (الطهارة) قوله عليه السلام في موثّقة عمّار: "كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر..."4، وهكذا استدلّ مشهور العلماء على قاعدة الطهارة.

الثاني: قاعدة الطهارة متصيّدة من مجموعة روايات، القاسم المشترك بينها عدم الاعتناء بالشكّ وإلغاء احتمال النجاسة، وهي طائفة من الأخبار، نورد منها ما يأتي:
1- عن حفص بن غياث عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام قال: "ما أبالي أبولٌ أصابني أوماء إذا لم أعلم"5.


--------------------------------------------------------------------------------
84

--------------------------------------------------------------------------------


2- عن موسى بن القاسم، عن عليّ (جعفر) بن محمّد، سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام وأشباهها تطأ العذرة، ثمّ تطأ الثوب، أيغسل؟ قال: "إن كان استبان من أثره شيء فاغسله، وإلّا فلا بأس"6.

3- عن عمّار بن موسى الساباطي، أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يجد في إنائه فأرة، وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً، أواغتسل منه، أوغسل ثيابه، وقد كانت الفأرة متسلّخة؟ فقال: "إن كان رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء، ويعيد الوضوء والصلاة، وإن كان إنّما رآها بعد ما فرغ من ذلك، وفعله، فلا يمسّ من ذلك الماء شيئاً، وليس عليه شيء, لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه. ثمّ قال: لعلّه أنّ يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها"7.

وتقريب الاستدلال بكلّ هذه الروايات أنّها تدلّ على أنّ مجرّد إبداء الشكّ في النجاسة كاف للتأمين عنها، فالإمام عليه السلام حينما يصرّح بعدم مبالاته بالنجاسة إذا لم يعلم، أوينفي البأس مع عدم الاستبانة، أويبرز الشكّ في احتمال تقدّم وقوع الفأرة، أويعلّم طريقة لإيجاد الشكّ في النجاسة تخّلصاً من لزوم الغسل، يفهم العرف من كلّ ذلك أن الميزان في التأمين هومجرّد عدم العلم بالنجاسة، دون النظر إلى خصوصيّات الموارد، وهوالمعنى المراد من قاعدة الطهارة.

الثالث: التمسّك بالاستصحاب، بأن يقال: نشكّ في جعل النجاسة للشيء المشكوك، ومقتضى الأصل عدم جعلها.


--------------------------------------------------------------------------------
85

--------------------------------------------------------------------------------


شمول القاعدة للشبهة الحكميّة
وقع الكلام بين الفقهاء في شمول القاعدة للشبهات الحكميّة وعدمه.
ولتوضيح ذلك نقول: إنّ الشكّ بالطهارة على أنحاء ثلاثة:
1- أن يكون الشكّ بها ناشئا ً من الشكّ في طروالنجاسة وعدمه، كما لو شكّ في إصابة النجاسة لثوبه أوبدنه.

2- أن يكون الشكّ ناشئاً من الجهل في اندراج هذا الموضوع الخارجيّ تحت أيّ القسمين، كما لوعلم أنّ هذا بول، ولكنّه يشكّ أنّه بول إنسان، أوبول مأكول اللحم (كالغنم)، أوعلم أنّ هذا دم، ولكنّه لا يدري هل هودم إنسان أم دم سمك أوأفعى، أولا يدري أنّ هذا السائل هل هو خمر نجسة ـ على تقدير النجاسة ـ أم ماء طاهر.

3- أن يكون الشكّ فيها ناشئاً من الشكّ في الحكم الشرعيّ، كما لوكان جاهلاً بأنّ الخمر نجسة أم لا؟ وهكذا.

ويسمّى القسمان الأوّلان بالشبهة الموضوعيّة، والقسم الثالث بالشبهة الحكميّة. ولا خلاف بين الأعلام في شمول الطهارة للقسمين الأوَّلين.
قال في الحدائق: "إنّ القدر المتيقّن فهمه من الخبر المذكور، هوما وقع الاتّفاق عليه، إذ الظاهر أنّ المراد من هذا الخبر وأمثاله إنّما هودفع الوساوس الشيطانيّة والشكوك النفسانيّة بالنسبة إلى الجهل بملاقاة النجاسة، وبيان سعة الحنفيّة السهلة بالنسبة إلى اشتباه بعض الأفراد غير المحصورة ببعضٍ، فيحكم بطهارة الجميع حتّى يعلم الفرد النجس بعينه"8.

وإنّما محل الكلام في شمولها للقسم الثالث (الشبهة الحكميّة)، فهنا قولان:


--------------------------------------------------------------------------------
86

--------------------------------------------------------------------------------


الأوّل: نقل في الحدائق أنّ الأمين الأسترابادي اختار عدم جريان القاعدة في الشبهة الحكميّة، ومال الشيخ يوسف نفسه إلى ذلك أيضاً، وقرّب ذلك بأنّ المتيقّن من موثّقة عمّار أنّ احتمال إصابة النجاسة للشيء الطاهر لا يعتني له, دفعاً للوساوس الشيطانيّة والشكوك النفسانيّة، وأمّا تطبيقها في حالة الجهل بالحكم الشرعيّ فلا يخلومن الإشكال والجرأة9.
وفيه: إنّ إطلاق الموثّقة حجّة، تنتفي معه الجرأة والإشكال.

الثاني: ذهب جملة من الأعلام إلى شمولها لكلتا الشبهتين، الموضوعيّة والحكميّة.

بل ذكر السيّد الخوئيّ أنّه لا خلاف في ذلك، فقال: "طهارة ما يُشكّ في طهارته ونجاسته من الوضوح بمكان، ولم يقع فيها خلاف، لا في الشبهات الموضوعيّة، ولا في الشبهات الحكميّة"10.

وقال السيّد اليزديّ رحمه الله: "كلّ شيء مشكوك طاهر، سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة (الشبهة الحكمية)، أولاحتمال تنجّسه مع كونه من الأعيان الطاهرة (الشبهة الموضوعية)"11.

فالصحيح أنّه مع تماميّة سند موثّقة عمّار المتقدّمة فلا بأس بالقول بشمول القاعدة لموارد الشبهة الموضوعيّة والحكميّة معاً. نعم، لوقيل: إنّ مدرك القاعدة الروايات المتعدّدة التي يُتصيَّد من مجموعها عدم الاعتناء باحتمال الشكّ في الطهارة وحدها، فلا بُدّ من الالتزام باختصاصها بالشبهة الموضوعيّة, لأنّ الروايات المتعدّدة واردة في هذا المقام، كقوله عليه السلام: "أَبْولٌ أصابني"، و"الحمامة تطأ العذرة ثمّ تطأ الثوب" وغيرهما.


--------------------------------------------------------------------------------
87

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- يُقصد بقاعدة الطهارة الحكم بالطهارة على كلّ شيء يشكّ في طهارته ونجاسته، سواء أكان الشكّ على نحوالشبهة الموضوعيّة، أوعلى نحوالشبهة الحكميّة.
- يمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة بالروايات، وهي تامّة الدلالة عليها، إضافة إلى التسالم بين الفقهاء على مدلولها.
- الاستصحاب لا يسمح بجريان القاعدة يقتضي الحكم بالنجاسة.
- المعروف لدى الفقهاء أنّ قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهريّة عند الشكّ، وذهب آخرون إلى كون الطهارة الثابتة بها واقعيّة لا ظاهريّة.



مطالعة

هل الطهارة - في القاعدة - حكم واقعيّ أم ظاهريّ؟
في الإجابة عن هذا السؤال، وقع الكلام بين الفقهاء على قولين:
الأول: المعروف لدى الفقهاء أنّ قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهريّة عند الشكّ.
فالقاعدة تؤسّس لحكم ظاهريّ، وأنّ الأشياء محكومة بالطهارة الظاهريّة حتّى يحصل العلم بالنجاسة.

الثاني: ذهب المحدّث الشيخ يوسف البحرانيّ رحمه الله إلى كون الطهارة الثابتة بها واقعيّة لا ظاهريّة، بمعنى أنّ من لا يعلم بكون الشيء نجساً واقعاً، فهوطاهر في حقّه واقعاً، لا ظاهراً فقط.

واستدلّ على قوله بالآتي:
- ظاهر الخبر المذكور (موثّقة عمّار) أنّه لا تثبت النجاسة للأشياء ولا تتّصف بها إلّا بالنظر إلى علم المكلّف، لقوله عليه السلام: "فإذا علمت فقد قذُر"، بمعنى أنّه ليس التنجّس عبارة عمّا لاقته عين النجاسة واقعاً خاصّة، بل ما كان كذلك وعلم به المكلّف، فما دام لم يعلم به فهوطاهرٌ، لقوله عليه السلام: "فإذا علمت فقد قذُر"، كأنّه قبل العلم لا قذارة؛ لأنّ (قَذُرَ) فعل دالّ على التجدّد والحدوث, وكذلك ثبوت النجاسة لشيء إنّما هوعبارة عن حكم الشارع بأنّه نجس وعلم المكلّف بذلك.

ويرد عليه أنّه لوصلّى المكلّف بثوب نجس واقعاً، اعتماداً على قاعدة الطهارة، فلا موجب لإعادة صلاته قضاءً، ولا أداءً، بعد أن صلّى بثوب طاهر واقعاً في ظرف الجهل، وليس ذلك من إجزاء الحكم الظاهريّ عن الحكم الواقعيّ، بل من إجزاء الحكم الواقعيّ عن الواقعيّ، فالطاهر الواقعيّ عنده رحمه الله شيئان: هو ما لم تلاقه النجاسة، وما لاقته ولم يعلم بها المكلّف، وأمّا من علم بملاقاة النجاسة للثوب ـ مثلاًـ فهونجس في حقّه، ولا تصحّ منه الصّلاة فيه.

وأمّا الاستدلال له بظاهر قوله عليه السلام: "فإذا علمت فقد قذُر"، الدالّ على أنّ القذارة تثبت عند العلم بها، ففيه: أنّ الموثّقة قالت: "حتّى تعلم أنّه قذر"، وهذا يدلّ على أنّ الشيء قذر واقعاً، والعلم يتعلّق بما هوقذر واقعاً، وإذا كان الشيء قذراً واقعاً، فكيف يُحكَم عليه بكونه نظيفاً واقعاً؟! إنّه تناقض واضح.

وبهذا يتّضح عدم صحّة التمسّك بجملة "فإذا علمت فقد قذر"، لإثبات الطهارة الواقعيّة؛ إذ المقصود: فإذا علمت بنجاسته واقعاً، فآنذاك يحكم بذلك، وقبل العلم لا يحكم بنجاسته واقعاً، بل يحكم بطهارته ظاهراً.

- وأنّ ما ذكره مخالف لظاهر جميع ما ورد في أبواب الأعيان النجسة والطاهرة، فإنّ قوله عليه السلام في الكلب: "إنّه نجس"، وكذا الحكم بالنجاسة وما يفيد معناها بالنسبة إلى العناوين الأخرى، وكذا "حكمه بطهارة الماء" وغيره، فهذه كلّها ظاهرة في تعلّق الحكم بعناوينه الواقعيّة، مع قطع النظر عن العلم والجهل، فإنّ الكلب، أوالدم، أوالمنيّ، أوالماء، عناوين خارجيّة، علمناها أولم نعلم بها12.

- لازم ما ذكره أيضاً أن تكون النجاسة أمراً نسبيّاً، فثوب واحد نجس واقعاً بالنسبة إلى من يعلم، وطاهر واقعاً بالنسبة إلى من لا يعلم، وهذا أمر عجيب لا يقبله ذوق الفقه وارتكاز أهل الشرع وأحاديث الباب.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أوخطأ في المكان المناسب:
1- إذا علم أنّ هذا السائل دم، ولكنّه لا يعلم هل هودم شاة أم سمك، يمكن تطبيق قاعدة الطهارة والحكم بطهارته.
2- إذا وجد على ثوبه دماً، ولكنّه لا يدري أنّه منه أومن البقّ أوالبرغوث، فلا يحكم بطهارته.
3- يقصد بقاعدة الطهارة الحكم بالطهارة على كلّ شيء يشكّ في طهارته ونجاسته، إذا كان الشكّ على نحوالشبهة الحكميّة.
4- قاعدة الطهارة تثبت طهارة ظاهريّة وواقعيّة عند الشكّ.
5- لوعلم أنّ هذا بول، ولكنّه يشكّ أنّه بول إنسان أوبول مأكول اللحم كالغنم فيحكم بالطهارة.
6- إذا علم بنجاسة الماء سابقاً، ثمّ شكّ في نجاسته وطهارته، فيجري استصحاب النجاسة ولا تجري قاعدة الطهارة.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- ما حكم لوعلم أنّ هذا دم حيوان ولكنّه لا يعلم أنّه ممّا له نفس سائلة أم لا؟ وعلى أيّ قاعدة نحكم هنا؟
2- إذا دخل الشخص إلى المرافق العامّة لقضاء الحاجة، ووصل إلى ثوبه بعض الماء الواقع على الأرض، فما حكم ذلك الماء؟
3- هل يحكم على أواني المشركين وسائر الكفّار بالنجاسة، أم يحكم عليها بالطهارة؟ ولماذا؟
4- شخص يشكّ في نجاسة الجلد المأخوذ من يد الكافر، ثمّ صلّى فيه؟ فما هوحكم صلاته، ولماذا نحكم بالصحّة أوالبطلان؟
5- ما حكم الخبز أوالأطعمة الأخرى التي تُباع في سوق البلاد الكافرة ؟ فهل يجوز الأكل من الخبز المقدَّم له أوالحليب أو الحساء(الشوربة) المقدّمة في تلك المطاعم؟
6- ما يُصنع في بلاد الكفر من أقمشة وغيرها مع احتمال كون بعضها مصنوعاً من أجزاء الحيوان، هل يحكم بطهارته وجواز الصلاة فيه، أولا؟



هوامش

1 البحراني، يوسف: الحدائق الناضرة، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشرالإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، لات، ج1، المقدّمة الحادية عشرة، ص134.
2 الإيرواني، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، م.س، ج2، ص44.
3 العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج3، الباب 37 من أبواب النجاسات، ح4.
4 الخوئي، شرح العروة الوثقى- الطهارة- موسوعة الإمام الخوئي قدس سره، م.س، ص148.
5 العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج3، الباب37 من أبواب النجاسات، ح5 .
6 م.ن، ح3.
7 العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج1، الباب 4 من أبواب الماء المطلق، ح1.
8 البحراني، الحدائق الناظرة، م.س، ج1، ص135.
9 م.ن.
10 الخوئي، شرح العروة الوثقى- الطهارة- موسوعةالإمام الخوئي قدس سره، م.س، ص148.
11 اليزدي، العروة الوثقى، م.س، ص20.
12 الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج2، ص425.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:41 PM


الدرس السابع: قاعدة لا ضرر ولا ضرار

أهداف الدرس
- التعرّف على المراد الاصطلاحيّ من قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
- التعرّف على أهمّ الأقوال في المقصود من قاعدة لا ضرر.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة قاعدة لا ضرر.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
93

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
هذه القاعدة من أشهر القواعد الفقهيّة، الّتي يستدلّ بها في جُلّ أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل، ولهذا أفردها العلماء بالبحث والتحقيق، وصنّف فيها غير واحد من العلماء رسائل مستقلّة، بيّنوا فيها حال القاعدة من حيث مدركها ومعناها، وفروعها ونتائجها، وهي من القواعد المهمّة في مقام الاستنباط، فإنّه بناءً على كون المقصود منها نفي الحكم الّذي ينشأ منه الضرر، فسوف يثبت لدى الفقيه نفي وجوب الوضوء إذا ترتّب عليه الضرر...، وهكذا الحال في موارد الضرر الكثيرة.

ويعتمد في إثباتها على مجموعة من الروايات أبرزها، قضيّة سَمُرة بن جندب مع الرجل الأنصاري، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: "إنّ سمرة بن جندب كان له عذق1 في حائط لرجل من الأنصار. وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرُّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما تأبّى جاء الأنصاريّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشكا إليه وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخبّره بقول الأنصاري، وما شكاه،


--------------------------------------------------------------------------------
95

--------------------------------------------------------------------------------


وقال: إن أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاريّ: إذهب فاقلعها، وارم بها إليه، ولا ضرر ولا ضرار"2. على أنّنا سنفصّل الاستدلال بهذه الرواية وغيرها في سياق الدرس، وقد ذكرناها، هنا، لبيان منشأ القاعدة فقط.

بيان المراد من القاعدة
تعدّدت الأقوال في المقصود من قاعدة لاضرر ولا ضرار، نكتفي بذكر ثلاثة أقوال مهمّة ومشهورة، وهي:
الأوّل: ما ذهب إليه شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره: هو أنّ المقصود النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ضرر: أي يحرم الضرر. فيحرم إيجاد ضرر بالغير، أومطلقاً حتّى على النفس، فيكون مساقها مساق قوله تعالى: ï´؟فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...ï´¾3، حيث إنّ الآية الشريفة تدلّ على حرمة هذه الأمور في الحجّ من خلال النهي عن الرفث (الفحش والجماع)، والفسوق (الكذب)، والجدال (الحلف بقول: لا والله ونحوه). ونظائرها كثيرة في الأخبار، حيث يكون ظاهر الكلام النفي، ولكن أريد منه النهي، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبق إلّا في خف أوحافر أونصل"4، وغير ذلك من الموارد العديدة. ولقد أصرّ شيخ الشريعة الإصفهاني قدس سره على هذا القول5.

الثاني: ما ذهب إليه الإمام الخمينيّ قدس سره:
وخلاصته: إنّ القاعدة لم يذكرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أنّها قاعدة من القواعد


--------------------------------------------------------------------------------
96

--------------------------------------------------------------------------------


الإلهيّة الّتي أُمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغها كقانون من الله تعالى، وإنّما ذلك حكم صادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما هورئيس للحكومة الإسلاميّة، فالقاعدة حكم سلطانيّ وحكوميّ وليس إلهيّاً. وتوجيه ذلك أنّه يوجد احتمال آخر في معنى الحديث ، وهوأنّ مفاد هذه القاعدة حكم سلطانيّ بمنع إضرار الناس بعضهم ببعض، فإنّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقامات ثلاثة:
1- مقام النبوّة وتبليغ الرسالة، وهومن هذه الجهة مبلّغ عن الله - تعالى -، وحاكٍ لأحكامه الظاهريّة والواقعيّة، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة المستفادة من الكتاب والسنّة.
2- مقام القضاء: وذلك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم، فللنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم القضاء وفصل الخصومة بينهم.
3- مقام السلطنة والرياسة من قبل الله تعالى: فأمره ونهيه نافذان فيما يراه مصلحة للأمّة، كنصب أمراء الجيوش، والقضاة وأشباهها. والظاهر أنّ حكمه صلى الله عليه وآله وسلم في قضيّة سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأوّل ولا الثاني, لأنّه لم يكن للأنصاريّ ولا لسمرة شكّ في حكم تكليفيّ أووضعيّ في قضيّتهما، أوتنازع في حقّ اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أوالحكم، وإنّما وقع ما وقع من الأنصاريّ في مقام الشكوى والتظلّم والاستنصار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما أنّه سلطان على المسلمين، وسائسهم، مع وضوح الحكم والموضوع كليهما، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بقلع النخلة حسماً لمادّة الفساد، ثمّ عقّبه بقوله: "لا ضرر ولا ضرار"، فهذا حكم سلطانيّ عامّ بعد حكمه الخاصّ، ومعناه أنّه لا يضرّ أحد أحداً في حِمى سلطاني ...، وعلى جميع الأمّة إطاعته في ذلك، والانتهاء بنهيه، لا بما أنّه حكم من أحكام الله، بل بما أنّه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة، ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية عبادة بن صامت،


--------------------------------------------------------------------------------
97

--------------------------------------------------------------------------------


المرويّة من طرق السنّة بقوله: "وقضى". وبالنتيجة يكون الأمر بالقطع لقطع مادّة الفساد المتوقّع في المقام، وأنّه لا يظلم أحد أحداً في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ودولته6.

الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ7: ويقصد به نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر. وهذا ما اختاره جمع من الأعلام أيضاً، فيكون مفادها نفي الحكم الضرري، بمعنى أنّ كلّ حكم صدر من الشارع، فإن استلزم ضرراً أوحصل من قِبَل جعله ضررٌ على العباد - سواء أكان الضرر على نفس المكلّف، أم على غيره - (كوجوب الوضوء الّذي حصل من قِبَل وجوبه ضرر ماليّ أوبدنيّ على المكلّف، وكلزوم المعاملة في المعاملة الغبنيّة، حيث نشأ من قبله ضرر على المغبون) يكون مرفوعاً.

ولا يخفى أنّه، بناءً على هذا القول، استعملت كلمة "لا" في معناها الحقيقيّ، لأنّ معناها الحقيقيّ نفي جنس مدخوله حقيقة لا ادعاءً، ولا شكّ في أنّ رفع الحكم الضرريّ من الشارع رفع حقيقيّ, لأنّه لا وجود للحكم الضرريّ - لوكان - إلّا في عالم التشريع، والمفروض أنّه رفعه بهذه الجملة بناءً على هذا القول.

وهذا الرأي هو القول المشهور8، وذلك من جهة أنّه لا شكّ في أنّه صلى الله عليه وآله وسلم في مقام التشريع، وفي مقام أنّ الحكم المشروع في المقام حكم امتنانيّ على الأمّة، ويمكن توجيهه بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حينما يتكلّم لا بدّ وأن يتكلّم بما هوشارع، والشارع حينما يخبر عن عدم الضرر، لا بدّ وأن يكون مقصوده نفي تحقّق الضرر من ناحية أحكامه وتشريعاته، وعليه يثبت كون المقصود نفي تحقّق الضرر في حقّ


--------------------------------------------------------------------------------
98

--------------------------------------------------------------------------------


المكلّف من ناحية التشريع والأحكام، فكلّ حكم يكون ثبوته مستلزماً للضرر يكون منتفياً.

وينبغي أن يكون واضحاً أنّنا لا نقصد من خلال هذا البيان دعوى أنّ كلمة "ضرر" قد استعملت بمعنى الحكم ليقال: إنّه لم يعهد استعمال كلمة "ضرر" بمعنى الحكم، بل نقصد دعوى أنّ الّذي توجّه إليه النفي هونفس الضرر بمعناه الحقيقيّ، غايته ندّعي أنّ النفي بلحاظ عالم التشريع وليس بلحاظ عالم الوجود الخارجيّ. ولا معنى لنفي تحقّق الضرر من زاوية عالم التشريع، إلّا ما تقدّمت الإشارة إليه، وهونفي كلّ حكم يستلزم تشريعه الضرر على المكلّف.

بيان مدرك القاعدة
أهمّ الروايات الّتي استدلّ بها على القاعدة:
الرواية الأولى: ما رواه الكلينيّ (رضوان الله عليه) في الكافي، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: "إنّ سَمُرة بن جُنْدَب9 كان له عِذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجيء


--------------------------------------------------------------------------------
99

--------------------------------------------------------------------------------


ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاريّ فقال الأنصاريّ: يا سمرة لا تزال تَفْجَؤُنا على حال لا نحبّ أن تفجأنا عليه، فإذا دخلت فاستأذن. فقال: لا أستأذن في طريق، وهوطريقي إلى عذقي، قال: فشكاه الأنصاريّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ فلاناً قد شكاك، وزعم أنّك تمرَّ عليه وعلى أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أستأذن في طريقي إلى عذقي؟. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك اثنان، قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتّى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فلك عشرة في مكان كذا وكذا. فأبى، فقال: خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة، قال: لا أريد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال: ثمّ أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلعت ورمى بها إليه، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انطلق فاغرسها حيث شئت"10. وروي الحديث بصيغ قريبة من هذه في الكافي، وعن الصدوق.

الرواية الثانية: مسألة الشفعة الّتي روى فيها المشايخ الثلاثة عن عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام: "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أرّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة"11.

والمراد من جملة: "أرّفت الأرف": رسمت الحدود. كما وأنّ المراد من جملة: "لا ضرر ولا ضرار" بيان حكمة تشريع الشفعة. والمراد بذكر جملة: "إذا أرّفت" الردّ على قول من يقول بأنّ الشفعة ثابتة بعد تقسيم الأرض، وتقييم حصّة كلّ شريك.


--------------------------------------------------------------------------------
100

--------------------------------------------------------------------------------


شرح مفردات الحديث: من المناسب قبل بيان وجه الاستدلال بالروايات، التوقّف مع بعض المصطلحات المرتبطة بالاستدلال على القاعدة ، فاشتملت الرواية الأولى وبقيّة الروايات على كلمتي "ضرر" و"ضرار"، فما هوالمقصود منهما؟.

كلمة لا: وأمّا كلمة (لا) فلا شكّ في أنها لنفي الجنس إذا كان ما بعدها نكرة، نحو: لا رجلَ في الدار، فتكون ظاهرة في نفي الحقيقة حقيقة، إلّا أن يثبت أنّ النفي ادعائيّ.
الضرر: أمّا الضرر فهوفي اللغة اسم مصدر يدلّ على مجرّد الحدث بلا لحاظ حيثيّة صدوره عن الفاعل، أوبالأحرى من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل، فعندما يقال: ضرر فلان عظيم يقصد أنّ نفس النقص فاحش وعظيم، ولا يراد أنّ النقص الّذي فعله فلان عظيم وفاحش. ويقصد بالضرر (هنا) النقص في المال أوالبدن أوالعرض أوالحقّ12، ويجب أن يكون موجباً لوقوع الشخص في الضيق والشدّة, لأنّ الضرر (النقص) أمر نسبيّ قد يتفاوت بين شخص وآخر، فالتاجر الّذي يملك الملايين، إذا ضاع منه بعض الدنانير لا يصدق أنّه تضرّر، بخلاف ذلك في الفقير.

الضرار: وأمّا الضرار فهومصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد. فالضرار (مصدر) يدلّ على الحدث مع ملاحظة حيثية صدروه عن فاعل ما.

الفرق بين الضرر والضرار: يشترك الضرر والضرار في الدلالة على الضرر والنقص، إلّا أنّ أحدهما اسم مصدر والآخر مصدر. فمثلاً العلم إذا لوحظ


--------------------------------------------------------------------------------
101

--------------------------------------------------------------------------------


منسوباً إلى الفاعل وقيل: علمُ زيد بالقضيّة الفلانيّة ثابت فهو مصدر، وأمّا إذا قيل: العلم خير من الجهل، فهواسم مصدر، والمصدر واسم المصدر غالباً ما يتّفقان من حيث اللفظ في اللغة العربية، مثل: علم زيد, العلم، وقد يختلفان في اللفظ, مثل: التلف والإتلاف، النفع والمنفعة، الضرر والضرار.

والخلاصة: إنّ الضرر هونفس النقص بلا لحاظ حيثية صدروه عن الفاعل، فحينما يقال: ضرر فلان عظيم يقصد أنّ نفس النقص فاحش وعظيم، ولا يراد أنّ النقص الّذي ألحقه فلان عظيم، فحيثيّة كون النقص من فعل هذا أوذاك ليست ملحوظة، وهذا كلُّه بخلافه في كلمة "الضرار"، فإنّ حيثيّة الصدور عن الفاعل ملحوظة، فيقال ضرار فلان عظيم، أيّ أنّ الضرر الّذي قام به فلان وصدر عنه عظيم.

والنتيجة المستخلصة من كلّ هذا: أنّ كلمة "ضرر" تدلّ على نفس النقص، وكلمة "ضرار" تدلّ على الضرر الصادر عن الفاعل عن تعمّد وقصد، أوللتشبّث ببعض الذرائع الواهية، كما هوالحال في سمرة.

وجه الاستدلال بالروايات على القاعدة
تتبّع موارد القاعدة في الروايات:
وردت روايات كثيرة في كتب الفريقين تروي جملة "لا ضرر ولا ضرار" عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي بمنزلة كبرى كليّة يطبّقها صلى الله عليه وآله وسلم في موارد عديدة، منها: ما رواه في الكافي في قضية سمرة بن جندب المشهورة أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصاريّ: "اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار"، وفي بعض طرق هذا الحديث هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن"، ومنها: ما رواه الفقيه مرسلاً في باب ميراث أهل الملل: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، بزيادة كلمة "في الإسلام" ومنها: في أنّه قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أهل المدينة في مشارب


--------------------------------------------------------------------------------
102

--------------------------------------------------------------------------------


النخل أنّه لا يمنع نقع الشيء، وقضى صلى الله عليه وآله وسلم بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، وقال: "لا ضرر ولا ضرار"، ومنها: تطبيق هذه الكبرى في باب الشفعة، كما رواه الكلينيّ بإسناده عن أبي عبد الله، قال عليه السلام: "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار".

دراسة السند
الإنصاف أنّ الفقيه - كما يقول البجنورديّ في القواعد الفقهيّة - بعد ملاحظة هذه الروايات الكثيرة من طرقنا، بضميمة ما رواه غيرنا في كتبهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ربّما يقطع بصدور هذه الجملة - أي جملة "لا ضرر ولا ضرار" - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا حاجة إلى التكلّم في سنده، مع عمل الأصحاب به وإرساله إرسال المسلّمات. مضافاً إلى صحّة سند بعض هذه الروايات13. إذاً لا ينبغي الإشكال في صحّة السند، وقد ادّعى صاحب الكفاية قدس سره تواترها، مع اختلافها لفظاً ومورداً، فليكن المراد به تواترها إجمالاً، بمعنى القطع بصدور بعضها، والإنصاف أنّه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف14 . وقال الشيخ الأنصاريّ قدس سره: قاعدة لا ضرر ولا ضرار15. وقال السيّد الخوئي قدس سره: "أمّا السند فلا ينبغي التأمّل في صحّته, لكونها من الروايات المستفيضة المشتهرة بين الفريقين، حتّى ادّعى فخر المحقّقين في باب الرهن من الإيضاح تواترها"16. والسند في بعض الطرق صحيح أوموثّق، فلولم يكن متواتراً مقطوع الصدور، فلا أقلّ من الاطمئنان بصدورها عن المعصوم"17.


--------------------------------------------------------------------------------
103

--------------------------------------------------------------------------------


كثرة التخصيص في القاعدة: قد يقال: إنّ التخصيص في مدلول القاعدة يكون أكثر ممّا بقي تحته، ويكون "تخصيص الأكثر" مستهجناً أوّلاً، وموجباً للوهن في إطلاق الحديث ثانياً. والتحقيق: إنّ معظم الموارد يكون خارجاً عن مدلول القاعدة تخصّصاً، ولا يكون خارجاً بالتخصيص إلّا موارد قليلة. "قال السيد الخوئيّ: وأمّا الأحكام المجعولة في الديَات والحدود والقِصاص والحجّ والجهاد، فهي خارجة عن قاعدة لا ضرر بالتخصّص لا بالتخصيص, لأنّها من أوّل الأمر جعلت ضرريّة لمصالح فيها"18 . وأمّا التخصيص في بعض الموارد كشراء ماء الوضوء، ولو بأضعاف قيمته، فقليل جدّاً، فتبيّن أنّه ليس هناك تخصيص الأكثر.


--------------------------------------------------------------------------------
104

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة لا ضرر من أشهر القواعد الفقهيّة، الّتي يستدلّ بها في جُلّ أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل الفقهيّة.
- تعدّدت الأقوال في المقصود من قاعدة لا ضرر، إلّا أنّ القول المشهور ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري وهو نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر.

- ذهب شيخ الشريعة الإصفهاني قدس سره إلى أنّ المقصود من القاعدة النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ضرر: أي يحرم الضرر.
- ذكر الإمام الخمينيّ قدس سره فهماً خاصّاً للروايات، وهوأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلملم يذكرها على أنّها قاعدة من القواعد الإلهيّة، الّتي أُمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغها كقانون وتشريع من الله تعالى، وإنّما ذلك حكم صادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما هورئيس للحكومة الإسلاميّة، فالقاعدة حكم سلطانيّ وحكوميّ وليس إلهيّاً.

- الضرر في اللغة اسم مصدر يدلّ على مجرّد الحدث، بلا لحاظ حيثيّة صدوره عن الفاعل، أوبالأحرى من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل.
- يقصد بالضرر النقص في المال أوالبدن أوالعرض أوالحقّ.

- الضرار هومصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد.
- من أهمّ ما استدلّ به على القاعدة ما رواه الكلينيّ في الكافي وغيره عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، في قضيّة سمرة والأنصاريّ. وقال كثيرون بتواتره والاطمئنان إلى صدوره.

- معظم الموارد الّتي خرجت عن مدلول القاعدة خرجت بالتخصّص، ولا يكون خارجاً بالتخصيص إلّا موارد قليلة، فلا يقع القبح في استثناء الكثير.



مطالعة

وجه تقدّم قاعدة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة
لا إشكال في أنّ نسبة حديث نفي الضرر إلى أدلّة الأحكام الأوّليّة نسبة العموم من وجه. فدليل وجوب الوضوء مثلاً يدلّ على وجوب الوضوء في حالتيّ الضرر وعدمه، وحديث نفي الضرر يدلّ على نفي كلّ حكم ضرريّ سواء أكان من قبيل وجوب الوضوء أم غيره. فذاك يشمل حالة الضرر وغيرها، وهذا يشمل وجوب الوضوء وغيره.

ومادّة الاجتماع الّتي يتعارضان فيها هي الوضوء الضرريّ، فإنّ أحدهما يثبت الوجوب فيها والآخر ينفيه. والمناسب في موارد المعارضة بنحوالعموم من وجه هوتساقط الدليلين في مادّة المعارضة، لا تقديم أحدهما، ومعه فلماذا يقدّم حديث نفي الضرر على الأدلّة الأوّليّة؟

قال السيّد الخوئيّ: "والتحقيق في وجه التقديم أنّ دليل لا ضرر حاكم19على الأدلّة المثبتة للتكاليف، والدليلُ الحاكم يقدّم على الدليل المحكوم بلا ملاحظة النسبة بينهما، وبلا ملاحظة الترجيحات الدلاليّة والسنديّة"20.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أوخطأ في المكان المناسب:
1- قاعدة لا ضرر تعني نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر.
2- الضرر في اللغة مصدر يدلّ على مجرّد الحدث من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل.
3- كلمة "ضرر" تدلّ على نفس النقص، وكلمة "ضرار" تدلّ على الضرر الصادر عن الفاعل عن تعمّد وقصد.
4- اعتبر الإمام الخمينيّ أنّ المقصود من قاعدة لا ضرر النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً.
- يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر في الأبواب الفقهيّة المختلفة.
6- الضرار هواسم مصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- ما هوالمقصود بقاعدة "لا ضرر" بناءً على رأي الشيخ الأعظم قدس سره، وكيف نستدلّ على قوله قدس سره من الروايات؟
2- كيف استدلّ شيخ الشريعة الأصفهانيّ في الرواية على قاعدة لا ضرر؟
3- لو اعتقد عدم الضرر من الوضوء أوالغسل بالماء البارد، فتوضَّأ أواغتسل فتضرَّر، فما هوحكم وضوئه وغسله؟.
4- كيف نطبّق القاعدة بناءً على فهم الإمام الخمينيّ قدس سره لحديث "لاضرر" في قضية الأنصاريّ وسمرة.
5- بناءً على كون المقصود من القاعدة نفي الحكم الّذي ينشأ منه الضرر، فهل يمكن للفقيه نفي وجوب الصوم إذا احتمل ترتّب الضرر منه؟
6- الأصل أنّه يحرم على المرأة كشف جسدها أوعورتها أمام الطبيب لأجل العلاج، أوالولادة، حدّد بدقّة الموارد الّتي تطبّق فيها القاعدة هنا، وينتفي الحكم المذكور.



هوامش

1- العذق على ما في المنجد: كلّ غصن له شعب، والحائط هوالبستان.
2- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب12 من أبواب إحياء الموات، ح3، ص428-429.
3- البقرة: 197.
4- الكليني، الكافي، م.س، ج5، باب فضل ارتباط الخيل، ح14، ص50.
5- السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، م.س، ص24-27.
6- بتصرّف: الخميني، روح الله: بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، تحقيق ونشر مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره،ط2، قم المقدّسة، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ.ق.
7- الأنصاري، فرائد الأصول، م.س، ص315.
8- الأنصاري، مرتضى: المكاسب، ص372؛ الخوانساري، موسى بن محمّد: منيةالطالب، ج2، ص201.
9- سمرة: بفتح الأول وضمّ الثاني وفتح الثالث، و(جندب) بضمّ الأوّل وسكون الثاني وفتح الثالث على وزن (لعبة)، صحابي من بني شمخ بن فزارة. والذي يظهر من تتبّع كتب الرجال والسير، ولاسيّما ما نقله العلّامة المامقاني وابن أبي الحديد، في ترجمة الرجل أنّه كان من أشدّ الناس قسوة وعداوة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وكان لا يبالى بقتل الأبرياء وجعل الأكاذيب وتحريف الكلم عن مواضعه، وإليك نبذ ممّا التقطناها من مخازيه: إنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مئة إلف درهم على أن يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام: ï´؟وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِï´¾ - إلى قوله تعالى - ï´؟وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَï´¾ وأنّ هذه نزلت في ابن ملجم ï´؟وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِï´¾، فلم يقبل، فزاده حتّى بلغ أربعمئة ألف فقبل! (نقله ابن أبى الحديد في شرحه على نهج البلاغة).
- كما استخلف زياد سمرة بن جندب على البصرة، فأتى الكوفة وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (وفى رواية من الشيعة!) فقال له زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا؟ قال: لوقتلت مثلهم ما خشيت! (رواه أبوجعفر الطبري في أحداث سنة خمسين من تاريخه).
- وقال سمرة: والله لوأطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبداً (نقله الطبري وابن الأثير).
ولولم يكن دليل على فسق الرجل ومعاداته للحقّ وأوليائه إلّا هذه الرواية المنقولة في المتن عن الجوامع المعتبرة الحاكية عن اعتدائه على الأنصاري، لكان كافياً.
10- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب 12من أبواب إحياء الموات،ح3.
11- م.ن، باب5 من أبواب الشفعة، ح1.
12- كان له حقّ عقلائي وشرعي في قضية معيّنة؛ فالمنع من ممارسته لحقّه المذكور ضرر أيضاً. فمثلاً من حقّ الشخص أن يعيش في داره حرّاً، والحيلولة دون ممارسة حقّه - كما حال سمرة دون إعمال الأنصاري لحقّه المذكور - ضرر أيضاً...
13- البجنوردي، القواعدالفقهية، م.س، ج1، ص214.
14- الخراساني، كفايةالأصول، م.س، ج2، ص266.
15- الأنصاري، المكاسب، م.س، ص 372.
16- الحلّي، محمّد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج2، ص48.
17- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص518.
18- م.ن.
19- وتعني الحكومة نظر أحد الدليلين إلى الآخر، بحيث يكون الأوّل لغواً، لولم يفرض الثاني في مرحلة أسبق، كما هوالحال في مقامنا، فإنّ حديث لا ضرر ينفي الضرر من زاوية التشريع، فلا بدّ من فرض تشريع وأحكام في مرحلة سابقة لينفيها الحديث في حالة الضرر. أمّا ما هي النكتة في تقدّم الحاكم؟ فإنّ النكتة هي النظر، ونفس كون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم هو بنفسه نكتة تكفي في نظر العرف للتقدّم، لأنّ معنى كون الدليل ناظراً هو أنّ المتكلّم قد أعدّه لتوضيح المقصود من الدليل المحكوم، وواضح أنّ ما أُعدّ لتوضيح المقصود من غيره يكون هو المقدّم في نظر العرف (الإيرواني، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص154) .
20- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص539.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:42 PM


الدرس الثامن: قاعدة أصالة الصحّة

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة أصالة الصحّة وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
109

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
هذه القاعدة من القواعد الفقهيّة المشهورة جدّاً، والمتداولة بين الفقهاء، ويتمسّك بها في جلّ أبواب الفقه أوكلّها، وهي تنظّم علاقة جميع أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، بلا فرق بين علاقات المسلمين بعضهم ببعض أوبغيرهم، وذلك من خلال إيجاد عناصر الثّقة والتعامل الإيجابيّ مع ما يصدر من الأفعال من قبل الآخرين، أوالأفعال ضمن الأحكام التكليفيّة في العبادات أوالمعاملات، أوحتى على مستوى السلوك الأخلاقيّ. وقد قامت سيرة العقلاء كافّة على ذلك، من جميع الملل، وفي جميع العصور، من أرباب جميع الأديان من المسلمين وغيرهم، بل يمكن أن يقال: لولم يكن هذا الأصل معتبراً لا يمكن أن يقوم للمسلمين سوق، فإنّ هذه القاعدة جارية في أغلب أبواب الفقه من العبادات والمعاملات. بل إنّه لولم يبن على هذا الأصل لَلَزِمَ اختلال نظام المعاد والمعاش، بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الأصل، أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بسوق المسلمين1.


--------------------------------------------------------------------------------
111

--------------------------------------------------------------------------------


في بيان المراد من القاعدة
إنّ الصحّة تطلق في لسان العلماء ويراد بها معنيان:
الأوّل: الصحّة في مقابل القبيح, فمعنى أصالة الصحّة (هنا) أنّه لودار الأمر الصادر عن الغير بين كونه حسناً أو قبيحاً فينبغي الحمل على الأوّل، وهومعنى أخلاقيّ، دلّت على الحثّ عليه جملة من النصوص، رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً"2.

وأصالة الصحّة بهذا المعنى الأخلاقيّ مختصّة بعمل المؤمن، فلا تجري في حقّ غيره من سائر فرق المسلمين، فضلاً عن الكافرين، إذ الحمل على الصحّة بهذا المعنى من حقوق الأخوّة، كما هو لسان الأدلّة، وصحّة الأعمال الّتي هي مدار قاعدة أصالة الصحّة، وهي - بهذا المعنى - ليست محلًّا للكلام, لعدم ترتّب أثر عمليّ عليها، فإنّه لودار الأمر بين كون الكلام الصادر عن المؤمن شتماً لي، أوسلاماً عليّ، فالحمل على السلام لا يستوجب ترتيب الأثر من وجوب ردّ السلام.

الثاني: إطلاق الصحيح في مقابل الفاسد: فمعنى أصالة الصحّة هوترتيب الأثر على العمل الصادر عن الغير، وهذا هومحّل الكلام في قاعدة أصالة الصحّة، فلوصدر عن الغير عقد أوإيقاع أوصلاة أووضوء، وشّك في كون هذا الصادر عن الغير صحيحاً يترتّب عليه الأثر، أوباطلاً لا يترتّب عليه الأثر، فيحمل على كونه صحيحاً ذا أثر، وهذا المعنى هوالمراد من القاعدة المذكورة.

"فالمقصود من القاعدة ترتيب آثار الفعل الصحيح الواقعيّ على فعله، بمعنى فرض عمله صحيحاً واقعاً وفي نفس الأمر، لا بحسب اعتقاده فقط،


--------------------------------------------------------------------------------
112

--------------------------------------------------------------------------------


كما في الوجه السابق، فيرتّب عليه ما هومن آثاره الواقعيّة، فيفرض فعله تامّ الأجزاء والشروط واقعاً، ويرتّب عليه ما يترتّب عليه، ويكون عمله منشئأً للآثار الشرعيّة، وهذا هوالمعنى المقصود من هذه القاعدة، لا المعنى السابق"3.

بيان مدرك القاعدة: يستدلّ على القاعدة بوجوه:
الأوّل - السيرة: وهوعمدة الأدلّة في المقام، قال السيّد البجنورديّ: "إنّ عمدة الدليل على قاعدة الصحّة هي سيرة العقلاء كافّة من جميع الملل، في جميع العصور، من أرباب جميع الأديان، من المسلمين وغيرهم، والشارع لم يردع عن هذه الطريقة، بل أمضاها، كما هومفاد الأخبار في أبواب متعدِّدة".4 وقال السيّد الخوئي قدس سره في بيان مدرك القاعدة: "السيرة القطعية من جميع المسلمين المتديّنين على ترتيب آثار الصحّة على أعمال الناس، من العبادات والمعاملات والعقود والإيقاعات, ولذا لا يقدم أحد على تزويج امرأة لاحتمال كون العقدالواقع بينها وبين زوجها باطلاً، وهذه السيرة متّصلة بزمان المعصوم عليه السلام ولم يردع عنها، وهذا الدليل هوالدليل التامّ الوافي في إثبات المقام"5. وبالنتيجة فقد استقرّت السيرة عند المتشرّعة قاطبة على مدلول القاعدة، ونطاق السيرة واسع، فلا يختصّ بالشكّ في المعاملات، بل تعمّ المعاملات والعبادات،فالمدرك الوحيد الّذي لا يقبل النقاش هوالسيرة القطعيّة.

ولعلّ نكتة السيرة المذكورة ظهور حال العاقل في أنّه لا يرتكب إلّا الفعل الصحيح، وإلّا كان لاغياً وعابثاً في أفعاله، أولأنّه يلزم العسر والحرج واختلال


--------------------------------------------------------------------------------
113

--------------------------------------------------------------------------------


النظام، لولم تُحمل أفعال الآخرين على الصحّة.

الثاني - الدليل النقلي: من الكتاب الكريم: قوله تعالى: ï´؟...أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ...ï´¾،6 وقوله: ï´؟...إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ...ï´¾،7 بناءً على أنّ الخطاب ليس مختصّاً بالمتعاقدين، بل جميع المكلّفين مخاطبون به، ومأمورون بالوفاء بالعقد الصادر عن المتعاقدين، وما ذلك إلّا لترتيب آثار الصحّة عليه.

وفيه: إنّ الخطاب مختصّ بالمتعاقدَيْن دون غيرهما، وعلى تقدير كونه عامًّا فالدليل المذكور مختصّ بالمعاملات دون الإيقاعات، ولوقلنا بعمومه لها أيضاً، فلا يشمل المعاملات بالمعنى الأعمّ كالطهارة والنجاسة، والمراد إثبات أصالة الصحّة في جميع هذه الموارد، فالدليل على تقدير تماميّته أخصّ من المدّعى.

وبالإضافة إلى ما ذكر يقال: إنّ الناقد البصير إذا أمعن النظر في الأحكام الواردة في الشرع، الثابتة عند أهله بإجماع أوغيره، يرى أنّ الشارع المقدّس لا يخرج في حكمه عمّا يطابق هذا الأصل في موارد، بحيث يورثه الاطمئنان بثبوت هذه الكلّيّة في الشرع، فلاحظ ما ورد من الأحكام المختلفة في أبواب الطهارات والنجاسات، مّما يرتبط بفعل الغير، وأبواب الذبائح والجلود، وأبواب الشهادات، والدعاوى والتنازع في صحّة بعض العقود والإيقاعات وفسادها وغيرها، تجده شاهد صدق على ما ذكرنا، وكلّما كرّرت النظر زادك وضوحاً وظهوراً. ويُستفاد من بعض كلمات الشيخ الأعظم ما يؤيّد هذا: "فالمستفاد من تتبّع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة، أنّهم لا يختلفون في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل".8


--------------------------------------------------------------------------------
114

--------------------------------------------------------------------------------


العلم بالصحّة والفساد
إنّ فعل الغير (المكلّف) الّذي أمرنا - وفق قاعدة أصالة الصحّة- بالبناء على صحّة عمله، وترتيب الأثر عليه، يُتصوّر على أنحاء ثلاثة:
الأوّل: يفترض أنّنا نجزم بإطلاعه ومعرفته بالعقد الصحيح -مثلاً- وتمييزه من العقد الفاسد، وفي هذه الحالة لا إشكال في حمل فعله على الصحيح, لأنّه القدر المتيقّن من السيرة المتقدّمة.

الثاني: يفترض جزمنا بعدم تمييزه لذلك، وفي مثله لا تجري أصالة الصحّة, لعدم إطلاق السيرة المتقدّمة لذلك، إمّا جزماً، وإمّا احتمالاً، فمع علمنا أنّ العامل جاهل بصحّة عمله وفساده، إمّا من جهة الجهل بالحكم، أومن جهة الجهل بالموضوع، فيكون احتمال الصحّة لمجرّد احتمال المصادفة الاتفاقيّة للواقع. قال السيّد الخوئيّ قدس سره: "فالظاهر عدم جريان أصالة الصحّة فيها، إذ ليس لنا دليل لفظيّ نتمسّك بعمومه أوإطلاقه، بل الدليل على أصالة الصحّة إنّما هوالسيرة على ما عرفت، وهي دليل لبّي لا بدّ فيه من الاقتصار على القدر المتيقّن"9.

الثالث: يفرض أن لا نعلم علمه (العامل) أو جهله بالصحّة والفساد، أي نشكّ في تمييزه بين الصحيح والفاسد. فقد يقال: بشمول السيرة لهذه الحالة, لأنّ غالب الناس الذين يجرون العقود لا يعرفون شروط صحّة العقود والموانع من ذلك بشكل تفصيليّ, لأنّهم إمّا لم يتفقّهوا في أحكام دينهم، أوأنّهم تفقّهوا ولكنّهم لم يطّلعوا على أنّ هذا شرط للصحّة، وذاك مانع منها، بل إنّ كثيراً من أهل العلم، في زماننا هذا لا يعرفون ذلك، فكيف بغيرهم؟ فيلزم لو لم تطبّق أصالة الصحّة (هنا) اختلال النظام. ولهذا فالظاهر جريان أصالة الصحّة


--------------------------------------------------------------------------------
115

--------------------------------------------------------------------------------


فيها، فإنّ السيرة قائمة على ترتيب الآثار على أعمال الناس بلا تفحّص عن حال العامل، من حيث كونه عالماً أو جاهلاً10.

امتياز القاعدة من قاعدة الفراغ
يمكن التمييز بينهما من وجهين:11.
الأوّل: إنّ قاعدة الفراغ جارية بالنسبة إلى العمل الصادر عن نفس الشاكّ على ما هوالمستفاد من أدلّتها، كما في موثَّقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: "كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو"12. وصحيحته الأخرى: "كلّ ما شككت فيه بعدما تفرغ من صلاتك فامضِ ولا تُعِدْ"13. وقاعدة الصحّة جارية بالنسبة إلى العمل الصادر عن الغير.
الثاني: إنّ قاعدة الفراغ مختصّة بما إذا كان الشكّ بعد الفراغ من العمل، كما يبدو من أدلّتها، وأمّا أصالة الصحّة فلا اختصاص لها بالشكّ بعد الفراغ، بل هي جارية في صحّة العمل في أثنائه، كما إذا كان أحد مشغولاً بالصلاة على الميّت، وشككنا في صحّة هذه الصلاة لاحتمال كون الميّت مقلوباً مثلاً، فتجري أصالة الصحّة بلا إشكال.

هل يلزم إحراز وقوع الفعل الجامع؟
تارة يفرض أنّنا نجزم بإجراء شخص عقداً على امرأة، ولكن نشكُّ هل هوصحيح أو فاسد؟ وأخرى يفرض الشكّ في أصل وقوع العقد منه، كما إذا رأيناه يتلفّظ بألفاظ معيّنة مع امرأة، وشككنا هل هي ألفاظ العقد أو ألفاظ أخرى أجنبيّة عن العقد، والحالة الأولى هي القدر المتيقّن من السيرة، وأمّا


--------------------------------------------------------------------------------
116

--------------------------------------------------------------------------------


الثانية فإن لم يجزم بعدم انعقاد السيرة فيها فلا أقلّ من الشكّ. وعلى هذا الأساس لو فرض أنّ وصيّ الميّت استأجر شخصاً لأداء الصلاة عن الميّت، فأتى الأجير بعمل لا يدري الوليّ أنّه قد قصد به النيابة أولا، فلا يمكن إجراء أصالة الصحّة للحكم بفراغ ذمّة الميت, لأنّ فراغ الذمّة موقوف على قصد النيابة، فإذا أحرز قصده أمكن آنذاك إجراء أصالة الصحّة فيما لوشكّ في اختلال أحد الشروط فيه.

أجل، لوأخبر الأجير بأنّي قد قصدت النيابة، وأتيت بالصلاة بقصد النيابة، صُدّق في ذلك، لكن لا لأجل أصالة الصحّة، بل لقاعدة أخرى تسمّى "من ملك شيئاً ملك الإقرار به"، فالزوج مثلاً يملك تطليق زوجته، فإذا أخبر بأنّه قد طلّقها صدّق, للقاعدة المذكورة، وهكذا الحال في المقام.


--------------------------------------------------------------------------------
117

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- هذه القاعدة من القواعد الفقهيّة المشهورة جداً المتداولة بين الفقهاء، يتمسّك بها في جلّ أبواب الفقه أوكلّها، وهي تنظّيم علاقة جميع أفراد المجتمع بعضِهم ببعض.
- قامت سيرة العقلاء كافّة على الحكم بصحّة عمل الآخر عند الشكّ فيه، من جميع الملل، في جميع العصور، من أرباب جميع الأديان من المسلمين وغيرهم، والشارع لم يردع عن هذه الطريقة بل أمضاها.
- معنى أصالة الصحّة هوترتيب الأثر على العمل الصادر عن الغير، فلوصدر عن الغير عقد أو إيقاع أوصلاة أو وضوء، وشّك في كون هذا الصادر صحيحاً يحكم بصحّته، ويترتّب عليه الأثر.
- عمدة الأدلّة على قاعدة الصحّة هي سيرة العقلاء كافّة، من جميع الملل في جميع العصور، من أرباب جميع الأديان، من المسلمين وغيرهم، والشارع لم يردع عن هذه الطريقة.
- قيل بدلالّة أدلّة من الكتاب الكريم، كقوله تعالى: ï´؟...أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ...ï´¾، وقوله تعالى: ï´؟...إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ...ï´¾، بناءً على أنّ الخطاب ليس مختصّاً بالمتعاقدين، بل جميع المكلفين مخاطبون به، ومأمورون بالوفاء به.
- القدر المتيقّن في جريان القاعدة أن لا نعلم علم العامل بالصحّة والفساد، وجهله بهما، أي نشكّ في تمييزه بين الصحيح والفاسد. فإنّ السيرة قائمة على ترتيب الآثار على أعمال الناس بلا تفحّص عن حال العامل، من حيث كونه عالماً أو جاهلاً.



مطالعة

قاعدة الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي
معنى القاعدة هو أنّ الشيء الذي تعلّق به المنع الشرعي (كشرب الخمر) يستحيل أن يتعلّق به الأمر (الأمر بالشرب)، ويكون حاله حال الممتنع العقلي، الذي لا يمكن أن يقع متعلّق الأمر كالأمر بالطيران بدون الوسيلة. ويمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة:
- بتحقّق التسالم بين الفقهاء على مدلول القاعدة، ولا خلاف ولا إشكال فيه بينهم، بل الأمر عندهم من المسلّمات في مختلف المجالات.
- التكليف بما لا يطاق: من المعلوم أنّ الفعل المنهيّ عنه إذا وقع متعلّقاً للأمر لا يتمكّن المكلّف من الامتثال، فيكون التكليف بما لا يطاق, لاستحالة الجمع بين الضدين.
- اشتراط القدرة: لا ريب أنّ القدرة من الشروط الأصلية للتكليف الشرعي، فلا يصحّ التكليف للعاجز (فاقد القدرة). والمقصود من القدرة هنا هي القدرة الشرعية، بمعنى عدم المانع الشرعي تجاه العمل، وعليه لوكان هناك مانع شرعي لم توجد القدرة على التكليف، وها هومعنى قولهم أنّ الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي, وذلك لعدم التمكّن بإتيان العمل المشروع - في صورة وجود المانع الشرعي - شرعاً وعقلاً.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- إذا أجرى شخص غير مسلم عقداً من العقود، يُحمل عقده على الصحّة.
2- شخص رأيناه من بعيد يتكلَّم لا ندري هل هو يمدحنا، أو هو مشغول بسبّنا، فنحكم بأنّه يمدحنا، بناءً على قاعدة أصالة الصحّة.
3- القدر المتيقّن في جريان قاعدة الصحّة أن لا نعلم علم العامل بالصحّة والفساد، أي نشكّ في تمييزه بين الصحيح والفاسد.
4- استقرّت السيرة عند المتشرّعة قاطبة على مدلول القاعدة ، وهي تختصّ بالشك في المعاملات دون العبادات, لأنّها دليل لبّي.
5- معنى أصالة الصحّة أنّه لودار الأمر الصادر عن الغير بين كونه حسناً أوقبيحاً، فينبغي الحمل على الحسن.
6- قاعدة الفراغ جارية بالنسبة إلى العمل الصادر عن نفس الشاكّ فقط، وقاعدة الصحّة جارية بالنسبة إلى العمل الصادر عن الغير وعن النفس.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- لوأجرى شخص عقد زواج مع امرأة كانت مطلّقة، وشككنا في وقوع العقد في عدّتها من زوجها الأوّل وعدمه، فكيف تجري الاستصحاب؟ وكيف تجري أصالة الصحّة؟ وأيّهما ترجّح؟ ولماذا؟
2- إذا وقعت الإجارة من شخص على دارٍ، وشككنا هل اشترط في العقد أنَّ المنزل لفعل للحرام، أم أنّ الإجارة للمنزل للأفعال المباحة؟ فهل تطبّق أصالة الصحّة بالمعنى الأوّل أم بالمعنى الثاني، أم بالإمكان جريانهما معاً في المقام؟ ولماذا؟
3- لو تسالم صاحب المال مع المستودع على تلف الوديعة، ولكن ادّعى الأوّل التعدّي أوالتفريط، وأنكره الثاني، فقول من تقدّم؟ ولماذا؟ وهل يمكن أن يكون للاستصحاب دور؟
4- أجرى شخص عقداً، وبعد الفراغ منه بمدّة شكَّ في صحَّة عقده، فبماذا يحكم؟ ولأيّ نكتة؟
5- العين الموقوفة إذا باعها الناظر عليها، وشكّ في أنَّ بيعه هل هومع وجود المسوِّغ أولا فبماذا يحكم؟ ولماذا؟
6- الشخص الذي نراه يأكل في شهر رمضان، فبماذا نحكم عليه؟ ولأيّ قاعدة؟



هوامش

1- الأنصاري، فرائد الأصول،م.س، ج2، ص720.
2- الكليني، الكافي، م.س، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب من لم يناصح أخاه المؤمن، ح3.
3- الشيرازي، القواعدالفقهية، م.س، ج1، ص115.
4- البجنوردي، القواعدالفقهية، م.س، ج1، ص239.
5- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج3،ص324.
6- المائدة: 1.
7- النساء: 29.
8- الأنصاري، فرائد الأصول، م.س، ص719.
9- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ص325.
10- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج3، ص326.
11- م.ن، ص321 - 322 .
12- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج8، الباب23 من أبواب الخلل، ح3.
13- م.ن، باب27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح2.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:42 PM


الدرس التاسع: قاعدة اليد أمارة الملك

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة اليد أمارة الملك وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
123

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
هذه القاعدة من القواعد الّتي يعتمدها الفقيه في المعاملات، والقضاء للحكم من خلالها بالملكيّة، فمن كان له الاستيلاء على شيء يجوز شراؤه منه على أنّه المالك، ويجوز للحاكم القضاء بكونه مالكاً، وقد أجمع المسلمون، بل كافّة العقلاء من أرباب المذاهب وغيرهم على حجيّة اليد، ودلالتهاعلى الملك في الجملة، وهذا الحكم على إجماله من ضروريّات الدين.

بيان المراد من القاعدة
معنى القاعدة هوإثبات الملكيّة بوساطة وضع اليد، والمقصود من اليد هوالاستيلاء والتسلّط على المال، والتعبير باليد من باب تسمية العامّ باسم الخاصّ، فكلّ من له استيلاء على شيء معيّن، بحيث كان ذلك الشيء واقعاً في حوزته ومن توابعه، وله الاستيلاء عليه، يكون ذلك أمارة على ملكيّته له. فمن كان له سيّارة أو دار أوكتاب وأشباه ذلك، ويتصرّف فيه تصرّف الملاّك فهو بنفسه أمارة على ملكيّته لذلك الشيء، إلّا أن تقوم بيّنة ونحوها على الخلاف فتسقط أماريّة اليد عن الاعتبار آنذاك.

وبهذا نعرف المقصود من اليد، فإنّه يُراد بها الكناية عن الاستيلاء والسيطرة


--------------------------------------------------------------------------------
125

--------------------------------------------------------------------------------


الخارجيّة، بحيث يكون زمام ما تحت يده بيده، يتصرّف فيه كيف يشاء من التصرّفات العقلائيّة المتعارفة، وهوأمر عرفيّ يختلف من موضع لآخر، فلا بدّ من الرجوع إلى العرف ليحدّد الاستيلاء في كلّ موطن. مثلاً: تكون اليد متحقّقة على الدار والدكّان بأن يكون ساكناً في الدار، ومشغولاً بالكسب في الدكان، أو أن يكون بابهما مغلقاً والمفتاح في يده، وتتحقّق اليد في الأراضي بالزرع والغرس فيها، وتحقّق اليد على الدوابّ بربطها في اصطبله، أو ركوبها، أو كون زمامها بيده، وهكذا.

بيان مدرك القاعدة
تحقّق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة، فلا خلاف فيه بينهم، والأمر متسالم عليه عندهم، ومع هذا يمكن الاستدلال عليها بعدّة أدلّة:
أوّلاً:الروايات:
- رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام: "قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يديّ رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم. فقال الرجل: أشهد أنّه في يده ولا أشهد أنّه له، فلعلّه لغيره؟ فقال أبوعبد الله عليه السلام: أفيحلّ الشراء منه؟ قال: نعم، فقال عليه السلام: فلعلّه لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك، ثمّ تقول بعد الملك هو لي، وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثمّ قال عليه السلام: لولم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق"1.

دلّت الرواية على أنّ اليد أمارة الملكيّة، وتجوز الشهادة على أساس تلك الأمارة وبها قام نظام السوق للمسلمين فالدلالة كاملة.


--------------------------------------------------------------------------------
126

--------------------------------------------------------------------------------


- صحيحة عثمان بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث فدك: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: "أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا. فقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي، وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده..."2.

تدلّ الرواية بوضوح على أنّ من بيده شيء لا يطالَب بالبيّنة، وإنّما يطالب بها غيره، وهذا لا وجه له إلّا حجّيّة اليد. وتفصيل الاستدلال أنّ فدك كانت ملكاً للسيّدة الزهراء عليه السلام في حياة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وتحت يدها، فلماذا تُطلب البيّنة منها ومن عليّ عليه السلام؟.

- صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام: "سألته عن مملوك ادّعى أنّه حرّ، ولم يأتِ ببيّنة على ذلك أشتريه؟ قال: نعم"3.
فإنّه لا وجه لجواز شرائه ورفض دعواه الحرّيّة إلّا حجّيّة يد المملوك على نفسه وكونه حرّاً.

- عن العبّاس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: "ذكر أنّه لو أُفضي إليه الحكم لأقرّ الناس على ما في أيديهم، ولم ينظر في شيءٍ إلّا بما حدث في سلطانه. وذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون، وأنّ من أسلم أقرّ على ما في يده"4، ولا شكّ في وضوح دلالة هذه الرواية على اعتبار اليد أمارة على الملك.


--------------------------------------------------------------------------------
127

--------------------------------------------------------------------------------


ثانياً: بناء العقلاء:
بناء العقلاء من جميع الملل والأمم، سواء أكانوا متديّنين أم لا، على اعتبار اليد أمارة لملكيّة المال لمن في يده، ولا يتردّدون في ترتيب آثارها على ما في أيدي الناس، ولا يفتّشون عن أنّ هذا الذي بيده الشيء هل هو له أم لغيره، أوأنّه مسروق، أو حلال ونحوه، والشارع لم يردع عن هذه السيرة والبناء عليها بل أمضاها، كما هومفاد الروايات، فإنّها لم تأتِ لإحداث أمرٍ جديد، بل جاءت تعبيراً عن هذا الإمضاء.

يضاف إلى ما ذكر أنّه لو لم تكن اليد أمارة على الملك لما قام للمسلمين سوق، ولاختلّ النظام، وكلّ ما يلزم منه الباطل فهوباطل، ونقيضه الحقّ، فيلزم أن تكون اليد أمارة الملك.
بل إنّ اليد لولم تكن دليلاً على الملك لزم العسر الأكيد، والحرج الشديد على الناس، واختلّ النظام في أمور الدنيا والدين، وبلغ الأمر إلى ما لا يكاد يتحمّله أحد، ولم يستقرّ حجرٌ على حجر، ولا يحتاج لزوم هذه الأمور إلى مضيّ برهة طويلة من الدهر أو زمن كثير، بل يلزم ذلك من إلغاء حجّيّة اليد ولوساعة واحدة.

اعتبار الجهل بالحالة السابقة في أماريّة اليد
إذا كان شخص يسكن داراً مثلاً، وكان صاحب يد عليها، فتارة نجهل الحال السابق لليد، وأخرى نعرف ذلك.
أمّا مع الجهل بالحال السابق - كما لو رأينا شخصاً يسكن داراً ولا نعرف الحال السابق ليده - وكنّا نحتمل أنّه توارثها أباً عن جدّ، أو اشتراها من مالكها الشرعيّ، وغير ذلك من الاحتمالات الّتي أحدها احتمال أن لا يكون وصولها إليه شرعيّاً، بل نتيجة غصب ونحوه، فذلك هوالقدر المتيقّن من سيرة العقلاء على التمسّك باليد.


--------------------------------------------------------------------------------
128

--------------------------------------------------------------------------------


وأمّا مع العلم بالحال السابق - كما لوكان شخص يسكن داراً في زمان سابق بنحوالإجارة، واحتملنا شراءه لها بعد ذلك. أوكانت الدار أمانة بيده سابقاً أوغصباً واحتملنا شراءه لها بعد ذلك - فهل تكون أمارة على الملك أيضاً؟

فإنّ اليد ما دامت غاصبة مثلاً سابقاً، فيجري استصحاب بقائها على كونها غاصبة، ومع ثبوت حال اليد الآن بسبب الاستصحاب، وكونها غاصبة لا معنى للتمسّك بقاعدة اليد، فإنّ التمسّك بها فرع الشكّ والجهل بحالها، والمفروض معرفة حالها وكونها غاصبة، وهكذا الحال لوكانت يد أمانة سابقاً أويد إجارة، فإنّه يجري استصحاب الحال السابق وهي الأمانة أو الإجارة، وبه يتّضح حال اليد الآن5.

في جريان القاعدة في حقّ ذي اليد
وقع الكلام في جريان القاعدة في حقّ ذي اليد، فيما إذا شكّ أنّ ما بيده من كتاب- مثلاً- هل هو له أم لغيره؟ ولم يكن هناك مدّعٍ في قباله، فهل تعتبر يده أمارة على ملكه أم لا؟
يمكن الجواب عن ذلك بالإيجاب, لعموم السيرة العقلائيّة لمثل ذلك، فإنّ العقلاء إنّما يحكمون بأماريّة اليد في سائر الموارد من باب غلبة كون ما تحت اليد ملكاً لصاحبها، ومن النادر أن يكون غاصباً، ومثل هذه الغلبة ثابتة في الفرض، فإنّ الغالب كون ما في صندوق الإنسان مثلاً أمراً راجعاً إليه وخاصّاً به، إلّا إذا كان الصندوق معدّاً لوضع أشخاص متعدّدين فيه أشياءهم فلا يحكم باختصاص الشيء بصاحب الصندوق.

ويمكن الاستدلال عليه - مضافاً إلى انعقاد السيرة عليه - بصحيحة جميل ابن صالح عن الصادق عليه السلام: "رجل وجد في بيته ديناراً؟ قال: دخل منزله


--------------------------------------------------------------------------------
129

--------------------------------------------------------------------------------


غيره؟ قلت: نعم، كثيرٌ، قال عليه السلام: هذه لقطة، قلت: رجل وجد في صندوقه ديناراً؟ قال عليه السلام فيدخل أحدٌ في صندوقه غيره، أويضع فيه شيئاً؟ قلت: لا، قال: هوله"، فكأنّ الإمام عليه السلام جعل اليد أمارة الملك وكاشفةً عنه، إلّا إذا زالت الكاشفيّة، ولذا حكم عليه السلام بأنّ الدينار في الصورة الأولى لقطة, وذلك لدخول غير ذي اليد ومشاركته له بحيث كان أحدهم، ولا اختصاص له به، فزالت كاشفيّة يده عن الملك، وحكم عليه السلام في مسألة الصندوق بأنّه له, لعدم مشاركة يد غيره مع يده، وهذه الصحيحة هي المعتمد في هذا الحكم في المقام، وليس فيها جانب تأسيسي، بمقدار ما هي تعبير عن إمضاء السيرة العقلائيّة القائمة على ذلك، قال المحقّق الأصفهاني: "إنّ ملاك الطريقيّة - أي كاشفيّة اليد عن الملكيّة - عن العقلاء لا اختصاص له باستيلاء الغير، بل هوجار في استيلاء الشخص أيضاً".6

وبناءً على ذلك لوعُرف شخص بكونه سارقاً فيشكل الحكم بالملكيّة لما في يده بناءً على أمارة اليد. وكذا الحال لوعرف شخص أنّ أغلب ما في يده ليس له، وأنّه أمانات شخصيّة أوحقوق شرعيّة، كما هوالحال في الأموال الموجودة في أيادي مراجع الدين, لكون الغالب ممّا في أيديهم من الأخماس والزكوات والمظالم.7


--------------------------------------------------------------------------------
130

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- المراد من القاعدة هوإثبات الملكيّة بوساطة وضع اليد، وقد تحقّق التسالم عند الفقهاء على مدلول القاعدة، فلا خلاف فيه بينهم .
- والمقصود من اليد هوالاستيلاء والتسلّط على المال، والتعبير باليد من باب تسمية العامّ باسم الخاصّ.
- تثبت القاعدة أنّ كلّ من له استيلاء على شيء معيّن، بحيث كان ذلك الشيء واقعاً في حوزته ومن توابعه، وله الاستيلاء عليه، فإنّ ذلك أمارة على ملكيّته له.
- إضافة إلى الروايات وإلى سيرة العقلاء الّتي يستدلّ بها على حجّيّة القاعدة، فإنّه لولم تكن اليد أمارة على الملك لما قام للمسلمين سوق، ولاختلّ النظام.
- القدر المتيقّن من سيرة العقلاء على التمسّك باليد مع الجهل بالحال السابق، كما لوكنّا نحتمل أنّه توارثها أباً عن جدّ، أواشتراها من مالكها الشرعيّ، وغير ذلك من الاحتمالات الّتي أحدها احتمال أن لا يكون وصولها إليه شرعيّاً، بل نتيجة غصب ونحوه.
- تجري القاعدة في حقّ ذي اليد لعموم السيرة العقلائيّة لمثل ذلك. فإنّ العقلاء إنّما يحكمون بأماريّة اليد في سائر الموارد، من باب غلبة كون ما تحت اليد ملكاً لصاحبها، ومن النادر أن يكون غاصباً.



مطالعة

قاعدة الائتمان
معنى القاعدة هوعدم كون الأمين ضامناً عند تلف الأمانة، فإذا تلفت الأمانة في يد الأمين بدون تفريط ليس لصاحب المال أن يطلب من الأمين قيمة التالف أومثله, لأنّ الأمين لا يكون ضامناً بالنسبة إلى مال الأمانة. ومن المعلوم أنّ المراد من الأمين هومن قبض المال بنحوالأمانة لا على نحو التعدّي. والمراد من الضمان هو الضمان الواقعي أي القيمة في القيميات، والمثل في المثليات.

ويمكن الاستدلال على اعتبار القاعدة: بالعلويّ المعروف عن الإمام علي عليه السلام: "ليس على المؤتمن ضمان"،8 دلّ على مدلول القاعدة دلالة تامّة كاملة. وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الوديعة، قال: "صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان"، دلّت على أنّ يد المستودع أمانيّة، فلا ضمان عليه إلّا مع التفريط.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صح أو خطأ في المكان المناسب:
1- القدر المتيقّن من سيرة العقلاء على اعتبار اليد أمارة الملك عند الجهل بالحالة السابقة لليد.
2- إذا كنّا نحتمل أنّ وصول الشيء إلى اليد نتيجة غصب ونحوه، لكن لا يوجد علم بالحالة السابقة، نحكم بإجراء القاعدة والملكيّة.
3- القدر المتيقّن في جريان القاعدة في حال العلم بأنّ حيازة اليد كانت من طريق الحيازة، أو الإرث أو الهبة ونحوها.
4- لا تجري القاعدة في حقّ ذي اليد على نفسه، لعدم شموله بدليل السيرة.
5- إنّ اليد لولم تكن دليلاً على الملك لَلَزِمَ الحرج الشديد على الناس، واختلّ النظام في أمور الدنيا والدين.
6- من كان بيده شيء ولا نعلم كيف حصل عليه، لا يطالَب بالبيّنة، وإنّما يطالَب به, غيره لقاعدة اليد أمارة الملك.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- لوكان في يد شخص شيء، فمات، ولم يعلم أنّه له أم لا، ولم يسمع منه دعوى الملكيّة، فهل يحكم أنّه لوارثه أم لا؟ ولماذا؟
2- إن اعترف الشخص: "بأنّي لا أعلم أنّ ما في يدي لي أم لا"، فهل يحقّ للوارث أخذه؟ ولماذا؟
3- إذا كان ما في اليد مسبوقاً بالوقفيّة، واحتمل حصول المسوّغ للملك، فهل تكون اليد والحال هذه أمارة الملك؟ ولماذا؟
4- اعترف شخص كانت له يد على سيَّارة بأنَّها ملكٌ لزيد، وأنَّه وهبها له أو اشتراها منه، وأنكر زيد ذلك وادَّعى أنَّها له، فما هوالحكم في المقام؟
5- شخصٌ له يد على سيَّارة أجرة (تاكسي) ويعمل بها، وادَّعى آخر بأنَّها له وأنَّ هذا الشخص يشتغل له في مقابل أجرة، فما هوالحكم في المسألة؟
6- لو ذكر شخّص أنّ أغلب ما في يده ليس له، وأنّه أمانات شخصيّة أو حقوق شرعيّة، كما هوالحال في الأموال الموجودة في أيادي مراجع الدين، لكون الغالب مّما في أيديهم من الأخماس والزكوات والمظالم، فهل يمكن إجراء القاعدة في حقّه؟



هوامش

1- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج27، باب25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، ح2.
2- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج27، باب25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى،ح3.
3- العاملي، وسائل الشيعة،م.س، ج18،باب جواز شراء الرقيق...، ح1.
4- م.ن، ج27، باب وجوب الحكم بملكية صاحب اليد...، ح1.
5- النائيني، فوائد الأصول، م.س، ج4، ص605.
6- الأصفهاني، محمّد حسين: نهاية الدراية،ج3،ص332.
7- العراقي، ضياء الدين: نهاية الأفكار،ج3، ص 333.
8- النوري، مستدرك الوسائل، م.س، ج13، كتاب الوديعة، باب4، ص237.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 10  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:43 PM


الدرس العاشر: قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة على اليد ما أخذت وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
135

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
وضعت الشريعة المقدّسة مجموعة من القواعد الّتي تساهم في حفظ ممتلكات الغير في المجتمع، وتلزم الغاصب أوالمسيطر عنوة على مال أوملك أو حقّ غيره بوجوب ضمان ما أخذه إلى مالكه وردّه إليه، ومن هذه القواعد قاعدة على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه، الّتي تداولها الفقهاء كمستند لإثبات الضمان كغيره من القواعد، مثل قاعدة من أتلف مالاً، أو قاعدة الغرور ونحوها، الّتي تشكّل بمجملها نظاماً كاملاً في احترام أموال الغير وممتلكاته وحقوقه.

بيان المراد من القاعدة
معنى القاعدة هومؤاخذة اليد العادِيَة، والمراد من اليد هوالاستيلاء، فإذا تحقّق الاستيلاء على مال الغير بدون الإذن أو الإحسان تصبح اليد عادِيَة (معادية)، وموجبة للضمان، فيستقرّ عليها الضمان، حتّى تؤدّي ما عليها (المال المأخوذ) لمالك المال، فاليد الغاصبة سبّب لضمان صاحبها، وإن وقع التلف لمتلف سماويّ، أو ورد على المال نقص أو عيب، وهي كاليد الأمينة إذا خرجت عن الأمانة بالتعدّي أو بالتفريط، فهي ضامنة.

وذلك كما لو ركب شخص سيارة غيره بدون موافقته، كان ضامناً لها وملزماً


--------------------------------------------------------------------------------
137

--------------------------------------------------------------------------------


بإرجاعها إليه سالمة. فإذا تعيّب بعض أجهزتها أوسُرقت منه، ولو مع تحفّظه الكامل عليها، أوحدث زلزال فتلفت...، كان ضامناً لها في كلّ الحالات المذكورة. وواضح في حالة إتلافها عن قصد وعمد يكون الضمان ثابتاً لها بالأَولى, لاقتضاء قاعدة الإتلاف لذلك أيضاً. كما وأنّه في حالة بقاء العين سالمة عند الأوّل يكون ملزماً بإرجاعها، وعليه كامل النفقات, لقاعدة على اليد.

بيان مدرك القاعدة
يستدلّ على القاعدة بعدة أدلّة، أهمّها:
أوّلاً: الروايات العامّة: مدرك هذه القاعدة مجموعة من الروايات الخاصّة والعامّة، إلّا أنّ أشهرها تداولاً عند الفقهاء هوالنبويّ المشهور بين المذاهب الإسلاميّة، والّذي رواه السنّة، واستند إليه فقهاء الإماميّة في أبحاثهم، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه"1.

فالقاعدة متَّخَذة من هذه الرواية بتمامها وكمالها، فالدلالة تامّة كاملة، وظاهرها تحقّق الضمان على مطلق اليد، ولكنّ اليد الأمانيّة خارجة بالتخصيص.

والإشكال كلّه إنّما هو في ضعف السند، وهنا يوجد اتّجاهان:
الاتجاه الأوّل: ما ذهب إليه مجموعة كبيرة من الأعلام: وهوعدم الموافقة على انجباره بالشهرة، وعليه لا يكون صالحاً للاستناد، فالحديث المذكور، بالرغم من شهرته، لا وجود له في معاجمنا الحديثيّة إلّا في عوالي اللآلي2 المعروف بالضعف. نعم هو ممّا يستشهد به فقهاؤنا في كتبهم الفقهيّة الاستدلاليّة كثيراً.


--------------------------------------------------------------------------------
138

--------------------------------------------------------------------------------


ولعلّ أوّل من تمسّك به هو الشيخ الطوسيّ في خلافه3، وتابعه على ذلك من تأخّر عنه. إلّا أنّ الكلّ يذكره بشكل مرسل ومن دون ذكر للسند.

والظاهر أنّ المصدر الأصلي للحديث هو معاجم الحديث عند السنّة، فقد رواه كثير منهم, كأحمد بن حنبل في مسنده، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في سننه وغيرهم4، إلّا أنّ الكلّ يرويه بسند ينتهي إلى الحسن، عن سمرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم5.

ولكن يقال هنا إنّ الشهرة لو كانت جابرة فهي الشهرة بين المتقدّمين, لأنّها المورثة للاطمئنان بحقّانيّة الرواية وصدقها، لا ما كانت مختصّة بين المتأخّرين، والشهرة في المقام هي بين المتأخّرين, لعدم استناد أحد من المتقدّمين إليها سوى الشيخ الطوسي قدس سره، وهذا المقدار لا يكفي لتحقيق الشهرة بينهم. وعليه، فالتمسّك لإثبات القاعدة بالحديث المذكور أمر قابل للتأمّل.

الاتجاه الثاني: إنجبار الحديث بالشهرة: وهوما اعتمده العلّامة البجنوردي في القواعد الفقهيّة، حيث قال: فالبحث عن سنده وأنّه صحيح أو ضعيف لا وجه


--------------------------------------------------------------------------------
139

--------------------------------------------------------------------------------


له, لأنّه بعد هذا الاشتهار بين الفقهاء، وقبولهم له، والعمل به فيكون موثوق الصدور, الّذي هو موضوع الحجّيّة، بل لا يبعد أن يكون من مقطوع الصدور، وعلى كلّ حال لا كلام في حجّيّته إنّما الكلام في دلالته وبيان المراد منه6.

ثانياً: الروايات الخاصّة: الروايات الخاصّة الواردة في أبواب العارية والإجارة والمضاربة والرهن وغير ذلك، ما يدلّ على أنّ المستعير أو المستأجر أو العامل أو المرتهن إذا حصل منه التعدّي أو التفريط فهوضامن لتلف العين، وليس ذلك إلّا لأنّ يده تنقلب إلى يد غير أمينة، فلا يشمله حكم براءة الأمين عن الضمان، فينطبق على ما نحن فيه، وهوكون الضمان على صاحب اليد إلى أن يؤدّيه إلى مالكه.

ويدلّ عليه أيضاً كلّ ما دلّ على "احترام مال المسلم", لأنّ مقتضى السلطنة على المال عدم جواز تصرّف غيره فيه من دون إذنه، فلوتصرّف فيه وتسلّط عليه فتلف كان ضامناً، وإلّا انتهكت حرمة المال. وبالجملة حرمة مال المسلم، بل وغير المسلم الملحق به، كحرمة دمه، وكيف يكون المال محترماً ولا يجب تداركه عند التلف في غير يد مالكه بغير إذنه؟ وبالجملة التدارك للفائت من شؤون احترام المال وبدونه لا يعدّ محترماً قطعاً7.

ثالثاً: السيرة: فقد استقرّت السيرة عند العقلاء بأنّ اليد العادية تستحقّ المؤاخذة، وهذه هي العمدة في الباب، كما قال السيّد الخوئيّ قدس سره: بعد المناقشة في سند النبويّ: "والعمدة في مستند الضمان في غير مورد الائتمان إنّما هي السيرة العقلائيّة الممضاة بعدم الردع، حيث إنّها قائمة على أنّ من أخذ مالاً من أحد بغير رضاه، أومع الرضا والالتزام بالضمان، كما في موارد


--------------------------------------------------------------------------------
141

--------------------------------------------------------------------------------


العقود الباطلة، فإنّ يده ضامنة"8. فإنّ العقلاء لا يزالون يحكمون بضمان من استولى على شيء بغير حقّ ثمّ تلف عنده، ولولم يكن عن تعدٍّ أوتفريط، فإذا غصب غاصب حيواناً فهلك، أودراهم أودنانير فسُرقت، أوألبسة فخرقت، فإنّ الحكم بالضمان في جميع ذلك مفروغ منه عندهم، وحيث إنّ الشارع لم يردع عنه بل أمضاه عملاً وقولاً، فهوثابت في الشرع أيضاً.

عموم القاعدة للجاهل والصغير
لا فرق في مسألة الضمان هنا بين العلم والجهل، فلولم يكن مأذوناً من قِبَل المالك وتلف في يده كان ضامن, وذلك لإطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "على اليد ما أخذت...", لعدم وجود قيد فيه من هذه الجهة، وكذا إطلاق سائر الأدلّة والروايات الواردة في المسألة أيضاً دليل على المقصود. وهو ما تقتضيه قاعدة احترام المال من دون أيّ فرق. وهنا صورتان:
الأولى: يفرض أنّ الشخص يستولي على مال غيره، وهو بالغ وعالم بأنّه مال الغير، وفي مثله لا إشكال في الضمان.
الثانية: يفترض جهله بأنّه مال غيره أو عدم بلوغه، وهنا المناسب الحكم بالضمان, لأنّ الضمان حكم وضعيّ، لا مانع من شموله للجاهل أو غير البالغ، وإنّما الّذي لا يشملهما هوالحكم التكليفيّ بالخصوص على تفصيل في محلّه.

وعليه، فوجوب الردّ مثلاً، لا يشمل غير البالغ، بخلاف الضمان لوتحقّق التلف عنده، فإنّه لا محذور في شموله له، غايته يكون المكلّف بالدفع من أموال الصبيّ وليّه. وهكذا الحال في من وضع يده على مال الغير، وهويتصوّر أنّه ملكه فإنّه ضامن له. كلّ ذلك للسيرة العقلائيّة، وليس لإطلاق حديث على اليد, لضعفه على ما تقدّم.


--------------------------------------------------------------------------------
141

--------------------------------------------------------------------------------


استثناء يد الأمانة والإحسان
يُستثنى من اليد المحكوم عليها بالضمان نحوان من اليد: يد الأمانة، ويد الإحسان.

أمّا يد الأمانة فلا إشكال في عدم ضمانها حتّى مع تحقّق التلف عندها.والوجه في ذلك أمران:
الأوّل: القصور في المقتضي, لأنّ السيرة العقلائيّة الّتي هي المدرك لضمان اليد ضيّقة من الأوّل، ومحدودة بحدود اليد غير الأمانيّة، فإنّ العقلاء إذا ائتمنوا شخصاً وأودعوا عنده مالاً وتلف فلا يحكمون عليه بالضمان إلّا مع التفريط.

الثاني: الروايات الخاصّة، كصحيحة مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته..."9. وهي تدلّ بوضوح على عدم ضمان الأمين عند عدم التفريط، وعلى ضمانه معه. هذا كلّه في يد الأمانة.

وأمّا يد الإحسان فهي ليست ضامنة أيضاً لقوله تعالى: ï´؟مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍï´¾10.
أجل، يد الإحسان هي (في واقعها) مصداق من مصاديق يد الأمانة، وليست شيئاً مغايراً لها. وذكرها بالخصوص لأجل إشارة الآية الكريمة لها بالخصوص.

ثمّ إنّه بعد استثناء يد الأمانة والإحسان يبقى تحت القاعدة كلّ يد لم تكن من أحد القسمين حتّى ولو لم تكن يد غصب، كاليد التي تستولي على شيءٍ جهلاً بكونه لغيرها. وبذلك يتّضح عدم اختصاص الضمان باليد العدوانيّة، بل قد يصطلح على كلّ يد غير أمانيّة باليد العدوانيّة.


--------------------------------------------------------------------------------
142

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- معنى القاعدة هومؤاخذة اليد العادِيَة، فإذا تحقّق الاستيلاء على مال الغير بدون الإذن والإحسان تصبح اليد عادية، ويستقرّ عليها الضمان، حتّى تؤدّي ما عليها (المال المأخوذ) لمالك المال.

- اليد الغاصبة سببٌ لضمان صاحبها وإن وقع التلف لمتلف سماوي، أو ورد على المال نقص أو عيب، وهي كاليد الأمينة إذا خرجت عن الأمانة بالتعدّي أو بالتفريط، فهي ضامنة.
- مدرك هذه القاعدة مجموعة من الروايات الخاصّة والعامّة، إلّا أنّ أشهرها النبويّ المعروف المشهور الّذي رواه السنّة، وهوقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه".

- العمدة في مستند الضمان في غير مورد الائتمان إنّما هي السيرة العقلائيّة الممضاة بعدم الردع، حيث إنّها قائمة على أنّ من أخذ مالاً من أحد بغير رضاه وجب ضمانه له.
- لا فرق في مسألة الضمان، هنا، بين العلم والجهل، والبلوغ وعدمه، فلو لم يكن مأذوناً من قبل المالك وتلف في يده كان ضامناً.

- يستثنى من اليد المحكوم عليها بالضمان نحوان من اليد: يد الأمانة، ويد الإحسان بحسب ما دلّت عليه الأدلة.



مطالعة

قاعدة التسبيب
من القواعد المعروفة في باب الضمان قاعدة التسبيب (قاعدة السبب أقوى من المباشرة). ويقصد بالقاعدة المذكورة أنّ كل من سبّب للغير الوقوع في الخسارة ضمنها؛ لنفس تسبيبه الوقوع فيها. وليس الملاك في الضمان هو الغرور، بل لأجل التسبيب للوقوع في الخسارة، فالطبيب إذا وصف للمريض علاجاً خاصّاً اشتباهاً، وتضرّر بذلك المريض، ضمن الطبيب من باب التسبيب، وليس للغرور لفرض اشتباه الطبيب. ومن نجّس المسجد أو المصحف الشريف واحتاج تطهيرهما إلى بذل أجرة معيّنة، كان ضمان تلك الأجرة على المنجّس، ويتمكّن المتصدّي للتطهير عند بذله للأجرة من الرجوع على المنجّس، بناءً على تماميّة قاعدة التسبيب.

ومدرك للقاعدة المذكورة السيرة العقلائية المنعقدة على تضمين المسبّب لوقوع الغير في الخسارة، وحيث لم يثبت الردع عنها فتكون ممضاة شرعاً. وعليه بناءً على تمامية قاعدة التسبيب ينبغي الحكم بالضمان في جميع موارد التسبيب، وأمّا بناءً على إنكارها فينبغي التفصيل بين ما إذا صدق على السبب عنوان المتلف، وبين ما إذا لم يصدق عليه ذلك، ففي الأوّل يحكم بالضمان لقاعدة الإتلاف، دونه على الثاني. مثال الأوّل: ما لوأعطى شخص سكّيناً بيد صبيّ، وأمره بضرب شخص، فإنّه يصدق على الشخص المذكور عنوان المتلف، وينسب إليه عرفاً إتلاف الجرح، باعتبار أنّ المباشر إما لا إرادة له أو ذو إرادة ضعيفة بحيث يعدّ آلة بيد السبب، ولأجل فقدان الإرادة أو ضعفها ينسب العرف الإتلاف إلى السبب حقيقة، وليس إلى المباشر.

ومثال الثاني: ما لوتوسّطت الإرادة التامة للمباشر في البين، كما لو كان المعطى إليه السكّين في المثال السابق شخصاً كبيراً ذا إرادة تامّة, لأنّه آنذاك لا ينسب العرف الإتلاف إلى السبب بل إلى المباشر، ويكون هو الضامن دون السبب، بخلافه في الأول.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- إذا تحقّق الاستيلاء على مال الغير بدون الإذن والإحسان تصبح اليد عادية، ويستقرّ عليها الضمان، حتّى تؤدّي ما عليها.
2- اليد الغاصبة ليست سبباً لضمان صاحبها، إن وقع التلف لمتلف سماويّ خارج عن إرادته.
3- لا فرق في وجوب الضمان، هنا، بين العلم والجهل، فلو لم يكن مأذوناً من قبل المالك وتلف في يده كان ضامناً.
4- لا يجب الضمان على الصغير لو أتلف مال غيره عدواناً.
5- معنى القاعدة هومؤاخذة اليد العادية، والمراد من اليد هو مطلق الاستيلاء على مال الغير بدون الإذن أوغيره، كالأمانة ونحوها.
6- يمكن إنجبار حديث "على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه" بالشهرة، بحسب بعض الآراء.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- إذا دخل شخص بيته فرأى فيه طعاماً فأكله باعتقاد أنّه راجع إليه، ثمّ اتّضح أنّه لغيره، فهل يكون ضامناً؟ ولماذا؟
2- شخص دُفعت إليه أموال كأجور لعبادات إستيجارية، وسُرقت منه بعد أن وضعها في بيته، على من تكون الخسارة؟ ولماذا؟
3- إذا غصب شخصٌ شيئاً من غيره، وانتقل ذلك الشيء إلى شخصٍ ثانٍ، من هوالضامن في الحالة المذكورة؟
4- لو غصب شخص أرضاً وزرع فيها حبًّا، فلمن يكون الناتج؟ وماذا يستحقّ صاحب الأرض؟
5- شخص تعلّق في ذمّته الخمس، وعزله في مال معيّن، وفي الطريق لإيصاله سُرق منه، فعلى من الضمان؟
6- هل يجب إرجاع ما أُخذ بعنوان هديَّة أو رشوة في مقام القضاء بين النَّاس؟ وهل يجب الضمان لوتلفت الرشوة قبل وصولها إلى مالكها الأصلي؟



هوامش

1- النوري، حسين: مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، بيروت، 1408هـ.ق/ 1998م، ج17، باب1 من أبواب الغضب، ح4، ص 88؛ الترمذي، محمّد بن عيسى بن سورة: الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح عبدالرحمن محمّدعثمان، ط2، بيروت، دار الفكر، 1403 هـ.ق/ 1983م، ج2، ح1284، ص369؛ وغيرهما.
2- الإحسائي، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلي، تقديم السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، ط1، قم المقدّسة، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، 1403هـ.ق/ 1983م، ج1، ص244، ح106.
3- الطوسي، محمّد بن الحسن: الخلاف، تحقيق السيّد علي الخراساني؛ السيّد جواد الشهرستاني؛ الشيخ مهدي طه نجف، إشراف الشيخ مجتبى العراقي، لاط، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدّسة، 1411هـ.ق، كتاب الغصب، مسألة 22، ص408-410.
4- ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، لاط، بيروت، دار صادر، لات، ج5، حديث سمرة...، ص8، 12-13؛ النيسابوري، أبوعبدالله(الحاكم النيسابوري): المستدرك على الصحيحين، إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، لاط، لام، لان، لات، ج2، ص47؛ البيهقي، أحمد بن الحسين: السنن الكبرى(سنن البيهقي)، لاط، لام، دار الفكر، لات، ج6، ص90.
5- المقصود من الحسن هوالحسن البصري، المعروف بعدائه لأمير المؤمنين عليه السلام، فقد ورد أنّه كان يبغض الإمام عليه السلام ويذمّه، ومن المخذّلين عن نصرته، وقد أنكر عليه إراقته الدماء الكثيرة، فقال: أوساءك ذلك؟ قال: نعم، فقال عليه السلام: لا زلت مسوءاً، فما رؤي الحسن البصري بعد هذا إلا عابساً قاطباً مهموماً إلى أن مات. انظر: العلوي الموسوي، محمّد بن الحسين بن موسى(الشريف الرضي): نهج البلاغة(الجامع لخطب أمير المؤمنين عليه السلام وكتبه وحكمه)، شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، تحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم، لاط، لام، دار إحياء الكتب العربية؛ عيسى البابي الحلبي وشركاه، لات، ج4، الخطبة56، ص95. وأمّا سمرة فهوالمعروف بوقوفه بلا استحياء مقابل مقام النبوّة في قصّة العذق والأنصاري، وعدم تنازله حتّى بضمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم له عذقاً في المقابل في الجنّة، الدالّ على ضمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالالتزام دخول الجنّة. وهوالمعروف بخروجه لحرب الإمام الحسين عليه السلام، وتنازله مقابل دراهم معاوية في جعل أحاديث مختلفة في ذمّ أمير المؤمنين عليه السلام، ومدح قاتله ابن ملجم.
6- البجنوردي، القواعدالفقهية، م.س، ج4 ، ص55.
7- الشيرازي، القواعدالفقهية، م.س، ج2 ، ص235.
8- الخوئي، أبوالقاسم: مستند العروة الوثقى، ط2، قم المقدّسة، مؤسّسة إحياءآثار الأمام الخوئي قدس سره، 1426هـ.ق/ 2005م،ج30، كتاب الإجارة، ص223.
9- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج19، باب4 من أبواب أحكام الوديعة، ح10.
10- التوبة: 91.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 02:21 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية