روايات تعترف فيها عائشة
بأنها حرضت على عثمان وتمنت أن يصيبه كل مكروه إلا القتل!
الرواية الأولى في هذا الموضوع خاصة : عروة عن عائشة:
قال البلاذري (أنساب الأشراف – بنو عبد شمس – ص 595): حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب (وهو ثقة) وأحمد بن إبراهيم (وهوثقة) قالا: حدثنا وهب بن جرير (وهو ثقة) عن أبيه (وهو ثقة) عن النعمان بن راشد الجزري (وهو ثقة) عن الزهري (وهو ثقة) عن عروة (ابن الزبير وهو ثقة) عن عائشة قالت: (ليتني كنت نسياً منسياً قبل أمر عثمان فو الله ما أحببت له شيئاً إلا منيت بمثله ، حتى لو أحببت أن يقتل لقتلت).
إسناد الرواية:
الإسناد صحيح.
متن الرواية:
جميعنا يعرف ما لقيت عائشة يوم الجمل من الإحاطة بها وعقر جملها حتى كادت أن تقتل ولقيت بلاء فكانت ترى أن هذه عقوبة لما كانت أن تحب أن يحصل لعثمان من التضييق والحصار والثورة إلا أنها لا تتمنى له القتل، فظاهر الرواية أن ما دون القتل مما حصل لها كانت تتمنى أن يحصل لعثمان، وهي مجتهدة في ذلك لأن عثمان وقع في أخطاء سياسية من تولية الأقرباء وتأول واسع في بيت المال لقرابته واستغلال القرابة للين عثمان معها فوسعوا الحمى لأبلهم وظلموا الناس في الأموال والدماء وانتهاك الحقوق، فكانت ترى أن من الواجب عليها أن تنهاه وحاشيته عن المنكر وتأمره بالمعروف ولو بالتضييق الشديد، وقد شاركها في هذا الرأي أو الموقف بعض كبار الصحابة.
وكان هذا المنهج هو الأصل عندالمهاجرين والأنصار لكن تطور مفهوم (الطاعة العمياء) بعد وصول بني أمية للحكم وكثرت ألأحاديث في ذلك (مع أن بني أمية أول بغاة في الإسلام).
الرواية الثانية في اعتراف عائشة:
في تاريخ المدينة - (ج 4 / ص 1234) عروة أيضاً
حدثنا إبراهيم بن المنذر قال، حدثنا عبد الله بن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني عروة بن الزبير: أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: يا ليتني كنت نسيا منسيا قبل الذي كان من شأن عثمان رضي الله عنه، والله ما أحببت أن ينتهك من عثمان رضي الله عنه شئ قط إلا انتهك مني مثله، حتى لو أحببت أن يقتل لقتلت، يا عبيد الله ابن عدي لا يغرنك أحد بعد الذي تعلمه، فو الله ما احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يختم القرآن القراء الذين طعنوا على عثمان رضي الله عنه، فقالوا قولا لا يحسن مثله، وقرأوا قراءة لا يقرأ مثلها، وصلوا صلاة لا يصلى مثلها، فلما تذكرت الصنيع إذا والله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ولا يستجلبك أحد.
الرواية الثالثة في اعتراف عائشة:
ابن الخيار عن عائشة:
ففي تاريخ المدينة - (ج 4 / ص 1234)
* حدثنا عفان قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا معمر، عن الزهري قال: قالت عائشة لعبيد الله بن عدي بن الخيار بمثل معناه.
الرواية الرابعة في اعتراف عائشة :
في تاريخ المدينة - (ج 4 / ص 1234):
حدثنا موسى بن إسماعيل قال، حدثنا جويرية، أنه سمع نافعا يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: ما تمنيت لعثمان رضي الله عنه شيئا إلا وقد نزل بي، ولو تمنيت أن يقتل لقتلت.
والخلاصة :
إلا القتل ... لم تعمل عائشة على قتل عثمان
مع أن بعض الروايات الكثيرة تذكر عن عائشة تحريضها على قتل عثمان
وقد= سبقت رواية مسروق بن الأجدع وهو من خواص تلامذة أم المؤمنين..
حاولت أن تظهر الهوامش في البحث لكن لم أستطع..
لذلك آمل أن أنقل صورة عامة في بقيىة الرويات التي أسردها..
وأن هذه الروايات الكثيفة تعطينا اطمئناناً بأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
مانت من أكبر المحرضين على عثمان
وهذا ما اعترف به أهل السنة والشيعة والمعتزلة والزيدية والإباضية
ولم يخالف في هذا إلا شرذمة من السلفية ممن لا اطلاع لهم على التاريخ ولا إنصاف لهم في النقل ولا الحكم على الرواية..
تلخيص الموضوع:
تواترت الروايات في تحريض عائشة على عثمان، وأكثر من روى تلك التحريضات هم أهل السنة كابن سعد صاحب الطبقات وشيخه الواقدي، والطبري والبلاذري ..
وكل مصادر أهل السنة في التاريخ والتراجم ذكرت هذا..
ومن مصادر أهل السنة التاريخية نقل الشيعة وغيرهم إضافة إلى ما رووه في مصادرهم الخاصة.
إلا أن أبلغ التحريضات هو فتواها بقتله ( سواءً بلفظ : اقتلوا نعثلاً أو بغيره)
أو أمرها بالنبذ إليه على سواء أو التحريض على حصاره ونهي الناس عن الدفاع عنه،
وإشهارها بأنه أبلى سنة رسول الله (ص) وأنه طاغية، و..الخ
وهذا السقف الأعلى من التحريض رواه السنة والشيعة والنواصب
وروته جميع الأمصار بالعراق والشام والحجاز واليمن ومصر ..الخ،
وسنعرف هذا مما سبق ومما تبقى من استعراض بعض الروايات الكثيرة في هذا الباب:
1- قال البلاذري ( ص 656): عن مروان وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد:
(قالوا: ولما اشتد الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج فقالا لها: لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل ، قالت: قد قربت ركابي وأوجبت الحج على نفسي ووالله لا أفعل فنهض مروان وصاحبه ، مروان يقول:
وحرق قيس على البلاد ...... حتى إذا اضطرمت أجذما .
فقالت عائشة: يا مروان وددت والله إنه (أي عثمان) في غرارة من غرائزي هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر)! وفي الرواية نفسها أنها لقيت ابن عباس وكان عثمان قد ولاه الحج فقالت:
(يا ابن عباس إن الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية).!!!
والشطر الأول رواه البلاذري بالإسناد في موضع آخر (4/1172) حدثنا زهير بن حرب حدثنا وهب بن جرير حدثنا جويرية قال حدثنا يحي بن سعيد الأنصاري حدثني عمي -أو عم لي- .....الرواية باللفظ نفسه تقريباً.
وشاركه عمر بن شبة – وهو مؤرخ سني ثقة- فروى القصة من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري ( شيخ الإمام مالك) عن عمه أيضاً:
وهذه رواية عمر بن شبة في كتابه المشهور تاريخ المدينة (4/1171) قال:
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية بن أسماء عن يحي بن سعيد (الأنصاري) عن عمه: جاءها مروان (أي عائشة) فقال : أرسلني أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: ردي عني الناس، فأعرضت عنه مرة أو مرتين، ...ثم قالت (ارجع لوددت أنك وصاحبك الذي جئت من عنده في وعائنا وكيت عليكما ثم نبذتكما).
رواية ابن عباس:
واللفظ الأخير له شاهد عند الطبري (4/407) من طريق الواقدي وفيها حث عائشة ابن عباس على عدم نصرة عثمان بقولها (أنشدك الله أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك الناس فيه فقد بانت لهم بصائرهم ...) .
وفي مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 685) أبو أسامة قال حدثنا معتمر عن أبيه عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن ناسا كانوا عند فسطاط عائشة فمر بهم عثمان ، وقد سبقت هذه الرواية ( رواية أبي سعيد)..
ومقطع آخر من رواية أبي سعيد مولى أبي أسيد: ( شاهد لقصة إخراج الشعر والثياب):
قال الحافظ: المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (ج 5 / ص 474) وبهذا الإسناد- وأشار إلى صحته- قال : « كان بين عثمان وعائشة بعض الأمر فتناول كل واحد صاحبه ، فذهبت عائشة تتكلم فكبر عثمان وكبر معه الناس ، ففعل ذلك بها مرتين لكيلا يسمع كلامها ، فلما رأت ذلك سكتت »!
وقد سبقت إلا أنها هنا معماة!
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير - (ج 2 / ص 28)
وكان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت إليها، وعثمان محصور، ثم خرجت من مكة تريد المدينة. فلما كانت بسرف لقيها رجلٌ من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة، وهو ابن أم كلاب، فقالت له: مهيم؟ قال: قتل عثمان وبقوا ثمانياً. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا على بيعة علي. فقالت: ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك! ردوني ردوني! فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه! فقال لها: ولم؟ والله إن أول أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول.... الخبر
وفي الفخري في الآداب السلطانية - (ج 1 / ص 29) لابن الطقطقي
... سرد القصة وفيها: فقال لها الرجل: لم؟ والله إن أول من أمال حروفه لأنت، والله لقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، وكان ذلك لقباً لعثمان، فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول.
وفي تاريخ مختصر الدول - (ج 1 / ص 55) لابن العبري
فقال لها الرجل من أخوالها: والله أول من أمال حرفه لأنت. ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه. ونعثل اسم رجل كان طويل اللحية وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه به لطول لحيته اهـ
وفي تاريخ الإسلام للذهبي - (ج 1 / ص 444)
قالوا لعثمان " نعثلاُ " تشبهاً له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية.
وفي المحصول للرازي - (ج 4 / ص 343)
الحكاية الثانية أن عثمان رضي الله عنه أخر عن عائشة رضي الله عنها بعض أرزاقها فغضبت ثم قالت يا عثمان أكلت أمانتك وضيعت الرعية وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك أقوام ذوو بصائر يذبحونك كما يذبح الجمل
فقال عثمان رضي الله عنه ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط الآية فكانت عائشة رضي الله عنها تحرض عليه جهدها وطاقتها وتقول أيها الناس هذا قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل وقد بليت سنته اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ..اهـ
وفي تاريخ اليعقوبي - (ج 1 / ص 176)
وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر ابن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله، فإن عثمان يوماً ليخطب إذ دلت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم.
بل قصة عائشة مع عثمان تواترات في ثقافة المسلمين
ففي المصادر اللغوية كلسان العرب - (ج 11 / ص 669)
وفي حديث عائشة اقْتُلُوا نَعْثَلاً قَتَل اللهُ نَعْثَلاً تعني عثمان وكان هذا منها لما غاضَبَتْه وذهبتْ إِلى مكة...الخ
وهو في تاج العروس - (ج 1 / ص 7561)
.. وفي حديث عائشة اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا يعنى عثمان
وفي النهاية في غريب الأثر - (ج 5 / ص 177)
ومنه حديث عائشة [ اقتُلوا نَعْثَلا قَتَل اللَّه نَعْثَلا ] تَعْني عثمان .
بل حتى الناصبي الكبير سيف بن عمر التيمي اعترف بهذا ففي تاريخ الطبري - (ج 3 / ص 476)
كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي) ان الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الاعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبدالله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة رضى الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له مهيم قال قتلوا عثمان رضى الله عنه فمكثوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الامور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت والله ليت ان هذه انطبقت على هذه إن تم الامر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لاطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لانت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الاخير خير من قولي الاول فقال لها ابن أم كلاب: منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الامام * وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع التاس ذا تدرإ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان رضى الله عنه قتل مظلوما ووالله لاطلبن بدمه
ورواية سعيد بن المسيب:
وروى البلاذري ( بنو عبد شمس من الأنساب ص 556): حدثني هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن سميع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب – رواية طويلة وفيها - (وكانت عائشة تقرصه كثيراً....)
وفيها بعد مقتله خروج عائشة باكية تقول : قتل عثمان رحمه الله
فقال عمار (أنت بالأمس تحرضين عليه واليوم تبكينه). ولم يذكروا لها رداً على هذا.
لكن هذه الرواية عليها إشكالات تحتاج لوقت.
رواية أبي مخنف:
ولها شاهد من رواية البلاذري من طريق أبي مخنف ( ص 538): وفيها (وبلغ عائشة ما صنع بعمار – يعني ضربه- فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد فغضب عثمان غضباً شديداً...).
وفي الفتوح لابن أعثم:
عزمت عائشة على الحج ، وكان بينها وبين عثمان قبل ذلك كلام ؛ وذلك أنه أخر عنها بعض أرزاقها إلى وقت من الأوقات فغضبت ، ثم قالت : يا عثمان ! أكلت أمانتك ، وضيقت رعيتك ، وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك ، لا سقاك الله الماء من فوقك ، وحرمك البركة من تحتك ! أما والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك قوم ذو ثياب وبصائر ، يذبحوك كما يذبح الجمل . فقال لها عثمان : ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صلحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيا وقيل ادخلا النار مع الدخلين )|
رواية الزهري في شعر رسول الله ( وله شاهد عن أبي مخنف سيأتي):
وروى الزهري – وكان إماماً في المغازي وقد أخذ بمرسلاته مجموعة كبيرة من أهل الحديث ولا نأخذ منها إلا ما يؤكد الروايات الصحيحة – ذكر: قصة اجتمع الناس في المسجد وما حصل من ضرب عمار ثم أن عائشة ( أطلعت شعراً من شعر رسول الله ونعله وثياباً من ثيابه ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم ...) وواضح من السياق أنها تقصد عثمان.
وفي الرواية نفسها قول الزهري وكانت عائشة تؤلب على عثمان...) (أنساب الأشراف ص 580).
وفي المختصر في أخبار البشر - (ج 1 / ص 118) :
ثم فارقه طلحة والزبير ولحقا بمكة، واتفقا مع عائشة رضي الله عنهم وكانت قد مضت إِلى الحج وعثمان محصور، وكانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه، وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبل، وقد بلي دينه، لكنها لم تظن أن الأمر ينتهي إِلى ما انتهى إِليه.
وفي تاريخ اليعقوبي - (ج 1 / ص 176) :
وكان بين عثمان وعائشة منافرة وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر ابن الخطاب، وصيرها أسوة غيرها من نساء رسول الله، فإن عثمان يوماً ليخطب إذ دلت عائشة قميص رسول الله، ونادت: يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبل، وقد أبلى عثمان سنته! فقال عثمان: رب اصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم.
ترى أن عثمان ممن يجب النبذ إليهم على سواء:
ويشهد للنبذ هذا ما رواه عمر ابن شبة أن عائشة كانت ترى عثمان ممن يجب النبذ إليهم على سواء لخيانتهم! (عمر بن شبة 4/171) روى هذا عن موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الوهاب بن عكرمة عن أمه عن عائشة.
رواية عائشة بنت قدامة بن مظعون:
وذكر الواقدي – فيما نقل من كتب المفقودة- ، عن عائشة بنت قدامة ، قالت : سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله يقول [ كذا ] - وعثمان محصور قد حيل بينه وبين الماء - : أحسن أبو محمد حين حال بينه وبين الماء . فقالت لها : يا أمه ! على عثمان . فقالت : إن عثمان غير سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسنة الخليفتين من قبله فحل دمه اهـ
وهذا يتفق مع الروايات السابقة، منع طلحة عنه الماء ( ومبحث طلحة وعثمان يحتاج لبحث مفرد، ففيه من الكثرة والصحة ما لعائشة وأكثر).
وأخرج الطبري من طريقين :
إن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف، راجعه في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له : مهيم ؟ قال : قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا . قالت : ثم صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب . فقالت : والله ليت إن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني . فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه . فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر . قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول . فقال لها ابن أم كلاب.
منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا : إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر|فسترت واجتمع إليها الناس فقالت : يا أيها الناس ! إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه اهـ
و قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه :
إن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول : إيه ذا الإصبع لله أبوك ، أما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا ، فلما انتهت إلى شراف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له : ما عندك ؟ قال : قتل عثمان . قالت : ثم ماذا ؟ قال : ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار ، بايعوا عليا . فقالت : لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن ثم هذا ، ويحك انظر ماذا تقول . قال : هو ما قلت لك يا أم المؤمنين ! فولولت . فقال لها : ما شأنك يا أم المؤمنين ؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق ، ولا أرى له نظيرا في جميع حالاته ، فلماذا تكرهين ولايته ؟ قال : فما ردت عليه جوابا .
وهناك شواهد من روايات الحسن البصري وأبي سعيد مولى أبي أسيد والأحنف بن قيس وغيرهم كثير|
والشيعة لم يزيدوا على هذا بكثير:
ففي الجزء الثامن ( من الغدير للأميني) : أن الشهود على الوليد بن عقبة بشربه الخمر استجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة فقال : أما تجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة . فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب هذا النعل . الحديث فراجع .|
وذكروا في مواقف عمار : إن عائشة لما بلغها ما صنع عثمان بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ؟ فغضب عثمان غضبا شديد حتى ما درى ما يقول . الحديث .
وكذلك أهل السنة رووا الخبر ولم يستنكروه:
وممن رواه منهم الطبري والواقدي والبلاذري والرازي في المحصول وغيرهم كثير جداً..
ومن ذلك: وقال أبو الفدا : كانت عائشة تنكر على عثمان مع من ينكر عليه وكانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وتقول : هذا قميصه وشعره لم يبل وقد بلي دينه .|
والخبر رواه المعتزلة:
قال ابن أبي الحديد : قال كل من صنف في السير والأخبار : إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته...الخ
قال : وقد روى قيس بن أبي حازم : إنه حج في العام الذي قتل فيه عثمان وكان مع عائشة لما بلغها قتله فتحمل إلى المدينة قال : فسمعها تقول في بعض الطريق إيه ذا الإصبع . وإذا ذكرت عثمان قالت : أبعده الله . حتى أتاها خبر بيعة علي فقالت : لوددت أن هذه وقعت على هذه . ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة فرددت معها ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسها كأنها تخاطب أحدا : قتلوا ابن عفان مظلوما . فقلت لها : يا أم المؤمنين ! ألم أسمعك آنفا تقولين أبعده الله ؟ وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيه قولا ، فقالت : لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه اهـ
قال : وروي من طرق أخرى : أنها قالت لما بلغها قتله : أبعده الله قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ، يا معشر قريش ! لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ، إن أحق الناس بهذا الأمر ذو الإصبع . فلما جاءت الأخبار ببيعة علي عليه السلام قالت : تعسوا لا يردون الأمر في تيم أبدا اهـ
وشهرة معارضة عائشة لعثمان وتحريضه عليه أشهر من تحريض بقية الثوار!
ولو جمعوا الأسانيد في تحريض كبار هؤلاء الثوار لن يجدوا صحة أو كثافة في صحة وكثافة رويات تحريض عائشة..
فلنطبق منهجاً واحداً
أما الانتقاء أو الافتراء فهذا ليس تاريخاً..
ولا ريب أن جماعة المسلسل قد افتروا روايات ليس لها وجود في التاريخ
وضعوها للتو
وتخبرنا بأن عائشة كانت مع عثمان!!
وهذا يدل على أن الوضع في التاريخ وتزييفه لم ينته بعد!
وأن تلك الفرقة التي غطت على معارضة الصحابة لعثمان
مازالت تضع الروايات إلى اليوم في هذا السياق!!
وان الشيعة أصدق من السلفية في هذا الأمر
لأننا وجدنا كلامهم تدعمه المصادر السنية التي سبقت وغيرها كثير
بينما افتراء هؤلاء من خيالاتهم لا تجد لها أصلاً..
نقد مسلسل الحسن والحسين (3) - موقف طلحة بن عبيد الله
نواصل نقد مسلسل الحسن والحسين في حلقته الثالثة..
وسنخصص هذه الحلقة لموقف طلحة بن عبيد الله من عثمان..
فقد عجبت وضحكت من حرص المسلسل على حشره لطلحة بن عبيد الله في أنصار عثمان!
فخالف المسلسل بهذا الزعم حتى الحشرات!
وسبب هذه المخالفة هو الهوى والمذهب والتجارة والمكايدة المذهبية والانطلاق من رواية مفردة لإخباري كذاب اسمه سيف بن عمر التميمي الذي لم يدرك القصة وليس من شهود العيان، بل ولا أدرك شيوخه ( لا يزيد الفقعسي ولا أبو حارثة ولا أبو عثمان ولا الخرثع أخو البرثع ولا رجل من بني كنانة ولا غيرهم من شيوخ سيف الذين يرجح بعض الباحثين أنه يخترع اسماءهم أيضاً!! كما يخترع الأحداث...وكما اخترع أسطورة ابن سبأ في الفتنة وكما اخترع القعقاع بن عمرو التميمي وغير ذلك)..
نعم رواية سيف بن عمر هذه رواها الطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرهم لكنهم رووا غيرها من مئات الروايات المخالفة لها والتي تؤكد على أن أغلبية الصحابة الكبار كانوا بين ثائر ومنكر ومؤيد للثورة على عثمان..
وأنا ألآن سأنقل لكم عشرات الروايات القوية والموصولة و لشهود عيان حضروا حصار عثمان ونقلوا الأحداث كما رأوها..وليست رواية واحدة كما فعلوا .. كما أن أصحاب هذه الروايات ثقات في الجملة وليسوا متهمين بكذب ولا زندقة كسيف بن عمر..
وإنه ليؤسفني أن الهوامش لا تنتقل معي في هذه المقالات لكني سأختصر حكمي على الراوي في السند نفسه فأقول ( ثقة) ( صدوق) ( ضعيف يقبل في الشواهد.. وهكذا إن أمكن..
وأرجوا ألا تحكموا من اول ما ترون الرواية الأولى
حتى ترون جميع الروايات وهي في طلحة أكثر من خمسة عشر رواية بين صحيحة وحسنة ومقبولة في الشواهد..
وبعد أن اسرد هذه الــ( 15) رواية او نحوها، حاولوا أن تتصوروا المموقف العام لطلحة بن عبيد الله.. وستجدون في رواياته أخباراً عن مواقف صحابة آخرين كعائشة والزبير وغيرهم، فيجب تكرار الروايات التي اشتركت في ذكر الجميع عند دراسة مواقفهم..
وهذه الروايات الــ (15) سأختارها من بين عشرات الروايات التي تتفق مع ما اخترناه بأن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وسامحه، كان من المحرضين بل والمحاصرين لعثمان وهو الذي منع عنه الماء بعد امره للمصريين ( وكانوا يسمعون لطلحة) بأن يمنعوا الماء عن عثمان وروى الغمام أحمد وائمة اهل السنة أنه من المحاصرين لكنهم لا يعلقون على الأحاديث والروايات التي يروونها، لكنها واضحة جداً لمن كان له قلب وتدبرها..
فلو أن شيوخ المسلسل ودعاته وبلابله أتعبوا أنفسهم بقراءة الكتب الستة، أو قرءوا طبقات ابن سعد أو تاريخ خليفة شيخ البخاري أو أنساب البلاذري .. لعرفوا حقيقة الفتنة الكبرى بسهولة، بل في الصحيحين والمصنفين ( مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق) اساس وخطوط فتنة عثمان وفيها غنى عن أكثر التاريخ فكيف باكثر الكذب والزيف الذي حشوا به عقول المسلمين ..
والآن إلى الروايات الصحيحة والحسنة
التي تؤكد أن طلحة بن عبيد الله كان رأساً من رؤوس الثورة على عثمان
من الجرأة على عثمان ورد أحكامه إلى التحريض إلى الاستيلاء على بيت المال إلى المشاركة في الحصار إلى الرمي بالنبال!
الرواية الأولى: رواية أبي سعيد مولى أبي أسيد مالك بن ربيعة
[ وهي جزء من الرواية الطويلة التي يصححها يوسف العش الذي يعتمدون عليه، لكن يوسف العش خان الأمانة فيما أرى واخفى بعض مقاطع الرواية وهذا المقطع منها، ولهذا المقطع حكم الرواية في الصحة المجملة]
فوائدها:
المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (ج 6 / ص 334)
قال إسحاق ( بن راهويه ثقة) : أخبرنا المعتمر بن سليمان ( ثقة) ، قال : سمعت أبي (ثقة) يقول أنبأنا أبو نضرة (ثقة) ، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد وهو مالك بن ربيعة (ثقة) قال :
إن عثمان بن عفان رضي الله عنه : « نهى عن العمرة في أشهر الحج أو عن التمتع بالعمرة إلى الحج » ، فأهل بها علي مكانه فنزل عثمان رضي الله عنه عن المنبر فأخذ شيئا فمشى به إلى علي رضي الله عنه ، فقام طلحة والزبير رضي الله عنهما فانتزعاه منه فمشى إلى علي رضي الله عنه فكاد أن ينخس عينه بإصبعه ويقول له : إنك لضال مضل ولا يرد علي رضي الله عنه عليه شيئا اهـ
السند صحيح
وفوائد الرواية هي :
- طلحة والزبير أجرأ على عثمان..
- الإمام علي أحلم الناس على عثمان
- عثمان وظلمه علياً..
- عثمان والأخطاء في السنن والأحكام وحرصه في هذا الأمر.
الرواية الثانية: وهو جزء من هذه الرواية التي يصححهاالسلفيون وهي صحيحة..
ففي المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (ج 5 / ص 472)
قال إسحاق ( وهو ابن راهويه شيخ البخاري ومسلم): أخبرنا المعتمر بن سليمان ( ثقة) ، وسمعت أبي ( هو ليمان بن طرخان التيمي البصري ثقة) يقول : ثنا أبو نضرة ( المنذر بن مالك بن قطعة ثقة) ، عن أبي سعيد ، مولى أبي أسيد ( ثقة) :
« أن ناسا كانوا عند فسطاط عائشة - أرى ذلك بمكة - فمر بهم عثمان
قال أبو سعيد : فما بقي من القوم أحد إلا لعنه أو سبه غيري ، وكان فيمن لعنه أو سبه رجل من أهل الكوفة ، فكان عثمان على الكوفي أشد منه على غيره!
فقال : يا كوفي ، أسببتني ؟ كأنه يهدده ، قال : فقدم المدينة
فقيل له : يعني الكوفي : عليك بطلحة ، فانطلق معه طلحة حتى أتى عثمان، فقال عثمان : والله لأجلدنك مائة!
قال : طلحة : والله لا تجلده مائة إلا أن يكون زانيا
قال : لأحرمنك عطاءك
فقال طلحة : يا كوفي ، إن الله يرزقك » اهـ
السند صحيح
وأما فوائدها فهي :
1- طلحة يمنع عثمان من معاقبة كوفياً سبه عند فسطاط عائشة
2- فسطاط عائشة كأنه في المسجد النبوي أو بجواره لتحشيد المعارضة واللقاءات معهم، وهي تخاطبهم من الحجرة، فإن بيت عائشة لن يتسع للجماعات المعارضة، وكانت عائشة تتولى التحريض، كرموز بني تيم ( مثل طلحة)، ولا أرى ما لحق أخاها محمد بن أبي بكر إلا بتأثر منها، حتى أنه عزله طلحة وعائشة عن قيادة أهل مصر وجعلها لابن عديس.
3- شيعة عائشة كانوا يسبون عثمان عند الفسطاط (وهذا الفسطاط هو الذي جرى عنده القتال بين جماعة عائشة وجماعة عثمان، و لعل هذه القصة – قصة الساب عثمان- جرت في تلك الأثناء، إما أنه من أسباب القتال أو من نتائجه.
4- لا يصح أن القصة في مكة، والظن من أحد الرواة المتأخرين عن شاهد العيان.
5- عثمان ينتصر لنفسه بمجاولة جلد الساب مئة، ولا تعزير إلا فيما دون الحد.
6- عثمان منع الكوفي عطاءه، لأنه سبه، وعلي لا يمنع الخوارج ولا النواصب عطاءهم، وبعضهم يكفره.
7- تعاون طلحة وعائشة، وتبادلهما الأدوار، فهذا يسمع لجلسائه بسب عثمان، وذاك يحمي الساب، وعندما حجت عائشة تولى طلحة كل مهام عائشة إلى مهامه، واستولى على بيت المال وحصر عثمان ومنع عنه الماء ومنع من الدخول عليه وكان قتله في تلك الأيام، وكانت عائشة قد هيأت له من الجيش أصحاب الفسطاط وهم خليط من الأمصار، وجلهم من أهل مصر، وربما كانت شدة عثمان على الكوفي لكون الكوفة كانوا أميل إلى علي بن أبي طالب.
هذه الروياة الأولى
تتبع الروايات الصحيحة في ثورة طلحة على عثمان.
رواية عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي ( شاهد عيان):
وهي رواية قيمة،وخطيرة جداً، وشواهدها ستأتي، وهي تدل على عظمة الواقدي، فإن الطبري وغيره، لم يجدوا الرواية بهذا السياق الحسن إلا عند الواقدي،
ففي في تاريخ الطبري - (ج 3 / ص 411) (قال محمد = هو الواقدي) وحدثني ابراهيم بن سالم عن أبيه عن بسر بن سعيد قال (و) حدثني عبدالله بن عباس بن أبي ربيعة قال : دخلت على عثمان رضى الله عنه فتحدثت عنده ساعة فقال يا ابن عباس ( عياش) تعال، فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان ! فسمعنا كلاماً منهم من يقول ما تنتظرون به؟
ومنهم من يقول انظروا عسى أن يراجع ، فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل هاهو ذا! قال: فجاءه ابن عديس فناجاه بشئ ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده!
قال : فقال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة بن عبيدالله!
ثم قال عثمان اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فانه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم، والله إني لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يسفك دمه إنه انتهك مني ما لا يحل له! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا في إحدى ثلاث رجل كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجل زنى بعد إحصانه فيرجم، أو رجل قتل نفسا بغير نفس ففيم أقتل؟
قال ثم رجع عثمان قال ابن عباس (عياش) فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مر بي محمد بن أبي بكر فقال خلوه فخلوني اهـ
التعليق على الإسناد:
أما الإسناد، فشاهد العيان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، ثقة وله رؤية، فهو من مواليد الحبشة، - وأبوه عياش بن أبي ربيعة صحابي مشهور- مات عبد الله سنة (64هـ) وقيل ( 78هـ) ولعل الصواب الأول، وهو مدني، وأما تلميذه فهو بسر بن سعيد ( مولى ابن الحضرمي) ثقة عابد من رجال الجماعة (100هـ) صاحب التحذير من أحاديث أبي هريرة، والراوي عنه سالم أبو النضر ثقة ( 129هـ) والراوي عنه ابنه إبراهيم المشهور بلقب بردان ( 153هـ) والراوي عنه الواقدي، وهذا سند صحيح، مع كلام لهم في الواقدي ليس عليه حجة، فالصواب توثيقه، وقد أفردته ببحث مفرد، وهذا لا يعني قبول كل ما رواه، فينظر في أسانيده، وفي بعض دعاويه في الإجماع، وإنما أقل ما يمكن أن يقال إنه مقبول في الشواهد والمتابعات وهذه منها، لا سيما وأنه إمام في فنه وهو التاريخ، .
التعليق على المتن:
فيه أن طلحة هو صاحب حصار عثمان وقتله .. وأن أهل مصر – بعد اعتزال أهل الكوفة والبصرة- هم المتولون لأمر عثمان، وقائدهم العسكري عبد الرحمن بن عديس أما القائد السياسي فهو طلحة بن عبيد الله، ولذلك حاول طلحة أن يستولي على بيت المال قبل أن يقتل عثمان، وربما كان لهذا التصرف سبب في كثرة من ناصره من أهل مصر، ثم استعاده علي بتحريض من عثمان ووزعه على الناس بالتساوي.
الرواية الرابعة:
رواية قيس بن أبي حازم ( 100هـ):
وروى ابن شبة بسند صحيح (4/1169) ندم طلحة يوم الجمل وأنه قال (اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى) رواه عن إسحاق بن إدريس عن هشيم (بن بشير) عن إسماعيل (ابن أبي خالد) عن قيس (ابن أبي حازم) وهذا سند صحيح.
شاهده من رواية حكيم بن جابر بسند صحيح =
لكنها في الاعتراف ( وقد سبق في رواية قيس بن أبي حازم):
روى ابن شبة (4/1169):
حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحي بن آدم قال حدثني سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: سمعت طلحة بن عبيد الله يقول يوم الجمل : إنا قد كنا أدهنا في أمر عثمان فلا بد من المبالغة ( المبايعة) اهـ
وفي : (مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 710( :
حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم ابن جابر قال : سمعت طلحة بن عبيد الله يوم الجمل يقول : إنا كنا داهنا في أمر عثمان فلا نجد بدا من المبايعة. )قلت: السند صحيح، وقد فسر الذهبي كلام طلحة هذا بقوله (كان منه تمغفل وتأليب) أي على عثمان ( انظر ترجمة طلحة في سير أعلام النبلاء) ، والتأليب أقصى درجات المعارضة ليس بعده إلا القتال، ورواها ابن سعد في الطبقات (3/222) من طريق الواقدي
الرواية الخامسة : رواية حكيم بن جابر ( نحو 90 هـ)
وفيها منع طلحة وعسكره الماء عن عثمان..
ورواها الطبري وغيره بسند صحيح،
ففي تاريخ الطبري - (ج 3 / ص 433) : وحدثني عمر ( يعني ابن شبةوهو ثقة ) قال حدثنا علي ( هو المدائني وهو ثقة) عن عبد ربه بن نافع ( من رجال الشيخين ثقة) عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر ( 82هـ أو بعدها/ ثقة في التقريب) قال:
قال علي لطلحة أنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان! قال لا والله حتى تعطى بنو أمية الحق من أنفسها اهـ
قلت: وقد توبع هؤلاء كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به..
متابعة عن إسماعيل عن حكيم بن جابر عند ابن أبي شيبة :
روى ابن شبة (4/1169) قال سفيان: وحدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: كلم علي طلحة وعثمان محصور في الدار فقال: إنهم قد حيل بينهم وبين الماء! فقال طلحة: أما حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فلا).
قلت: السند صحيح وفيه طلب علي من طلحة أن ينجد عثمان وربما يساعده في صد الثوار فأبى طلحة حتى يعطي عثمان وحاشيته الحق من نفسه.
ولهذه الرواية شواهد أخرى من حيث موقف طلحة في قضية الإنجاد بالماء
الرواية السادسة: روايات عبد الرحمن بن أبي ليلى ( 83هـ):
وهي حقيقة مجموعة روايات بل حشد من الروايات رواها هذا التابعي الجليل.. وهو من رجال الجماعة وهو كبير القدر في أهل الحجاز والعراق، وهو شاهد عيان
وقد تكثفت رواياته في طلحة ومباشرته حصار عثمان بنفسه وأنه كان يراميهم بالأسهم وان قاتل عثمان خرج وهو يقول ( أين طلحة فقد قتلنا ابن عفان)!!
ومن ذلك
وهي عدة رويات نختار منها:
ما رواه عمر بن شبة (4/1169- 1170): :
حدثنا إبراهيم سمعت جعفر بن زياد وأبا بكر بن عياش يحدثان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: رأيت طلحة يوم الدار يراميهم وعليه قباء فكشف الريح عنه، فرأيت بياض الدرع من تحت القباء)، والسند حسن رجاله ثقات ويزيد بن أبي زياد صدوق، ضعفه بعضهم للمذهب لأنه كان من دعاة زيد بن علي، بينما دعاة بني أمية موثقون!.
و للرواية متابعة : :
( عن محمد بن فضيل بن عزوان عن يزيد بن أبي زياد عند عبد الرحمان بن أبي ليلى قال : رأيت طلحة يرامي في أهل الدار - وهو في خرفة وعليه الدرع - وقد كثر عليها نقبا فهم يرامونه فيخرجونه من الدار ثم يخرج فيراميهم حتى دخل عليه من قبل دار ابن حزم فقتل).
حديث آخر لابن أبي ليلى: أبي فزارة عنه ( في سؤال عبد الملك بن مروان لابن أبي ليلى) :
ذكره ابن شبة (4/1170) حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي فزارة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى – رواية طويلة فيها سؤال عبد الملك بن مروان لابن أبي ليلى عن مواقف الصحابة يوم الدار فأجابه بأن علياً كان في داره، والزبير عند أحجار الزيت، وأما طلحة فكان في المحاصرين ! (مثل الحرة السوداء ..فإن حال حائل دون عثمان قاتله)! على حسب تعبير ابن أبيليلى وهو من اجل التابعين وأوثقهم وكان حاضراً وشاهد عيان، ثم انتقل مع الإمام عي إلى الكوفة كأبيه وجل الأنصار.
:
وفي تاريخ الطبري - (ج 2 / ص 669)قال محمد حدثني يعقوب بن عبدالله الأشعري عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال:
رأيت اليوم الذي دخل فيه على عثمان فدخلوا من دار عمرو بن حزم خوخة هناك حتى دخلوا الدار فناوشوهم شيئا من مناوشة ودخلوا فوالله ما نسينا أن خرج سودان بن حمران فأسمعه يقول أين طلحة بن عبيد الله؟ قد قتلنا ابن عفان! اهـ
استيلاؤه على الأمر : بيت المال والعساكر
من رواية ابن شبة ما يدل على أن طلحة استولى على أمر أهل مصر
ففي (عمر بن شبة 4/1171): بكر بن حنيف عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:
حدثنا علي بن محمد، عن أبي مخنف، عن بكر بن حنيف، عن عبد الرحمن (بن أبي ليلى: لما حاصر) المصريون (عثمان ) استولى طلحة بن عبيد الله على أمرهم، وكان محمد بن أبي بكر يأتيهم
فإذا أمسى خلص هو وعلي وعمار يحتازون ( كأنه يقصد يتشارون) (فيصبح) الناس يقولون:
أهل مصر يعملون بأمر علي رضي الله عنه).
وفي الرواية تحريف وسقط إلا أن المفهوم من الرواية أن طلحة كان أهل مصر يستجيبون له في المبالغة في الثورة لا سيما مع اعتزال علي في بيته ودفعه عن عثمان جعلهم ينصرفون لمن يتحمس قريباً من حماسهم،
وأما محمد بن أبي بكر فمبيته مع علي وعمار يتشاورون، وهذا جعل الناس يظنون أن لعلي دوراً فيما حصل،
ومحمد بن أبي بكر إنماكان يأتي أمه أسماء بنت عميس وهي امرأة علي يومئذ،
ومن الطبيعي أن يجد علياً وشيعته كعمار بن ياسر يتشاورون، وكلهم منكر على عثمان
ولكن ليس لعلي يد في التحريض ..
من هذا الخلط أراد النواصب الإيهام بأن علياً له دور في قتل عثمان حتى اختلط هذا على مثل زيد بن أرقم فسأل علياً، حتى حلف له علي..
بينما كان موقف علي، أنه ليس مع مظالم عثمان، ولا مع قتله ولا منعه من الماء.
. هذا هو الموقف العادل المتوسط بين ظلمين.
وفي المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني - (ج 11 / ص 195) ما يؤكد حضور ابن أبي ليلى مع الأنصار وشهوده تلك الأحداث :
فقال:
( أحمد بن منيع): ثنا يزيد بن هارون ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى ، قال : « أشرف علينا عثمان يوم الدار ، فقال : يا أيها الناس ، لا تقتلوني فإنكم إن قتلتموني كنتم هكذا ، وشبك بين أصابعه » اهـ
قلت: السند صحيح إلا ان فيه سقطاً، فعبد الملك بن أبي سليمان لم يدرك أبا ليلى إنما يروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.. فسقطت كلمة (ابن ) على الراجح..
وهذا الجزء كأنه من الحديث الأول، وقد اشتهر هذا الجزء عند أهل الحديث وبتروا آخره فيما يخص طلحة اختصاراً ..
وفي قوله ( أشرف علينا) نوع من قرينة على مشاركة أهل المدينة ( الأنصار) في الحصار ومساعدتهم أهل مصر.
وإلا فكيف يشرف عليهم عثمان وهم في بيوتهم؟
لابد أنه اشرف عليهم وهم محاصرون له..
وهذا موضوع آخر سيأتي تفصيله في ( موقف الصحابة)
فهناك روايات تذكر الأنصار، وروايات أخرى تذكر مواقف بعض القبائل كخزاعة وبني تيم ..الخ