|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 33370
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 2
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
melika
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 20-04-2009 الساعة : 06:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونشكره ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده و رسوله .
اللهم إني أبرأ من الثقة إلا بك ومن الأمل إلا فيك ومن التسليم إلا لك ومن التفويض إلا إليك ومن التوكل إلا عليك ومن الرضا إلا عنك ومن الطلب إلا منك ومن الذل إلا في طاعتك ومن الصبر إلا على بابك ومن الرجاء إلا في يديك الكريمتين ومن الرهبة إلا بجلالك العظيم .
اللهم تتابع برك واتصل خيرك وكمل عطاؤك وعمت فواضلك وتمت نوافلك وبر قسمك وصدق وعدك وحق على أعدائك وعيدك ولم يبقى لي حاجة هي لك رضا ولي صلاح إلا قضيتها وأعنتني على قضائها يا أرحم الراحمين .
وبعد :
فهذا البحث سيكون بإذن الله تعالى عن شرح أحاديث التوبة الورادة في سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم ، والتي استطعت بجهدي المتواضع جمعها من بعض كتب السنة وقد اقتصرت على عشرة من أحاديث التوبة ، حيث سأعرض في هذا البحث كل حديث من الأحاديث الورادة في موضوع التوبة ثم أقوم بشرحها مستعينا بما قاله علماءنا الإجلاء في شرحهم لهذه الأحاديث .
* ـ الحديث الأول :
عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : "لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دَوِّيةٍ " مهلكة، معه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته، عليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحــاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته".(1)
* ـ شرح الحديث :
هذا الحديث يوضح لنا فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة عبده العاصي من خلال مثَل من أمثلة النبوة يحكي قصة رجلٍ نزل منزلاً موحشاً، وليس معه من وسائل الحياة إلا دابته عليها طعامه وشرابه، فهي كل ما يربطه بالحياة ويعطيه الأمل في قطع هذا المكان الموحش، ثم نزل الرجل يقيل لحظاتٍ بعد أن رحلة شاقة، وعناءُ سفر، فنام نومة ثم استيقظ على الفزع الذي هزه وأخافه، لقد فقد راحلته، فانطلق المسكين مروَّعًا يعدو في كل اتجاه على غير هدى، بحثاً عن راحلته الضائعة، حتى كلّت قدماه، وأنهكه التعب، وبلغ به الحر والعطش مبلغاً، فجرجر أقدامه إلى المكان الذي كان ينام فيه، فنام نومة مكسورة الوجدان محترقة الأنفاس وهو في انتظار الموت، ثم تقلب ورفع رأسه فإذا راحلتُه عنده .. فكيف سيكون فرح ذلك الرجل براحلته .. يُبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد من ذلك الرجل براحلته الذي أخطأ من شدة فرحه فقال (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) ..
والحقيقة أن هذا الحديث العظيم يعتبر دعوة إلى رحاب الله الكريم، دعوة تفيض بالحب والحنان لكل مذنب خطّاء يعلم أن له رباً يغفر الذنوب ولا يبالى، وأن باب توبته مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى : "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم" (2)
ويسوق ابن القيم رحمه الله في هذا السياق وهو يشرح هذا الحديث في مدارج السالكين (3)حيث قال : " وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك باب قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه، ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينا، فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، وخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي وتقول : يا ولدي، أين تذهب عني ؟ ومن يؤويك سواي ؟ ألم اقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلتُ عليه من الرحمة بك والشفقة عليك. وإرادتي الخير لك ؟ ثم أخذته ودخلت .
* ـ الحديث الثاني :
عن الأغرِّ المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرَّة". (4)
* ـ شرح الحديث :
يحث النبي صلى الله عليه وسلم الناس على التوبة إلى ربهم سبحانه وتعالى ، ويقول فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة وفي رواية سبعين مرة ، فإذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يستغفر الله عز وجل في اليوم هذا العدد كله ، بل ورده عنه أيضا أنه قال في المجلس الواحد سبعين مرة ، فكيف هو حال من هو دون منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كيف هو حال المقصرين المذنبين من أمثالنا ، فحق لنا أن نكثر من التوبة إلى الله عز وجل في جميع أحوالنا إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال ابن حجر في فتح الباري وهو يشرح هذا الحديث (5) :
أخرج النسائي أيضا من رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ " إني لاستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة " واخرج النسائي أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس فقال: يا أيها الناس توبوا إلى الله، فاني أتوب إليه في اليوم مائة مرة " وله في حديث الأغر المزني رفعه مثله، وهو عنده وعند مسلم بلفظ " إنه ليغان على قلبي واني لاستغفر الله كل يوم مائة مرة " قال عياض: المراد بالغين فترات عن الذكر الذي شانه أن يداوم عليه، فإذا فتر عنه لأمر ما عد ذلك ذنبا فاستغفر عنه.
وقيل هو شيء يعتري القلب مما يقع من حديث النفس، وقيل هو السكينة التي تغشى قلبه والاستغفار لإظهار العبودية لله والشكر لما أولاه، وقيل هي حالة خشية وإعظام والاستغفار شكرها، ومن ثم قال المحاسبي : خوف المتقربين خوف إجلال وإعظام.
وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي: لا يعتقد أن الغين في حالة نقص، بل هو كمال أو تتمة كمال .
ثم مثل ذلك بجفن العين حين يسبل ليدفع القذى عن العين مثلا فانه يمنع العين من الرؤية، فهو من هذه الحيثية نقص، وفي الحقيقة هو كمال .
هذا محصل كلامه بعبارة طويلة، قال: فهكذا بصيرة النبي صلى الله عليه وسلم متعرضة للاغيرة الثائرة من أنفاس الأغيار فدعت الحاجة إلى الستر على حدقة بصيرته صيانة لها ووقاية عن ذلك انتهى .
وقد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم، والاستغفار يستدعي وقوع معصية .
وأجيب بعدة أجوبة : منها ما تقدم في تفسير الغين، ومنها قول ابن الجوزي: هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها احد، والأنبياء وان عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر .
كذا قال، وهو مفرع على خلاف المختار، والراجح عصمتهم من الصغائر أيضا .
ومنها قول ابن بطال : الأنبياء اشد الناس اجتهادا في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة، فهم دائبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى .
ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى، ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة، أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم، ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى، وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله والتضرع إليه ومشاهدته ومراقبته، فيرى ذلك ذنبا بالنسبة إلى المقام العلى وهو الحضور في حظيرة القدس .
ومنها أن استغفاره تشريع لامته، أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم .
وقال الغزالي في " الإحياء " كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي، فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقا بحسب تعدد الأحوال، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك .
وقال الشيخ السهروردي : لما كان روح النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل في الترقي إلى مقامات القرب يستتبع القلب، والقلب يستتبع النفس، ولا ريب أن حركة الروح والقلب أسرع من نهضة النفس فكانت خطا النفس تقصر عن مداهما في العروج، فاقتضت الحكمة إبطاء حركة القلب لئلا تنقطع علاقة النفس عنه فيبقى العباد محرومين، فكان صلى الله عليه وسلم يفزع إلى الاستغفار لقصور النفس عن شاو ترقي القلب، والله اعلم. (6)
* ـ الحديث الثالث :
قال صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" . (7)
* ـ شرح الحديث :
يقول السندي رحمه الله :
قوله (توبة) :
معناه أنه معظمها ومستلزم لبقية أجزائها عادة فإن النادم ينقلع من الذنب في الحال عادة ويعزم على عدم العود إليه في الاستقبال وبهذا القدر تتم التوبة إلا في الفرائض التي يجب قضاؤها فتحتاج التوبة فيها إلى القضاء وإلا في حقوق العباد فتحتاج فيها إلى الاستحلال أي الرد والندم يعني على كل ذلك كما لا يخفى وفي الزوائد قلت وقع عند ابن ماجه عبد الله بن عمر بن الخطاب قاله المنذري وقال بعد ذلك أي كما رواه الترمذي وابن ماجه في صحيحه والحاكم في المستدرك .
قوله (ما لم يغرغر) :
أي ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة القيء يتغرغر به المريض والغرغرة أن يجعل المشروب في الفم ويرد إلى أصل الحلق فلا يبلغ كذا في النهاية والمقصود ما لم يعاين أحوال الآخرة ومن شواهد هذا الحديث قوله تعالى {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} . (8)
* ـ الحديث الرابع :
قول صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله يحب المؤمن المُفتّن التواب" . (9)
* ـ شرح الحديث :
لشرح هذا الحيث لابد أن نعرض طبقات الناس بالنسبة للتوبة كما بين ذلك وشرحه ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين :
الطبقة الأولى :
تائب يستقيم على التوبة إلى آخر عمره، ويتدارك ما فرّط من أمره، ولا يحدِّث نفسه بالعودة إلى ذنوبه، إلا الزلات التي لا ينفك عنها البشر في العادات، فهذه هي الاستقامة في التوبة، وصاحبها هو السابق بالخيرات.وتسمى هذه التوبة: النصوح، وتسمى هذه النفس: المطمئنة، وهؤلاء يختلفون منهم من سكنت شهوته تحت قهر المعرفة ففتر نزاعها، ومنهم من تنازعه نفسه وهو ملئ بمجاهدتها.
الطبقة الثانية :
تائب قد سلك طريق الاستقامة في أمهات الطاعات وكبائر الفواحش، إلا أنه لا ينفك عن ذنوب تعتريه، لا عن عمد، ولكنه يبتلى بها في مجارى أحواله من غير أن يقدم عزماً على الإقدام عليها، وكلما أتى شيئاً منها لام نفسه، وندم وعزم على الاحتراز من أسبابها، فهذه هي النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها على ما يستهدف له من الأحوال الذميمة، فهذه رتبة عالية أيضاً، وإن كانت نازلة عن الطبقة الأولى، وهى أغلب أحوال التائبين، لأن الشر معجون بطينة الآدمي، فقلما ينفك عنه، وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره، حتى يثقل ميزانه، فترجح حسناته، فأما إن تخلو كفة السيئات، فبعيد.وهؤلاء لهم حسن الوعد من الله سبحانه وتعالى، إذ قال : {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} (10) والى هذه الرتبة الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم :" إن الله يحب المؤمن المُفتّن التواب" .
الطبقة الثالثة :
أن يتوب ويستمر على الاستقامة مدة، ثم تغلبه شهوته في بعض الذنوب، فيقدم عليها لعجزه عن قهر الشهوة، إلا أنه مع ذلك مواظب على الطاعات، وترك جملة من الذنوب مع القدرة عليها والشهوة لها، وإنما قهرته شهوة واحدة أو شهوتان، وهو يود لو أقدره الله على قمعها، وكفاه شرها، فإذا انتهت ندم، لكنه يعد نفسه بالتوبة عن ذلك الذنب، فهذه هي النفس المسؤولة، وصاحبها من الذين قال الله تعالى فيهم :{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً} فأمر هذا من حيث مواظبته على الطاعات وكراهيته لما يتعاطاه مرجو لقوله تعالى : {عسى الله أن يتوب عليهم} (11) وعاقبته خطرة من حيث تأخيره وتسويفه، فربما يختطف قبل التوبة، فإن الأعمال بالخواتيم، فعلى هذا يكون الخوف من الخاتمة، وكل نفس يمكن أن يتصل به الموت، فتكون الخاتمة، فليراقب الأنفاس، وليحذر وقوع المحذور .
الطبقة الرابعة :
أن يتوب ويجرى مدة على الاستقامة، ثم يعود إلى الذنوب منهمكاً من غير أن يحدث نفسه بالتوبة، ومن غير أن يتأسف على فعله، فهذا من المصرين، وهذه النفس هي الأمارة بالسوء، ويخاف على هذا سوء الخاتمة.فإن مات هذا على التوحيد، فإنه يرجى له الخلاص من النار، ولو بعد حين، ولا يستحيل أن يشمله عموم العفو بسبب خفي لا يطلع عليه، إلا أن التعويل على هذا لا يصلح، فإن من قال: إن الله تعالى كريم، وخزائنه واسعة، ومعصيتي لا تضره، ثم تراه يركب البحار في طلب الدينار، فلو قيل له: فإذا كان الحق كريماً فاجلس في بيتك لعله يرزقك، استجهل قائل هذا وقال: إنما الأرزاق بالكسب فيقال له: هكذا النجاة بالتقوى .
إذن معنى الحديث الذي أسلفت عرضه هو حال ذلك التائب الذي سلك طريق الاستقامة، إلا أنه لا ينفك عن ذنوب تعتريه، لا عن عمد، ولكنه يبتلى بها بعض أحواله من غير أن يقدم عزماً على الإقدام عليها، وكلما أتى شيئاً منها لام نفسه، وندم وعزم على الاحتراز من أسبابها، فهذه هي النفس اللوامة لأنها تلوم صاحبها على ما يستهدف له من الأحوال الذميمة، وهذه في الحقيقة رتبة عالية أيضاً، وهى أغلب أحوال التائبين، لأن الشر معجون بطينة الآدمي، فقلما ينفك عنه، وإنما غاية سعيه أن يغلب خيره شره، حتى يثقل ميزانه، فترجح حسناته. (12)
* ـ الحديث الخامس :
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم : " من تاب قبل أن تطلع الشمس مِنْ مغربها تاب اللَّه عليه ". (13)
* ـ شرح الحديث :
يقول الشيخ ابن عثيمين في شرحه لهذا الحديث :
إن التوبة إلى الله عز وجل لن تكون مقبولة حتى تكون من العبد في زمن قبولها وهو ما قبل حضور الأجل وطلوع الشمس من مغربها فإن كانت التوبة بعد حضور الأجل ومعاينة الموت فإنها غير مقبولة لأن الله يقول (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) (14) ، وإذا كانت التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لم تقبل لقوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) (15) والمراد بذلك طلوع الشمس من مغربها فإن الشمس الآن تسير بأمر الله وتدور على الأرض تطلع من المشرق وتغرب من المغرب بإذن ربها وخالقها وبارئها فإذا كان قرب قيام الساعة فإنها تطلع من مغربها حين يقال لها ارجعي من حيث شئت فإذا رآها الناس طالعة منه آمنوا أجمعون فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه) .
وكما يقول العلماء فإن التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها هو شرط من شروط قبول التوبة التي نجملها فيما يلي :
الشرط الأول :
أن تكون خالصة لله عز وجل بأن يكون الباعث لها حب الله وتعظيمه ورجاء ثوابه والخوف من عقابه فلا يريد الإنسان بتوبته تزلفاً إلى مخلوق ولا عرضاً من الدنيا .
الشرط الثاني :
أن يكون الإنسان نادماً على ما فعل من المعصية بحيث يتمنى أنه لم يفعل المعصية لأن هذا الندم يوجب الانكسار بين يدي الله عز وجل والإنابة إليه وحينئذ يقبل على ربه ويتوب من ذنوبه .
الشرط الثالث :
لابد أن يقلع الإنسان العاصي عن المعصية فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال وإن كانت بترك واجب فعله في الحال إن كان مما يمكن قضاؤه وإن كانت مما يتعلق بحقوق الخلق تخلص منها وأداها إلى أهلها واستحل أو استحلهم منها .
الشرط الرابع :
العزم على عدم العودة للذنب في المستقبل فإن التوبة لن تكون مقبولة حتى يعزم التائب أن لا يعود في المستقبل للمعصية التي اقترفها لأنه إن لم يعزم على ذلك فتوبته مؤقتة يتحين فيها الفرص المواتية، فالإنسان إذا لم يعزم على أن لا يعود إلى الذنب فإن توبته لا تدل على كراهته للمعصية .
الشرط الخامس :
كما أسلفت فإن التوبة لن تكون مقبولة حتى تكون من العبد في زمن قبولها وهو ما قبل حضور الأجل وطلوع الشمس من مغربها فإن كانت التوبة بعد ذلك فإنها غير مقبولة .
* ـ الحديث السادس :
عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة قال قتادة فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره. (16)
* ـ شرح الحديث :
قوله صلى الله عليه وسلم : (إن رجلا قتل تسعا وتسعين نفسا ، ثم قتل تمام المائة ، ثم أفتاه العالم بأن له توبة) ، قال الإمام النووي (17) في شرحه لصحيح مسلم : " هذا مذهب أهل العلم ، وإجماعهم على صحة توبة القاتل عمدا ، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس . وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا ، فمراد قائله الزجر عن سبب التوبة ، لا أنه يعتقد بطلان توبته .. وهذا الحديث ظاهر فيه ، وهو إن كان شرعا لمن قبلنا ، وفي الاحتجاج به خلاف فليس موضع الخلاف ، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره ، فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك ، وهذا قد ورد شرعنا به وهو قوله تعالى : {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون} إلى قوله : {إلا من تاب} الآية وأما قوله تعالى : {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} فالصواب في معناها : أن جزاءه جهنم ، وقد يجازى به ، وقد يجازى بغيره وقد لا يجازى بل يعفى عنه ، فإن قتل عمدا مستحلا له بغير حق ولا تأويل ، فهو كافر مرتد ، يخلد به في جهنم بالإجماع ، وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة ، جزاؤه جهنم خالدا فيها ، لكن بفضل الله تعالى ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها ، فلا يخلد هذا ، ولكن قد يعفى عنه ، فلا يدخل النار أصلا ، وقد لا يعفى عنه ، بل يعذب كسائر العصاة الموحدين ، ثم يخرج معهم إلى الجنة ، ولا يخلد في النار ، فهذا هو الصواب في معنى الآية ، ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء ، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم ، وإنما فيها أنها جزاؤه أي : يستحق أن يجازى بذلك ، وقيل : إن المراد من قتل مستحلا ، قيل : وردت الآية في رجل بعينه ، وقيل : المراد بالخلود طول المدة لا الدوام ، وقيل : معناها هذا جزاؤه إن جازاه ، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية ، وأما هذا القول فهو شائع على ألسنة كثير من الناس ، وهو فاسد لأنه يقتضي أنه إذا عفي عنه خرج عن كونها كانت جزاء ، وهي جزاء له ، لكن ترك الله مجازاته عفوا عنه وكرما ، فالصواب ما قدمناه " .
قوله : (انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء) قال العلماء : في هذا استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب ، والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم ، وأن يستبدل بهم صحبة أهل الخير والصلاح والعلماء والمتعبدين الورعين ومن يقتدي بهم ، وينتفع بصحبتهم ، وتتأكد بذلك توبته .
* ـ الحديث السابع :
وعن أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري رَضِيَ اللَّه عنه عن النبي صَلَّى اللّه عليه وسلّم قال : إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس مِنْ مغربها (18) .
* ـ شرح الحديث :
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث :
قوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) .
ولا يختص قبولها بوقت، فبسط اليد استعارة في قبول التوبة، قال المازري : المراد به قبول التوبة، وإنما ورد لفظ (بسط اليد) لأن العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله، وإذا كرهه قبضها عنه، فخوطبوا بأمر حسي يفهمونه، وهو مجاز، فإن يد الجارحة مستحيلة في حق الله تعالى (19) .
والحديث فيه ترغيب في التوبة إلى الله عز وجل، وبيان لطف الله ورحمته بعباده، فإن الله تعالى يغفر للعبد إذا تاب بالليل، كما يغفر له إذا تاب بالنهار ، ويغفر له إذا تاب في جميع الأحيان ، وهذا من كرم الله على العباد وعظيم لطفه بهم .
* ـ الحديث الثامن :
قال صلى الله عليه وسلم عن توبةَ المرأة الغامديةِ : (لقد تابت توبةً لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ؟) (20) .
* ـ شرح الحديث :
هذا الحديث يحكي قصة المرأة الغامدية التي زنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تابت توبة عظيمة شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وملخص القصة أنه بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالسا يوماَ في المسجد ، وأصحابه حوله من كبار الصحابة وسادات الأنصار وبالأولياء .
وإذا بامرأة تدخل باب المسجد ، حتى وصلت إليه عليه الصلاة والسلام ، ثم وقفت أمامه ، وأخبرته أنها زنت !!! وقالت : (يا رسول الله أصبت حدًا فطهرني) ، فاحمرّ وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى كاد يقطر دماً ، ثم حوّل وجهه إلى الميمنة ، وسكت كأنه لم يسمع شيئاً ، فقد حاول الرسول صلى الله عليه وسلم أن ترجع المرأة عن كلامها ، ولكنها امرأة حرة مؤمنة رسخ الإيمان في قلبها حتى جرى في كل ذرة من ذرات جسمها، فقالت : أُراك يا رسول الله تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ، فوا الله إني حبلى من الزنا ..!! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما علم أنها حبلى من الزنا : (اذهبي حتى تضعيه)
فوضعته وفي أول يوم أتت به وقد لفَّته في خرقة ، وقالت : يا رسول الله طهرني من الزنا ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى طفلها، وقلبه يتفطر عليه ألمًا وحزنًا، من يُرضع الطفل إذا أقمنا عليها الحد ؟! من يقوم بشئونه ؟! فقال لها : ارجعي وأرضعيه فإذا فَطَمْتيه فعودي إليّ ، فذهبت إلى بيت أهلها ، فأرضعت طفلها حتى فطمته ، وما يزداد الإيمان في قلبها إلا رسوخا، وتأتي به في يده خبزا يأكلها ، فقالت : يا رسول الله قد فطمته فطهرني فأخذ صلى الله عليه وسلم طفلها وقال : " من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين " .
ويؤمر بها فتدفن إلى صدرها ثم ترجم ، فيطيش دم من رأسها على خالد بن الوليد ، فسبها على مسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : مهلا يا خالد "والله لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبلت منه" ، وفي رواية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – "أمر بها فَرُجمت ، ثم صلّى عليها، فقال له عمر رضي الله عنه : تُصلي عليها يا نبي الله وقد زنت!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد تابت توبة ، لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم ، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى" !!.
* ـ الحديث التاسع :
عن ابن معقل قال دخلت مع أبي على عبد الله فسمعته يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم توبة فقال له أبي أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الندم توبة قال نعم. (21)
* ـ شرح الحديث :
إن هذا الحديث يوضح لنا أنه لابد للتوبة من ندم ، أي أن يندم المرء على ما سلف من الذنوب والمعاصي ، فإنه لا يمكن تصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي ، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها ، كما أنه لا يعد نادما ً من يتوب ولم يندم على ما اقترفت يداه من المعاصي والأخطاء ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : (الندم توبة) ، وقد فسر العلماء هذا الحديث الموجز الجامع المانع بأنه لا ندم من دون علم ، أي لابد للندم من علم سببهُ ومن سلوك أوجبهُ .
* ـ الحديث العاشر :
عن أنَس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « كل ابن آدم خطّاء وخير الخطاءين التوابون » .(22)
* ـ شرح الحديث :
يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحديث أننا كلنا مذنبون ، كلنا مخطئون ، نقبل على الله تارة وندبر أخرى ، نراقب الله عز وجل مرة ، وتسيطر علينا الغفلة أحيانا أخرى ، لا نخلو من المعصية ، ولا بد أن يقع منا الخطأ ، ولابد أن يقع منا الزلل ، فليس لأحد مهما علا شأنه أن ينفك عن الخطأ ، إذ هذه هي طبيعة البشر ، فالسهو والتقصير من طبع الإنسان ، ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أن فتح له باب التوبة ، وأمره بالإنابة إليه ، والإقبال عليه ، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي ، ولولا هذه الرحمة العظيمة لوقع الإنسان في حرج شديد ، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه ، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته .
* ـ خاتمــة :
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وعليه يصلح أمر الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وصفوة الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد :
فهذه خاتمة بحثي " شرح أحاديث التوبة "، حيث قمت فيه بشرح أحاديث التوبة الورادة في سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم ، والتي استطعت بجهدي المتواضع أن أجمعها من بعض كتب السنة ، وقد اقتصرت على عشرة من أحاديث التوبة ، حيث عرضت في هذا البحث كل حديث من الأحاديث الورادة في موضوع التوبة ثم قمت بشرحها مستعينا بكلام بعض علماؤنا الإجلاء في شرحهم لهذه الأحاديث .
هذا ما أردت من بحثي هذا ، فإن أصبت فمن توفيق الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
|
|
|
|
|