--------------------------------------------------------------------------------
مقتبس-
بسم الله الرحمن الرحيم
الدين أفيون الشعوب عبارة أطلقها الشيوعيون (الماركسيون) في بدء نشاطهم وحماسهم التبشيري لنشر الأفكار الماركسية حتى غدت هذه العبارة شعارا أُمميا للماركسيين والملحدين بل أصبحت أيضا شعارا لكل من يرفض الخضوع للدين كعقيدة من غير الشيوعيين أيضا .
ومفهوم هذه العبارة البسيط هي أن الأديان جميعا سواء كانت سماوية أو أرضية ما هي إلا مخدرا (أفيون) يساهم في تخدير الشعوب وتعطيل حركة التطور الاجتماعي والاقتصادي بسبب القيود التي يفرضها الدين على المجتمع من خلال الممارسات و التعاليم الدينية والتي تؤدي إلى جمود فكري وتعطيل للقوى العلمية والعقلية في المجتمع.
لا شك بأن هذه العبارة (الدين أفيون الشعوب) لها مصداق حقيقي وواقعي على بعض الأديان الأرضية الوثنية : } الهندوسية , البوذية , ...الخ { .
فالذين زاروا بلاد الهند وبعض الدول المجاورة للهند وشاهدوا ممارسة أتباع الديانة الهندوسية للطقوس الدينية وقرؤوا عن الديانات الوثنية ( الهندوسية و والبوذية و السيخ وغيرها من الديانات حتى بلغ الأمر في بعض مناطق الهند عبادة الفرج وبعضهم القضيب حتى الفئران جعلوها حيوانات مقدسة لها معابد خاصة) ولن يصعب الأمرعلى من شاهد هذه الممارسات الدينية أن يدرك حقيقة هذه المقولة (الدين أفيون الشعوب).
بل حتى المسيحية بتعاليمها الموجودة في الفترة التي أصطلح عليها المؤرخون بعصور الظلام (القرون الوسطى) عندما كانت سلطة المجتمع الأوربي في يد كهنة الكنيسة تصدق عليها تلك المقولة أيضا.
فقد كانت المقصلة مصير كل مفكر أو عالم أو فيلسوف يخالف تعاليم وآراء الكنيسة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل كانت الكنسية توفر الغطاء الشرعي والدعم الفكري و الوجستي لكل حاكم دكتاتوري وتضفي الشرعية على جرائمه ضد الشعب.
ولكن هل لها مصداق واقعي وحقيقي على الإسلام كنظرية أولا و كتطبيق ثانيا وهنا سوف نفتح الباب على مصراعيه للحوار والجدال بالتي هي أحسن من دون الحاجة إلى الصراخ والعصبية.
الدين الإسلام جاء من أجل إيجاد حالة من التوازن بين الدين والدنيا وبين حاجة الجسد والروح فلم تقتصر تعاليمه على العبادات والطقوس الروحية فقط بل جعل العمل والكسب الحلال من أجل الدنيا عملا مقدسا فكما جاء عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عندما رأى أحد الصحابة في يده آثار العمل في الفلاحة
: (فقبلها وقال له : إن اليد التي تعمل يد يحبها الله ورسوله) بل جاء في الروايات أيضا أن السعي على العيال أعظم عند الله من الجهاد في سبيله والروايات كثيرة لا حصر لها.
أما كون الدين الإسلامي دين علم و تفكر وتدبر فهذا ما لا ينكره حتى المعاند فقد ذم إتباع الآباء والأجداد ودعا إلى الحرية الفكرية وإعمال العقل وفتح باب الاجتهاد في الأحكام الشرعية أما العلوم الطبيعية فلم يجعل لها قيود تذكر إلا ما حرم الله من كل علم يضر بالإنسان والمجتمع
وكانت القاعدة الشرعية
(كل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام) وشجع على طلب العلم وجعل لطالب العلم منزلة رفيعة كما جاء في الروايات : إن الملائكة تفرش أجنحتها لطالب العلم .
فالآيات القرآنية والروايات النبوية التي تحث على التفكر والتدبر والعمل لا حصر لها وإن كانت مقولة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام تختصر لنا المسافة في جملة قصيرة (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)
.
أما في العدل والمساواة فلم يفرق بين الحاكم والمحكوم فكلهم في ميزان واحد الناس سواسية كأسنان المشط بل ذم العصبية القبلية والعرقية (إن أكرمك عند الله أتقاكم) , (ولا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى) وكذلك في موضوع العدل الاقتصادي و توزيع الثروة فقراءة كتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمة الله علية يكفي ويغني
.
هذه هي النظرية الإسلامية وهي بالتأكيد لا يمكن أن تنطبق عليها تلك المقولة آنفة الذكر .
فالإسلام أرفع وأسمى من أن يكون أفيونا أو حشيشا أو أي نوع آخر من المخدرات بل هو دين العلم والعمل وباستطاعة حتى الطفل إدراك هذه الحقيقة من خلال التدبر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
أما التطبيق العملي للإسلام فهذا بحث تاريخي يحتاج إلى تحليل ودراسة للبيئة والمجتمع العربي قبل وبعد الإسلام وسرد الأحداث التاريخية حتى تتضح الرؤية وإن كنت استطيع أن أقول بكلمة مختصرة لقد أستطاع هذا الدين العظيم أن يبني حضارة عظيمة اخترق شعاعها المشرق والمغرب برغم من وجود أخطاء فادحة وانحرافات كبيرة عصف بالأمة الإسلامية.
الدين الإسلامي واهب الحياة للشعوب والجهل هو أفيون الشعوب
.
والحقيقة الناصعة هي أن الشيوعية والتي أطلقت هذا الشعار أصبحت من الماضي وما تبقى منها هو الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة وهي من قتلت الإبداع عندما ألغت الملكية الفردية وأممت الثروات وأعدمت الملايين من الفلاحين والمعارضين في الاتحاد السوفيتي وأنشأت معسكرات الموت في صحراء سيبريا المتجمدة فالشيوعية هي أفيون الشعوب .
وكلمة أخير الإسلام ليس مسؤولا عن جرائم من يرتدي رداء الإسلام من أجل أهداف شريرة لا تمت للإسلام المحمدي الأصيل بصله سوى كان هذا في الماضي أو الحاضر.