ما طبيعة العلاقة بين عائشة ومعاوية؟ وهل سجدت شكراً عندما قتل أبن ملجم الإمام علي (ع) ؟
بتاريخ : 24-09-2018 الساعة : 12:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
ما طبيعة العلاقة بين عائشة ومعاوية؟ وهل سجدت شكراً عندما قتل أبن ملجم الإمام علي (ع) ؟
كانا على وئام في البداية لوجود عدو مشترك لهما وهو أمير المؤمنين ومولى الموحدين صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن أهدافهما كانت مختلفة، فعائشة كانت تريد الحكم لابن عمها وعشيقها طلحة في المقام الأول أو ابن أختها عبد الله بن الزبير في المقام الثاني، أملا في أن ترجع إليها حظوتها في الحكم من خلالهما. أما معاوية فكان يريد الحكم لنفسه ولبني أمية.
وانصدمت عائشة بالأمر الواقع وهو أن عليا (صلوات الله عليه) انتصر وذهب طلحة والزبير إلى الجحيم، فانطوت على نفسها مملتئة غيظا وحقدا على الإمام عليه السلام، إلى أن بلغها أنه قُتل فسجدت وأظهرت شماتتها وتمثّلت بالبيت المعروف: "فألقت عصاها واستقرّ بها النوى.. كما قرّ عينا بالإياب المسافرُ"! ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد. فقالت: "فإن يكُ نائيا فلقد نعاه.. غلام ليس في فيه الترابُ"! فقالت زينب بنت أبي سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت للفرار من بشاعة جريمتها: "إني أنسى! فإذا نسيت فذكروني"! (راجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص54 وتاريخ الطبري ج4 ص115 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج3 ص394 والتمهيد لابن عبد البر ج19 ص162).
ثم لما استولى معاوية على الأمر داهنها واستمالها بالمال السياسي، إذ كان يعرف أنها مشاغبة وقد تؤلّب الناس عليه كما ألبت على عثمان من قبل وكانت السبب في قتله لأنه أنقص من عطائها أي راتبها السنوي ولم يعطيها ما كان يعطيها عمر، بل ساوى بينها وبين سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله.
ومن الصور التاريخية المنقولة عن رشاوى معاوية لعائشة؛ ما رواه ابن كثير من أن معاوية بعث إلى عائشة وهي بمكة بطوق قيمته مئة ألف، فقبلته! وأنه قضى عنها ثمانية عشر ألف دينار! (راجع سيرة ابن كثير ج7 ص137 وج8 ص136) وما رواه أبو نعيم من أن معاوية أهدى لها ثيابا وورقا وأشياء توضع في أسطوانها! (حلية أبي نعيم ج2 ص48) وما رواه ابن سعد من أنه بعث لها في ليلة واحدة مبلغا عظيما من المال يتجاوز عشرة آلاف درهم! (طبقات ابن سعد 5 ص18) وأن والي معاوية على البصرة عبد الله بن عامر أرسل إليها بنفقة وكسوة من بيت مال البصرة! (مسند أحمد ج6 ص77).
وبسبب تلك الرشاوى لم ترفع عائشة لواء المعارضة لمعاوية، وهوّنت من أمر جرائمه الواضحة مثل جريمة قتل حجر بن عدي (رضوان الله تعالى عليه) حيث ورد أنها وبضغط من أهل المدينة أرسلت مبعوثا هو عبد الرحمن بن الحرث بن هشام إلى معاوية في الشام ليتوسط في أمر إطلاق سراح حجر، لكن المبعوث وصل متأخرا بعدما وقعت جريمة القتل وانتهت، فعاد خائبا إلى المدينة. إلا أن عائشة لم تبدِ تلك "الحمية" تجاه ما وقع! وهوّنت منه حين قالت: "لولا أنّا لم نغير شيئا إلا آلت الأمور إلى أشد مما كنا فيه؛ لغيرنا قتل حجر"! (تاريخ الطبري ج4 ص192 والكامل لابن الأثير ج3 ص209). وقصدها من قولها أنها اكتشفت – حسب زعمها – من تجاربها السابقة أنها كلما تحرّكت تحركا سياسيا معارضا لإسقاط الحاكم وتغييره؛ تغيّرت الأمور إلى الأشد والأسوأ! لذلك فهي تمتنع عن الاعتراض على جريمة قتل حجر وأصحابه وتسكت عنها ولا تناوش معاوية كما ناوشت عثمان مثلا وبعده أمير المؤمنين (عليه السلام) بدعوى الإصلاح أو رفع المظالم! وهي تفضّل أن يبقى معاوية على رأس السلطة مع ظلمه وجوره حتى لا تؤول الأمور إلى الأسوأ!
إلا أن العلاقة بين عائشة ومعاوية شابها بعد ذلك نوع اهتراء وبرود إذ لم تجد عائشة أن لها تلك الحظوة التي كانت تتمناها، كما أنها فقدت أملها في أن يغدو ابن اختها خليفة، أضف إلى ذلك تقدّمها في السن وهرمها وعجزها. ومن هنا صدرت منها بعض الانتقادات ذات الطابع الخفيف لمعاوية وبني أمية، فشاب العلاقة بعض التوتر خاصة مع تصدي أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر لمروان بن الحكم والي معاوية على المدينة في أمر استخلاف يزيد. فما كان من مروان إلا أن اغتاله بأمر معاوية وهو في طريقه إلى مكة حيث هلك في موضع يُقال له الحبشي. (راجع في ذلك الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص393 والكامل لابن الأثير ج3 ص199).
وأما عن عبدها الذي سمته عبد الرحمن، فقد روى السيد المرتضى في الشافي عن مسروق أنه قال: "دخلت على عائشة فاستدعت غلاما باسم عبد الرحمن، فسألتها عنه. فقالت: عبدي. فقلت: كيف سميته بعبد الرحمن؟ قالت: حبا لعبد الرحمن بن ملجم قاتل علي"! (الشافي في الإمامة ج4 ص306).
وأما عن تسمية العبيد بأسماء فإن ذلك كانت عادة العرب حين شرائهم، ولا يشترط أن تكون (لعنها الله) قد غيرت اسمه، فقد تكون قد اشترته بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) فأسمته بهذا الاسم. هذا على رواية السيد. أما على رواية الشيخ أبي الصلاح الحلبي فإنها تكون قد أطلقته وغيّرت اسمه، إذ جاء: "قد بشرها بعض عبيدها بقتل صلوات الله عليه فقالت: فإن يك نائيا فلقد نعاه ناع ليس في فيه التراب! ثم قالت للعبد: من قتله؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم. قالت: فأنت حر لوجه الله! وقد سمّيتك عبد الرحمن. ثم تمثلت ببيت آخر: وألقت عصاها واستقر بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر"! (تقريب المعارف ص411).
وتغيير الأسماء كان أمرا معتادا، كما غيّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسماء كثيرين من أصحابه، فقد غيّر مثلا اسم أحدهم وكان (حزن) إلى (سهل)، وآخر كان اسمه (عاص) غيّره إلى (عبد الله)، بل إنه (صلى الله عليه وآله) غيّر أسماء قبائل بأكملها، كقبيلة (بني مغوية) التي أسماها (بني رشدة). وهكذا. (راجع الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر والشواهد كثيرة).