وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قال الله تعالى: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ).
نقل أنّ الشيخ البهائي رحمه الله ذهب ذات مرّة ـ في زمن مرجعيّته وزعامته للشيعة ـ إلى زيارة العتبات المقدّسة في العراق، والتقى بالمقدّس الأردبيلي في مدينة النجف الأشرف وكان حينها من أكبر الشخصيات العلمية. فتباحثا حول مسألة ما في مجلس كان غاصّاً بالعلماء والشخصيات الدينية. وبعد مناقشات كثيرة وردّ وإثبات استطاع الشيخ البهائي أن يثبت رأيه ويكسب جولة النقاش.
ثم بعد عدّة أيام ذهب هذان العالمان الجليلان إلى مقبرة وادي السلام. وبعد أن قرآ الفاتحة جلسا جانباً وطرح المقدّس الأردبيلي المسألة نفسها وناقشها مع الشيخ البهائي واستطاع أن يقنع الأخير برأيه بأدلّة محكمة وقويّة. فقال الشيخ البهائي: أكنت تعلم بهذه الأدلّة في بحثنا ذلك اليوم، أم علمت بها بعد ذلك؟ قال الأردبيلي: نعم، كنت عالماً بها ذلك اليوم، لكنني لم أطرحها خشية أن أخدش شأنكم العلمي، وتصغر شخصيّتكم في عيون الحاضرين وأنتم في مقام الزعامة المطلقة للمذهب.
يمرّ اليوم على هذه الحادثة زهاء أربعمئة سنة تخرّج خلالها الألوف من الطلاب في حوزة النجف الأشرف، ولكن كثيراً منهم لم يبق له حتى الاسم، فيما بقي اسم المقدّس الأردبيلي وأمثاله؛ لأنّ ما كان لله تعالى ينمو، وما كان لغيره فهو فانٍ وزائل. لقد بقي ذكر المقدّس الأردبيلي وسيبقى اسمه مخلّداً، لأنّه كان يعمل لله تعالى فقط.
نعم، لقد عاصر المقدَّسَ الأردبيلي كثير من العلماء ولكن لو راجعتم كتب التراجم والتاريخ لما وجدتم لأكثرهم أيّ ذكر. فالعمل الخالد هو ما كانت صبغته إلهية، أما الأهواء النفسية ففانية وزائلة.
أيّها الأعزّة، بما أنّكم الآن تسلكون طريق العلم، فعليكم أن تختاروا بين أن تعملوا بنحو تكونون معه مخلّدي الذكر كالمقدّس الأردبيلي والشيخ البهائي وغيرهما، أو تكونوا ممّن لم يبق منهم أيّ ذكر، وهذا تابع لنواياكم وأعمالكم، فإن كانت لله سبحانه فسيخلّد ذكراكم، أما إذا كانت لغير الله تعالى فلا خلود ولا ذكر.
ثمّ إنّ حبّ الظهور هو من صفات النفس الأمّارة بالسوء ومن شهوات النفس الموجودة في باطن كلّ إنسان، وكلّ واحد يحبّ أن يتظاهر بقدراته وإيجابياته.
إذاً من يبغي التوفيق الكثير، عليه أن يعزم لوقاية نفسه من هذه الخصلة السيّئة، وذلك بالسيطرة على شهوات نفسه