إن التطبير هي شعيرة من الشعائر الحسينية
والشعائر الحسينية هي من شعائر الله.
والنتيجة: التطبير من شعائر الله.
ولا يخفى أن إحياء شعائر الله من تقوى القلوب.
فالتطبير جائز في نفسه لأصالة الإباحة.
وثم هو مستحب لكونه على سيد شباب اهل الجنة روحي لتراب مقدمه الفداء.
فالأدلّة القائمة على إستحباب التطبير متعددة، منها:
1. أصالة الإباحة.
2. قول صاحب الامر روحي فداه مخاطباً جده الحسين عليه السلام: " لأبكين عليك بدل الدموع دماً " (1) . كما ورد في الزيارة الناحية المقدسة.
ومن المعلوم أن إخرج الدماء من الرأس أهو بكثير من أخراج الدماء من العيون.
3. كونها من شعائر الامام الحسين عليه السلام.
وغيرها من الادلة.
4. الفوائد الطبية: فالتطبير يعتبر نوع من انواع الحجامة.
أما الادلة المنافية لذلك، فهي:
1. الضرر: وهو غير وارد، لأن الضرر المقصود في قوله عليه السلام: " لا ضرر ولا ضرار " هو الضرر البالغ.
وهنالك بحث مفصل في هذه المسألة للشيخ محمد سند في كتابه ( الشعائر الحسينية ).
2. تشويه صورة المذهب: وهذا غير وارد ايضاً، لأن الاستهزاء هو منهج المنحرفين.
بل؛ كم من المسائل التي يسخر منها الآخرين، كالمتعة، بالنسبة إلى الوهابية، فدائماً ليلاً نهاراً تجدهم يسخرون ويستهزءون من الشيعة، فلا يعني هذا الأمر أن المتعة غير جيدة أو أنها .. الخ.
بل ( الحج ) بالنسبة للغرب، فتجدهم يسخرون من الحجاج حيث يرونهم يرمون الجمرات، والسعي بين الصفا والمروى، وغيرها من افعال الحج.
وكم أستهزأ المشركون من الأنبياء الصالحين، والأولياء المتقين.
بل ما هي ادلة التحريم التي قدّمها المحرّمون لهذه الشعيرة ؟!!
تعالوا لنضعها على طاولة البحث والتحقيق لنرى هل ادلة الحليّة ارجح أم ادلة الحرمة ؟!!
مع أنّه لا ادلة للحرمة إلاّ هذين الدليلين وهما لا يردان أبداً، بل هو وهم في الحقيقة.
تنبيه: هنالك العديد من المسيحين وغيرهم يرون في التطبير نظرة إعجاب وإكبار، فهم يقولون إن الشيعة في تطبيرهم مستعدون للجهاد وتقديم أرواحهم في سبيل إعلاء كلمة الحق والحقيقة.
وكلماتهم طافرة، وربما سأوردها إن سنحت لي الفرصة.
بل كم نجد من الكرامات التي حدثت للمطبرين، ومن جملة تلك الكرامات أن اول حركة عسكرية ضد اسرائيل في لبنان كان على أيدي المطبرين في النبطية.
وكم نرى ونسمع عن تلك الكرامات حول هذه الشعيرة.
وهنالك كتاباً لـ ( حسين الزينبي ) بإسم ( دماء من اجل الحسين ) وهو كتاب رائع في بابه حول التطبير والقصص الواقعية في هذا الشأن.
ومن اجمل القصص في هذا الشأن التي حدثت، والتي سأنقلها بمضمونها:
أنه في يوم العاشر من محرم كان المحقق البارع الشيخ الجليل الاميني ـ صاحب موسوعة الغدير العظيمة ـ جالساً في الحرم المقدس مع جماعة من علماء اهل الخلاف، فدخل موكب اللطم، فاستنكر علماء السنة هذا الامر على الشيخ الاميني، ولم يرد عليهم العلامة، وبعدها دخل موكب التطبير، فاستنكروا عليه، حيث قالوا: ما هذا يا شيخ عبد الحسين ؟ فقال الشيخ الاميني قدس الله نفسه الزكية: نحن الشيعة أخطأنا عندما لم نطبّر يوم الغدير، فإنا بتطبيرنا يوم عاشوراء لا تستطيعون إنكار هذا المصاب الجلل على أهل بيت النبوة، ولو كان في يوم الغدير تطبيراً لما استطعتم انكاره.
هذا باختصار، حيث أن الوقت قد داهمني
في حفظ الله ورعايته
________________________________
(1) وقد ذكر المرجع الديني السيد صادق الشيرازي كيفية حدوث ذلك حيث أن الغدد لا تتمكن من إفراز الدموع وبسبب البكاء الزائد يتم إفراز الدم بل الدموع، في كتابه ( إحياء عاشوراء ).
السؤال الأول: هنالك الكثير من المسائل التي لم تصدر عن الأئمة عليهم السلام، وقد حكم عليها الفقهاء بالحليّة، حيث أنّ هنالك أصولاً ( كأصالة الإباحة، الطهارة، والاستصحاب ).
وفي مسألة التطبير تطبّق عليها قاعدة ( أصالة الإباحة )، وهو من الاصول العمليّة في باب الاجتهاد.
ثم علاوة على ذلك؛ فقد ورد في البحار للمجلسي رواية مرسلة (1) أن السيدة زينب عليها السلام شجّت رأسها بمقدّم المحمل. فهذه الرواية قد يُعتبر بها من باب الشاهد.
السؤال الثاني: إن كل ما يسيء المذهب حرام، لكن ما هي الضابطة في هذا الأمر ؟ ثم هل الاستهزاء من الاساءة ؟
فما يحدث الآن في هذه العصور هي حروب إعلاميّة يتم تشويه صورة الطرف المقابل بأيّ شيء كان، وأيضاً من خلال الاستهزاء، فانظر ايها الفاضل الى القران لتجد العديد من الايات تتكلم حول استهزاء أهل الكفر والإلحاد بأنبياء الله، فهل استهزاءهم يعني أن هذه العقيدة أو هذا الفعل محرّم ؟!!
لا وألف لا، فإن من الحروب النفسية التي يعمل عليها الآخرون هي: الاستهزاء، حيث أنّها تحطّم نفسية الطرف الاخر بشكل اوتوماتيكي
_____________________
(1) وإن كانت مرسلة الأسناد، فقد يُعتد بها من باب الشاهد. وقد حكم بعض المجتهدين بإعتبار الرواية.
هذه شهادة بعض المفكرين ـ غير المسلمين ـ حول مسألة التطبير
يقول كارل يوري: إن ضرب الرؤوس بهذه الطرية يعبر عن الظلم الذي وقع على صاحب الذكرى ويعبر عن الحرقة والأسى لما جرى عليه في ذلك اليوم الحزين. ( جذوة لا تنطفئ ص 84 )
ويقول كابريال ليف: لقد أتيت من روسيا لأشاهد ما يجي، بعد أن تحدث لي أحدهم عن هذه المشاهد، لا يمكنني إلا أن أقول إنني وبصراحة شعرت بالحزن، كيف لا وأنا أقرأ في عيون من هم حولي هذا الحزن العميق. ( جذوة لا تنطفئ ص 97 )
ويقول صاموئيل فون: إنها تعبر عن عودة إلى ذلك التاريخ الذي أخطأ فيه الإنسان على أخيه الإنسان، عودة إلى ذلك الحدث الذي نراه يتكرر كل يوم. ( جذوة لا تنطفئ ص 112 )
ويقول بيرسي سايكس: لقد شاهدت هذه المأساة تمثل أمام عيني مرات عدة، ولذلك لا يمكنني إلا ان اعترف واقر بان الاستماع الى ولولة النساء الصارخة ومشاهد الحزن الذي يغشى على الرجال كلهم يؤثر تأثيراً عميقاً في المرء بحيث لا يسعه الا ان يصب قته على الشمس ويزيد بن معاوية ان هذه المسرحية الالمية تدل على قوة عاطفية جامحة تمتلئ بالحزن والاسى الذي لا يمكن ان يقدر بسهولة، وأن المناظر التي شاهدتها في التطبير بعيني هاتين ستبقى غير منسية في مخيلتي ما دمت على قيد الحياة. ( الشعائر الحسينية العقائدية عبر التاريخ ص 67 ).
ويقول أنطوان بارا: أما بخصوص التطبير فإنني اعتقد بأنه عملية رمزية تعبر عن رسالة مفادها أنكم مستعدون لفداء الامام الحسين بدمائكم، من خلال يستذكر الفرد فاجعة الطف ويتجدد عند الشعور بوخز الضمير ويتولد الايمان في النفوس عن طريق دعم استمرارية التكفير عن التقصير لنصرة الحسين عليه السلام. ( مجلة المنبر عام 1321 هـ ـ ص 63 )
ويقول سايمون ريد: إن هذه المشاهد وهذه الدماء تعبر عن الحياة الحقيقة التي تتمرد على الواقع الظالم تلك الحياة التي ينشدها الجميع. ( على خطى الحسين ص 102 ).
ويقول د. بولس الحلو: لستم وحدكم.. فنحن المسيحيون نطبر أيضاً. ( عنوان اللقاء كما في مجلة المنبر ).