سكبت دمعة الذكرى، وراودتني كلمات الألم والحزن فانفطر قلبي...
في كل عام تتجدد مأساة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء فتتجدد معها مأساة الحقد الدفين، ومصيبة الظلم وفاجعة التاريخ التي مني بها أهل بيت النبي الأعظم .
نظرت في آخر الأفق لعلي أرى نور الزهراء ، فغاصت روحي بين ثنايا أضلاعها!! رأيتهم يضربونها حتى احمرت لذلك عيناها، سمعت استغاثتها بأبيها وهي خلف الباب المشتعل نارا!! وسمعت أيضا صوت ضلع متهشم.. قد نبت المسمار فيه، ورأيت المحسن يبكي فاطمة ويقول فداك يا بنت محمد!! ونظرت فرأيت الشيطان يصفق فرحا ويصيح بأعلى صوته أحرقوا البيت بمن فيه!!
رأيت كل ذلك الظلم القهر..
كيف للعقل أن يتخيل ما فعلوه بأم الحسنين ؟ كيف للقلب أن يتحمل مأساة سيدة نساء العالمين؟ كيف تجرئوا على بضعة النبي وفعلوا بها ما فعلوا؟ ألم يوصي بها النبي ؟ ألم يجعلها وديعة عند أمير المؤمنين الذي هو الوصي والخليفة من بعده؟ أي حقد دفين عند هؤلاء الناس؟ أي جرأة اجترؤوها بظلمهم الزهراء.
لكن ذلك النور لم ينطفئ رغم الألم... فأشرقت في نهجه ذاتي...
الآن دموعي عرفت أسرار المسمار النابت، والضلع المكسور، وبيت الأحزان...
الآن عرفت سر خلود الأمل الواعد، والعهد المتجدد بأننا لن نحيد أبدا عن نهج فاطمة .
الآن ابتدأت رؤيا الإيمان الطاهر تتحقق في دنياي، وتطلعت لنور من نور فاطمة ، هم يريدون إطفاء نور الحق وهل يطفئ نور الحق!! وليخسأ من رام ذلك، يقول الله تعالى:﴿رِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾.
فكم من شهيد في سبيل الله وأهل البيت قتل ولم يمت؟ وكم من ظالم مات ولم يذكر وانطبع اسمه في مزبلة التاريخ؟ ذلك لأن الشهيد الذي يقتل في سبيل الله وأهل البيت ومن أجل المبدأ الحق الذي يعلي كلمة الله يخلده القدر الذي فني من أجله، ويزرع اسمه مورقا في حدائق الصالحين، وتضيء روحه قنديلا في ساحة الأرض.
أما الظالم لنفسه ولأمته وللعالم فهو في الدرك الأسفل من النار وبئس المصير، فقتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.
فالحق وإن قل ناصروه فلن يخبئ سناه، بل سيزداد توهجا ولمعانا!!
ولكن... في كل يوم يولد شيطان جديد يحمل راية أبيه، ويقف خلف الباب ليعصر ضلع فاطمة والفاطميين، لكن القلب المتيم بعشق أهل البيت لا يضيره ما يفعل المستكبرون، فحبهم باق لن يزول أبدا.
لكن إلى متى؟؟
فالعجل العجل يا صاحب الزمان، والغوث الغوث يا أمير الإنس والجان، لتشرق شمسك وتداني شمس الأصيل، ويصبو لك النجم ارتفاعا في السماوات، لكي تمحو الغبار عن تلكم الوجنات، وتزيل غصة الأيام، ولعنة الآهات والونات، لتحمل كل جراحات العالم، وشلوا من مناجاتي.