السلام عليكم
اللهم صلٍ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف ...........
نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالى لا يمكن أن يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة ، لاَنه ليس كمثله شيء ، ولا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار ، ولا يحيطون به علماً .. إلى آخر الآيات الصريحة بأنه تعالى لا يمكن أن يرى بالعين ، بل يرى بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين .
وقد استدل أئمتنا عليهم السلام وعلماؤنا رضي الله عنهم ، على نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل .. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا ، بل هو كالبديهيات حتى عند عوامنا .
وستعرف أن القول برؤية الله تعالى جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصارى والمجوس ، وأن أهل البيت عليهم السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك ، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلى الاِسلام ، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم ، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت .. لاَن دولة الخلافة تبنتها !
والدليل البسيط على نفي إمكان رؤية الله تعالى بالعين أن ما تراه العين لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان ، والله تعالى وجود متعال على الزمان والمكان، لاَنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم ، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما !
لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان ، حتى ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان ، وحتى أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء ! وهذه هي طبيعة الاِنسان قبل أن يكبر ويطلع ، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها !
لكن مع ذلك فإن عقل الاِنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان ، وأن بإمكان الاِنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلى من الزمان والمكان ويؤمن به ، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين .
وهذا الاِرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلى وجود الله تعالى ، لا أن نجره إلى محيط وجودنا ومألوف أذهاننا ، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزير عليه السلام وغيره ، وكما فعل النصارى فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيح عليه السلام وغيره !!
الرسول صلى الله عليه وآله يعلم الاَمة التوحيد
ـ قال الصدوق في كتابه التوحيد ص 107
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عن آبائه عليهم السلام قال : مر النبي صلى الله عليه وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول : غض بصرك، فإنك لن تراه .
وقال : ومر النبي صلى الله عليه وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو ، فقال رسول الله: أقصر من يديك ، فإنك لن تناله .
ـ الكافي ج 1 ص 93
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي ، عن اليعقوبي ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالاَعلى مولى آل سام ، عن أبي عبدالله عليه السلام : قال إن يهودياً يقال له سبحت ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله جئت أسألك عن ربك ، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه ، وإلا رجعت ؟
قال : سل عما شئت .
قال : أين ربك ؟
قال : هو في كل مكان ، وليس في شيء من المكان المحدود .
قال : وكيف هو ؟
قال : وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق ، والله لا يوصف بخلقه .
قال : فمن أين يعلم أنك نبي الله ؟
قال : فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين : يا سبحت إنه رسول الله !
فقال سبحت : ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا !
ثم قال : أشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله .
ويعلمنا أن أقصى ما يمكن أن يراه الاِنسان نور عظمة الله
ـ بحار الاَنوار ج 4 ص 38
يد : أبي ، عن محمد العطار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .
علي عليه السلام يثبت مشاهدة القلوب وينفي مشاهدة العيان
ـ نهج البلاغة ج 2 ص 99
179 ومن كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟
فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى !
فقال : وكيف تراه !
فقال : لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الاِيمان ، قريب من الاَشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم لا بروية ، مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته .
ـ ورواه في بحار الاَنوار ج 4 ص 27 عن :
يد ، لي : القطان والدقاق والسناني ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ، عن الاَصبغ في حديث قال : قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره . قال : فكيف رأيته صفه لنا . قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان . ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاَشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام ، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج .. فخر ذعلب مغشياً عليه .... الخبر .
لم يحلل في الاَشياء .... ولم ينأ عنها
ـ نهج البلاغة ج 1 ص 112
65 ومن خطبة له عليه السلام : الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً . فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً . ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً . كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الاَصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الاَلوان ولطيف الاَجسام ، وكل ظاهر غيره باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر .
لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون .
لم يحلل في الاَشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن .
لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما ذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر ، بل قضاء متقن وعلم محكم ، وأمر مبرم . المأمول مع النقم ، والمرهوب مع النعم ....
لا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك
ـ نهج البلاغة ج 1 ص 160
91 ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الاَشباح وهي من جلائل خطبه عليه السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتى كأنه يراه عياناً ، فغضب عليه السلام لذلك :
الحمد لله الذي لا يَفِرْهُ المنع والجمود ، ولا يكديه الاِعطاء والجود ، إذ كل معط منتقص سواه ، وكل مانع مذموم ما خلاه ، وهو المنان بفوائد النعم ، وعوائد المزيد والقسم . عياله الخلق ، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم ، ونهج سبيل الراغبين إليه ، والطالبين ما لديه ، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل
الاَول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله ، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده ، والرادع أناسيَّ الاَبصار عن أن تناله أو تدركه .
ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولا كان في مكان فيجوز عليه الاِنتقال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار ، من فلز اللجين والعقيان ، ونثارة الدر وحصيد المرجان ، ما أثر ذلك في جوده ، ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الاَنعام ما لا تنفده مطالب الاَنام ، لاَنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين ، ولا يبخله إلحاح الملحين .
فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به ، واستضيء بنور هدايته ، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله سبحانه ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك .
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب ، الاِقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً . فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين .
هو القادر الذي إذا ارتمت الاَوهام لتدرك منقطع قدرته ، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته ، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته ، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاِعتساف كنه معرفته ، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته .
الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ، ولا مقدار احتذى عليه ، من خالق معهود كان قبله . وأرانا من ملكوت قدرته ، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته ،
واعتراف لحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قدرته ، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته ، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته ، وأعلام حكمته ، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه ، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة ، ودلالته على المبدع قائمة .
فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك ، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك ، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك ، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك ، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون : تالله إن كنا لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين .
كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم ، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم ، وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم . وأشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك ، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك ، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك . وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً ، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً .
ـ وروى هذه الخطبة الصدوق في التوحيد ص 48 فقال :
139 حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهالله قال : حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حباً وبه معرفة ، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، ثم قام متغير اللون فقال .... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات .