السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,
المشكلة بحسب اعتقادي تكمن في غياب المعايير الاجتماعية العامة في المجتمع ,, وغياب تلكم المعايير ادى الى الارتجالية والآنية والفردية والفئوية في ردات الفعل تجاه الظواهر التي قد تجتاح المجتمع العراقي المنفتح على العالم حديثاً والغير منضبط بأية منظومة قيمية تفرض نفسها بقوة كبيرة اما عرفاً او شرعاً او قانوناً ,,
فالتوجه العرفي في العراق لا زال يتخبط ما بين العشائرية المقيتة في التزاماتها العنصرية وقوانينها الهوائية النفسية التي تتبع امزجة رؤساء القبائل وشيوخ العشائر و بطاناتهم وما بين المناطقية التي تعطي لكل منطقة لوناً معيناً من السلوك البشري قد يعتبر معيباً في بعض المناطق و قد يكون مقبولاً في بعضها الاخر ,, فكثير من سلوكيات الشباب البغدادي في الجادرية في الكرادة و حي دراغ في المنصور وغيرها من العاصمة بغداد قد تكون غير مقبولة في محافظة الديوانية مثلاً ,,
والتوجه القانوني الرسمي ليس بصدد تقنين السلوك الانساني في المجتمع العراقي مالم يتعارض ذلك السلوك مع النظام العام للدولة وقوانينها الثابتة التي تحفظ امن البلد والمواطن ,,
واما التوجه الديني فهو الذي بحاجة الى كثير من المراجعة ,, فالمشكلة انه بعد سقوط صنم بغداد ظهر التوجه الديني لدينا في العراق بشكل ملفت للنظر ولربما كان لعوامل الكبت التي استمرت عقوداً من الزمان الاثر الاكبر في ظهوره ,, غير ان دخول اعداد غفيرة من الناس الى التيارات الدينية السياسية منها والعلمية والاجتماعية دخولاً عشوائياً لربما يرتبط بعوامل نفسية او مادية او امنية او مظهرية في كثير من الاحيان ادى الى ظهور افكار دينية ترتبط بالعقلية الفقاهتية المتزمتة المتكلفة البعيدة كثيراً عن روح الدين وجوهره ,, وتلك الافكار انما نابعة من محاولة ((ارضنة)) الدين و سلب سماويته و اعطائه بعداً عقلياً هوائياً بشرياً مزاجياً يرتكز الى نفسية المتدين و بنائه السيكولوجي والبيئي وفق ظروف نشأته و عوامل التأثير الداخلية والخارجية في شخصيته سواء كانت العائلية منها او الاجتماعية ,, وبسبب ظاهرة الوعي الجمعي العشوائي التي قد تعصف بالشعوب والجماعات الغير متحضرة او السطحية الفكر و البسيطة الثقافة والموبوءة بالعقد النفسية والذهانية فأن التوافق على هذا النوع من التدين المفتقر الى روح الدين وجوهره قد يكون كبيراً بل وطاغياً ,,
وهذا ما قد حدث في العراق بعد الاحتلال عندما قام التكفيريون بأرتجال احكام دينية ما انزل الله بها من سلطان في مناطق نفوذهم من قبيل قتل الحلاقين ومنع بيع الثلج وتحريمه او تحريم بيع الخيار مع الطماطم و الباس الماعز خرق من القماش بحجة ستر عوراتها كما اشتهر عن الكثير منهم في مناطق اللطيفية والسيافية في جنوب بغداد ,,,
والامر لم يقتصر على التكفيريين من الوهابية بل تعداه الى مجاميع ممن تنتسب الى التشيع راحت تستبيح الدماء المحرمة لمجرد اعتقاد بعض المتدينين بالديانة الارضية ان الضحية قد ارتكب محرما يوجب قتله او هتك حرمته بجلوسه مع فتاة في حديقة احدى الجامعات مثلاً ,,
ومثل هذا قد حدث في احدى السفرات الجامعية في محافظة البصرة ,, حيث هتكت حرمات الناس و اريقت دمائهم لمجرد ان احد معتنقي الديانة الارضية المزاجية النفسية قد رأى ما يستوجب استباحة دماء الناس وكرامتهم ..
واليوم تطل ظاهرة الايمو برأسها على شباب العراق ,, فينبري سدنة الديانة الارضية النفسية المزاجية لينصبوا انفسهم مدعياً وشاهداً وحاكماً ومن ثم جلاداً ,, مشرعنين حكماً وآلة قصاص ما انزل الله بهما من سلطان ,, ليحكمو بالموت والعار معاً على شباب ربما يكون جل ذنبهم انهم يدهنون شعر رؤوسهم ويضعون اقراطاً في اذانهم او يتقلدون سلاسل في رقابهم و يضعون اساور في معاصمهم و يتميزون بملابسهم الضيقة بألوان معينة ,,
سبحان الله ومتى كان كل ذلك ذنباً ,,
متى حرم الاسلام على الرجل ان يضع اقراطاً في اذنية او ان يتقلد قلادة في رقبته او ان يضع اساور في معصميه ,, وهل هنالك نص شرعي واحد قد ثبت صدوره من مصدره الصحيح يحدد بصورة واضحة وقطعية شكل ملابس الرجل مثلاً ويعتبر لبس غيرها محرماً ,,
فأن كانت الحجة هي التشبه بالغرب فما هو معيار التشبه ياترى ؟؟ ,, هل هنالك موازين ثابتة وضعتها الشريعة السمحاء لمنع التشبه بالغرب ,, ثم اليس الكل اليوم يتشبه بالغرب اليس البدلة الرجالية الانيقة بماركاتها العالمية هي ملابس غربية بأمتياز ,, ام ان اصحاب الديانة الارضية النفسية المزاجية يتصورون ان ماركات الملابس الراقية من مثل ( جورجيو ارماني و كوتشي و كالفن كلاين ) هي من مواريث الجزيرة العربية !!! ؟؟,,
وهل هنالك زاوية من زوايا حياتنا اليومية نحتاج فيها الى ابسط مقومات الحياة ليس للغرب فيها نصيب ان لم يكن كلها من ((بركات الغرب)) ..
الم يكن من الافضل الرجوع الى المرجعيات الدينية في عالم التشيع بل في معقلها الاغر في النجف الاشرف واستفتائهم حول هؤلاء المساكين قبل قتلهم وتلطيخ سمعة عوائلهم بتهم الفواحش التي لا تصح الا بوجود شهود عدول يشهدون الوقائع وفق منظور شرعي ,,
ترى هل ان المرجعية الدينية التي هي بحق تفهم روح الدين الاسلامي وجوهره سوف تسمح بقتل هؤلاء وتبيح تلطيخ سمعة عوائلهم ,, كلا والله فنحن على علم كامل بمدى وعي علمائنا الاجلاء ومدى تحريهم الدقة المتناهية في مسألة استباحة الدماء و هتك حرمات الناس ,, بل وحتى لمن ثبت شرعا ( على سبيل الفرض طبعاً ) قيامهم بفعل فاحش فأن علماؤنا يوكلون امره الى اسلم الحلول ولربما يشيرون الى احالة الامر الى القانون الحكومي الحالي ..
اعتقد اننا بحاجة الى الرجوع الى روح الاسلام المحمدي الاصيل في التعاطي مع الظواهر التي لا تنسجم مع توجهاتنا الاخلاقية والسلوكية ,, وان نترك الهوى في الحكم على الناس ولا نشرعن امزجتنا و ميولنا النفسية ونعتبرها ديناً نستبدل دين الله به ,,
ولنتذكر هذه الحادثة التي حدثت في عصر الامام امير المؤمنين صلوات الله عليه لما انتقل الى الكوفة حيث يروى انه صلوات الله عليه قد شاهد الرجال يختلطون بالنساء في اسواق الكوفة ويتحادثون دون حرج فلم يجرد سيفه وينزل فيهم تقتيلاً او تنكيلاً ولم يهتك حرمات احد منهم بل خاطبهم مستنهضاً فيهم صفة انسانية قائلاً " يا اهل العراق علمت ان نساءكم توافي الرجال في الطرقات ,, الا تغارون ؟؟ ,, جدع الله انف امرئ لا يغار " .. ليتعلم من اعتنق مزاجه وهواه ديناً من هذا الخلق الذي يطرحه امير المؤمنين صلوات الله عليه فهو لم يجد ان القوم قد خالفوا مخالفة شرعية يستحقون القصاص عليها والا لما تردد لحظة في تطبيق حكم الله عليهم ,, لكنه وجد فيهم خلقاً انفتاحياً بحكم اختلاطهم بأمم متمدنة وهو ما يأنفه اهل الجزيرة ويعيبونه عليهم ,, فراح يعطيهم وصفة العلاج بأن يستنهض حمية الغيرة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكرامة والرجولة ,,
من هنا كان الاولى من الطبقة المتزمتة المتفيقهة بدلاً من ان تشن حرباً على هؤلاء الشباب ان تطرح فكراً مقبولاً لدى الاوساط الشابة بمظهر شبابي واسلوب متحضر يرتبط بالتطور العلمي والمدني الذي يشهده العالم بعيداً عن الكهنوتية المقيتة ,,الامر الذي يخلق عامل انبهار في عقلية هؤلاء الشباب ومن ثم عامل جذب واستقطاب ,,
ام تراهم ينهزمون و يعجزون بدينهم الارضي الطقسي المتحجر هذا ان يجاروا ملابس الشباب الضيقة واقراطهم .
|