|
بــاحــث مهدوي
|
رقم العضوية : 65883
|
الإنتساب : May 2011
|
المشاركات : 1,191
|
بمعدل : 0.24 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
: قراءة في :قاعدة نفي العُسرِ والحَرج :
بتاريخ : 08-02-2013 الساعة : 05:19 PM
: إضاءات فقهيَّة : القسم الثالث :
===================
:قاعدة نفي العُسْرِ والحَرَج :
قراءةٌ في
: مفهومها : و مشروعيتها
: وتطبيقاتها : ومُعطياتها :
======================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
:تمهيد:
====
إنَّ من أبرز ما إنماز به الإسلام عن غيره في منظومته التشريعية الحياتية للناس أجمعين
هو السماحة والتلطُّف بالعباد ومراعاة جانب المُكنة والقدرة البشرية في نطاق التكليف والإمتثال .
لذا لم نجد تشريعاً في الإسلام يوجب الحرج أو العسر
أو المشقة على المُكلَّفين .
وهذا ما جاء منسجماً ومُتفقاً تماماً مع مايدركه العقل الإنساني في عدم معقوليّة التكليف بغير المقدور وإستحالة صدور ذلك من المُشرِّع الإسلامي الحكيم .
لينحنى الدين بسماحته ورحمته ويسره منحنى عقلانيا وعقلائيا مقبولاً مُعبِّراً عن إعتداله ووسطيته العمليّة
وإقامةً منه للحجة البالغة لله تعالى على خلقه
وتعذيراً لهم في صورة تحرجَّهم في تطبيقات الشريعة العبادية والمعاملاتية حياتيا.
وإنَّ هذا التلطف ورفع الحرج والتأسيس لليسر
إنما شُرِّع إكراماً وتشريفاً لنبينا محمد:صلى اللهُ عليه وآله وسلّم:
وهو بحسب الظاهر القرآني يكون من خصائص الأمة المُسلمة
قال اللهُ تعالى حكايةً عن هذه القاعدة الفقهيّة اللطفيّة .
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286
ومعنى ذلك
أنَّ دين الله الإسلام العزيز هو دين يُسر لا مَشقة فيه
فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه .
:مفهوم قاعدة نفي العُسرِ والحَرَج :
====================
تفيد هذه القاعدة مفهوماً تأسيسيا فقهياً يحكي
عن أنَّ الله تعالى لم يُشرِّع أحكاماً حرجيّة وعسيرة
تجعل المُكلّف غير قادر عرفاً على إمتثالها تلطفاً منه تعالى وإمتناناً وتسهيلاً على المُكلّفين .
كما هو الحال في وجوب الوضوء أو الغُسل للفعل العبادي المشروط بالطهارة
فلو تعسَّر أو كان الإمتثال لذلك صعباً بسبب بردٍ شديدٍ جداً مثلاً
بحيث يتعذَّر على المُكلّف ذلك ويواجهه حرجاً شديداً
أو يقع في ضرراً أكيدا
ففي مثل ذلك يرتفع وجوب الوضوء أو الغُسل تسهيلاً وتيسيراً على المكلف لينتقل بعدها إلى الطهارة الترابية بديلاً عن ذلك .
وتجدر الإشارة إلى أنَّ تحديد معنى ومفهوم الحرج والعُسرِ
في إطلاقه
يجب أن يكون منُطلِقاً من منحاه النوعي والعقلائي عند الناس
بحيث يصدق عرفاً وعقلائياً أنَّ هذا حرج وذاك عسر
لا أن ينطلق من بواعث نفسانية أو شخصية عند المُكلّف
وإن كان المُكلَّف هو الفيصل في تحديد وتشخيص ما هو حرج أو عسيرٌ عليه وجداناً .
:مَشروعيَّة قاعدة نفي العُسرِ والحَرَج :
====================
إنَّ الأصلَ في مشروعية هذه القاعدة الفقهية
هو النصوص القرآنية الشريفة صراحةً ودلالةً .
فقد ورد في القرآن الكريم من المُستندات القطعيَّة
ما يؤسس لتلك القاعدة تشريعيا .
قال الله تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6
{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة91
{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح17
بمعنى ليس على أصحاب الأعذار من العُمْيان وذوي العرج والمرضى إثم في ترك الأمور الواجبة التي لا يقدرون على القيام بها, كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى
أو سلامة الأعرج أو صحة المريض.
{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقرة185
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }الشرح5
{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }الشرح6
فإذاً إنَّ دلالة ومفاد هذه النصوص القرآنية الشريفة واضحة المعنى في رفع الأحكام الحرجيّة والعسيرة التطبيق .
مراعاة لطبيعة الناس وقدراتهم وأحوالهم الخاصة
وشدّاً لهم قناعة وقبولا بهذا الدين الرحيم واليسير .
وأما السنّة الشريفة النبوية والإمامية عامةً
فقد تناولت مشروعيّة هذا القاعدة تشريعاً في بياناتها التطبيقية
ليتعاضد ذلك مع النص القرآني الشريف تأكيداً وتدليلا .
فروي عن النبي محمد: صلى الله عليه وآله وسلم :
أنه قال :
: أعطى الله أمتي وفضلهم به على سائر الأمم ،
أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلاَّ الأنبياء
وذلك أن الله تعالى كان إذا بعث نبيا
قال له : اجتهد في دينك ولا حرج عليك
وإن الله تعالى أعطى أمتي ذلك
حيث يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج )
يقول : من ضيق :
:عوائد الأيام:المحقق النراقي:ص174:
وروى عبد الأعلى مولى آل سام قال :
قلت لأبي عبد الله الإمام جعفر الصادق :عليه السلام: :
عثرتُ فانقطع ظفري ، فجعلتُ على إصبعي مرارة
فكيف أصنع بالوضوء ؟
قال :الإمام :ع: يعرفُ هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل
قال الله تعالى :وما جعل عليكم في الدين من حرج :
امسح عليه:على الإصبع :
:الخلاف :الطوسي:ج1:ص160:
والروايات الصحيحة كثيرة في دلالتها على مشروعية
هذه القاعدة الفقهية الإمتنانية نعرض عنها إختصاراً.
: تطبيقات ومُعطيات قاعدة نفي العُسرِ والحرج :
==========================
من الواضح أنَّ موارد تطبيق هذه القاعدة لاينحصر في مورد ما
لما في هذه القاعدة من إطلاق وشمول وإستيعاب لما يمكن أن يندرج تحت مفهومها مصداقا.
فالمهم هو إدراك ومعرفة المُكلّف لمفهوم القاعدة وماهيتها الفقهية والعقلائية
ليتمكن من تطبيقها في الموارد التي يراها توقعه في الحرج والمشقة والعسر .
ويتحدد فهم القاعدة في مفادها الفقهي بأنَّ الله تعالى لم يجعل في الدين والتشريع أحكاما حرجية وعسيرة التطبيق .
بل يصل الأمر حتى في الموضوعات فهي الأخرى
قد رفعَ اللهُ تعالى ما فيها من حرج أو مشقة على المكلٌف تطبيقيا
كما هو الحال في موضوع وتطبيق الجهاد
فهو وإن كان واجب حكماً على المُكلّف القادر على الإمتثال
إلاّ أنه يسقط ويرتفع في تعذر المكلف تطبيقا وإمتثالا
كما لو عَميَ أو مِرِضَ أو تعرَّضَ إلى إصابة كبيرة أقعدته عن القتال في ساحة الجهاد والفعل .
لما فيه ذلك من حرج وعسر شديد .
وهذا هو مفاد قوله تعالى
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح17
ويجب أن يشتمل هذا الفهم على حقيقة مهمة جدا
وهي أن لا ينبغي بالمُكلَّف أن يتخذ من تشريع هذه القاعدة نمطاً وسلوكاً تسويفيا وإستغلاليا
ليوظِّفها في إرضاء قناعاته ومصالحه الشخصية ويطبقها وفق الكيفية النفسانية لا المعيارية التشريعية.
ذلك كون هذه القاعدة لاتحل حراماً ولا تبيح محظوراً
من رأس إلاَّ بمقدار وقوع المُكلَّف في حرج شخصي شديد
نعم إنَّ الدين الإسلامي في شريعته سمحٌ ومتوازن ومرن ولطيف
ولكن لايقبل من المُكلّف أن يتحايل على المُشرّع الأعلى والحكيم.
ليقبل من الشريعة ما يوافق مزاجه ورغباته ويترك منها
ما يصب في مصلحته وصلاحه.
وللعلم إنَّ مُعطى هذه القاعدة الفقهية ينبسط في أثره
على مناحي الحياة كافة
في كل محور محور فليس الأمر محصورا بالعبادات
بل يشمل حتى المعاملات وغيرها من موارد التطبيقات .
كل ذلك لأجل أن يكون الإنسان المُكلَّف في حركة مرنة وسهلة ومعقولة في تطبيقاتها الحياتية
بعيداً عن النفرة والتشدد العسير والذي قد ينتهي بنتيجة سلبية تجعل المُكلّف يفزع من التشريع .
لذا راعى المشِّرع الإسلامي الحكيم هذه الركيزة
في كيانية الإنسان الضعيف
قال تعالى
{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال66
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
|
|
|
|
|