عرض مشاركة واحدة

جعفر صادق الحسيني
عضو جديد
رقم العضوية : 81005
الإنتساب : Jun 2014
المشاركات : 24
بمعدل : 0.01 يوميا

جعفر صادق الحسيني غير متصل

 عرض البوم صور جعفر صادق الحسيني

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : جعفر صادق الحسيني المنتدى : منتدى العقائد والتواجد الشيعي
افتراضي تأملات في ذكرى مولاتنا الزهراء عليها السلام
قديم بتاريخ : 10-08-2014 الساعة : 07:49 PM


في ذكرى مولاتنا الزهراء المرضيّة الراضية عليها سلام الله والتحيات الزاكية
«الخلق فطموا عن معرفتها»
روي عن الإمام عليه السلام أنّه قال: (اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا).
بسم الله خير الأسماء الحسنى المتكاثرة والحمد لله على نعمه المتواترة والصلاة والسلام على نبيّنا وعترته الطاهرة
كثيراً ما يهتم شيعة أهل البيت ومحبّيهم وفقّهم الله لمرضاته بالتركيز في الأيام الفاطميّة على مناقبيّة السيّدة فاطمة عليها السلام ومأساتها.
وفي هذه الأجواء تتداخل العاطفة مع الحقائق فتجعل عدم الدقة في الطرح والتساهل في النقل من دون الإلتفات إلى معاني المنقولات والوقوف على دقائقها.
ومن الجدير بالذكر أنّ الزيادة في العقائد قد تكون أحياناً كالنقيصة لما لها من مردود سيء، وأنّ التهاون بنقل وتقبّل مرويّات العقائد من دون تحقّق وتدبّر قد يسيء أكثر ممّا ينفع وقد يربك أكثر ممّا يُطمّن ويُثبّت، وهو بعد عامل مساعد على تشوّيه الصور الذهنيّة الناصعة عند المستمع، وعنصر إضافي في تخلخل عقيدته الصافية الولائيّة. بل عادة ما يقود الخطأ الدرائي إلى الخطأ العقدي، كما يقال. فآفة الأخبار رواتها وعدم رعاية متنها.
وبكلمة: إنّ ما يترّشح عن عدم التحقّق والتثبّت والتدبّر أنّها تجعل القضايا أداة ذات حدّين، فهي إمّا أن تكون أداة إخفاق وتردّي أو أداة ارتقاء وتوعّي.
ما أود عرضه هنا هو خبر من الأخبار المتداولة في المجالس العقائديّة والتي لم تدرس بعناية ولم تحقّق بكفاية، ويُمرّ عليها مرور الكرام دون التأملّ التامّ. والخبر هو ما أخرجه الشيخ فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة والقدر الله، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها - أو من معرفتها - وقوله: (وما أدراك ما ليلة القدر؟! ليلة القدر خير من ألف شهر) يعني خير من ألف مؤمن وهي أم المؤمنين (تنزّل الملائكة والروح فيها) والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم، والروح القدس هي فاطمة عليها السلام (بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر) يعني حتّى يخرج القائم عليه السلام). تفسير فرات الكوفي:581-582/747/2.
نفتح باب النقاش في الرواية من موقع التدقيق لا تعريضاً بأهل الجمع والتحقيق:
قبل الخوض في الموضوع فإنّني تجنّبت الحديث عن إثبات أو عدم إثبات القضايا العقديّة بالخبر الواحد. وأعتقد أنّ ذلك له مجال آخر ليس هذا محلّه.
نشرع الآن بالتعرّض للرواية:
أمّا من حيث درجة الحكم على السند فالرواية موهونة السند ضعيفة بالإرسال، غير متعاضدة بروايات معتبرة تفضي إلى تقوية سندها، ولم تذكر في كتب معتمدة كالكتب الأربعة وغيرها كبعض مؤلّفات الشيخ الصدوق والمفيد والطوسي القيّمة. هذا فضلاً عن الكلام في المفسّر فرات الكوفي من قبل علماء الرجال.
وأمّا من حيث المتن فهي مضطربة، غير سالمة من الإشكال. فتعالوا معي أيّها القرّاء لنغربل الكلمات ونفرز الدلالات، وسأقسّم البحث إلى مقاطع:
المقطع الأوّل: قوله عليه السلام : (الليلة) فاطمة، هذا المعنى لا يستقيم مع الفقرة التي تلتها المتحدّثة عن نزول القرآن في تلك الليلة، وقد حاول الشيخ المجلسي توجيهها قائلاً: "أمّا تأويله عليه السلام ليلة القدر بفاطمة عليها السلام فهذا بطن من بطون الآية وتشبيهها بالليلة إمّا لسترها وعفافها، أو لما يغشاها من ظلمات الظلم والجور". البحار:25/99/ب3.
لكن هذا التوجيه لا تساعده عدّة أخبار منها: الخبر المروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: (لقد خلق الله جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدّنيا، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون، وأوّل وصيّ يكون، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزّ وجلّ علمه، الرواية). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7،تأويل الآيات:2/825/14.
وكذا ما روي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السلام: قام الحسن بن عليّ في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثمّ قال: أيّها النّاس إنّه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون و لا يدركه الآخرون، والله لقد قبض في ليلة التي قبض فيها وصىّ موسى يوشع بن نون، والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن، الخبر). تفسير نور الثقلين:5/624/51.
ومنها ما روي عن حمران أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام في حديث قال: (ليلة القدر وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر). تفسير نور الثقلين:5/625/56.
ومنها ما رويّ عن حسان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن ليلة القدر؟ قال: التمسها ليلة إحدى وعشرين أو ليلة ثلاث وعشرين). تفسير نور الثقلين:5/625/57. وغير ذلك من الأخبار.
ويظهر ممّا تقدّم أنّ ليلة القدر هنا فترة زمنية لا ترتبط بما ذكر المفسّر الفراتي، وهذا الظاهر هو المطمئن إليه لأنّ الخبر مسوق لبيان هذه الحقيقة، ويشير إلى ذلك أيضاً الخبر المرويّ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (نزلت التوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710-711/15.
وقوله عليه السلام (القَدْر) الله، يجعل الجملة لا تستقيم مع اللفظ المتقدّم، كما أنّ من يراجع المصادر يجد أنّ هذا اللفظ (القَدْر) لم يرد هكذا في اسماء الله التسعة والتسعين اسماً، فراجع كتاب التوحيد للشيخ الصدوق:194/ب29/8، وعدّة الداعي للشيخ ابن فهد الحلي:299.
قال الشيخ محمّد باقر الميانجي: "المستفاد من الروايات الشريفة الكثيرة أنّ الله تعالى هو الذي سمّى نفسه بالأسماء الحسنى من قبله. والواضع هو الله سبحانه، وقد اختارها لنفسه وسمّى بها نفسه". توحيد الإماميّة:61.
وذكر الميانجي في موضع آخر بأنّ أسماء الله توقيفيّة. كما في صفحة:72.
المقطع الثاني: قوله عليه السلام: (من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر). يعطينا إيحاء بأنّ هناك إمكانيّة أن يعرف المؤمن مولاتنا فاطمة عليها السلام حقّ معرفتها، وبالتالي فيه حثّاً على معرفتها ليدرك ليلة القدر.
ومعرفة مولاتنا حقّ المعرفة ليست بأعظم من معرفة الخالق البارئ سبحانه وتعالى فقد ورد في بعض النصوص المرويّة عن الإمام عليّ عليه السلام في وصف أصحاب الإمام المهديّ (كنوز الطالقان) رضي الله عنه أنّهم (عرفوا الله حقّ معرفته). راجع: منتخب الأنوار المضيئة للسيّد عليّ النيلي:84-85/ف4، البيان للكنجي الشافعي:106/ب5، ينابيع المودّة للشيخ القندوزي:3/298/ب98/12.
ويشير الشيخ الصدوق إلى أنّ معرفة الله حقّ المعرفة تكون عن طريق الحجج عليهم السلام. راجع: التوحيد:290.
وروي عن محمّد بن سنان قال: (كنت عند أبي جعفر عليه السلام فذكرت اختلاف الشيعة فقال: إنّ الله لم يزل فرداً متفرّداً في الوحدانية، ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق الأشياء وأشهدهم خلقها وأجرى عليها طاعتهم وجعل فيهم ما شاء، وفوّض أمر الأشياء إليهم في الحكم والتصرّف والإرشاد والأمر والنهي في الخلق، لأنّهم الولاة، فلهم الأمر والولاية والهداية، فهم أبوابه ونوّابه وحجّابه، يحلّلون ما شاء و يحرّمون ما شاء ولا يفعلون إلّا ما شاء، عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون. فهذه الديانة التي من تقدّمها غرق في بحر الافراط، ومن نقصهم عن هذه المراتب التي رتبهم الله فيها زهق في بر التفريط، ولم يوف آل محمّد حقّهم فيما يجب على المؤمن من معرفتهم، ثمّ قال: خذها يا محمّد فإنّها من مخزون العلم ومكنونه). البحار:25/339/ب10/21.
ويستفاد من الخبر أنّ من لم يتقدّم ولم يتأخّر عن تلك المعرفة فهو ممّن وفى لآل محمّد عليهم السلام معرفة حقّهم.
وروي عن يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه السلام- في حديث نأخذ منه موضع الحاجة- قال: (الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وأنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وأنّ الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذا لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أُمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته فلم يحبّه حقّ محبته، فلا يغرّنك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم...يا يونس! إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثنا وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب). كفاية الأثر للخزاز:257-258.
وفي كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام قال: (وأروي: أنّ المعرفة التصديق والتسليم والإخلاص في السرّ والعلانية. وأروي: أنّ حقّ المعرفة أن تطيع ولا تعصي وتشكر ولا تكفر).البحار:3/13-14/ب1/32-34.
ويشير إلى ذلك ما روي عن هشام قال: (كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يا ابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى ربّه على أيّ صورة رآه؟ وعن الحديث الذي رووه أنّ المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة على أيّ صورة يرونه. فتبسّم عليه السلام ثمّ قال: يا فلان! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه لا يعرف الله حقّ معرفته. ثمّ قال عليه السلام: يا معاوية! إنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ير ربّه تبارك وتعالى بمشاهدة العيان، وأنّ الرؤية على وجهين: رؤية القلب ورؤية البصر، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب، ومن عنى برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من شبّه الله بخلقه فقد كفر، الحديث). كفاية الأثر:260.
لاحظ أيّها القارئ كيف ترتبط المعرفة الحقّة بعدم التشبيه والتجسيم.
وكما أنّ معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير مغلقة على فهم الموالين بعد ما عرّف لنا المعصوم نوعها، فكذا معرفة أهل البيت صلوات الله عليه أجمعين، وأضع بين أيديكم تلكم الوثائق:
لقد روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم- في حديث نأخذ ما يتعلّق بموضوعنا- قال: (وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسن، ودعاه فأطاعه، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة: الحسين، فدعاه فأطاعه. ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه...ثمّ خلق منّا ومن نور الحسين تسعة أئمّة، فدعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنيّة وأرضاً مدحيّة، ولا ملكاً ولا بشراً، وكنّا نوراً نسبّح الله ونسمع له ونطيع. قال سلمان: فقلت يا رسول الله! بأبي أنت وأمي فما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سلمان، من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليّهم وتبرأ من عدوّهم، فهو والله منّا، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن...ثمّ قال: يا سلمان! إنّك مدركه- أي يدرك الإمام المهديّ في الرجعة- ومن كان مثلك، ومن تولّاه بحقيقة المعرفة. قال سلمان: فشكرت الله كثيراً، الحديث). دلائل الإمامة:448-449/424/28.
فالظاهر أنّ هناك من يتولّى الإمام الحجّة عليه السلام بحقيقة المعرفة، وهذه المعرفة تتأتى عن طريق مصادر المعرفة المعصوميّة الحقّة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى له.
ومراتب المعرفة تتفاوت من شخص إلى آخر، كما أنّ طبقات المعرفة متدرّجة وكلّ يستقي بحسب ما أعطاه الله عزّ وجلّ من الفهم والعقل وبمقدار جهد الشخص وسلوكه طريق طلب التفقّه وسعيه في مدارج التحقيق في المعارف الإلهيّة. ولنستمع إلى روايتين تصبّ في هذا الاتجاه المعرفي وتتعلّق بهذا الجانب:
روي بسند معتبر عنضريس الكناني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وأناس من أصحابه حوله إنّى أعجب من قوم يتولّوننا ويجعلوننا أئمّة ويصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة الله ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم فينقضون حقّنا ويعيبون ذلك علينا من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا. أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثمّ يخفى عنهم أخبار السّماوات والأرض وبقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم، الرواية). بصائر الدرجات:1/144/ب5/3، مختصر بصائر الدرجات:120-121.
وقد كانت مولاتنا عليها السلام مفترضة الطاعة كالأئمّة عليهم السلام كما جاء في الخبر المرويّ عن أبي بصير عن الإمام أبي جعفر عليه السلام: (ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطّاعة على جميع من خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة). مستدرك سفينة البحار للشيخ عليّ النمازي:6/208.
وفي معتبر زرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمداً صلّى الله عليه وآله إلى النّاس أجمعين رسولاً و حجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الامام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما؟! قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حقّ معرفتكم؟ قال: نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً، قلت: بلى، قال: أترى أنّ الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقّنا إلّا الله عزّ وجلّ). الكافي:1/181/باب معرفة الإمام والردّ إليه/3.
وروي بما معناه أنّه لا ثواب لمن كان جاهلاً بحقّهم عليهم السلام. راجع: كتاب ثواب الاعمال وعقاب الأعمال للشيخ الصدوق:2/204/باب من جهل حقّ أهل البيت عليهم السلام/1.
قال الشيخ محمّد السند وهو يتحدّث عن معرفة الإمامة: "فالتعريف بافتراض الطّاعة والنصّ والوصيّة تعريف للمرحلة الأولى الإبتدائية، وأمّا المرحلة المتوسطة (وهي البلوغ في المعرفة) فملك الرجعة، وأمّا المرحلة الثالثة (وهي الكمال في المعرفة) فملك الجنّة". الرجعة بين الظهور والمعاد:200. وراجع كلامه صفحة:197-198.
وذكر الشيخ محمّد باقر الشريعتي الأصفهاني أنّ المستفاد من النصوص الإمامة والحجّة هو وجوب معرفتهم حقّ المعرفة بمقدار الإمكان، لأنّ النّاس مكلّفون بمعرفة الإمام ومضطّرون إلى معرفته، وليسوا بمعذورين بترك معرفته. راجع: البيان في معرفة أهل الإيمان:167.
ولعلّ ممّا يرشد إلى ذلك أيضاً ما روي عن عبد الأعلى عن الإمام الصادق عليه السلام: (ما تنبئ نبيّ قط إلّا بمعرفة حقّنا وبفضلنا عمّن سوانا). بصائر الدرجات:1/94/ب9.
والمستفاد من مجموع هذه النصوص المعصوميّة إمكانيّة معرفة الله تبارك وتعالى حقّ معرفته لا كنه معرفته. لأنّ كنه معرفته ممتنعة، وبالتالي فإنّ معرفة كنهه تتحقّق بالإذعان بعدم المعرفة لها، وأنّ الكلام عنها محظور والتفكّر فيها ممنوع.
بل تفيد بعض النصوص أنّ بلوغ كنه صفته سبحانه ممتنعة، فقد روى الشيخ الكليني مسنداً عن محمد بن حكيم قال: (كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام إلى أبي: أنّ اللَّه أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك). الكافي:1/102/باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه/2.
قال الشيخ محمّد صالح المازندراني موضّحاً: " قوله عليه السلام: (أنّ الله أعلا وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته) أي: نهايته، إذ ليس لما يعتبره العقول من كماله سبحانه نهاية يقف عندها أو حقيقتها، إذ ليس لصفته حقيقة ملتئمة من أجزاء خارجيّة أو ذهنيّة، فصفوه بما وصف به نفسه، وهو أنّه خالق كلِّ شيء وله الخلق والأمر، ولا شريك له ولا نظير له، ولا والد له ولا ولد، وليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، إلى غير ذلك ممّا ذكره في القرآن الكريم". شرح أصول الكافي:3/210-211.
وروي عن عبد الرحيم القصير قال: (كتبت على يديّ عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوصف بالصورة وبالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد.
فكتب عليه السلام بيديّ عبد الملك بن أعين: سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله تبارك وتعالى بخلقه المفترون على الله، واعلم رحمك الله أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزّ وجلّ، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعدُ القرآن فتضلّ بعد البيان). التوحيد للصدوق:102/ب6 في إنّ عزّ وجلّ ليس بجسم ولا صورة/15.
وقبل أن ننتقل إلى المقطع الثالث نودّ أن نلفت ذهن القارئ بعد الذي ذكرنا فإنّه بات من الواضح أنّ عدم معرفة الكنه مختصّة بالحقّ سبحانه، ولا يمكننا إعتماد غير ذلك وتزحيف هذه المسألة إلى ساحة المعصوم.
المقطع الثالث: قوله عليه السلام: (لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها).
أوّلاً: كلمة (الخلق) كما يرى الشيخ محمّد عليّ التبريزي الأنصاري وغيره بأنّ المقصود بها قد يكون أوسع نطاقاً من الإنس والجنّ. راجع: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء:98/هامش/تحقيق السيّد هاشم الميلاني.
وثانياً: نلاحظ أنّ هذه الفقرة (فطموا عن معرفتها) لا تتحدّث عن معرفتها حقّ المعرفة، وإنّما تتحدّث فقط عن معرفتها.
وكلمة (معرفتها) لا تخلو من أحد معنيين:
المعنى الأوّل: الكلام كان عن معرفتها (حقّ المعرفة). وههنا يواجهنا الإشكال المتقدّم في المقطع الثاني، كما أنّه إذا كانت قضيّة معرفتها سلام الله عليها حقّ المعرفة منتفيّة من الأساس ولا سبيل إليها، فلم توحي العبارة (من عرف فاطمة حقّ المعرفة) بأنّ على المؤمن القاصر الفهم المحدود الإدراك السعي والرقي لمعرفة من فطم (الخلق) عن معرفتها؟!
المعنى الثاني: الكلام كان عن معرفتها العاديّة غير المتلبّسة بحقّ معرفتها. فنقول: إذا كانت معرفتها عليها السلام حقّ المعرفة غير ممتنعة- كما لاحظنا- فإنّ المعرفة الأبسط متيسّرة قطعاً. والمعرفة الحقّة لا تتمّ إلّا بالرجوع إلى نصوص النبيّ والعترة الطاهرة المتوفّرة ليقف الموالي على مقاماتها وفضلها ومعرفتها، ومجاميعنا الحديثيّة والمناقبيّة لا تخلو من تلك النصوص المعصوميّة المتكثّرة، فراجع.
ثمّ إنّ المعنى الثاني لا يتوافق ظاهراً مع الخبر الضعيف السند أيضاً الذي رواه الشيخ الطوسي قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن وهبان، قال: حدّثنا أبو القاسم علي بن حبشي، قال: حدّثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن الحسين عن أبيه عن الحسين بن أبي غندر، عن إسحاق بن عمار، وأبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ الله تعالى أمهر فاطمة عليها السلام ربع الدّنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنّة والنّار، تدخل أعداءها النّار، وتدخل أولياءها الجنّة، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى). أمالي الطوسي:668/مجلس يوم الجمعة:36/6، عنه البحار:43/105/ب5/19. ومجمع النورين للشيخ أبي الحسن المرندي:34.
وحتّى نقطع الطريق على من يحاول إيجاد تخريجات غير تامّة أو أرضيّة مشتركة للجمع بينها وبين رواية فرات الكوفي،نبدأ بشرح فقراته التالية:
أف- معنى القرون. والقرن لغة: الأمّة من النّاس، والقرن من النّاس أهل زمان واحد. ويقال عمر كلّ قرن ستون أو سبعون أو ثمانون سنة. وسمّوا قرناً لأنّهم حدّ الزمان الذي هم فيه. راجع: العين للفراهيدي:5/141/حرف القاف/باب القاف والراء والنون معهما/مادة: قرن، الصحاح للجوهري:6/2180/فصل القاف/مادة: قرن، الفروق اللغوية للعسكري:427/حرف القاف/1716، معجم المقاييس اللغوية لابن زكريا:5/77/كتاب القاف/مادة: قرن. وأشار إلى ذلك ابن السكيت في ترتيب اصلاح المنطق:305/حرف القاف/مادة: القرن.
يقول الشيخ الكجوري: "يطلق القرن: على كلّ ثمانين سنة أو سبعين أو ثلاثين أو أهل كلّ زمان، أي: مَن يعيشون في جيل واحد وفي فترة زمانيّة واحدة ويبعث فيهم نبيّ، أو أنّه غالب عمر النّاس، أي: المعدّل الذي يعمّر فيه الإنسان.
قيل: إذا ذهب القرن الذي أنت فيه وخُلِّفت في قرن فأنت غريب.
وقال تعالى: (فما بال القرون الأُولى) سورة طه:51، أي: سعادة الأُمم السابقة وشقاوتها". الخصائص الفاطميّة:1/223/الخصيصة:14.
وقال ألشيخ ابو الحسن المرنديّ: "أقول أنّ المراد من (القرون) هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمهم من آدم فمن دونه، حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليهم أجمعين". مجمع النورين وملتقى البحرين:40.
ونقل الشيخ المسعودي عن المحقّق البارع أبو الحسن النجفي- والظاهر أنّه يتبنّى ما قاله- أنّه قال ما نصّه: "إنّ المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من آدم فمن دونه حتّى نفس خاتم الأنبياء صلّى الله عليه وآله وسلّم أجمعين". الأسرار الفاطميّة:82.
والبعض يظنّ أنّ المراد من (القرون الأولى) أي إنّه إشارة إلى الأنبياء السابقين. راجع: محاضرة السيّد منير الخبّاز، وإجابة للشيخ محمّد السند.
ويتّضح ممّا تقدّم أنّ المراد بالقرن ليس كلّ فرد ممّن يعيش فيه لأنّ في اتباع الرسل منافقين وفي غير الأتباع الكثير من الكافرين.
باء- معنى دار لغة: دار الشيء يدور دوّراً ودوراناً: إذا طاف حول الشيء. راجع: صحاح الجوهري:2/660/باب الراء/فصل الدال/مادة: دور، مجمع البحرين:3/304/كتاب الراء/باب ما اوله الدال/مادة: دور.
ويقال: دارت عليه رحى الموت: أي: نزل به الموت. مجمع البحرين:1/179/كتاب الألف/باب ما أوله الراء/مادة: رحا.
وفي المثل يقال دارت بهم أو عليهم الدوائر.ودارت عليهم رحى الحرب: أي: نشبت واشتدّت.
وقد جاء في الحديث: (تدور رحى الاسلام من مهاجرك، فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك). مقدّمة الصحيفة السّجاديّة، و: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين). مسند أحمد:1/390.
وصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار).
وفي معتبر ابن أبي يعفور قال : (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولو العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء). الكافي:1/175/باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمّة/3. موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للنجفي:7 /157.
قال المازندراني معقّباً: "قوله : (وعليهم دارت الرَّحى يقال: دارت رحى الحرب إذا قامت على ساقها، وأصل الرَّحى هي الّتي يطحّن بها، والمعنى: يدور عليهم الإسلام ويمتدُّ قيام أمره على سنن الاستقامة والبعد من أحداث الظلمة الكفرة، فهم بمنزلة القطب من الرَّحى". شرح الكافي:5/113.
وقال المجلسي موضّحاً: (عليهم دارت الرحى) أي: رحا النبوّة والرسالة والشريعة والدّين، وسائر الأنبياء تابعون لهم فهم بمنزلة القطب للرحى". مرآة العقول:2/286.
بعد أن تناولنا كلمتي (القرون) و (دارت) واتّضح معناها نوعاً ما أضع بين أيديكم وثائق الشرّاح ليكون أدعى للقبول:
قال الشيخ ابو الحسن المرنديّ: "يعني ما بعث الله عزّ وجلّ أحداً من الأنبياء والأوصياء حتّى أقرّوا بفضل الصدّيقة الكبرى ومحبّتها، ويؤيّده ما ذكره السيّد- يقصد هاشم البحراني- قدس سره في مدينة المعاجز عنه عليه السلام: (ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها)، ولأنّ وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم". مجمع النورين:40. ونحوه في الأسرار الفاطميّة:82.
وكتب الأستاذ حيدر حبّ الله ما يلي: "وفسّر هذا الحديث بأنّ الأمم السابقة كانت تعرف الزهراء عليها السلام وكانت تفتخر بها وتتوسّل بها، وأنّه ما تكاملت نبوّة نبيّ إلّا بها وبالإيمان بها ومعرفة حقّها، كما فسّر ذلك بما يرتبط بالولاية التكوينية وأنّ عليها سلام الله عليها مدار الوجود منذ بدئه، وغير ذلك".
وقال آخرون عن معنى (على معرفتها دارت القرون الأولى) أنّ جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أممهم بمعرفة الصدّيقة الكبرى، وكلّفوهم عرفان المقامات الفاطميّة ومنزلتها. هذا ما قاله الشيخ محمّد باقر الكجوري، والسيّد كمال الحيدري، والسيّد أحمد الشيرازي، وغيرهم.
وبمعنى آخر ذكره الكجوري: أي: إنّ أحكام جميع الأمم وتكاليفهم الشرعيّة منوطة بمعرفة مولاتنا الزهراء عليها السلام. وبعبارة واضحة: إنّ السّعادة والشقاء لأهل كلّ زمان تدور مدار (التولّي والتبرّي) لجناب الصدّيقة الكبرى، وإنّ دين الأنبياء جميعاً منوط بحبّها، كما في الخصائص الفاطميّة:1/223-225/الخصيصة:14.
المقطع الرابع: قوله عليه السلام: (وما أدراك ما ليلة القدر).
نواجه هنا السؤال التالي: من المعني بقوله تبارك وتعالى: (وما أدراك)؟
والإجابة عن ذلك تتلخّص بنقطتين:
النقطة الأوّلى: إذا كان المعني به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنّ ذلك يشكّل علامة استفهام كبيرة حول النصوص المتضمّنة بأنّهم عليهم السلام خلقوا أشباحاً قبل خلق نبيّ الله آدم وذريته، وأنّهم خلقوا من نور واحد. راجع: تأويل الآيات:1/398/27، كفاية الأثر للشيخ الخزاز القمّي:152، المحتضر للشيخ حسن الحلي:202/249، البحار:27/131/ب4/122 و:35/28/ب1/24 و:36/73/ب37/24.
النقطة الثانية: إذا كان المعنى هو أنّ ذلك خطاب للمؤمنين لكي يحرّك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم أسرار ليلة القدر بالتمعّن والتدقيق فيها، كما يرى صاحب الأسرار الفاطميّة:369.
فهذا يوحي كما قلنا إمكانية معرفتها سلام الله عليها.
لكن يبقى هناك أمر فبحسب الظاهر أنّ هذه الجملة القرآنيّة (وما أدراك ما ليلة القَدْر) يصعب جعل مفهومها متناسقاً مع التأويل السابق تأويل (الليلة) بمولاتنا عليها السلام وتأويل (القَدْر) بالبارئ جلّت قدرته، فلاحظ.
المقطع الخامس: قوله عليه السلام: (خير من ألف شهر) يعني خير من ألف مؤمن.
هذا المعنى غير تامّ، فإذا كان من باب التطبيق، والمراد بليلة القدر الليلة التي تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان وتفرق فيها الأمور وهذا ما بينّاه آنفاً، فلم تكون خيراً من ألف مؤمن؟
بل هذا المعنى كأنّه لا يتمازج مع النصوص الأخرى، وإليكم بعضها:
منها: ما رويّ عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قوله عزّ وجلّ (خير من ألف شهر) هو سلطان بني أميّة، وقال: ليلة من إمام عدل خير من ألف شهر ملك بني أميّة. وقال: (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم) أي: من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد بكلّ أمر سلام). تأويل الآيات:2/871-818/2، تفسير البرهان:5/712-713/23 و26.
ومنها: ما رويّ عن علي بن عيسى القماط عن عمه عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أري رسول الله صلّى الله عليه وآله [في منامه] بني أمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون النّاس عن الصراط القهقرى، فأصبح [كئيبا] حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل عليه السلام...وأنزل عليه (إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر) جعل الله عزّ وجلّ ليلة القدر لنبيه صلّى الله عليه وآله خيراً من ألف شهر ملك بني أميّة). تفسير البرهان:5/712/20.
ومنها: ما رويّ عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام، [قالوا]: (قال له بعض أصحابنا، ولا أعلمه إلّا سعيد السمان: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر). تفسير البرهان:5/710/14.
ومنها: ما رويّ عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام: (قلت: (ليلة القدر خير من ألف شهر) أيّ شيء عنى بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين، ما بلغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات). تفسير البرهان:2/711/16.
المقطع السادس: قوله عليه السلام: (وهي أمّ المؤمنين).
لم يرد في النصوص التامّة التي يعتمد عليها أنّها عليها السلام أمّ المؤمنين، ومعلوم أنّ أمهات المؤمنين غيرها.نعم ذكر أنّها عليها السلام كانت تكنّى بأمّ أبيها. راجع: مقاتل الطالبيّين للمؤرّخ أبي الفرج الأصفهاني:29، تاج المواليد للشيخ الطبرسي:20، مناقب آل أبي طالب للشيخ ابن شهر آشوب:1/140.
المقطع السابع: قوله عليه السلام: (تنزّل الملائكة) والملائكة المؤمنون.
هذا المعنى لا ينسجم مع الأخبار التي سنتطرّق إليها فآية (تنزّل الملائكة) فسرّت في بعض النصوص بصورة مغايرة كما سنرى. وهناك أيضاً غرابة نلحظها في المتن فمرّة يأوّل كلمة (شهر) بالمؤمنين، ومرّة يأوّل كلمة (الملائكة) بالمؤمنين أيضاً.
ويعترضنا ههنا سؤال وهو: كيف ينزل المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّد باستمرار كلّ فترة حتّى يظهر مولانا القائم عليه السلام؟!
لقد أكّدت النصوص على أنّ هذا النزول سيستمرّ إلى يوم القيامة، راجع: الكافي:1/245-251/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/3 و7 و8، تأويل الآيات:2/819-825/5 و6 و7 و9 و10 و14، تفسير البرهان:5/704-714/3 و4 و8 و9 و16 و17 و24 و29.
قال السيّد شرف الدّين الأسترآبادي: "فلا بدّ من رجل تنزل عليه الملائكة والروح فيها بالأمر المحتوم في ليلة القدر في كلّ سنة، ولو لم يكن كذلك لم يكن بكلّ أمر. ففي زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله كان هو المُنزّل عليه، ومن بعده على أوصيائه أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم القائم عليهم السلام، وهو المُنزّل عليه إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله عليها". تأويل الآيات:2/820.
وأضاف في موضع آخر: "إعلم أنّ حاصل هذا التأويل، أنّ ليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله سبحانه وتعالى عليها، تنزل فيها عليه الملائكة والروح من عند ربّهم من كلّ أمر إلى الليلة الآتية في السنة المقبلة، من لدن آدم إلى أن بعث الله سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وآله، فكان هو الحجّة المنزلة عليه، ثمّ من بعده أمير المؤمنين، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ الأئمّة واحد بعد واحد إلى أن انتهت الحجّة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين صلاة باقية إلى يوم الدّين". تأويل الآيات:2/828.
وأنقل إليكم الآن مقاطعاً مقتطفة من الأخبار التي تغاير المعنى المذكور في رواية فرات الكوفي:
منها: ما رويّ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال في حديث نأخذ منه موضع الحاجة: (أنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة، ويزور إمام الهدى (في نسخة وتزور أئمّة الهدى) عددهم من الملائكة، حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الأمر...إنّ الله عزّ وجلّ أعظم من أن ينزل الأمر مع الروح والملائكة إلى كافر فاسق). الكافي:1/253/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/9،تفسير البرهان:5/709/10.
ومنها: ما رويّ محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، قال: (سألته عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت وطابت. قال: وسئل عن ليلة القدر، فقال: تنزل فيها الملائكة والكتبة الى السّماء الدّنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف [له]، وفيه المشيئة فيقدّم [منه] ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب). تفسير البرهان:5/710/13.
ومنها: ما رويّ عن عبد الله بن عجلان السكوني قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بيت عليّ وفاطمة من حجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسقف بيتهم عرش ربّ العالمين، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوطة إلى العرش معراج الوحي، والملائكة تنزّل عليهم بالوحي صباحاً ومساءً...وما من (بيت من) بيوت الأئمّة منّا إلّا وفيه معراج الملائكة لقول الله عزّ وجلّ: (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم)). تأويل الآيات:2/818-819/4، تفسير البرهان:5/714/28.
ومنها: ما رويّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان عليّ بن الحسين عليهما السلام إذا تلا (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) يقول: صدق الله، أنزل [الله] القرآن في ليلة القدر، (وما أدراك ما ليلة القدر) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أدري. قال الله عزّ وجلّ (ليلة القدر خير من ألف شهر) ليس فيها ليلة القدر. وقال الله لرسوله صلّى الله عليه وآله: هل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، قال: لأنّها (تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر) وإذا أذن الله بشيء فقد رضيه (سلام هي حتّى مطلع الفجر) يقول: تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر). تأويل الآيات:2/822/11، تفسير البرهان:5/705/5. ونحوه في الكافي:1/247/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/4.
ومنها: ما رويّ عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال في حديث: (إذا كانت ليلة القدر تنزل الملائكة، الذين هم سكّان سدرة المنتهى وفيهم جبرئيل، ومعهم ألوية). تأويل الآيات:2/816/1، تفسير البرهان:5/714/30.
وكذا يشير ألى ذلك المرويّ عن الإمام أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: (ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عزّ وجلّ علمه). الكافي:1/250/باب في شأن إنّا أنزلناه في ليلة القدر/7،تأويل الآيات:2/825/14.
المقطع الثامن: (والروح فيها) والروح القدس هي فاطمة عليها السلام.
هذا الوصف لها بأنّها عليها السلام هي روح القدس لا يحتاج إلى استرسال لأنّه مخالف للروايات المستفيضة، ولا يستقيم مع الروايات التي وصفته بأنّه خلق أو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل عليهما السلام. راجع: البحار:25/47-53 و58-70/ب3.
عموماً في نهاية مناقشة هذه الرواية أقول: لعلّ المجلسي لاحظ اضطراب متن الرواية فلذا اختصره في بحاره:43/65/ب3/58.
وليعلم الأخوة الفضلاء والأخوات الفضليات أو الفاضلات أنّ الذي قادني إلى هذه المناقشة هو تلك الملاحظات والمعارضات. وفي عقيدتي أنّ الذي يساعد على اذكاء الفكرة وترسيخ النظرة هو البحث ومناقشة الأنظار والآراء.
في ختام الكلام أرى من المناسب الإشارة إلى أنّ هناك أخباراً غير ثابتة للمعصوم شاع تناقلها من على فوق المنابر وكثر تردّدها على ألسن جلّاس النوادي، منها: نحن حجج الله على الخلق، وجدّتنا فاطمة حجّة علينا.والغريب أنّ الشيخ الفاضل محمّد فاضل المسعودي كرّر نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام في عدّة مواضع من كتابه الأسرار الفاطمية:37 و53 و154 و265 و410. وكذا نسبه إلى الإمام العسكري عليه السلام الشيخ محمّد السند في كتابه مقامات فاطمة الزهراء عليها السلام في الكتاب والسنّة:20.
ومنها: اللّهم إنّي أسالك بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها. وقد نبّه الشيخ محمّد فاضل المسعودي القرّاء إلى أنّ هذا الدعاء ليس للمعصوم. فراجع: الأسرار الفاطميّة:25.
وهناك أخبار أُخرى غير تلك يستدلّ البعض بها وهي لا ترقى إلى مستوى الدليل أعرضت عنها فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وربّما أتطرّق إليها في مناسبة أخرى إن وفقّت لها وكان في العمر بقيّة.
ورجائي من الأخوة الفضلاء (الخطباء والمؤلّفين) الذين وقعوا في اشتباهات نقليّة تنبيه القرّاء إلى مواضع الخطأ غير المقصود، لأنّ الكلمة مسؤوليّة، وقد روي عن خثيمة بن عبد الرحمن قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من تحدّث عنّا بحديث فنحن سائلوه عنه يوماً، فإن صدق علينا فإنّما يصدق على الله وعلى رسوله، وإن كذّب علينا فإنّما يكذب على الله وعلى رسوله، لأنّا إذا حدّثنا لا نقول قال فلان وقال فلان، وإنّما نقول قال الله وقال رسوله). تاويل الآيات الظاهرة:2/521/30، تفسير البرهان:4/723/9.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد الأمين وعلى آله الميامين.
أخوكم جعفر صادق الحسيني


من مواضيع : جعفر صادق الحسيني 0 العفة النسائية مسألة بالغة الإهمية
0 إيضاح عبارة ( من لم يلحق بي لم يدرك الفتح )
0 المناقشة الجادّة لقصّة حضور الأسد في كربلاء الشهادة
0 من يضمن لي موت عبد الله
0 حديث المعرفة بالنورانيّة
رد مع اقتباس