عرض مشاركة واحدة

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 7  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:41 PM


الدرس السابع: قاعدة لا ضرر ولا ضرار

أهداف الدرس
- التعرّف على المراد الاصطلاحيّ من قاعدة لا ضرر ولا ضرار.
- التعرّف على أهمّ الأقوال في المقصود من قاعدة لا ضرر.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة قاعدة لا ضرر.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
93

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
هذه القاعدة من أشهر القواعد الفقهيّة، الّتي يستدلّ بها في جُلّ أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل، ولهذا أفردها العلماء بالبحث والتحقيق، وصنّف فيها غير واحد من العلماء رسائل مستقلّة، بيّنوا فيها حال القاعدة من حيث مدركها ومعناها، وفروعها ونتائجها، وهي من القواعد المهمّة في مقام الاستنباط، فإنّه بناءً على كون المقصود منها نفي الحكم الّذي ينشأ منه الضرر، فسوف يثبت لدى الفقيه نفي وجوب الوضوء إذا ترتّب عليه الضرر...، وهكذا الحال في موارد الضرر الكثيرة.

ويعتمد في إثباتها على مجموعة من الروايات أبرزها، قضيّة سَمُرة بن جندب مع الرجل الأنصاري، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: "إنّ سمرة بن جندب كان له عذق1 في حائط لرجل من الأنصار. وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرُّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما تأبّى جاء الأنصاريّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشكا إليه وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخبّره بقول الأنصاري، وما شكاه،


--------------------------------------------------------------------------------
95

--------------------------------------------------------------------------------


وقال: إن أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاريّ: إذهب فاقلعها، وارم بها إليه، ولا ضرر ولا ضرار"2. على أنّنا سنفصّل الاستدلال بهذه الرواية وغيرها في سياق الدرس، وقد ذكرناها، هنا، لبيان منشأ القاعدة فقط.

بيان المراد من القاعدة
تعدّدت الأقوال في المقصود من قاعدة لاضرر ولا ضرار، نكتفي بذكر ثلاثة أقوال مهمّة ومشهورة، وهي:
الأوّل: ما ذهب إليه شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره: هو أنّ المقصود النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ضرر: أي يحرم الضرر. فيحرم إيجاد ضرر بالغير، أومطلقاً حتّى على النفس، فيكون مساقها مساق قوله تعالى: ï´؟فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...ï´¾3، حيث إنّ الآية الشريفة تدلّ على حرمة هذه الأمور في الحجّ من خلال النهي عن الرفث (الفحش والجماع)، والفسوق (الكذب)، والجدال (الحلف بقول: لا والله ونحوه). ونظائرها كثيرة في الأخبار، حيث يكون ظاهر الكلام النفي، ولكن أريد منه النهي، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبق إلّا في خف أوحافر أونصل"4، وغير ذلك من الموارد العديدة. ولقد أصرّ شيخ الشريعة الإصفهاني قدس سره على هذا القول5.

الثاني: ما ذهب إليه الإمام الخمينيّ قدس سره:
وخلاصته: إنّ القاعدة لم يذكرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أنّها قاعدة من القواعد


--------------------------------------------------------------------------------
96

--------------------------------------------------------------------------------


الإلهيّة الّتي أُمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغها كقانون من الله تعالى، وإنّما ذلك حكم صادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما هورئيس للحكومة الإسلاميّة، فالقاعدة حكم سلطانيّ وحكوميّ وليس إلهيّاً. وتوجيه ذلك أنّه يوجد احتمال آخر في معنى الحديث ، وهوأنّ مفاد هذه القاعدة حكم سلطانيّ بمنع إضرار الناس بعضهم ببعض، فإنّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقامات ثلاثة:
1- مقام النبوّة وتبليغ الرسالة، وهومن هذه الجهة مبلّغ عن الله - تعالى -، وحاكٍ لأحكامه الظاهريّة والواقعيّة، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة المستفادة من الكتاب والسنّة.
2- مقام القضاء: وذلك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم، فللنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم القضاء وفصل الخصومة بينهم.
3- مقام السلطنة والرياسة من قبل الله تعالى: فأمره ونهيه نافذان فيما يراه مصلحة للأمّة، كنصب أمراء الجيوش، والقضاة وأشباهها. والظاهر أنّ حكمه صلى الله عليه وآله وسلم في قضيّة سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأوّل ولا الثاني, لأنّه لم يكن للأنصاريّ ولا لسمرة شكّ في حكم تكليفيّ أووضعيّ في قضيّتهما، أوتنازع في حقّ اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أوالحكم، وإنّما وقع ما وقع من الأنصاريّ في مقام الشكوى والتظلّم والاستنصار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما أنّه سلطان على المسلمين، وسائسهم، مع وضوح الحكم والموضوع كليهما، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بقلع النخلة حسماً لمادّة الفساد، ثمّ عقّبه بقوله: "لا ضرر ولا ضرار"، فهذا حكم سلطانيّ عامّ بعد حكمه الخاصّ، ومعناه أنّه لا يضرّ أحد أحداً في حِمى سلطاني ...، وعلى جميع الأمّة إطاعته في ذلك، والانتهاء بنهيه، لا بما أنّه حكم من أحكام الله، بل بما أنّه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة، ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية عبادة بن صامت،


--------------------------------------------------------------------------------
97

--------------------------------------------------------------------------------


المرويّة من طرق السنّة بقوله: "وقضى". وبالنتيجة يكون الأمر بالقطع لقطع مادّة الفساد المتوقّع في المقام، وأنّه لا يظلم أحد أحداً في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ودولته6.

الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ7: ويقصد به نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر. وهذا ما اختاره جمع من الأعلام أيضاً، فيكون مفادها نفي الحكم الضرري، بمعنى أنّ كلّ حكم صدر من الشارع، فإن استلزم ضرراً أوحصل من قِبَل جعله ضررٌ على العباد - سواء أكان الضرر على نفس المكلّف، أم على غيره - (كوجوب الوضوء الّذي حصل من قِبَل وجوبه ضرر ماليّ أوبدنيّ على المكلّف، وكلزوم المعاملة في المعاملة الغبنيّة، حيث نشأ من قبله ضرر على المغبون) يكون مرفوعاً.

ولا يخفى أنّه، بناءً على هذا القول، استعملت كلمة "لا" في معناها الحقيقيّ، لأنّ معناها الحقيقيّ نفي جنس مدخوله حقيقة لا ادعاءً، ولا شكّ في أنّ رفع الحكم الضرريّ من الشارع رفع حقيقيّ, لأنّه لا وجود للحكم الضرريّ - لوكان - إلّا في عالم التشريع، والمفروض أنّه رفعه بهذه الجملة بناءً على هذا القول.

وهذا الرأي هو القول المشهور8، وذلك من جهة أنّه لا شكّ في أنّه صلى الله عليه وآله وسلم في مقام التشريع، وفي مقام أنّ الحكم المشروع في المقام حكم امتنانيّ على الأمّة، ويمكن توجيهه بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حينما يتكلّم لا بدّ وأن يتكلّم بما هوشارع، والشارع حينما يخبر عن عدم الضرر، لا بدّ وأن يكون مقصوده نفي تحقّق الضرر من ناحية أحكامه وتشريعاته، وعليه يثبت كون المقصود نفي تحقّق الضرر في حقّ


--------------------------------------------------------------------------------
98

--------------------------------------------------------------------------------


المكلّف من ناحية التشريع والأحكام، فكلّ حكم يكون ثبوته مستلزماً للضرر يكون منتفياً.

وينبغي أن يكون واضحاً أنّنا لا نقصد من خلال هذا البيان دعوى أنّ كلمة "ضرر" قد استعملت بمعنى الحكم ليقال: إنّه لم يعهد استعمال كلمة "ضرر" بمعنى الحكم، بل نقصد دعوى أنّ الّذي توجّه إليه النفي هونفس الضرر بمعناه الحقيقيّ، غايته ندّعي أنّ النفي بلحاظ عالم التشريع وليس بلحاظ عالم الوجود الخارجيّ. ولا معنى لنفي تحقّق الضرر من زاوية عالم التشريع، إلّا ما تقدّمت الإشارة إليه، وهونفي كلّ حكم يستلزم تشريعه الضرر على المكلّف.

بيان مدرك القاعدة
أهمّ الروايات الّتي استدلّ بها على القاعدة:
الرواية الأولى: ما رواه الكلينيّ (رضوان الله عليه) في الكافي، عن ابن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: "إنّ سَمُرة بن جُنْدَب9 كان له عِذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار، فكان يجيء


--------------------------------------------------------------------------------
99

--------------------------------------------------------------------------------


ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاريّ فقال الأنصاريّ: يا سمرة لا تزال تَفْجَؤُنا على حال لا نحبّ أن تفجأنا عليه، فإذا دخلت فاستأذن. فقال: لا أستأذن في طريق، وهوطريقي إلى عذقي، قال: فشكاه الأنصاريّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ فلاناً قد شكاك، وزعم أنّك تمرَّ عليه وعلى أهله بغير إذنه، فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أستأذن في طريقي إلى عذقي؟. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك اثنان، قال: لا أريد، فلم يزل يزيده حتّى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فلك عشرة في مكان كذا وكذا. فأبى، فقال: خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة، قال: لا أريد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال: ثمّ أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلعت ورمى بها إليه، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انطلق فاغرسها حيث شئت"10. وروي الحديث بصيغ قريبة من هذه في الكافي، وعن الصدوق.

الرواية الثانية: مسألة الشفعة الّتي روى فيها المشايخ الثلاثة عن عقبة بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام: "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار، وقال: إذا أرّفت الأرف وحدّت الحدود فلا شفعة"11.

والمراد من جملة: "أرّفت الأرف": رسمت الحدود. كما وأنّ المراد من جملة: "لا ضرر ولا ضرار" بيان حكمة تشريع الشفعة. والمراد بذكر جملة: "إذا أرّفت" الردّ على قول من يقول بأنّ الشفعة ثابتة بعد تقسيم الأرض، وتقييم حصّة كلّ شريك.


--------------------------------------------------------------------------------
100

--------------------------------------------------------------------------------


شرح مفردات الحديث: من المناسب قبل بيان وجه الاستدلال بالروايات، التوقّف مع بعض المصطلحات المرتبطة بالاستدلال على القاعدة ، فاشتملت الرواية الأولى وبقيّة الروايات على كلمتي "ضرر" و"ضرار"، فما هوالمقصود منهما؟.

كلمة لا: وأمّا كلمة (لا) فلا شكّ في أنها لنفي الجنس إذا كان ما بعدها نكرة، نحو: لا رجلَ في الدار، فتكون ظاهرة في نفي الحقيقة حقيقة، إلّا أن يثبت أنّ النفي ادعائيّ.
الضرر: أمّا الضرر فهوفي اللغة اسم مصدر يدلّ على مجرّد الحدث بلا لحاظ حيثيّة صدوره عن الفاعل، أوبالأحرى من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل، فعندما يقال: ضرر فلان عظيم يقصد أنّ نفس النقص فاحش وعظيم، ولا يراد أنّ النقص الّذي فعله فلان عظيم وفاحش. ويقصد بالضرر (هنا) النقص في المال أوالبدن أوالعرض أوالحقّ12، ويجب أن يكون موجباً لوقوع الشخص في الضيق والشدّة, لأنّ الضرر (النقص) أمر نسبيّ قد يتفاوت بين شخص وآخر، فالتاجر الّذي يملك الملايين، إذا ضاع منه بعض الدنانير لا يصدق أنّه تضرّر، بخلاف ذلك في الفقير.

الضرار: وأمّا الضرار فهومصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد. فالضرار (مصدر) يدلّ على الحدث مع ملاحظة حيثية صدروه عن فاعل ما.

الفرق بين الضرر والضرار: يشترك الضرر والضرار في الدلالة على الضرر والنقص، إلّا أنّ أحدهما اسم مصدر والآخر مصدر. فمثلاً العلم إذا لوحظ


--------------------------------------------------------------------------------
101

--------------------------------------------------------------------------------


منسوباً إلى الفاعل وقيل: علمُ زيد بالقضيّة الفلانيّة ثابت فهو مصدر، وأمّا إذا قيل: العلم خير من الجهل، فهواسم مصدر، والمصدر واسم المصدر غالباً ما يتّفقان من حيث اللفظ في اللغة العربية، مثل: علم زيد, العلم، وقد يختلفان في اللفظ, مثل: التلف والإتلاف، النفع والمنفعة، الضرر والضرار.

والخلاصة: إنّ الضرر هونفس النقص بلا لحاظ حيثية صدروه عن الفاعل، فحينما يقال: ضرر فلان عظيم يقصد أنّ نفس النقص فاحش وعظيم، ولا يراد أنّ النقص الّذي ألحقه فلان عظيم، فحيثيّة كون النقص من فعل هذا أوذاك ليست ملحوظة، وهذا كلُّه بخلافه في كلمة "الضرار"، فإنّ حيثيّة الصدور عن الفاعل ملحوظة، فيقال ضرار فلان عظيم، أيّ أنّ الضرر الّذي قام به فلان وصدر عنه عظيم.

والنتيجة المستخلصة من كلّ هذا: أنّ كلمة "ضرر" تدلّ على نفس النقص، وكلمة "ضرار" تدلّ على الضرر الصادر عن الفاعل عن تعمّد وقصد، أوللتشبّث ببعض الذرائع الواهية، كما هوالحال في سمرة.

وجه الاستدلال بالروايات على القاعدة
تتبّع موارد القاعدة في الروايات:
وردت روايات كثيرة في كتب الفريقين تروي جملة "لا ضرر ولا ضرار" عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي بمنزلة كبرى كليّة يطبّقها صلى الله عليه وآله وسلم في موارد عديدة، منها: ما رواه في الكافي في قضية سمرة بن جندب المشهورة أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصاريّ: "اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار"، وفي بعض طرق هذا الحديث هكذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّك رجل مضارّ، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن"، ومنها: ما رواه الفقيه مرسلاً في باب ميراث أهل الملل: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، بزيادة كلمة "في الإسلام" ومنها: في أنّه قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أهل المدينة في مشارب


--------------------------------------------------------------------------------
102

--------------------------------------------------------------------------------


النخل أنّه لا يمنع نقع الشيء، وقضى صلى الله عليه وآله وسلم بين أهل البادية أنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء، وقال: "لا ضرر ولا ضرار"، ومنها: تطبيق هذه الكبرى في باب الشفعة، كما رواه الكلينيّ بإسناده عن أبي عبد الله، قال عليه السلام: "قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، وقال: لا ضرر ولا ضرار".

دراسة السند
الإنصاف أنّ الفقيه - كما يقول البجنورديّ في القواعد الفقهيّة - بعد ملاحظة هذه الروايات الكثيرة من طرقنا، بضميمة ما رواه غيرنا في كتبهم عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، ربّما يقطع بصدور هذه الجملة - أي جملة "لا ضرر ولا ضرار" - عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا حاجة إلى التكلّم في سنده، مع عمل الأصحاب به وإرساله إرسال المسلّمات. مضافاً إلى صحّة سند بعض هذه الروايات13. إذاً لا ينبغي الإشكال في صحّة السند، وقد ادّعى صاحب الكفاية قدس سره تواترها، مع اختلافها لفظاً ومورداً، فليكن المراد به تواترها إجمالاً، بمعنى القطع بصدور بعضها، والإنصاف أنّه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف14 . وقال الشيخ الأنصاريّ قدس سره: قاعدة لا ضرر ولا ضرار15. وقال السيّد الخوئي قدس سره: "أمّا السند فلا ينبغي التأمّل في صحّته, لكونها من الروايات المستفيضة المشتهرة بين الفريقين، حتّى ادّعى فخر المحقّقين في باب الرهن من الإيضاح تواترها"16. والسند في بعض الطرق صحيح أوموثّق، فلولم يكن متواتراً مقطوع الصدور، فلا أقلّ من الاطمئنان بصدورها عن المعصوم"17.


--------------------------------------------------------------------------------
103

--------------------------------------------------------------------------------


كثرة التخصيص في القاعدة: قد يقال: إنّ التخصيص في مدلول القاعدة يكون أكثر ممّا بقي تحته، ويكون "تخصيص الأكثر" مستهجناً أوّلاً، وموجباً للوهن في إطلاق الحديث ثانياً. والتحقيق: إنّ معظم الموارد يكون خارجاً عن مدلول القاعدة تخصّصاً، ولا يكون خارجاً بالتخصيص إلّا موارد قليلة. "قال السيد الخوئيّ: وأمّا الأحكام المجعولة في الديَات والحدود والقِصاص والحجّ والجهاد، فهي خارجة عن قاعدة لا ضرر بالتخصّص لا بالتخصيص, لأنّها من أوّل الأمر جعلت ضرريّة لمصالح فيها"18 . وأمّا التخصيص في بعض الموارد كشراء ماء الوضوء، ولو بأضعاف قيمته، فقليل جدّاً، فتبيّن أنّه ليس هناك تخصيص الأكثر.


--------------------------------------------------------------------------------
104

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة لا ضرر من أشهر القواعد الفقهيّة، الّتي يستدلّ بها في جُلّ أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل الفقهيّة.
- تعدّدت الأقوال في المقصود من قاعدة لا ضرر، إلّا أنّ القول المشهور ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري وهو نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر.

- ذهب شيخ الشريعة الإصفهاني قدس سره إلى أنّ المقصود من القاعدة النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ضرر: أي يحرم الضرر.
- ذكر الإمام الخمينيّ قدس سره فهماً خاصّاً للروايات، وهوأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلملم يذكرها على أنّها قاعدة من القواعد الإلهيّة، الّتي أُمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغها كقانون وتشريع من الله تعالى، وإنّما ذلك حكم صادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما هورئيس للحكومة الإسلاميّة، فالقاعدة حكم سلطانيّ وحكوميّ وليس إلهيّاً.

- الضرر في اللغة اسم مصدر يدلّ على مجرّد الحدث، بلا لحاظ حيثيّة صدوره عن الفاعل، أوبالأحرى من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل.
- يقصد بالضرر النقص في المال أوالبدن أوالعرض أوالحقّ.

- الضرار هومصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد.
- من أهمّ ما استدلّ به على القاعدة ما رواه الكلينيّ في الكافي وغيره عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، في قضيّة سمرة والأنصاريّ. وقال كثيرون بتواتره والاطمئنان إلى صدوره.

- معظم الموارد الّتي خرجت عن مدلول القاعدة خرجت بالتخصّص، ولا يكون خارجاً بالتخصيص إلّا موارد قليلة، فلا يقع القبح في استثناء الكثير.



مطالعة

وجه تقدّم قاعدة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة
لا إشكال في أنّ نسبة حديث نفي الضرر إلى أدلّة الأحكام الأوّليّة نسبة العموم من وجه. فدليل وجوب الوضوء مثلاً يدلّ على وجوب الوضوء في حالتيّ الضرر وعدمه، وحديث نفي الضرر يدلّ على نفي كلّ حكم ضرريّ سواء أكان من قبيل وجوب الوضوء أم غيره. فذاك يشمل حالة الضرر وغيرها، وهذا يشمل وجوب الوضوء وغيره.

ومادّة الاجتماع الّتي يتعارضان فيها هي الوضوء الضرريّ، فإنّ أحدهما يثبت الوجوب فيها والآخر ينفيه. والمناسب في موارد المعارضة بنحوالعموم من وجه هوتساقط الدليلين في مادّة المعارضة، لا تقديم أحدهما، ومعه فلماذا يقدّم حديث نفي الضرر على الأدلّة الأوّليّة؟

قال السيّد الخوئيّ: "والتحقيق في وجه التقديم أنّ دليل لا ضرر حاكم19على الأدلّة المثبتة للتكاليف، والدليلُ الحاكم يقدّم على الدليل المحكوم بلا ملاحظة النسبة بينهما، وبلا ملاحظة الترجيحات الدلاليّة والسنديّة"20.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أوخطأ في المكان المناسب:
1- قاعدة لا ضرر تعني نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر.
2- الضرر في اللغة مصدر يدلّ على مجرّد الحدث من دون دلالته على النسبة إلى الفاعل.
3- كلمة "ضرر" تدلّ على نفس النقص، وكلمة "ضرار" تدلّ على الضرر الصادر عن الفاعل عن تعمّد وقصد.
4- اعتبر الإمام الخمينيّ أنّ المقصود من قاعدة لا ضرر النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً.
- يمكن تطبيق قاعدة لا ضرر في الأبواب الفقهيّة المختلفة.
6- الضرار هواسم مصدر يدلّ على نسبة صدور الضرر عن فاعل ما، إمّا بنحوالاستمرار أوالتكرار، أوبنحوالقصد والعمد.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- ما هوالمقصود بقاعدة "لا ضرر" بناءً على رأي الشيخ الأعظم قدس سره، وكيف نستدلّ على قوله قدس سره من الروايات؟
2- كيف استدلّ شيخ الشريعة الأصفهانيّ في الرواية على قاعدة لا ضرر؟
3- لو اعتقد عدم الضرر من الوضوء أوالغسل بالماء البارد، فتوضَّأ أواغتسل فتضرَّر، فما هوحكم وضوئه وغسله؟.
4- كيف نطبّق القاعدة بناءً على فهم الإمام الخمينيّ قدس سره لحديث "لاضرر" في قضية الأنصاريّ وسمرة.
5- بناءً على كون المقصود من القاعدة نفي الحكم الّذي ينشأ منه الضرر، فهل يمكن للفقيه نفي وجوب الصوم إذا احتمل ترتّب الضرر منه؟
6- الأصل أنّه يحرم على المرأة كشف جسدها أوعورتها أمام الطبيب لأجل العلاج، أوالولادة، حدّد بدقّة الموارد الّتي تطبّق فيها القاعدة هنا، وينتفي الحكم المذكور.



هوامش

1- العذق على ما في المنجد: كلّ غصن له شعب، والحائط هوالبستان.
2- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب12 من أبواب إحياء الموات، ح3، ص428-429.
3- البقرة: 197.
4- الكليني، الكافي، م.س، ج5، باب فضل ارتباط الخيل، ح14، ص50.
5- السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، م.س، ص24-27.
6- بتصرّف: الخميني، روح الله: بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، تحقيق ونشر مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره،ط2، قم المقدّسة، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ.ق.
7- الأنصاري، فرائد الأصول، م.س، ص315.
8- الأنصاري، مرتضى: المكاسب، ص372؛ الخوانساري، موسى بن محمّد: منيةالطالب، ج2، ص201.
9- سمرة: بفتح الأول وضمّ الثاني وفتح الثالث، و(جندب) بضمّ الأوّل وسكون الثاني وفتح الثالث على وزن (لعبة)، صحابي من بني شمخ بن فزارة. والذي يظهر من تتبّع كتب الرجال والسير، ولاسيّما ما نقله العلّامة المامقاني وابن أبي الحديد، في ترجمة الرجل أنّه كان من أشدّ الناس قسوة وعداوة لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وكان لا يبالى بقتل الأبرياء وجعل الأكاذيب وتحريف الكلم عن مواضعه، وإليك نبذ ممّا التقطناها من مخازيه: إنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مئة إلف درهم على أن يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام: ï´؟وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِï´¾ - إلى قوله تعالى - ï´؟وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَï´¾ وأنّ هذه نزلت في ابن ملجم ï´؟وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِï´¾، فلم يقبل، فزاده حتّى بلغ أربعمئة ألف فقبل! (نقله ابن أبى الحديد في شرحه على نهج البلاغة).
- كما استخلف زياد سمرة بن جندب على البصرة، فأتى الكوفة وقد قتل ثمانية آلاف من الناس (وفى رواية من الشيعة!) فقال له زياد: هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا؟ قال: لوقتلت مثلهم ما خشيت! (رواه أبوجعفر الطبري في أحداث سنة خمسين من تاريخه).
- وقال سمرة: والله لوأطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبداً (نقله الطبري وابن الأثير).
ولولم يكن دليل على فسق الرجل ومعاداته للحقّ وأوليائه إلّا هذه الرواية المنقولة في المتن عن الجوامع المعتبرة الحاكية عن اعتدائه على الأنصاري، لكان كافياً.
10- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب 12من أبواب إحياء الموات،ح3.
11- م.ن، باب5 من أبواب الشفعة، ح1.
12- كان له حقّ عقلائي وشرعي في قضية معيّنة؛ فالمنع من ممارسته لحقّه المذكور ضرر أيضاً. فمثلاً من حقّ الشخص أن يعيش في داره حرّاً، والحيلولة دون ممارسة حقّه - كما حال سمرة دون إعمال الأنصاري لحقّه المذكور - ضرر أيضاً...
13- البجنوردي، القواعدالفقهية، م.س، ج1، ص214.
14- الخراساني، كفايةالأصول، م.س، ج2، ص266.
15- الأنصاري، المكاسب، م.س، ص 372.
16- الحلّي، محمّد بن الحسن: إيضاح الفوائد، ج2، ص48.
17- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص518.
18- م.ن.
19- وتعني الحكومة نظر أحد الدليلين إلى الآخر، بحيث يكون الأوّل لغواً، لولم يفرض الثاني في مرحلة أسبق، كما هوالحال في مقامنا، فإنّ حديث لا ضرر ينفي الضرر من زاوية التشريع، فلا بدّ من فرض تشريع وأحكام في مرحلة سابقة لينفيها الحديث في حالة الضرر. أمّا ما هي النكتة في تقدّم الحاكم؟ فإنّ النكتة هي النظر، ونفس كون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم هو بنفسه نكتة تكفي في نظر العرف للتقدّم، لأنّ معنى كون الدليل ناظراً هو أنّ المتكلّم قد أعدّه لتوضيح المقصود من الدليل المحكوم، وواضح أنّ ما أُعدّ لتوضيح المقصود من غيره يكون هو المقدّم في نظر العرف (الإيرواني، دروس تمهيدية في القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص154) .
20- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج2، ص539.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
رد مع اقتباس