عرض مشاركة واحدة

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 17  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:45 PM


الدرس السابع عشر: قاعدة السلطنة

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة السلطنة وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
227

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
منحت الشريعة الإسلاميّة الإنسان مجموعة مهمّة من الحقوق الّتي تنظّم علاقات الناس بعضهم ببعض، فأعطتهم حقّ التملّك، وحقّ السلطنة على الأموال والممتلكات، الّذي يترتّب عليه جواز سائر التصرّفات المحلّلة في كلّ ما يملكه.

ويظهر للمتتبّع لكلمات الفقهاء وجود اتّفاق بينهم على العمل بقاعدة السلطنة، والإفتاء في ضوئها. وقد استدلّوا بها في موارد متعدّدة، فذكرها العلماء في مصنّفاتهم1، كالخلاف، والسرائر، وجامع المقاصد، ومفتاح الكرامة، وجواهر الكلام، وغيرها.

بيان المراد من القاعدة
المراد من السلطنة ـ هنا ـ هوتسلّط المالك على ماله بنحوكامل شامل، فله أن يتصرّف كيف يشاء، بالنسبة إلى أنحاء التصرّفات المحلّلة ضمن الحدود الشرعيّة، فله الحقّ في بيعه وإهدائه وإيجاره وأكله وغير ذلك من التصرّفات الّتي لم يثبت من الشريعة ردع عنها. فكلّما شكّ في جواز التصرّف والتسلّط يتمسّك


--------------------------------------------------------------------------------
229

--------------------------------------------------------------------------------


بالقاعدة ويثبت الجواز، قال المحقّق صاحب الجواهر رحمه الله: "قاعدة سلطان المالك - وتسلّط الناس على أموالهم - أصل لا يخرج عنه في محلّ الشكّ"2.

فالمالك سلطان في ماله، له الحقّ التامّ في مطلق التصرّفات، ولا أحد يمنعه عنه، أويقف بوجهه في تحديد هذا السلطان، ولا أحد يشاركه فيه، بدون إذنه، بحيث لوكُفّن الميّتُ بكفنٍ مغصوبٍ فالشارعُ يعطي الصلاحيةَ للمالك - والحالُ هذهِ - في نبش الأرض وأخذ قماشه، ولا يجب عليه قبول القيمة.

وليس المقصود منها أنّ المالك لشيءٍ لا يحقّ لغيره التصرّف فيه بدون رضاه وطيب نفسه، فإنّ ذلك ليس تمام المقصود من قاعدة السلطنة، بل المقصود منها أوسع من ذلك، وهوأنّ المالك لشيءٍ له حقّ التصرّف فيه بأيّ شكل شاء، ولازم ذلك أنّ الغير لا يحقّ له التصرّف فيه بدون رضاه.

بيان مدرك القاعدة
أوّلاً: من الكتاب: استدلّ على حجّيّة القاعدة بآيات ادّعي دلالتها على المطلوب، منها: قوله تعالى: ï´؟لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًاï´¾،3 وقوله تعالى: ï´؟وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾4.

فالمستفاد من الآيتين عدم جواز أكل أموال الناس إلّا من خلال طرق خاصّة مشروعة، تبنى على رضا الطرفين، وجعل حرمته كحرمة قتل الأنفس، وكأنّ هذا القول يتوافق مع الحديث المعروف: "حرمة مال المسلم كحرمة دمه"5، وكأنّه


--------------------------------------------------------------------------------
230

--------------------------------------------------------------------------------


يريد القول: إنّ عدم جواز أكل أموال الناس وحرمته متفرّع عن كونهم مسلّطين عليها. مراده أنّ تصرّف الغير بإذن المالك هو إعمال للسلطنة بالإذن.

وفيه أنّه لا ريب في دلالة الآيتين الكريمتين على حرمة مال المسلم، وهذا المعنى يختلف عمّا يُراد إثباته في قاعدة السلطنة، فقاعدة احترام مال المسلم، وقاعدة السلطنة مستقلّتان عند العقلاء وفي الشريعة - دليلاً وملاكاً6 - فإنّ قاعدة السلطنة قاعدة عقلائيّة هي من أحكام المالكيّة عند العقلاء، فالمالك للشيء مسلّط عليه بأنحاء التسلّط عندهم، وقد أمضاها الشارع وأنفذها بقوله في النبوي المشهور: "الناس مسلّطون على أموالهم"، وقاعدة حرمة المال عبارة عن كونه في حريم المملوكيّة ومحترماً، لا يجوز لأحد التصرّف فيه بلا إذن من مالكه، ومع الإتلاف كان ضامناً. وهذا غير سلطنة المالك على ماله وجواز دفع الغير عن التصرّف فيه، وهذه أيضاً قاعدة عقلائيّة أمضاها الشارع، والدليل عليها روايات كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟"7، فينبغي عدم الخلط بينهما.

ثانياً: أدلّة القاعدة من السنّة: يمكن الاستدلال على القاعدة بعدّة طوائف من الروايات:
الطائفة الأولى: ما دلّ على أنّ لصاحب المال الحقّ بالتصرّف بماله ما شاء، منها:
- ما عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "الرجل يكون له الولد أيسعه أن


--------------------------------------------------------------------------------
231

--------------------------------------------------------------------------------


يجعل ماله لقرابته؟ قال: هوماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت"8، وعنه أيضاً قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عطيّة الوالد لولده؟ فقال: "أمّا إذا كان صحيحاً فهوماله يصنع به ما شاء، وأمّا في مرضه فلا"9.

- ما عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، وزاد: "إنّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّاً إن شاء وهبه، وإن شاء تصدّق به، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلّا الثلث، إلّا أنّ الفضل في أن لا يضيّع من يعوله ولا يضرّ بورثته"10.

وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات أنّها تصرّح بسلطنة صاحب المال على ماله، فيتصرّف فيه كيف شاء، وأنّ كون الشيء (ماله) يكون علّة تامّة في جواز تصرّفاته، ولكنّها ضعيفة سنداً.

الطائفة الثانية: النبويّ المشهور: "الناس مسلّطون على أموالهم"11، فهذا النبويّ هومدلول القاعدة بتمامه وكماله، والقاعدةمتّخذة منه، فلا كلام ولا إشكال في تماميّة الدلالة وعموميّتها، كما قال الشيخ الأنصاري رحمه الله: وأمّا قوله عليه السلام: "الناس مسلّطون على أموالهم"، كان عمومه باعتبار أنواع السلطنة، فهوإنّما يجدي فيما إذا شكّ في أنّ هذا النوع من السلطنة ثابت للمالك وماضٍ شرعاً في حقّه أم لا؟12.

والإشكال إنّما هوفي السند, لأنّ النبويّ مرسل، أضف إلى ذلك أنّه لم يذكر في مصادر الحديث عند الإمامية، فعليه لا يصلح أن يكون هذا النبويّ بعنوانه دليلاً في المقام، ولكنّ الّذي يسهِّل الخطب أنّ مدلوله يُستفاد من الروايات الواردة في


--------------------------------------------------------------------------------
232

--------------------------------------------------------------------------------


أبواب المعاملات. منها: ما رواه الحسن بن علي بن شعبة، عن الصادق عليه السلام، سؤالاً عن معائش الناس، في حديث طويل الذيل: "وكلّ شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كلّه حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته. - إلى أن قال عند بيان وجوه الحلال -: ما يجوز للإنسان إنفاق ماله وإخراجه بجهة الحلال في وجوهه، وما يجوز فيه التصرّف والتقلّب من وجوه الفريضة والنافلة"،13 يدلّ هذا الحديث على قاعدة سلطنة المالك بالنسبة إلى ماله، دلالة تامّة كاملة. ولكنّه بما أنّ الحديث مرسل لا يمكن المساعدة عليه تجاه الاستدلال، فلا يُستفاد منه هناك إلّا التأييد للمطلوب.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: "سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل، وأهل الأرض يقولون: هي أرضهم، وأهل الأسنان يقولون: هي من أرضنا، فقال: "لا تشترها إلا برضا أهلها"14. دلّت على عدم جواز الاشتراء بدون ارتضاء المالك، وهذا هومعنى سلطنة المالك على ماله، وكيف كان الأمر فالروايات الدالّة على مدلول القاعدة كثيرة جدًّا، ولا يسعنا المجال لذكرها.

الاستدلال بالسيرة
المدرك المهمّ لهذه القاعدة سيرة المتشرّعة، وسيرة العقلاء:
1- سيرة المتشرّعة:
إنّ بناء المتديّنين والمتشرّعين، بل أهلٍ التقوى، قائم على أنّ لكلّ مالك أن يتصرّف في ملكه بما شاء، ممّا يكشف إنّا15 عن تلقّي ذلك من الشارع، ولا يحتمل


--------------------------------------------------------------------------------
233

--------------------------------------------------------------------------------


أن يكون هذا السلوك ناشئاً من غفلتهم عن الاستعلام عن حكمه الشرعيّ، وخصوصاً مع ملاحظة حجم السيرة وشمولها وامتدادها. وعلى هذا الأساس يُفسَّر الإجماعُ القائمُ على ذلك، بتقريب أنّه يكشف عن الارتكاز المتشرّعي المتلقّى من المعصوم المعاش سلوكاً، لا رواية مكتوبة.

2- سيرة العقلاء:
فقد استقرّت السيرة عند العقلاء بأنّ صاحب المال مسلّط على ماله تمام التسلّط، ولا تحديد ولا ردع إلّا في مورد الضرر والحرمة، وعليه أفتى الفقهاء بأنّ التمليك بدون إذن المالك باطل، فإنّ بناءهم في كلّ عصر ومصر قائم على أساس أنّ المالك له كلّ حقوق التصرّف في ماله، يتصرّف فيه كيف يشاء، من نقل وهبة ووصيّة وإعارة...إلخ، وليس لأحد أن يزاحمه في ذلك، ولا أن يمنعه عنه، والشارع قد أمضى هذه السيرة، ويكفي للقطع به سكوته، إمّا على أساس العقل16، حيث إنّ سكوته وعدم نهيه - مع افتراض عصمته - يكشف إنّاً عن كونها مرضيّة لديه, وإمّا على أساس الظهور الحاليّ المستكشف من كونه شارعاً ومسئولاً عن تبليغ الشريعة, فسكوته - مع افتراض مخالفتها للدين - خلاف ظاهر حاله، مع أنّه لم يصل إلينا ولو برواية ضعيفة تدلّ على نهي الشارع عنها، بل وصل إلينا - ولوبروايات ضعيفة - ما يعزّز الحجّيّة ويؤيّدها. وهذا ما ذكره الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ قاعدة السلطنة قاعدة عقلائيّة هي من أحكام المالكيّة عند العقلاء، فإنّ المالك للشيء مسلّط عليه بأنحاء التسلّط عندهم، وقد أمضاها الشارع وأنفذها بقوله في النبويّ المشهور: الناس مسلّطون على أموالهم"17.


--------------------------------------------------------------------------------
234

--------------------------------------------------------------------------------


حدود قاعدة السلطنة
لم تمضِ الشريعة الإسلاميّة قاعدة السلطنة على إطلاقها، بل وضعت بعض الضوابط، فأخرجت عدّة عناوين بنحوالتخصيص أوالتخصّص، نذكر منها:
- موارد التبذير والإسراف، فمن حقّ كلّ إنسان التصرّف في أمواله، ما دام لم يصل تصرّفه حدّ الإسراف والتبذير، وإلّا منع, لقوله تعالى: ï´؟وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِï´¾18، ومثل هذه الموارد خارجة من القاعدة بالتخصيص.

- موارد الضرائب المالية، فليس من حقّ المالك التصرّف في الأموال التي تتعلّق بها ضريبة الزكاة أو الخمس قبل إخراج الضريبة.
ومثل هذا راجع إمّا إلى تخصيص القاعدة، بمعنى أنّ المالك للأموال المتعلّق بها الضريبة هومالك لها جميعاً، ولكنّه ممنوع من التصرّف فيها قبل إخراج الضريبة، أو إلى التخصّص، بمعنى أنّ المالك للأموال المتعلّق بها الضريبة ليس هومالكاً لمجموعها بل هو مالك لما عدا مقدار الضريبة، فمقدار ذلك يكون ملكاً لأصحابه، وحيث إنّه مشاع فيكون المالك ممنوعاً من التصرّف باعتبار أنّ المال المشترك لا يجوز التصرّف فيه إلّا بموافقة جميع الملّاك.

- موارد صرف المال في المجال المحرّم، فليس من حقّ المالك الشراء بأمواله خمراً، أو إقراضه أو بيعه بشكل ربويّ مثلاً، فإنّ قاعدة السلطنة قد طرأ عليها التخصيص في المجالات المذكورة.

- مورد مرض الموت، فإنّ المشهور اختار أنّ المالك إذا مرض بمرض الموت


--------------------------------------------------------------------------------
235

--------------------------------------------------------------------------------


فليس من حقّه إهداء أمواله أوبيعها بأقلّ من ثمن المثل، إلا إذا كان ذلك التصرّف في حدود ثلث ما يملكه.

- التصرّف بعد الموت بمقدار ما زاد على الثلث، فإنّ من حقّ كلّ إنسان ـ ما دام حيّاً - أن يهب جميع أمواله أويوقفها أو...، وأمّا بعد موته فله الحقّ في ذلك بمقدار الثلث، دون ما زاد إلّا مع إجازة الورثة.

وهذا في روحه يرجع إلى التخصّص دون التخصيص، بمعنى أنّ الشخص بعد وفاته لا يكون مالكاً لأمواله إلّا بمقدار الثلث، لا أنّه مالك لجميعها، ويمنع من التصرّف بما زاد على الثلث.

التسلّط على النفس
هل الإنسان مسلّط على نفسه وأعضائه كما هومسلّط على أمواله؟ كلّا، لعدم ثبوت دليل على السلطنة المذكورة. بل يمكن أن يُقال بدلالة الدليل على العدم. والوجه في ذلك:
أمّا بالنسبة إلى نفي السلطنة على النفس فلقوله تعالى: ï´؟وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِï´¾19، حيث تدلّ على أنّ الإنسان ليس له سلطنة على نفسه بإلقائها في التهلكة من خلال الانتحار ونحوه.

التسلّط على الأعضاء:
وأمّا بالنسبة إلى التبرّع بأعضاء الحي إلى آخَر- كالتبرّع بالكلية أو العين ونحوهما - ففي المسألة تفصيل كثير، يمكن إجماله بالآتي:
أوّلاً: الاستدل على نفي السلطنة على الأعضاء، وحرمة قطع الأعضاء ونقلها إلى الآخر، بمجموعة من الأدلّة، منها:


--------------------------------------------------------------------------------
236

--------------------------------------------------------------------------------


- التمسّك بالسيرة العقلائيّة الجارية على تجنُّب كلّ ما يوجب الضرر، وحيث إنّه لم يردع عنها شرعاً فتكون ممضاة.
- التمسّك بحديث نفي الضرر، حيث ورد في الحديث الشريف: "لا ضرر ولا ضرار"20، وحيث إنّ إرادة النهي عن الإضرار من الفقرة الثانية "ولا ضرار" أمر قريب جدّاً فيلزم الحكم بحرمة الإضرار.

- التمسّك بما دلّ على حرمة الجناية على النفس وظلمها، بتقريب أنّ قطع مثل اليد أوالرجل ونحو ذلك ظلم لها، فيحرم, لقوله تعالى: ï´؟وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَï´¾21.
- التمسّك ببعض الروايات الدالّة على أنّ علّة تحريم بعض المحرّمات إضرارها ببدن الإنسان، من قبيل رواية المفضّل بن عمر: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لِمَ حرّم الله تعالى الخمر والميتة ولحم الخنزير؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى... علم ما يضرّهم فنهاهُم عنه وحرّمه عليهم..."22، بتقريب أنّ علّة تحريم المحرّمات، إذا كان هو إضرارها بالنفس، فيلزم حرمة كلّ ما يوجب الضرر بالنفس، كقطع اليد أوالرجل، وإلّا لما صلح أن يكون علّة لتحريم المحرّمات.

ثانياً: الاستدل على جواز التبرّع بالأعضاء إلى الآخرين على تفصيل بين الموارد: وخلاصة الكلام باختصار هي:
أمّا حكم أصل القطع: فلقائل أن يقول بحرمة قطع الحيّ بعض أعضاء بدنه للغير، فإنّه إضرار بالنفس والبدن، والإضرار حرام في الشريعة، سواء بنفسه أم


--------------------------------------------------------------------------------
237

--------------------------------------------------------------------------------


بغيره، وسواء انجرّ إلى تلف النفس أم لم ينجرّ، ووجوب حفظ النفس المحترمة كفاية إنّما هو بالطرق المتعارفة، لا بقطع أعضاء بدن المكلّفين وزرعها في بدن المضطرّ، فإنّ هذا النحو من الحفظ لم يذكره الفقهاء، فضلاً عن عدم وروده في الكتاب والسنّة.

ولبيان الحكم بشكل أوضح ينبغي التفصيل بين أنواع الإضرار: فالإضرار بالنفس على ثلاثة أوجه:
الأوّل: إلقاء النفس إلى التهلكة بأيّ وجه كان، وهذا حرام منصوص لا إشكال فيه. بل لا يجوز مساعدة المحتاج في هذا المورد بلا إشكال، حتّى إذا فرضنا علم المساعد بموته بعد دقائق، فإنّه لا يجوز إتلاف نفسه في هذه الدقائق اليسيرة.

الثاني: إتلاف الأعضاء المهمّة كقطع اليد أو الرجل واللسان، أو قلع العين، ونظائر ذلك ممّا يعلم بعدم رضا الشارع به، ومثله التسبيب لابتلاء النفس بالأمراض الخطيرة، كالسلّ والسرطان والإيدز وأمثالها، ودليل الحرمة هنا هو العلم المذكور، سواء أوجد دليل لفظي عليها أم لا. وهذه الحرمة في بعض الموارد كقلع عين واحدة لزرعها في رأس عالم جليل ذي مكانة دينية أعمى مثلاً مبنيّة على الاحتياط23 .

وفصّل آخرون في المسألة فذهبوا إلى عدم جواز التبرّع بالأعضاء التي يوجب نقلها نقص الإنسان و تشوّهه...، كالعين واليد والرجل وما شاكل ذلك، ولا فرق فيه بين الحيّ والميّت، فلا تكون وصيّة الشخص نافذة بالتبرّع بها بعد موته, لأنّه من الوصيّة في الحرام، و لا فرق في حرمة التشويه بين تشويه الإنسان نفسه أو غيره، فإنّ الإنسان لا يملك أعضاءه التي تتوقّف حياته عليها، كالرأس


--------------------------------------------------------------------------------
238

--------------------------------------------------------------------------------


والقلب ونحوهما، أو ما يكون نقلها موجباً لتشوّهه في الخلقة والهندام، كالعين واليد والرجل، وأمّا غيرها من الأعضاء فيجوز له نقلها إلى غيره تبرّعاً أو بإزاء مال، كالكلية والدم و الجلد و ما شاكل ذلك، هذا شريطة أن لا يؤدّي إلى الضرر المعتدّ به، و إلّا لم يجز أيضاً24.

الثالث: الإضرار بأدون من الوجهين المذكورين، وهذا غير محرّم, لعدم الدليل عليه، فإنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" لا يدلّ على حرمة الإضرار بالنفس ظاهراً، والرجوع إلى أصالة البراءة بل إلى بناء العقلاء على تسلّط الناس على أموالهم وأنفسهم يعطي الجواز، وترى العقلاء يقدمون على بعض الإضرار بمشي زائد أو أكل زائد أو عمل شاق، ولا يذمّ أحد أحداً على ذلك. أضف إلى ذلك أنّ مساعدة الغير في هذا المورد راجحة ولا إشكال فيها، وإذا توقّفت حياة أحد عليها تجب"25.


--------------------------------------------------------------------------------
239

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- المراد من السلطنة - هنا - هو تسلّط المالك على ماله بنحوكامل شامل، فله أن يتصرّف كيف يشاء، وليس له أيّ مانع بالنسبة إلى أنحاء التصرّفات المحلّلة ضمن الحدود الشرعيّة.
- المالك سلطان في ماله، له الحقّ التامّ في مطلق التصرّفات، ولا أحد يمنعه عنه، أو يقف بوجهه في تحديد هذا السلطان، ولا أحد يشاركه فيه، بدون إذنه.

- أهمّ أدلّة القاعدة من الروايات النبويّ المشهور: "الناس مسلّطون على أموالهم"، فهذا النبويّ دليل القاعدة بتمامه وكماله، والقاعدة متّخذة منه، فلا كلام ولا إشكال في تماميّة الدلالة
وعموميّتها.

- المدرك الأهمّ للقاعدة هو سيرة العقلاء، وسيرة المتشرّعة، فإنّ بناء العقلاء في كلّ عصر ومصر قائم على أساس أنّ المالك له كلّ حقوق التصرّف في ماله، يتصرّف فيه كيف يشاء،
من نقل وهبة ووصيّة وإعارة...الخ، والشارع قد أمضى هذه السيرة.

- وأمّا سيرة المتشرّعة فإنّ بناء المتديّنين والمتشرّعة، بل أهل التقوى قائم على أنّ لكلّ مالك أنّ يتصرّف في ملكه بما شاء، مّما يكشف إنًّا عن تلقّي ذلك من الشارع، وخصوصاً مع
ملاحظة حجم السيرة وشمولها وامتدادها.

- لم تمضِ الشريعة الإسلاميّة القاعدة على إطلاقها، بل أجرت عليها بعض القيود وأخرجت عدّة أفراد بنحو التخصيص أو التخصّص، كموارد التبذير والإسراف، وموارد الضرائب
الماليّة، كالزكاة أو الخمس. ومنعت صرف المال في المجال المحرّم...

- لا دليل على التسلّط على النفس والأعضاء، بل يمكن أن يقال بدلالة الدليل على العدم مع وجود استثناء...



مطالعة

صفات المالك وهي على أنحاء
1- الصغر والسفه: فقد منع الشارع المالك الصغير والسفيه من التصرّف في جميع ماله، وألغى سلطنته عليه، حتّى يتحقّق فيه أمران: البلوغ، والرشد، وقد تصدّى الأعلام لبيان الحدود
الزمنيّة وغيرها الّتي بها يتحقّق الأمران، في المرأة والرجل، يُرجع في معرفة ذلك إلى كتب الفقه الاستدلاليّ.

والمراد بالرشد القدرة العرفيّة على إدارة أمواله وإصلاحها، فلو بلغ سفيهاً استمرّ الحجر عليه، وكذا لو عرض عليه السفه، فالشارع إنّما يعطي السلطنة لمن يكون حكيماً في تصرّفه المالي، فلا يرضى بتضييع المال في غير محلّه، وإن كان صادراً عن مالكه.

وتُمنح السلطنة في مال الصغير بعد سلبها منه للأب والجدّ من جهة الأب، فيشتركان فيها، فإن اتّفقا على أمر نفذ، وإن تعارضا قُدّم عقد السابق، على تفصيل في محلّه.
ولو بلغ سفيهاً بقيت سلطنتهما عليه, عملاً بالاستصحاب، ولوعرض عليه السفه بعد أن كان بالغاً رشيداً سقطت سلطنته، وأعطيت للحاكم الشرعيّ خصوصاً دون الأب والجدّ.

2- الجنون: يكون سبباً في إسقاط سلطنة المالك وإلغائها حتّى يفيق ويكمل عقله. والسلطنة في ماله للأب والجدّ، على النحوالمتقدّم في الصغير.

3- السفه: يكون سبباً في سلبِ الشارعِ سلطنةَ المالكِ بشروط:
- أن تكون ديونه ثابتة عند الحاكم.
- أن تكون أمواله قاصرة عن ديونه.
- أن تكون ديونه حالّة، فلا تسقط سلطنته على ماله لأجل الديون المؤجّلة، وإن لم يفِ ماله لوحلّت، ولوكان بعضها حالًّا وبعضها مؤجّلاً فإنْ قصر ماله عن الحالة يحجر عليه، وإلّا فلا.

4- مطالبة الغرماء الحجر:
5- الاحتكار: يجوز للحاكم الشرعيّ إجبار المحتكر (في بعض الموادّ) على البيع، وإسقاط سلطنته عن الامتناع منه، ولكنّ الخلاف بينهم في التسعير عليه وعدمه. ويصحّ إدخال هذا
العنوان تحت عنوان الإضرار بالمجتمع الإسلاميّ.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- المالك سلطان في ماله، له الحقّ التامّ في مطلق التصرّفات، ولا أحد يمنعه عنه، أو يقف بوجهه في تحديد هذا السلطان، ولا أحد يشاركه فيه، بدون إذنه.
2- يُستفاد من أدلّة القاعدة إمكانية التسلّط على النفس والأعضاء إضافة إلى الملك.
3- إذا شكّ المكلّف في حليّة لحم الأرنب الّذي يملكه، فيمكنه التمسُّك بقاعدة السلطنة لإثبات جواز أكله مع الإغماض عن سائر الأدلّة والأصول العمليّة.
4- المشهور أنّ المالك، إذا مرض بمرض الموت، فليس من حقّه إهداء أمواله أو بيعها بأقلّ من ثمن المثل، إلّا إذا كان ذلك التصرّف في حدود ثلث ما يملكه.
5- المراد من السلطنة هنا هوتسلّط المالك على ماله بنحوكامل شامل، فله أن يتصرّف كيف يشاء، وليس له أيّ مانع بالنسبة إلى أنحاء التصرّفات المحلّلة ضمن الحدود الشرعيّة.
6- لو سرق الكافر، أو سبّ الله والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم... إلخ ـ حال كفره ـ ثمّ دخل الإسلام فإنّه لا يؤاخذ على تلك الأفعال الصادرة عنه، فلا يخضع للأحكام والحدود
الإسلاميّة.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- هل يمكن التمسّك بقاعدة السلطنة لإثبات جواز شراء الإنسان بأمواله الأدخنة مع ثبوت ضررها؟ ومن ثمّ جواز التدخين بها؟
2- كيف توفّق بين قاعدة السلطنة على المال، وبين منع الشريعة للمكلّف من التصرّف في ماله أو صرفه في موارد محدّدة، كموارد التبذير والإسراف، وموارد الضرائب الماليّة، كالزكاة أوالخمس، وصرف المال في المحرّم.
3-من حقّ الإنسان أن يتناول الأطعمة المباحة، هل بإمكانه إسقاط الحقّ المذكور بقاعدة السلطنة؟
4- من حقّ الرجل الزواج بالثانية. هل بإمكانه إسقاط الحقّ المذكور؟ وإذا لم يمكنه ذلك، فما هوالطريق لتوصّل الزوجة الأولى إلى عدم تزوّج زوجها بزوجةٍ ثانية؟
5- هل يمكن التمسّك بقاعدة السلطنة لإثبات جواز طلاق الزوجة نفسها، إذا اشترط لها الزوج ذلك في العقد؟ وما هي الطريقة الشرعيّة للتوصُّل إلى ذلك إذا لم يمكن التمسُّك بقاعدة
السلطنة؟
6- شخص بلغ سفيهاً فمن حقّه الحصول على ماله, لأنّه أصبح مسلّطاً عليه.



هوامش

1- الشيرازي، القواعدالفقهية، م.س، ج2، ص14.
2- النجفي، جواهرالكلام، م.س، ج27، ص138.
3- النساء:29.
4- البقرة: 188.
5- الشيرازي، القواعدالفقهية، م.س، ج2، ص14.
6- الملاك: ما في الفعل من مصلحة أو مفسدة.
7- العاملي، وسائل الشيعة، م.س،ج29، الباب1 من أبواب القصاص في النفس،ح3.
8- م.ن، ج19، الباب17 من أبواب أحكام الوصايا،ح1.
9- م.ن،ح 11.
10- م.ن،ح2.
11- المجلسي، بحارالأنوار، م.س، ج2، ح7، ص272.
12- الأنصاري، المكاسب (البيع)، م.س، ص83.
13- العاملي، وسائل الشيعة،ج12، باب2 م نأبواب ما يكتسب به،ح1، ص 55-57.
14- م.ن، باب1 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح3، ص249.
15- الإنّ: هو كشف المعلول عن علّته.
16- الأساس العقليّ يقوم إمّا على كون المعصوم مكلّفاً، وإمّا على كونه شارعاً هادفاً، هدفه تبليغ الأحكام بشكلها السليم. فلو كان ما يفعله العقلاء منكراً لنهاهم المعصوم عنه، ولمّا لم ينههم يكشف ذلك عن كونه صحيحاً غير منكر. ولو كان ما يفعله العقلاء ناشئاً عن الجهل لكان الواجب على المعصوم أن يعلّمهم, لأنّ تكليفه تعليم الجاهل. وهذا على أساس كون المعصوم مكلّفاً، ولو فرضناه شارعاً هادفاً، وقد سكت، فهذا يكشف عن كون الفعل لا يتنافى مع هدف الشارع.
17- روح الله الموسوي الخميني، بدائع الدررفي قاعدة نفي الضرر، م.س، ص127.
18- الإسراء: 26 ـ 27.
19- البقرة: 195.
20- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج18، باب12 من أبواب إحياء الموات، ح3.
21- النحل: 118.
22- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج24، باب1 من أبواب الأطعمة المحرّمة، ح1.
23- المحسني، محمّد آصف، الفقه والمسائل الطبيّة، ص 217.
24- الفيّاض، إسحاق، المسائل المستحدثة, ص: 181. ويراجع السيستاني، علي، الاستفتاءات (309)، ص85.
25- المحسني، محمّد آصف، الفقه والمسائل الطبيّة، ص 217.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
رد مع اقتباس