الموضوع: اخبار دولية
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية kumait
kumait
عضو برونزي
رقم العضوية : 65773
الإنتساب : May 2011
المشاركات : 452
بمعدل : 0.10 يوميا

kumait غير متصل

 عرض البوم صور kumait

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : kumait المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها
قديم بتاريخ : 28-11-2012 الساعة : 06:37 PM



خارطة علاقة دول البلقان وشعوبها مع إسرائيل: حدودها وطبيعتها (1)
فريد موهيتش: ترجمة كريم الماجري

إن فهم علاقات بلدان البلقان بإسرائيل هو مفتاح فهم سياسة إسرائيل العامة وإستراتيجياتها ليس فقط في البلقان بل أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وكذلك سياستها العالمية تهدف هذه الدراسة بعد إلى تتبع خارطة العلاقات التي تجمع إسرائيل ودول البلقان وبيان وجوهها المتعددة وخطوطها الأساسية، ولضرورات منهجية ستُقسَّم الدراسة إلى جزئين؛ خُصِّص الأول منهما لدراسة العلاقات الإسرائيلية مع الدول البلقانية التي لم تكن جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي السابق ألا وهي: اليونان وبلغاريا وألبانيا.

أما الجزء الثاني فسيتعرض لعلاقة إسرائيل ببقية دول البلقان الست والتي كانت منضوية تحت الاتحاد اليوغسلافي السابق، وهي: مقدونيا، الجبل الأسود، صربيا، كوسوفا، البوسنة والهرسك و كرواتيا. وقبل الخوض في الجزء الأول من خارطة العلاقات، تستعرض الدراسة أحدث أزمة ذات صلة بالشأن اليهودي في منطقة البلقان.

الشوط الثالث، وعلاقة البلقان باليهود

أحدث عرض الفيلم المقدوني "الشوط الثالث" ضجة كبيرة في وسائل الإعلام المقدونية والبلغارية، كما كان سببًا في اتخاذ المؤسسات الديبلوماسية في كلا البلدين لعدد من الخطوات والقرارات التي وُصِفت بالقوية كما يبدو من خلال جملة الرسائل والبرقيات المتبادلة بين هذين البلدين البلقانيين. قد تبدو هذه الضجة مفهومة إذا علمنا أن موضوع الفيلم المقدوني تناول مسألة ترحيل اليهود خلال الحرب العالمية الثانية من أرض مقدونيا، وهو الموضوع الذي لا يزال محل خلاف كبير بين البلدين في روايتيهما الرسميتين للأحداث التاريخية لتلك الفترة، ويزيد الأمر تعقيدًا وجدية إذا تعلق بإسرائيل.

كما هو معروف، فإن إسرائيل هي المثال العالمي للدولة صاحبة الوضع الخاص وأي نقد سلبي لها، بقطع النظر عن مصدره ومهما كانت الحجج المقدمة للبرهنة عليه، يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها للدولة التي جاء منها هذا النقد، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى التشهير بصاحب النقد وتوجيه كل التهم له، وهو ما حدث مع الحاصلين على جائزة نوبل للسلام جيمي كارتر وديزموند توتو، ومع العالمين جون ميرشايمر وستيفن وولت، ومع مثقفين من أمثال نورمن فينكلشتاين ونعوم تشومسكي، وكُتّاب مثل أليس وولكر وغونثر غراس وروجيه غارودي وآخرين بمن فيهم سياسيون معروفون وحتى بعض الشهود الذين بقوا على قيد الحياة من ضحايا المحرقة، فكل هؤلاء أصبحوا بدورهم ضحايا لمجرد إقدامهم على إدانة إسرائيل بشأن اعتداءاتها المتكررة والمثبتة على حقوق الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، وخاصة في استنكار الاعتداء على قافلة الصليب الأحمر التي كانت متجهة نحو غزة في محاولة لتقديم مساعدات إنسانية لسكان غزة ورفع جزء من الحصار المفروض عليهم جورًا من قِبل إسرائيل.

الإشكال الذي يطرحه الفيلم المقدوني "الشوط الثالث" يتمثل في حقيقة أن المسؤولية عن عمليات الترحيل التي طالت اليهود في مقدونيا خلال الحرب العالمية الثانية تُحمّل على الجيش البلغاري الفاشي حليف النظام الألماني الفاشي المتهم بتلقي أوامر من القيادة الألمانية برئاسة أدولف هتلر تقضي بإحكام السيطرة ومراقبة الوضع في مقدونيا التي لم تكن تملك سيادتها على أراضيها ولم يكن لها بالتالي يد في ترحيل اليهود الذين كانوا موجودين على أراضيها في حينها.

الواضح اليوم هو أن تصنيف دولة إسرائيل لبلدان العالم الأخرى يعتمد بشكل حصري على مدى عمق ونوع العلاقات بينها وبين تلك البلدان سلبًا وإيجابًا، وهذا يمثل حجر الأساس في سياسة دولة إسرائيل الخارجية الذي قامت عليه منذ نشأتها في العام 1947، حيث عاملت تل أبيب بلدان العالم من خلال تصنيفها إلى بلدان صديقة ومقربة وأخرى عدوة عاملتها بالتهديد والوعيد، وبهذا صنعت شبكة علاقات فعالة على مستوى علاقاتها الدولية وكانت منطقة البلقان جزءًا من هذا التصور الإسرائيلي!

من جهة دولة مقدونيا التي تعي تمامًا أن عين إسرائيل ترقبها عن قرب، يأتي هذا الفيلم الذي أنتجته ليس فقط لدفع تهمة خيانة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية وترحيلهم إلى معسكرات الموت الألمانية، بما أن الأراضي المقدونية كانت تحت السيطرة البلغارية حينها، بل أيضًا لاستنكار الهولوكوست وتوجيه التهمة لبلغاريا بشكل مباشر وتحميلها المسؤولية الكاملة في ذلك، وتذكيرها بماضيها الفاشي وإشراف سلطاتها المباشر على الترحيل القسري الجماعي ليهود مقدونيا إلى معسكرات الموت في ألمانيا، وبهذا فإن مقدونيا تحاول التقرب من إسرائيل وتنقية ماضيها من ناحية، وإحراج بلغاريا دوليًّا وإضعاف وضعها على الساحة الدولية من ناحية أخرى! وبما أن لا أحد يشكك في الماضي الأليم والطويل لليهود في البلقان فإن علاقات دول البلقان اليوم مع إسرائيل تؤثر بشكل واضح على القرارات السياسية للجانبين بل وحتى على مستقبلهما.

من الضروري استحضار أن التركيبة الحضارية والثقافية والدينية لمنطقة البلقان شديدة التنوع والتعدد، وأنها مكونة، دون استثناء، من جماعات وشعوب إثنية وثقافية ولغوية ودينية مختلفة. وبذلك فإن تعامل هذه المجتمعات البلقانية المختلفة مع اليهود الذين تواجدوا في المنطقة خلال الفترات التاريخية الماضية تعددت أوجهه بدورها سلبًا وإيجابًا، وعرفت فترات تشنج وكراهية كما شهدت عهودًا من الانفتاح على تلك الجاليات اليهودية ومعاملتها بتسامح. لكن التاريخ الحالي يشهد فصولاً درامية لا تعكس حقائق التاريخ وما كان من حسن المعاملة وما بذله المسلمون من حماية وما وفروه من استضافة لليهود المهجرين من أصقاع أوروبا على أرض الإسلام.

وحتى تكتمل فصول هذه الدراما، فإن من كانوا من أشد أعداء اليهود بالأمس أصبحوا اليوم من أقرب حلفائها، في حين بات من كانوا من أشد المدافعين والحامين لليهود خلال التاريخ المديد من أعداء دولة إسرائيل الحديثة. فالمسيحيون الكاثوليك وعلى امتداد التاريخ أظهروا عداءً واضحًا لليهود (من خلال مطاردتهم المستمرة لليهود منذ 1492 ومحاولاتهم إفنائهم واستئصال وجودهم بالكامل ، أو حملات الكاثوليك التي انطلقت في العام 1612 من أجل حمل اليهود على تغيير دينهم إلى المسيحية، وصولاً أخيرًا إلى تورط الفاتيكان غير المباشر مع سياسات الفاشيين خلال الحرب العالمية الثانية)، أما اليوم فنجد أن البلدان الكاثوليكية والبروتستانتية من أهمّ حلفاء إسرائيل.

في المقابل، ورغم أن الدول الأوروبية المسلمة مثّلت -وعلى امتداد 780 عامًا من حكم الأندلسيين و632 عامًا من حكم العثمانيين- الفضاء الوحيد الآمن والحامي لليهود الأوروبيين، فإن التوتر المستمر هو ما يطبع العلاقات اليوم بين تلك البلدان وإسرائيل. اللحظة الحاسمة في إنشاء شبكة العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الإسرائيلية مع باقي الدول والجماعات الإثنية والمنظمات السياسية في البلقان كانت متأثّرة ومرهونة في طبيعة تشكيلها بهذا التناقض وقلب الحقائق التاريخية التي عاشها اليهود على أرض القارة الأوروبية.

من الحقائق الثابتة تاريخيًّا أن المسيحيين، وعلى الأخص الدول الكاثوليكية مثل: إسبانيا والبرتغال وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشعوب هذه البلدان من المسيحيين-الكاثوليك والكاثوليك الرومان والأنجليكيين والبروتستانت- هم اليوم من أقرب حلفاء إسرائيل، وهذه الحقيقة هي ما تزيد في الاستغراب من هذا التشوه التاريخي في الذاكرة والذهنية والنفسية لدى الطرفين؛ إذ إن التاريخ يثبت بكل قطعية أن تلك الدول والشعوب التي أشرنا إليها أعلاه ضاقت باليهود ذرعًا وطاردتهم وعاملتهم أسوأ معاملة وصولاً إلى محاولة التخلص النهائي من وجودهم ومحوهم من على وجه البسيطة خلال محرقة الهولوكوست التي دبّروها لهم في الحرب العالمية الثانية! وهذا التشوه في الذاكرة التاريخية والنفسية ذاته هو الذي يحكم اليوم علاقة إسرائيل بالدول والشعوب المسلمة.

هذا التشوه والتناقض في فهم التاريخ اليهودي يبدو أكثر جلاء وتمظهرًا في واقع العلاقات بين إسرائيل ودول البلقان؛ حيث إن تأثير تلك العلاقات بالغ الأهمية على السياسات البلقانية ومستقبل المنطقة بشكل عام. لهذا فإن فهم علاقات بلدان البلقان بإسرائيل هو مفتاح فهم سياسة إسرائيل العامة وإستراتيجياتها ليس فقط في البلقان بل أيضًا في منطقة الشرق الأوسط وكذلك سياستها العالمية.

كما هو معروف فإن الاعتراف بدولة إسرائيل لم يكن أمرًا يسيرًا، وإن كان أول اعتراف قانوني بهذه الدولة المعلنة من جانب واحد عند منتصف ليلة 14 مايو/أيار عام 1948، من قِبل حكومة أميركا بإعلان رئيسها آنذاك هاري ترومان الذي جاء بعد 11 دقيقة فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية (ونذكّر هنا بأن الأمر في حينها تعلّق بالاعتراف بحكومة إسرائيلية ظرفية ومؤقتة)، أما الاعتراف الواقعي بإسرائيل فجاء في 31 يناير/كانون الثاني من العام 1949 وكان من قِبل عدد قليل جدًّا من الدول الأعضاء بعصبة الأمم؛ ففي الجولة الأولى من التصويت الأول على قرار الاعتراف بدولة إسرائيل المعلنة لم تقبل أية دولة من دول منطقة الشرق الأوسط ولا من قارة آسيا أو إفريقيا بالتصويت لصالح الإعلان، ثم تلت ذلك جولة ثانية من التصويت نُظِّمت في 14 مايو /أيار عام 1948؛ حيث صوّتت جمهورية جنوب إفريقيا، التي كانت مؤسسة على التفرقة العنصرية (الأبارتايد)، لصالح قرار الاعتراف بإسرائيل، ثم كانت الهند أول دولة آسيوية تقر لإسرائيل بالاعتراف بدولتها في 17 من سبتمبر/أيلول من عام 1950.

وبما أن بلدان الرابطة الشيوعية كانت على قدر عالٍ من الوحدة آنذاك، فقد شكّل اعتراف الاتحاد السوفيتي بدولة إسرائيل محفِّزًا لاعتراف دول البلقان بالدولة الإسرائيلية الوليدة، وكان على رأس تلك البلدان الاتحاد اليوغسلافي ودول أخرى مثل بلغاريا ورومانيا وألبانيا بالإضافة إلى اليونان، التي كانت عضوًا في حلف شمال الأطلسي وحليفة مقربة من أميركا. أما اليوم، وبما أن الخارطة السياسية للبلقان قد شهدت تغيرًا مهمًّا، فإنه من الضروري إجراء قراءة جديدة في واقع العلاقات السياسية بين بلدان البلقان وإسرائيل.

علاقات إسرائيل وبلدان منطقة جنوب شرق البلقان

تمثل اليونان وبلغاريا أولى بلدان منطقة البلقان انضمامًا إلى الاتحاد الأوروبي، كما أنهما كانا تحت الحكم العثماني الإسلامي خلال القرون الممتدة من الرابع عشر وحتى التاسع عشر، وعرف تاريخهما الماضي (العثماني) والحديث (فترة الحربين العالميتين وما تلاهما وخضوعهما للاستعمار النازي الألماني) نفس مستويات التعامل مع اليهود الذين كانوا يستوطنونهما. أما دولة ألبانيا فأُلحقت باليونان وبلغاريا لأنها أولاً من بلدان البلقان التي لم تنتمِ للاتحاد اليوغسلافي السابق، وثانيًا لأنها الدولة البلقانية، إلى جانب اليونان وبلغاريا التي لم تعِشْ ويلات حرب الاستقلال عن الأنظمة الشيوعية التي كانت تحكم بلدان المنطقة قبل انهيار جدار برلين والاتحاد السوفيتي. هذه البلدان الثلاثة التي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي، اكتمل بناء مفهوم الدولة فيها وعرفت مراحل متقدمة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وهو ما لا يتوفر بشكل كامل في دول البلقان الأخرى وريثة الاتحاد اليوغسلافي السابق، وما من شأنه بالتالي أن يجعل طبيعة العلاقات التي تقيمها مع إسرائيل تختلف في مضمونها وتأثيراتها.

أولاً: اليونان

اعترفت اليونان بدولة إسرائيل قبيل نهاية العام 1949، إلا أن التمثيل الدبلوماسي كان في أدنى مستوياته بين الطرفين إلى غاية العام 1991 بافتتاح سفارتي البلدين في أثينا وتل أبيب، وتعود برودة العلاقات بين البلدين إلى تأثرها بقوة العلاقات التي كانت قائمة بين إسرائيل وتركيا العدو الرئيسي لليونان. وكانت وفاة رئيس الوزراء اليوناني أندرياس باباندريو في يونيو/حزيران من العام 1996 (كان باباندريو صديقًا للشعب الفلسطيني ومناصرًا لقضيته وداعمًا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما لم تغفره إسرائيل أبدًا له ولبلده)، قد مثّلت أولى بشائر تحسن العلاقات اليونانية-الإسرائيلية، ثم دفع برود العلاقات بين إسرائيل وتركيا منذ العام 2010 إلى تمتين التقارب والتعاون اليوناني-الإسرائيلي بشكل واضح.

يعود تاريخ وجود اليهود في جُلّ الأراضي اليونانية، كما في كل بلدان البلقان الأخرى، إلى العام 1492م بعد ترحيلهم قسرًا من إسبانيا الكاثوليكية. وكان الاستقبال والترحيب الذي لاقاه اليهود من قبل سلطات وشعب الإمبراطورية العثمانية محكومًا بمعاهدة المدينة المنورة (وهي نفس المعاهدة التي أبرمها المسلمون الأوائل مع يهود المدينة المنورة عام 623م)، وقد وفرت لهم سلطات العثمانيين ظروفًا كريمة لحياة مستقرة ومزدهرة تدل عليها حقيقة أن مدينة سولون (وتسميتها الحالية تيسالونيكي) كانت في بداية القرن العشرين أكبر مدينة في العالم لتجمع الجاليات اليهودية التي بلغ تعدادها 15 ألف يهودي.

سبقت العلاقات الاقتصادية بين البلدين علاقاتهما الدبلوماسية، فقد بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى اليونان من المواد الكيميائية عام 1995 مئتي (200) مليون دولار، في حين كانت صادرات اليونان إلى إسرائيل، التي تتكون في الغالب من المواد الإسمنتية والغذائية ومواد البناء، قد بلغت 150 مليون دولار. العلاقات الجيدة بين إسرائيل وتركيا من جهة، وعلاقات اليونان الحميمة مع منظمة التحرير الفلسطينية في عهد باباندريو من جهة ثانية، أثّرتا بشكل واضح على طبيعة العلاقات الثنائية بين هذه البلدان الثلاثة سلبًا وإيجابًا.

ولهذا فقد ظلت معاهدة التعاون العسكري بين أثينا وتل أبيب الموقعة عام 1994 حبرًا على ورق، ومن ذلك أن البلدان لم يجريا أبدًا المناورات العسكرية المشتركة التي اتفقا عليها عام 2007. إلا أن تعكُّر صفو العلاقات الإسرائيلية-التركية على خلفية اعتراض قافلة الحرية التي نظمتها منظمة الصليب الأحمر الدولية التي كانت متوجهة إلى غزة وما صاحبها من هجوم على طاقمها وقتل عدد من الناشطين الأتراك على متنها، سمح للقوات العسكرية الجوية الإسرائيلية واليونانية بتنفيذ مناورات مشتركة بينهما في العام 2010 على الأراضي اليونانية، كما أرسلت اليونان عام 2011 خمس طائرات من نوع F-16 للمشاركة في تدريبات في إسرائيل، ثم تواصلت وتيرة العلاقات العسكرية بين البلدين حيث وقّع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في يناير/كانون الثاني من العام 2012 أثناء زيارته إلى اليونان معاهدة عسكرية تقضي بمزيد من التعاون المشترك في مجال الدفاع القومي.

طُبِعت العلاقات الإسرائيلية - اليونانية بمزيد من التقارب والتنسيق من خلال جملة اللقاءات الثنائية بين قيادات البلدين في أعلى المستويات. فقد قام الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف بزيارة إلى اليونان في أول زيارة من نوعها في تاريخ البلدين. وكان رئيس الوزراء اليوناني جيورجيوس باباندريو (نجل أندرياس باباندريو) قد زار إسرائيل رسميًّا في يونيو/حزيران 2010 بهدف تحسين العلاقات الثنائية. وفي أغسطس/آب من نفس العام ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الزيارة وقَدِم إلى اليونان في سابقة من نوعها بين البلدين.

زيارة نتنياهو لأثينا جاءت كرد للجميل على موقف اليونان التي أمسكت عن التصويت على قرار دولي يندد بما قامت به القوات الإسرائيلية من عمل عدائي تجاه قافلة الحرية التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة في مايو/أيار من عام 2010، وكان هذا الحادث نفسه هو ما تسبب في نسف العلاقات بين إسرائيل وتركيا عدوة اليونان التقليدية.

إلا أن التطور الأكثر تعبيرًا عن تدهور العلاقات الإسرائيلية-التركية تمثل في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى أثينا عام 2011، والتي أدت إلى فتح باب التحاور بين الطرفين حول رسم الإستراتيجيات المشتركة وتوحيد جهودهما لمكافحة الإرهاب. تجاوبت اليونان بسرعة ولعبت دورها في "مكافحة الإرهاب" بتعطيلها ومنعها للاستعدادات التي كان يقوم بها نشطاء خيريون لإرسال مساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة، ولذلك كوفئت من قبل إسرائيل التي ضمت الجزء اليوناني من جزيرة قبرص إلى مشروع التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في حقل ليفياتان، وهكذا زادت العلاقات الثنائية بينهما متانة في مجالي الطاقة وحماية البيئة الطبيعية. هذا الاتفاق المبرم في مارس/آذار عام 2012 ضمّ أيضًا قطاع الطاقة الكهربائية وسمح بمد خط كهربائي ينطلق من إسرائيل إلى قبرص ومنها إلى اليونان ما يجعله أطول خط للطاقة الكهربائية في العالم. كما أن مشروعًا مشتركًا ضخمًا بين إسرائيل وقبرص واليونان يتعلق بالتنقيب في حقول للغاز تقع شرق البحر الأبيض المتوسط ويهدف بوضوح إلى جعل اليونان الشريك والحليف الرئيسي لإسرائيل في منطقة البلقان.

ثانيًا: بلغاريا

الحقيقة دائمًا هي أمر أكبر من مجرّد اجتماع عدة دلالات. هذه المقولة تصحّ على حقيقة طبيعة العلاقات الإسرائيلية-البلغارية، بمعنى أن الدلالات التي تُقدَّم على وصف العلاقات البلغارية-الإسرائيلية بالجيدة لا تبدو كافية وحدها للكشف عن طبيعة وسمات الأحداث التي بُنيت عليها. فعندما تُسوَّق بلغاريا على أنها من الدول الأوروبية القليلة، مع رومانيا، التي كانت تحت الاستعمار الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، والتي أنقذت حوالي 80% من اليهود الذين كانوا يعيشون على أرضها من محنة المحرقة، وتجعل من هذا المعطَى دليلاً على متانة وتطوّر علاقاتها المتميزة الحالية مع إسرائيل، فإن هذا لا يكشف شيئًا من حقيقة الأجواء التي دارت فيها عمليات الإنقاذ المشار إليها لحوالي 48 ألفًا من اليهود، وهو ما يعادل 80% من العدد الإجمالي للجالية اليهودية التي سَلِمت من الترحيل القسري إلى معسكرات الموت الألمانية.

علينا هنا قبل كل شيء أن نقول: إنّ لا بلغاريا ولا رومانيا كانتا محتلَّتَيْن من قبل ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لكنهما بالأحرى كانتا حليفتين لألمانيا. وهذا الوضع سمح لهما بالتالي:

· أولاً: كان هناك قدر كبير من استقلالية القرار فيما يتعلق بالمسائل الداخلية لكل من بلغاريا ورومانيا وتمكنتا من حرية التصرف في قضية ترحيل اليهود من أراضيهما.

· ثانيًا: إن عددًا من المؤرّخين يتفقون، يدعمهم كمٌّ كبير من الوثائق المثبتة، على أن العامل الأساسي في عدم ترحيل اليهود إلى المعسكرات الألمانية في عهد الحكومة الفاشية البلغارية، يعود أساسًا إلى جهود الحزب الشيوعي البلغاري في معارضة عمليات الترحيل ولا يعود الفضل فيه للحكومة البلغارية الرسمية! فقد جنّد الحزب الشيوعي البلغاري كل قواه الشعبية لمواجهة التوجه الحكومي البلغاري الرسمي الداعم للفاشية في الوقت الذي كانت فيه الحكومة البلغارية، وبالأخص القيصر بوريس الثالث، ذات توجه معارض للسامية، وذلك بعكس مقولات بعض المؤرخين الآخرين. أدت تلك المعارضة الشعبية الواسعة المدعومة من قبل أوساط كنسية بلغارية إلى رفض ترحيل كامل لليهود نحو معسكرات الموت الألمانية. لكن السلطات البلغارية، وبقصد تخفيف حدة ردة الفعل الألمانية المتوقعة حول منع ترحيل اليهود البلغاريين إليها، أصدرت أوامرها بترحيل كامل لليهود المتواجدين في كلٍّ من مقدونيا التي كانت واقعة ضمن حدود مملكة يوغسلافيا، ويهود منطقة تراكيا التي كانت تابعة لدولة اليونان التي أخضعتها بلغاريا حينها إلى وصايتها بمباركة ألمانية عندما كانت صوفيا حليفًا قويًّا للقوة الألمانية الفاشية الغاشمة. أدت عمليات الترحيل تلك إلى التسبب في قتل حوالي 11700 يهودي، وهدّأت من غضب ألمانيا، بل ومثّلت -بالإضافة إلى ذلك- إنجازًا ونجاحًا تامًّا؛ حيث لم ينجُ من عمليات الترحيل تلك سوى بعض الأفراد من اليهود!

· ثالثًا: لقد كلفت عملية منع ترحيل اليهود من بلغاريا الكثير من المال في المقابل، فقد تنازل اليهود حينها عن كل ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة ودفع أموال طائلة كانت جماعات يهودية في الخارج قد أرسلتها إلى السلطات البلغارية من أجل إنقاذ اليهود البلغاريين.

· رابعًا: عدد من الناجين من اليهود المرحَّلين قسرًا إلى المعسكرات الألمانية كانوا قد أدلوا بشهادات تفيد بأن جزءًا من المرحَّلين لم يكونوا أصلاً من اليهود بل كانوا مساجين بلغاريين من المعارضة الشيوعية البلغارية تم تجميعهم من داخل السجون وشحنهم في قوافل المرحَّلين على أنهم يهود.

تبدو معرفة هذه الحقائق والأحداث ضرورية على مستوى التحليل الجدي لأن كلا الطرفين الإسرائيلي والبلغاري يعرفان تلك الحقائق جيدًا؛ إذ إن هذا الجانب الخفي من واقع العلاقة بين البلدين كان حاضرًا وبقوة في الحقبة التي مرت بها علاقاتهما الباردة ، فبالرغم من اعترافها بدولة إسرائيل عام 1948، متبعة في ذلك خطى الاتحاد اليوغسلافي الذي كانت من حلفائه المقربين ، وعضوًا في حلف وارسو**، فإن بلغاريا كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل عام 1967 على إثر حرب الأيام الستة، وكان ذلك مرة أخرى بتأثير من الاتحاد اليوغسلافي.

بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي عام 1990 أعادت بلغاريا علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل وكان ذلك على مستوى تبادل السفراء في كل من تل أبيب وصوفيا بالإضافة إلى قنصلية فخرية في مدينة فارني البلغارية. التعاون بين البلدين يتجه أكثر نحو المجالين الاقتصادي والعسكري مع تكثيف التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وقد توصل الطرفان إلى هذا المستوى من التعاون في مكافحة الإرهاب على إثر حادث الهجوم على حافلة كانت تقل سائحين يهودًا في بلغاريا في 19 يوليو/تموز عام 2012، والذي نفذه شخص يحمل رخصة قيادة أميركية.

ثالثا: ألبانيا

عند إعلان قيام دولة إسرائيل، كانت ألبانيا حينها تتمتع بعلاقات متميزة مع الاتحاد السوفيتي، وبما أن هذا الأخير كان قد اعترف بإسرائيل فإن كل الدول الأعضاء في حلف وارسو تبعت خطى الحليف الأكبر ولم تكن ألبانيا لتتأخر في الاعتراف بالدولة الإسرائيلية وأعلنت ذلك عام 1949، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تتخذ طابعًا رسميًّا على مستوى السفراء في كل من تيرانا وتل أبيب سوى في الفترة التي أعقبت تهاوي الشيوعية في ألبانيا، وكان ذلك في 20 أغسطس/آب 1991.

جوهر الحقيقة عادة ما يكون غير معروف أو متجاهَل عن قصد، ومؤداه أنه لا يجب إطلاقًا التحقير من أي شخص أو الانتقاص من قدرات الشعوب والدول الصغيرة، هذا المعنى نجده متحققًا في كون عدد اليهود في ألبانيا عند نهاية الحرب كان أكبر من عددهم عند انطلاقها!؟ وذلك على الرغم من أن ألبانيا كانت خاضعة لاستعمار القوى الغاشمة خلال فترة الحرب العالمية الثانية (تحديدًا من قبل الاستعمار الفاشي الإيطالي تحت قيادة بينيتو موسيليني)، وهذا ما لم يتحقق في أية دولة من الدول التي استعمرتها ألمانيا وإيطاليا الفاشيّتان. الدلائل تشير إلى أن الترحيل القسري طال عائلة يهودية واحدة ووحيدة خلال تلك الفترة بعد تأخّر وصول النجدة الشعبية الألبانية إليها في الوقت المناسب.

ازدياد عدد اليهود في ألبانيا لم يكن فقط بفضل منع ترحيلهم وإنما أيضًا باستقبال ألبانيا لأعداد ممن رُحِّلُوا منهم من دول الجوار على أراضيها وتأمينهم على حياتهم. لكن هذا النجاح لم يكن دون مخاطر جدية، فقد مكنت السلطات الألبانية اليهود من أوراق ثبوتية مزورة ووطّنتهم في مناطق البلاد الداخلية البعيدة مما سهل عملية اندماجهم في المجتمع الألباني بسرعة. وبحسب الأرقام الرسمية فإن ألبانيا كانت بلد الاستقبال لحوالي 1200 يهودي لجأوا إليها من بلدان البلقان المجاورة. إسرائيل من جانبها، وكرد جميل لألبانيا استضافت على أراضيها عددًا من الألبان اللاجئين إليها من كوسوفا خلال الاعتداء الصربي عليها عام 1999، ومكنتهم من العلاج والإقامة على أراضيها.

بصفتها عضوًا ملاحِظًا في الاتحاد الأوروبي، ساندت إسرائيل بقوة طلب ألبانيا عضوية الاتحاد وحلف النيتو عن طريق لوبياتها القوية والفعالة على الساحة الدولية. إلا أن نقطة التحول في هذه العلاقة قد كمنت في اعتراف ألبانيا الرسمي بدولة فلسطين. لكن يبدو أن حتى هذا الاعتراف لم يغير من طبيعة العلاقات المتميزة والقوية التي تربط إسرائيل بألبانيا والتي يمكن أن تُصنَّف على أنها أقوى العلاقات التي تربط إسرائيل بدول منطقة البلقان على الإطلاق. يعيش حاليًا في ألبانيا حوالي 530 أسرة يهودية. ومنذ العام 2007 ازداد اهتمام الشركات الإسرائيلية بالشراكة مع نظيراتها الألبانية؛ ومن ثم فقد ازداد حجم الاستثمارات الإسرائيلية في البلاد بسرعة وخاصة تلك الموجهة إلى قطاعات الفلاحة والسياحة وتمويل مشاريع التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.

هكذا تبدو علاقات إسرائيل بدول جنوب شرق البلقان، اليونان وبلغاريا وألبانيا، متوازنة بشكل عام وتحكمها مصالح السياسة الدولية وسعي كل طرف منها إلى تعزيز مصالحه وكسب ودّ الطرف الآخر تجاه قضاياه الإستراتيجية الكبرى. لغة المصالح المشتركة تطغى على طبيعة تلك العلاقات، وماضي اليهود وما لاقوه من عنت على أيدي اليونانيين والبلغار خلال العقود الماضية، وخاصة ما تعرضوا له من تنكيل وسجن وترحيل قسري أثناء الحرب العالمية الثانية، لا يُشكِّل عاملاً معطّلاً لسيرورة العلاقات وتطوّرها، كما أن تميز العلاقة بين إسرائيل وألبانيا تاريخيًّا لم تتغير طبيعته، بل ازدادت متانة رغم أن ألبانيا دولة يشكِّل المسلمون فيها غالبية مطلقة.
_______

* النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.
* * يُسمّى حلف وارسو رسميا بمعاهدة الصداقة والتعاون المشتركين ، وهي منظمة عسكرية تأسست في العام 1955، كانت هدفها الأساسي مواجهة تهديدات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستمر عمل المنظمة التي نشطت كثيرا أثناء حقبة الحرب الباردة حتى انهيار جدار برلين وما تلاه من تفكك للاتحاد السوفييتي، لكن الإعلان الرسمي عن حلّ الحلف في يوليو/تموز من عام 1991 سبق بقليل الإعلان الرسمي عن التفكك النهائي للاتحاد السوفييتي المُعلن في 25 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد اليوغسلافي كان الدولة الشيوعية الوحيدة التي لم تنضم إلى منظمة معاهدة وارسو.(المترجم)
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا. أستاذ زائر بالمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية بكوالالومبور الماليزية. وأستاذ زائر في جامعة فلوريدا الحكومية وجامعة سيراكوز بنيو يورك، وجامعة السوربون الباريسية وعدد آخر من الجامعات الغربية والإسلامية.


توقيع : kumait


يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت
إرنست همنغواي
من مواضيع : kumait 0 تأملات في فتوى جهاد النكاح
0 وجه واحد!
0 هل الهاتف المحمول كان موجودا عام 1938؟
0 الاعلام العربي و أشكالية الضمير..
0 الأرض تستعد لمواجهة «عاصفة شمسية مدمرة»
رد مع اقتباس