عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية حيدر القرشي
حيدر القرشي
شيعي حسني
رقم العضوية : 24389
الإنتساب : Oct 2008
المشاركات : 5,056
بمعدل : 0.89 يوميا

حيدر القرشي غير متصل

 عرض البوم صور حيدر القرشي

  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : حيدر القرشي المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-11-2013 الساعة : 09:00 PM


ضرورة التأمل أثناء المجالس والزيارة في الإمام وما يريده منا

زن اعتباريّة الدنيا، وفكّر في الأمراض التي قد تصيبك وتأمّل في آخرتك، ثمّ فكّر في عاقبتك وما يصلح لمآلك ولتحصيل الفلاح والنجاة، وادرس ما يؤدّي إلى سعادتك الأبديّة، وفكّر في العمر الذي أعطاك الله... بعد أن تفكّر في ذلك، استحضر النورانيّة التي يمكن أن تحصل للنفس، ثم تأمّل في ظلمات النفس و كدورتها و العواقب الناتجة عنها.. استحضر عالم البهجة .. استحضر ذلك الصفاء.. استحضر ذلك التوحيد .. استحضر جميع ذلك ثمّ اجلس و تفكّر في كلّ واحدة واحدة من هذه الأمور.. فكّر فيها .. تأمّل و تدبّر.
كثيراً ما أقول للإخوة إذا أرادوا الذهاب إلى الزيارة: عندما تذهبون إلى الزيارة اجلسوا وتفكّروا، فكثرة القراءة لا تفيد الإنسان كثيراً، اذهب واجلس في إحدى تلك الزوايا جلسة المتفكّر المتأمّل... اذهب واجلس في زاوية من مقام سيّد الشهداء.. مقابل ضريح موسى بن جعفر.. مقابل ضريح الإمام الرضا عليه السلام، وانقل نفسك إلى داخل الإمام الرضا إلى داخل الإمام موسى بن جعفر، وانظر إلى حالك في تلك الوضعيّة التي أنت فيها، هل يمكن أن تكون واقعاً من جملة أنصار الإمام أم لا؟ ولو كنّا في ذلك الزمان فهل سنقوم بهذا العمل أم لا؟ انظروا ماذا يريد الإمام منّا، يقول الإمام الحسين لنا: لا أريد أن تطلب منّي أن تكون في عاشوراء معي، بل عليك أن تنظر إلى الهدف الذي من أجله استشهدت، ولماذا ضحيت بأولادي وأهل بيتي؟ لأجل أن أقيم المبادئ والقيم الأخلاقيّة، وإحياء العدل والإنصاف، فاعمل أنت على إحياء العدل في حياتك, فكن عادلاً في علاقتك مع إخوانك، لا تتجاوز هذا الأمر بشكل أو بآخر، فعندما يصل الأمر إلى وجود منفعة لك فعليك أن تحسب المسألة، لا أن تغمض العين وتتساهل بالأمر وتمضيه، وتقول ذاك الرجل سيتفضل علينا ولن يقول شيئاً، بل اذهب وأدِّ الحقّ إليه. أو عندما يدرك ذهنك مطلباً ما فاتّبعه بسرعة ولا تتساهل به، فإن فعلت ذلك فأنت معي، وإلا فلا تدّعي النصرة من دون شيء، ولا تتعب نفسك في الطلب، فإنّا نعرف الطريق بشكل دقيق، وإذا أردنا أن نمتحن الأشخاص فعند ذلك يُعلم من الذي ينجح في هذا الامتحان. لذا على الإنسان أن يشعر بأنّه يحمل روحه على كفه ويبذلها في طاعة الإمام، فعندما يشعر أن روحه على كفّه، فهل يمكن أن يصدر منه أيّ عمل؟ والحال أنّه يحمل روحه في يده.. بهذا الشرط؟ لكن إذا لم يكن كذلك، بل كان هذا الأمر ادعاءً منه. فإن كان مستوفياً لهذا الشرط، عند ذلك يقال له توقّف هنا، وأقدم هناك وافعل هذا الفعل! ماذا كان لسلمان من مقام؟ لقد وصل وحصل على الوحدة مع أمير المؤمنين، وحصل على الوحدة مع الولاية وصار جزءاً منها، وصار «منّا أهل البيت»، فقد روي: «سلمان منّا أهل البيت»، فتارة يقال سلمان منّا فقط.. يقول المرحوم العلاّمة أنّه ورد في بعض العبارات عبارة منّا فقط، وورد في بعضها منّا أهل البيت، فعبارة منّا أهل البيت أعلى، فعبارة منّا تفيد أنّه في نفس المسار ونفس الخيمة، لكن منّا أهل البيت أعلى، فالإمام يقول: «سلمان منّا أهل البيت»، فهل استشهد سلمان حتى يصير من أهل البيت؟ لا! بل كان من المعمّرين، حيث نقل بعضهم أنّه عاش مائة وثمانين سنة، وبعضهم قال مائي سنة، ورأيت في بعض المصادر أنّه عاش ثلاثمائة وعشرين عاماً، لا أعلم إن كان ذلك صحيحاً أو أنه أضيفت نقطة أو خط.. يقال بأنّ أحد الأشخاص كان يكتب في التاريخ.. يكتب تاريخ عاشوراء، فقال له مساعده أين قتل سيّد الشهداء ثلاثين ألفاً؟ فكل من كان في كربلاء لم يبلغ ثلاثين ألفاً، فقال له: دعه يقتلهم جميعاً هؤلاء الملاعين...


التعقل يستدعي اتباع الإمام في كل أمر

المرحوم الميرزا الدربندي له كتاب في تاريخ كربلاء والأحداث التي جرت فيها، ويقال بأنّ العلماء لم يكونوا يولون هذا الكتاب أهميّة؛ لأنه كان يركز على مسألة المصيبة فقط، يعني أن مصيبة سيّد الشهداء غلبت عليه وصار جميع وجوده عبارة عن مصيبة، وينقل أنّه كان في حرم سيّد الشهداء عليه السلام يمسك بالقفص ويقسم على الإمام الحسين عليه السلام بحقّ أمّه الزهراء أن لا يشفع للشمر يوم القيامة، حسناً، إذا أراد سيّد الشهداء أن يشفع للشمر أو لا يشفع، فهل ينقص منك شيء، فمن أنت حتى تعيّن للإمام تكليفه، وقد أقسم عليه بحقّ أمّه الزهراء، ويقال بأنّ الذي يقسم على الأئمة بحقّ أمهم الزهراء لا يردّونه أبداً، فإذا أراد الإمام الحسين أن يشفع للشمر في يوم القيامة، فما الذي يحصل؟ نحن لا نقول بأنه سيقوم بذلك، فالمسألة لها حساب وكتاب مختلف، لكن لنفترض أنه أراد أن يشفع.. ما هذا؟ هذا ترجيح للمصيبة، فأنت لم تعد تقبل بالإمام الحسين، بل جميع وجودك غرق في المصيبة ولم تعد تريد أن تخرج منها، لماذا لا تريد أن ترى الإمام الحسين أعلى من المصيبة؟ لماذا لا ترى رحمة الإمام الحسين أعلى من أيّ شيء؟ لماذا لا تقترب أنت من ذاك الأفق وتنظر إلى الأحداث بتلك النظرة؟ لماذا؟ لقد غرقنا في المصيبة ولم نخرج منها.
هناك في الكثير من بلاد الهند وباكستان وغيرهما يعقدون المجالس لسيّد الشهداء، لكن جميع هؤلاء مبتلون فقط بمسألة المصيبة لا غير، فكلّ شخص يأتي ويكذب على الناس ويرفع من وتيرة المصيبة يكون محبوباً أكثر عند الناس، مهما كذب عليهم في ذلك. سمعت أن سيداً عالماً كان قبل مدّة في الهند ـ وكان سيداً عالماً ـ أو لعلّه كان في باكستان؟ الظاهر أنهّ في كان الهند، لقد أتى وقال إنّ سيّد الشهداء وأصحابه اغتسلوا ليلة عاشوراء، وتنظفوا... فقاموا إليه وطردوه من المجلس وأبعدوه، وقالوا له: بأيّ حقّ تتكلّم بهذا الكلام، والحال أنّه لم يكن لديهم قطرة ماء ليشربوها، فمن أين لهم ماء للغسل؟ فما هذا الكلام؟ أجاب: لقد قرأت التاريخ وهذا الأمر أخذته من الكتب وأبين لكم ما وجدته في الكتب، فقالوا له: أصلاً لا حقّ لك في ذلك. فإذا فرضنا أن شخصاً قال لهم: إنّ الحسين لم يشرب الماء منذ أن ولد، فسوف يقال له: أحسنت هذا صحيح، فتمام حياة الإمام الحسين التي تبلغ سبعة وخمسين عاماً كان في حالة من العطش، ما هذا؟ هذه تخيّلات وتوهّمات لا أكثر.
الإمام الحسين لم يرد منا في عاشوراء أن نغرق في التخيلات، بل أراد سيّد الشهداء أن يحرّكنا بفعله نحو العقلانيّة في عاشوراء، أراد أن يظهر المنطق والمظاهر الجماليّة للّه تعالى بشكلها الأتمّ على امتداد تاريخ الخلقة، في هذا الوادي أراد سيّد الشهداء أن يحرّكنا، لذا أوصى السيدة زينب وقال لها: «لا يذهبنّ بحلمك الشيطان» بل انظري دائماً إلى الله، واعتبري أنّك أنت الغالبة على ما يجري عليك، إذا انكسر قلبك فلا إشكال، وإن بكيت فلا إشكال، لكن عليك أن تبقي مسيطرة على حالاتك، فعندما أتت السيدة زينب إلى مجلس يزيد أو مجلس ابن زياد، ولعلّه ابن زياد فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟ فقالت: لا نراه إلا جميلاً، هذا الكلام من السيدة زينب لم يكن من باب إبراز التجلّد أمام العدو، لم تقله من باب عدم إظهار الضعف والإنكسار، كما نفعل نحن، لم تفعل ذلك حتى لا تزيد من شماتتهم بها، لا، هذه الأمور نعبّر نحن بها، نحن نقول مثل هذه العبارات في حالات مشابهة لهذه الأمور، فهي لم تكن ترى لهم أيّة قيمة حتى تتجلّد أمامهم، بل عملت السيدة زينب على إظهار إحساسها بصدق، السيّدة زينب ترى في هذه الأحداث الجمال الإلهيّ المطلق، فهل يمكن أن تتحدّث بغير هذا الكلام؟ أصلاً لسانها لا ينطق بغير هذا الكلام، لا تفكّر بغير ذلك، بل تخرج هذه الكلمات من قلبها وتلقيها، لأنها شعرت بذاك الجمال الإلهيّ بشكله الأتمّ، وهي على استعداد أن تتكرّر معها هذه القضيّة ألف مرّة بشرط أن لا تتخلّى عن ذاك الجمال الذي حصلت عليه، وواقعاً مستعدّة لتقديم المزيد، وأن تشارك في ألف واقعة كربلاء، فقد أذاقها الله تعالى مذاقاً لذيذاً ووضعها في أفق جعلها ترى الواقع كما هو، المصيبة التي جرت عليها هي في محلّها، فعندما ترى رأس الإمام يحصل لها تلك الأمور المذكورة وتبكي ذاك البكاء، وهذا طبيعي، فالسيّدة زينب إنسان. رسول الله عندما فقد ابنه إبراهيم بكى، وقال بحالة تسليم لله: إنّ القلب ليحزن والعين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي الله، هذا الأمر بعينه يحصل له. لكن يأتي الثاني ويقول: دع هذه الأمور جانباً، ويعترض على رسول الله. لا إشكال في الحزن وانكسار القلب وجريان الدموع، لكن في نفس الوقت الذي تجري فيه الدموع، يأتي القلب من شدّة شغفه مما يجري، يرى كيف يمنّ الله على عباده بهذه الأمور، عندما يشعر الإنسان بهذه الأمور يشعر وكأنّ قلبه سينفجر، لذا هذه المسألة ينبغي أن تدرس جيداً. فأهل الحقيقة والتوحيد وأهل السير هم الذين يصلون إلى هذه المطالب، هم الذين يمكنهم أن يضعوا أيديهم على حقيقة هذه المسائل.


ينبغي أن تكون الطاعات لأجل الله لا فراراً من العذاب ولا رغبة بالثواب

ألم تروا أن بعض الأشخاص يصلّون صلاة الليل ـ وقد رأيت بعض هؤلاء ـ يصلّون صلاة الليل بالكفن، لماذا تصلّي بالكفن؟ يقول: حتى يرتفع عذاب القبر بذلك! فهل تصلّي صلاة الليل لرفع عذاب القبر؟ لا تصليها لأجل الله تعالى؟ أو الأشخاص الذين يقولون لقد قرأنا القرآن عدّة مرات حول القبر الذي سندفن فيه، وقد سمعت من بعضهم أنه ختم القرآن ثلاث مرّات بالجنب من قبره ليرفع عنه عذاب القبر. فهل يقرأ الإنسان القرآن لرفع عذاب القبر؟ بل ينبغي أن يقرأ القرآن لكي يصل إلى مطالبه وإلى نورانيّته ومفاهيمه، ينبغي التأمل في آيات القرآن، فآيات القرآن آيات أساسيّة ومصيريّة، على الإنسان أن يتأمل بها دائماً، لا أن يقرأها لأجل عذاب القبر فقط، وكذا لا يلبس الإنسان كفنه ويصلّي صلاة الليل لأجل عذاب القبر... كان أويس القرني يمرّ من مكان فرأى رجلاً يصلى في قبر، فقال ماذا تفعل؟ فقال له لرفع عذاب القبر عنّي، فقال منذ متى أنت يصلي هنا؟ قال: منذ عشرين سنة، فقال له أويس: منذ عشرين وأنت تبتعد عن الله، أويس كان قد فهم المطلب، وكان فطناً جداً، فهو يعلم أنه ينبغي أن ندع التفكير بعذاب القبر أثناء الصلاة جانباً، وندع التفكير في نكير ومنكر، ولا يدع غير الله يأتي إلى ذهنه عندما يقول الله أكبر، أما ذاك الذي يقول الله أكبر.. اشف وجع ظهري، الله أكبر.. اقض ديني، الله أكبر.. اشف فلاناً و... فجميع هذه الأمور من التوهّمات، تمام هذه الأمور تخيّلات، بعضهم يقول اكفنا عذاب القبر وبعضهم يقول اشفنا من الأوجاع، فهذه كلّها توهّمات.
أمير المؤمنين عليه السلام يعلّمنا ويبيّن لنا الطريق، يكشف لنا المعيار، فيقول أنا لا أصلّي كي أدخل الجنّة، فالصلاة التي يريد الإنسان أن يدخل بها إلى الجنّة ليست صلاة، هو يعلّمنا هذا، والكلام ليس كلامي، بل نفس الأئمة هم الذين قالوا ذلك، وكذلك لا أصلّي حتّى لا أدخل جهنّم، يعني إذا قيل لنا بأنّه لا يوجد جهنّم، فلا نعود نصلّي إذاً، قلت مرّة للإخوة: إذا فرضنا أنّه في هذه الليلة ليلة الجمعة، جاء توقيع من ناحية الإمام عجّل الله فرجه ـ لنفترض ذلك فالفرض لا إشكال فيه ـ بأنّ الصلاة من الآن فصاعداً سقطت، فنذهب ونشتري علبة حلوى ونوزعها ونقول لا صلاة بعد الآن، وباب جهنّم أغلق اليوم، لم يعد فيها وقود وانتهت جهنّم.. لنجلس مع أنفسنا ونفكّر، إذا حصل هذا الأمر واقعاً، فهل نفرح به أم لا؟ إذا رأينا أنّنا فرحنا بذلك، نعرف أننا سقطنا في الاختبار، لنفكّر فيما بيننا وبين أنفسنا، لقد أعطيتكم هذا المعيار، لنجلس ونفكر.. فإن قلنا لقد ارتحنا، كم هو جيّد هذا الإمام الذي أراحنا اليوم من الصلاة، وبعد أسبوع سيريحنا من الصوم وهكذا من سائر الواجبات. أما إذا كنا مثل المرحوم القاضي، أو غيره، حيث يقول: إذا قال الله تعالى يوم القيامة أو في البرزخ لقد رفعت عنكم الصلاة، فأي مصيبة ستحلّ بنا، هذا هو الذي فهم المسألة، فإذا أتى الله تعالى وقال لا أريد منكم بعد الآن صلاة، فماذا نفعل؟ هو الذي عرف ما هي الصلاة وماذا يوجد فيها، هو الذي فهم كلام أمير المؤمنين عندما يقول: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا رغبة في جنتك»، فلا أتصور العقاب أثناء الصلاة أصلاً، ولا أتصور الجنّة أثناء الصلاة، فأنا لست كذلك. أما نحن فعندما نصلّي نقول: صلّ فإن لم تصلّ فهناك العذاب، اذهب سريعاً وصلّ، فهل جلسنا وفكّرنا في أنّ هناك سعادة تمرّ دون أن نستفيد منها، هناك فيض يأتي وينتظرنا هل نصلّي حتى يكون من نصيبنا أم لا؟ هل فكّرنا في ذلك، وهل أقمنا الصلاة بهذه النيّة وبهذا التوجّه؟ هل صلّينا صلاة الظهر.. صلاة العشاء.. صلاة الليل بهذه النيّة؟ أم لا... «بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك»، عليّ أن أعبدك، وظيفتي العبوديّة تقتضي أن أعبدك، أن أتقدّم بين يديك وأشكوَ لك ضعفي وأعرض عليك فقري وحاجتي، أقف بين يديك وأعرض موقعيّتي أمامك وحالتي بين يديك، آنس بك في هذه العبادة، فأنت في مقام المعبودية وأنا في مقام العبودية والمسكنة، فعند ذلك تصير المسألة جميلة جداً ولذيذة، أولئك لم يتوقفوا أبداً.
يقال بأنّ معروف الكرخيّ الذي كان بوّاب الإمام الرضا عليه السلام، وإن كان بعض أصحاب التراجم يبينون موقعيّته بشكل مختلف حيث يشكّكون في هذا المقام له عند الإمام، وعليهم أن يتوقّعوا المساءلة حول ذلك، لقد كان بوّاب الإمام الرضا وكان مستجاب الدعوة، عندما كان الناس يأتون إليه كانوا يقولون له أعطنا دعاء للسفر، فيقول لهم: اسألوا الله برأس معروف الكرخي يستجاب لكم، فكانوا يتساءلون فيما بينهم: هل يصح ذلك؟ لعلّك ترى نفسك رجلاً مهماً يا معروف؟ وكان هناك شخص يريد السفر بالسفينة، فكتب معروف عبارة في ورقة وقدّمها له، وقال له: عندما ترى البحر قد هاج بكم فاحملها في يدك وادع الله بها يهدأ البحر. فذهب هذا الرجل وعندما هاج البحر وقاربت السفينة على الغرق، فما أن أخرج الورقة التي أخذها من معروف، هدأ البحر وانقضى الأمر وكأنّ شيئاً لم يكن، وعندما رجع هذا الرجل حدّث نفسه وقال أيّ اسم أعظم هذا الذي كان في الورقة؟ حيث لم يتأخّر الأمر ولو لثانية واحدة، فالدواء الذي يتناوله الإنسان أحياناً يتأخّر أثره إلى ساعتين، لكنّ أثر هذا الدواء كان مباشراً، فنظر فإذا مكتوب في الورقة: إلهي أقسم عليك برأس معروف أن ترفع عنّا هذه البليّة. ما هذا؟ هل هذا دعاء؟ وقال: عندما أراه سأعاتبه على هذا الدعاء، أيّ دعاء هذا؟ فعندما عاد إلى المدينة ـ وكان الإمام الرضا في ذلك الوقت في المدينة ـ جاءه، وما إن شاهده معروف حتى قال له: لقد هاج البحر بكم وعندما فتحت الورقة هدأ كلّ شيء، وبعد ذلك تعجّبت من الأمر.. وكأنه كان هناك معه، قال: هذا الرأس الذي التصق بساحة القدس الإلهي، أليس له مقام عند الله؟ هذا الرأس الذي قدّم كل شيء في خدمة الإمام الرضا، أليس له عند الله شأن؟ اذهب وعندما تنزل بك نازلة فاسأل الله بهذا الرأس.. يصلح الله لك الأمور، والظاهر أنّه مات ـ كما ينقل ـ نتيجة الازدحام الشديد للناس عند دخولهم إلى الإمام في مرو وأدى إلى أن تتكسر بعض أضلاعه بعد أن التصق بالحائط، وهذا ما جعل بعضهم يتردّد في هذا الأمر، لأنّ الإمام كان في مرو وقبر معروف في بغداد، وأعتقد بأنّ علة وفاته هي هذه، لكنه لم يمت في الحال، إذ بعد ذلك قد يكون أتى إلى بغداد وطال الأمر إلى حين وصوله إلى بغداد واشتدت عليه تلك الحالة التي حصلت له في مرو ومات في بغداد نتيجة ذلك، يمكن الجمع بهذا النحو. فالسبب الذي كان وراء ارتحال معروف إلى بغداد هو هذه الحادثة، وقد ذهبنا وزرنا قبره في بغداد ومكانه معروف..
والقصّة هي أنه عندما كان يمرّ في مكان رأى سقاءً يبيع الماء، وكان يقول من يأتي ويشتري من هذا الماء أدعو له، وأقول رحم الله من شرب من هذا الماء، فقال له معروف: أعطني قربة منه، فأخذها ودعا له السقاء، فقيل له ألم تكن صائماً يا معروف؟ فقال: بلى، فقيل له: لمَ شربت الماء إذاً؟ قال: هذا الرجل يدعو، وقلت في نفسي دعاؤه أقرب إلى الله.. فلأذهب وأشرب الماء منه ويدعو لي، كان صائماً، وحتماً لم يكن صوماً واجباً، بل مستحباً، لماذا فعل معروف هذا الأمر؟ لأنه لم يكن أسير العمل، لأجل ذلك، هذا العمل هو عمل الموحّد، ألم تروا بعض من يضرّه الوضوء يذهب ويتوضأ عمداً، ويقول لا يمكن الصلاة بدون وضوء، هذا من ذاك، ألم تروا أن بعضهم لديه جرح في المعدة وتقرّح، يقال له الصوم عليك محرّم، فيقول: أريد أن أصوم شهر رمضان، هذا بسبب كونه أسير العمل, الله تعالى قال: الصوم واجب على من كان سالماً، أما من كان مريضاً فلا يجب عليه الصوم، فأنا الذي شرّعت وجوب الصوم، أليس كذلك؟ نعم، لماذا تأتي وتصوم مع وجود النهي؟! فأنا ـ نفس من قال بأنّ الصوم واجب ـ أقول هنا بأنه لا يجب عليك. بل يمكن أن نفرض المسألة أيضاً في رجلين سالمين، لا أنّ أحدهما مريض، فيقول الله تعالى لأحدهما صم وللآخر لا تصم، بل اجلس في شهر رمضان وكل ما شئت، لا اعتراض هنا، فأنا الذي وضعت الصوم وأوجبته، أنت صم وأنت لا تصم. أنا أريد منك هذا الأمر، والمسألة من هذا القبيل. على الإنسان أن لا يتوقّف عند نفس العمل، بل عليه أن يتوقف عند رضا الله تعالى، ماذا يريد الله منّي أفعل، عند ذلك إذا راعى الإنسان هذا الأمر تكون نورانية صلاته مع التيمم أكثر من نورانيتها مع الوضوء، لأنّ النفس في هذه الصلاة تنحّت جانباً، ذهبت الخيالات في هذه الصلاة جانباً، فهو يريد ذلك ويحبّ ذلك، وبما أنه يحبّ ذلك والله طلب منه أمراً آخر ترك ما يحبّ وعمل بما أمره الله، وهذا العمل يكون أثره أكبر، وهنا تكون المراقبة، وهنا تفيد المراقبة, يعني أنّ على الإنسان أن يكون متّبعاً للأوامر بنحو دقيق، دون أن يضيف أو ينقص من نفسه شيئاً، عندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة تصير نفسه نفساً مطيعة وتصير كالعجين في يده يجعلها كيفما يشاء، بينما نحن الآن عبارة عن حجر صلب، (شعر: حيران از دلم كه آن سنگ خالص) أي: عجبت من قلبي الذي هو بمثابة الحجر الصلب، فما لم تصر هذه النفس كالعجين والشمع لا يمكن أن يجعل منها مجسمة معينة، يجب أن تكون ناعمة وطرية، ولو كانت قاسية لانكسرت، كيف يمكن أن تصير طرية؟ عندما يكون القلب في رضا الله، وعندما يودع القلب فيه كلّ ما يرضي الله، أن يحصل لديه تسليم، إن قيل له توضّأ! يتوضأ، وإن قيل له لا تتوضأ! لا يتوضأ، صم يصوم، لا تصم لا يصوم، وهنا يوجد الكثير من الأسرار التي ينبغي أن يصل الإنسان إليها ويفهمها جيداً.


ذكر المصيبة آلة للوصول إلى الولاية

وعلى أساس ذلك، فالنتيجة هي أنّ هدف هذه المجالس ليس التوقّف عند المصيبة فقط، بل هو عبارة عن الاستفادة الآليّة من هذه المصيبة للوصول إلى الولاية، أن يصل الإنسان إلى الولاية، أما إذا أراد الإنسان أن يدخِل نفسَه في المصيبة ويغرق فيها، فسيبتعد عن الهدف الأساسي، وهذا لا فائدة منه، بل عليه أن يأتي ويفكّر فيما يقال عن سيّد الشهداء، فعند ذلك يتغيّر حاله شاء أم أبى، النفس تتحرّك، كلّ شخص يتحرّك بحسب فضائه الخاصّ به، ويصير قلبه مطمئناً لا تلاطم فيه ولا اضطراب... كنّا في أحد المجالس وتمّت قراءة الشعر والعزاء واللطم، وشعرت في هذا المجلس أنّ الأفضل هو أن يكون اختيار الشعر الذي يقرأ فيه أو العبارات التي تلقى أكثر تعبيراً عن هذه الحالة، فمجلس سيّد الشهداء يحتوي الكثير من الأمور التي ينبغي تسليط الضوء عليها، فلماذا نأسر أنفسنا ونطوّقها بهذه العبارات فقط؟ بل هناك الكثير من المعاني الموجودة في أحداث كربلاء، ففي كلّ مشهد وكلّ مفصل منها درس وتعليم، على الإنسان أن يأتي بهذه المفاصل والمشاهد التي يمكن أن يتعلّم منها، حتّى يخشع قلبه ويتحرّك، ويحلّق إلى ذاك الفضاء.
إنشاء الله يكون مراد الحقير من طرحه لهذه المسائل تسليط الضوء على المسائل والأمور التي أشار إليها الأولياء وتحصيلها في أنفسنا، وأما إطالة العزاء والكلام والإسهاب في ذلك فلا يمكن به أن نحصل على هذه الأمور، بل بالعمل طبق ما أمروا به وبيّنوا لنا من أمور وعلّمونا من أن سيّد الشهداء عبارة عن وسيلة للوصول إلى التوحيد، فمن لنا وسيلة غير سيّد الشهداء؟ فهل بمثل هذه المجالس يصل إلى هذه الأمور؟ لا أعتقد ذلك.. لا أعتقد أنه يصل، فاعتبار سيّد الشهداء وسيلة، لا أن نعتبر سيّد الشهداء شخصاً كان موجوداً منذ ألف وأربعمائة سنة، بل نعتبره شخصاً موجوداً الآن بيننا، ما الذي يريده منّي في تعاملي في المجتمع وفي تعاملي مع الإخوة وتعاملي مع نفسي في الأمور العباديّة وغير العباديّة، وفي المعاملات.. ماذا يريد منّي في المعاملات، ألم يقل الإمام لعمر بن سعد إذا سلب ابن زياد ضياعك ومزارعك فأنا أعوّضك خيراً منها في المدينة؟ هذه معاملة، هذا ظاهر المسألة، ماذا يعني ذلك؟ يعني أننا إذا شعرنا بضيق في بعض المعاملات ورأينا أنّ في هذه المعاملة إشكال، علينا أن لا نقدم عليها، علينا أن لا نرجّح الدنيا على الآخرة فيها، لكن للأسف في هذه الأيام غلبت الثقافة الماديّة على جميع معاملاتنا، وعلى أفعالنا، والحال أنّ الواجب هو تغيير هذه الثقافة إلى ثقافة عاشورائية ثقافة كربلائية، وهي الثقافة التي يتعرّف فيها على روح ونفس سيّد الشهداء.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.


توقيع : حيدر القرشي
بِنْتُ مَنْ أُمُ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ *
ويْلٌ لِمَنْ سَنَ ظُلْمَهَا وأَذَاهَا
لا نَبِيُ الهُدَىَ أُطِيعَ ولا *
فاطمةٌ أُكْرِمَتْ ولا حَسَنَاهَا
ولأي الأمور تدفن سرا *
بضعة المصطفى ويعفى ثراها
فرار الدمشقية من المناظرة!!
من مواضيع : حيدر القرشي 0 شبهة : مـعصــــوم يــؤذي طــائــر الخـــطاف و معصـــوم ينهـيـــه!
0 شبهة : مـعصــــوم يــؤذي طــائــر الخـــطاف و معصـــوم ينهـيـــه!
0 كيفيّة إحياء مجالس عزاء سيّد الشهداء عليه السلام
0 حوار هادئ حول الامامة
0 عيد الغدير يوم غلبة العقل على الإحساسات
رد مع اقتباس