عرض مشاركة واحدة

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:44 PM


الدرس السادس عشر: قاعدة الإسلام يجُبُّ ما قبله

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة "الإسلام يجُبُّ ما قبله" وأدلّتها.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
213

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
هذه القاعدة من القواعد الّتي تعبّر عن فعل الحكيم بداية الدعوة الإسلاميّة، والّتي تأتي في مقام الامتنان والترغيب في الدخول في الإسلام، فهي بمنزلة العفوالعامّ المفتوح من قبل المشرّع الإسلاميّ عن الكثير من التكاليف الّتي تركها الكافر حال كفره، فلا يلزمه بالتكاليف إلّا من حين إسلامه.

بيان المراد من القاعدة
لا ريب أنّ لفظ "الإسلام" جاء في عنوان القاعدة بمعناه المعروف المبيّن في النصوص، وهوالإقرار بالشهادتين، وليس بمعنى الإيمان مطلقاً، بل بمعناه المصطلح في القرآن والأحاديث، وهوعقد القلب والخضوع الباطنيّ، كما ورد في الحديث "الإيمان ما وقر في القلوب"1، وعليه، فبمجرّد الإقرار بالشهادتين تجري قاعدة الجبّ، ولكنّه بشرط أن لا يعلم أنّه لأجل الحيلة والخدعة وغيرها من الدواعي المنافية لقصد الجدّ في الإقرار.

أمّا لفظ "الجبّ" بفتح الجيم، فهو، في اللغة، بمعنى القطع، جببته أي قطعته، كما ورد في معاجم اللغة العربية. فكأنّ الإسلام يقطع ويقلع ويرفع ما كان أحاط


--------------------------------------------------------------------------------
215

--------------------------------------------------------------------------------


بالكافر، ولصق به من الأوزار والآثار والتكليفيّة.

فإنّ الإسلام يُسقط الآثار الّتي تترتّب على الأفعال والأقوال الّتي تصدر من الكافر في حال كفره، فيما لودخل الإسلام، بمعنى أنّ الأثر الّذي يترتّب على فعله أوقوله لوكان مسلماً يسقط عنه لودخل الإسلام، وتسقط ما هو مطلوب منه أو مطالب به من الأحكام الوجوبية والتحريمية، فلوكان قد زنى، أو شرب الخمر، أو سرق، أو سبّ الله والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم... إلخ ـ حال كفره ـ ثمّ دخل في الإسلام فإنّه لا يؤاخذ على تلك الأفعال الصادرة عنه، فلا يخضع للحدود الإسلاميّة كالجلد أو قطع اليد، أو القتل، ونحو ذلك. نعم، لا تلغي القاعدة ما يتعلّق بحقوق الآخرين، فيجب عليه ردّ ما سرقه، أو ضمانه.

ماذا تشمل قاعدة الجَبّ؟
إنّ الإسلام يجُبُّ ما قبله للكافر، بمعنى أنّ الكافر لوأسلم وكانت ذمّته مشغولة بشيء، من طرف ما ارتكبه في حال الكفر، وكان اشتغال ذمّته من ناحية الإسلام، لا من ناحية كفره، فإسلامه موجب لسقوط ما في ذمّته. وبناءً على هذا فإنّ جميع العبادات الّتي فاتت منه في حال كفره وشركه من الصلاة والزكاة والخمس والصيام، حتّى الحجّ فيما إذا كان مستطيعاً حال كفره واستقرّ عليه ولم يؤدّه، فصار غير مستطيع، وبعد ذلك أسلم، فإذا أسلم يسقط جميع ذلك عنه بسبب جَبِّ الإسلام ما قبله.


--------------------------------------------------------------------------------
216

--------------------------------------------------------------------------------


فظهر أنّه بناءً على ما ذكرنا في معنى الحديث أنّ ما هو من حقوق الله تعالى مطلقاً - سواء أكان بدنيّاً فقط كالصلاة، أم ماليّاً فقط كالزكاة، أم كان مركّباً منهما كالحجّ، وليس للمخلوقين مدخل وحقّ فيه، إذا لم يكن معتقداً به، في حال الكفر، بل اعتقاده به يكون من ناحية إسلامه وبعده - فكلّها تسقط بالإسلام، ولا يكون عليه شيء، ولا قضاء فيما فيه القضاء على المسلم حال إسلامه, لِجَبِّ الإسلام ما قبله.

وأمّا في غير العبادات - كالديون والحقوق المتعلّقة بذمّة الكافر ونحوها... كما لوكان ديَة قتل الخطأ، أو الجرح والجناية على أعضاء الغير، ولو كان عن عمد، فيما إذا رضي المجنيّ عليه بالدية ثابتاً في دينه السابق قبل أن يسلم - فشمول الحديث لمثل هذا المورد مشكل جدّ, لما ذكرنا في استظهار المراد من الحديث أنّه عبارة عن أنّ ما صدر عنه من قول أو فعل أوكان له عقيدة، كلّ ذلك إن كان قبل أن يسلم وكان من أحكام الإسلام - ترتّب ضرر أو مشقّة أو عقوبة على ذلك القول أو على ذلك الفعل أوعلى تلك العقيدة - فالإسلام يرفع ذلك الأثر والضرر. والمفروض أنّ في المورد ليس من هذا القبيل، بل كان هذا الأثر والضرر يترتّب على قوله أوفعله حتّى في دينه، وما احتملناه ووجّهنا به الجَبَّ في نظيره في العبادات، لا يخلو من نظر وإشكال، كما هو غير خفيّ على الناقد البصير.

وينبغي أنّ نشير، هنا، إلى أنّ الكافر إذا أتلف شيئاً في دار الإسلام كان ضامناً له، اتّفاقاً، سواء أسلم أم لم يسلم، وإذا أتلف في دار الحرب لا يضمن إذا أسلم، قال الشيخ: لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله. والأقرب الضمان, لعموم قاعدة اليد، فإنّ مدركها بناء العقلاء، وهم يرون أن علّة الضمان الإتلاف بدون أن يكون للمكان أو الدِّين دخل في ذلك، ولأنّ قاعدة الجبّ تنفي الأحكام التكليفيّة لا الوضعيّة.

بيان مدرك القاعدة
الأوّل: حديث الجبّ: رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "الإسلام يجبّ ما قبله"،2 و"التوبة تجبّ ما قبلها".3وقد اختلفت كلمات الأعلام في تقييمه، قبولاً ورفضاً، فقال الميرزا القمّيّ: "ولا يجب القضاء على الكافر الأصليّ إذا أسلم, لأنّ


--------------------------------------------------------------------------------
217

--------------------------------------------------------------------------------


الإسلام يجبّ، ولعلّه من المتواترات4". و"ولا وجه للقدح في السند والدلالة، إذ هو متلقّى بالقبول، بل أدّعي تواتره"5، وقال: "ويظهر من بعض الأصحاب تواتره، رواه الخاصّة والعامّة"6.

وناقش الأعلام7 في وجودالرواية في مصادر الإماميّة، فقال السيّد الخوئيّ قدس سره: "ورواية حديث الجبّ لم ترومن طرقنا"8، وقال أيضاً عن الحديث: "غير صالح لأن يُستند إليه, لعدم روايته من طرقنا، لا في كتب الحديث، ولا في الكتب الاستدلاليّة للفقهاء المتقدّمين، كالشيخ ومن سبقه ومن لحقه، ما عدا ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي9، الّذي لا يخفى ما في المُؤلَّف والمُؤلِّف، حتّى طعن فيه من ليس من شأنه الطعن، كصاحب الحدائق، ودعوى الإنجبار موهونة جدّاً، بل غير قابلة للتصديق، إذ كيف يحتمل استناد المشهور إلى رواية لم يذكروها في كتبهم الروائيّة ولا الاستدلاليّة؟"10. وذكر مثل هذه العبارة في كتاب الصلاة أيضاً11.

وقال قدس سره - أيضاً - في كتاب الصوم: "ولكنّها بعد الفحص التامّ والتتبّع


--------------------------------------------------------------------------------
218

--------------------------------------------------------------------------------


الكامل غير موجودة في كتب أحاديثنا جزماً، ولا مأثورة عن أحد من المعصومين عليهم السلام قطعاً، وإنّما هي مرويّة بغير طرقنا عن عليّ عليه السلام تارة، وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخرى، نعم، رويت في بعض كتبنا مرسلة، كمجمع البحرين وغوالي اللآلي عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ومجرّد كونها مشهورة في كتب المتأخّرين لا يستوجب اعتبارها بعد خلوكتب السابقين عنها"12.

وقد وردت الرواية في مصادر السنّة بالصيغ الآتية:
- قال محيي الدين النوويّ: "هذا حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه من رواية عمرو بن العاص، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الإسلام يهدم ما قبله"، هذا لفظ رواية مسلم، ذكره في أوائل الكتب، في كتاب الإيمان في رواية غيره: "يجبّ ما قبله"، بضم الجيم وبعدها الباء موحّدة، من الجبّ، وهوالقطع13.

- قال الشوكاني: "الحديث أخرجه أيضاً الطبراني، والبيهقي من حديثه، وابن سعد من حديث جبير بن مطعم، وأخرج مسلم في صحيحه معناه، من حديث عمروأيضاً بلفظ: "أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما قبله، وأنّ الهجرة تهدم ما قبلها، وأنّ الحج يهدم ما قبله؟". وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عبد الله بن مسعود قال: "قلنا: يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل"14.

النتيجة: إذا اتّضح حال الحديث من حيث السند، وأنّه حتّى عند السنّة الذين رووه خبر آحاد، لا يفيد القطع، يتّضح مراد الميرزا القميّ القائل بتواتره، فلعلّه يقصد بذلك معنى مسامحي، هو شهرته وتداوله في كتب الفقهاء. والله العالم.

الثاني: روايتا الصوم: عن عيص بن القاسم، قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام


--------------------------------------------------------------------------------
219

--------------------------------------------------------------------------------


عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أويومهم الّذي أسلموا فيه؟ فقال: ليس عليهم قضاء ولا يومهم الّذي أسلموا فيه، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر"15. وعن الحلبيّ، عن أبي عبد الله عليه السلام: "أنّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال: ليس عليه إلّا ما أسلم فيه"16.

وفيه: أنّهما واردان في خصوص الصوم، فالانتقال منه إلى غيره يشاركه في العلّة الظنّيّة قياس لا نقول به، فلا يصحّ جعلهما دليلاً على قاعدة الجبّ بصورة عامّة، بل يقتصر على موردهما أعني الصوم.

هل ترفع القاعدة العقاب الأخرويّ؟
يوجد قولان في المسألة:
الأوّل: رفع العذاب الأخرويّ: ما ذهب إليه الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ بقوله: "أمّا بالنسبة إلى العقاب الأخرويّ والدنيويّ، فهوممّا لا شكّ في شمول الجبّ له، بل هذا هوالقدر المتيقّن من الحديث والآية، فإذا أسلم الكافرُ رُفع عنه العقاب من ناحية أعماله في حال كفره، وكذا الحدود والتعزيرات كلّها، بل الظاهر‌أنّ الآية 38 من سورة الأنفال: ï´؟قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَï´¾ مختصّة به، وكذلك قياسه على التوبة والحجّ والهجرة في بعض الروايات أيضاً من هذا الباب، فعلى هذا ترتفع آثار الفسق عن الكافر بعد إيمانه، ولا يُضرب حدّاً ولا تعزيراً17.

الثاني: عدم رفع العذاب الأخرويّ: ولا يخفى أنّ المرفوع بهذه القاعدة إنّما هوالأحكام والآثار الظاهريّة من الإعادة والقضاء والديات والقِصاص والحدود


--------------------------------------------------------------------------------
220

--------------------------------------------------------------------------------


وساير الجرائم والمؤاخذات الدنيويّة، لا رفع العقاب والعذاب الأخرويّ.

وذلك لأنّ الملاك في رفع العقاب والعذاب الأخرويّ هو الإيمان والتوبة، وهما أمران قلبيّان باطنيّان، كما قال تعالى: ï´؟قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَاï´¾18، وما ورد في الحديث: "الإيمان ما وقر في القلوب وصدّقته الأعمال"19.

ويشهد لذلك ما ورد من التقابل بين الإسلام والتوبة في بعض الطرق المرويّ من حديث الجبّ، مثل ما رواه الشيخ الطوسي مرسلاّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: وفي بعضها: "التوبة تجبّ ما قبلها"20، فالرافع للذنوب والمعاصي هوالتوبة والإيمان الحقيقيّ.

وعليه، فبمجرّد الإقرار بالشهادتين لساناً تجري هذه القاعدة وتترتّب أحكامها، ولولم يكن الإقرار عن إيمان قلبي وتوبة عمّا سلف.

وأمّا قوله تعالى: ï´؟قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَï´¾. فإنّ الانتهاء ظاهر في التوبة، لا مجرّد الإقرار بالشهادتين والإسلام ظاهراً.
وأمّا ما دلّ بظاهره على غفران ما سلف في الجاهليّة بالإسلام، فلا بدّ من حمله على إرادة الإسلام الباطنيّ الملازم للإيمان والتوبة. وإلّا فلا إشكال في أنّ ‌الّذي يرفع بالإسلام بما أنّه إسلام - أي الإقرار باللسان، كما فسّر في النصوص المتضافرة بهذا المعنى وجعل قبال الإيمان - هو الآثار الوضعية الظاهريّة كما قلنا، بلا فرق في ذلك بين حقوق الله وبين حقوق الناس. فالمرفوع المقطوع منهما، بحديث الجبّ، إنّما هوالآثار والأحكام الظاهرية الوضعيّة والتكليفية، كما سبقت الإشارة إليها آنفاً. نعم، إذا كان مقروناً بالإيمان والتوبة عمّا سلف، يترتّب عليه آثار التوبة والإيمان، من رفع العذاب الأخرويّ، وإلّا فإنّما يرفع الآثار الظاهرية فقط21.


--------------------------------------------------------------------------------
221

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- المراد من القاعدة أنّ الإسلام يُسقط الآثار الّتي تترتّب على الأفعال والأقوال الّتي تصدر عن الكافر في حال كفره، فيما لودخل الإسلام.
- معنى إسقاط الآثار أنّ الأثر الذي يترتّب على فعله أوقوله لوكان مسلماً يسقط عنه لودخل الإسلام.

- ظهر من القاعدة أنّه بناءً على ما ذكرنا في معنى الحديث أنّ ما هومن حقوق الله تعالى مطلقاً سواء أكان بدنيّاً فقط، أم ماليّاً فقط، أوكان مركّباً منهما، يسقط عن الكافر لو أسلم.
في غير العبادات كالديون والحقوق ونحوها...، كما لو كان عليه دية قتل الخطأ، أوالجرح والجناية على أعضاء الغير ولوكان عن عمد، ثابتاً في دِينه السابق قبل أن يسلم، فشمول الحديث لمثل هذا المورد مشكل جدّاً.

- مستند القاعدة حديث الجبّ، إلّا أنّ الحديث لم يُرْوَ من طرقنا كما صرّح الأعلام في كتب الحديث، ما عدا ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي االلئالي، ولهذا فالحديث غير صالح لأن يُستند إليه؛ لعدم روايته من طرقنا.

- كثيراً ما تشكّل سيرة المتشرّعة... الحلقة الوسيطة بين الإجماع والدليل الشرعيّ...، إنّ الإجماع المذكور يكشف عن رواية - حديث الجَبّ- غير مكتوبة، ولكنّها معاشة سلوكاً وارتكازاً بين عموم المتشرّعة.



مطالعة

حكم سقوط قضاء الصلاة
لا ريب في سقوط القضاء عن الكافر الأصليّ لو أسلم، ولكنّهم اختلفوا في مدرك هذا الحكم، فنرى بعضهم قد استدلّ بالإجماع المحقّق والمحكيّ، وبعضهم بحديث الجبّ والهدم، والضرورة، وبعضهم بقوله تعالى: ï´؟قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِï´¾22. وقال المقدّس النراقيّ: "ما فات عن الكافر الأصليّ فلا يجب عليه قضاؤه بالإجماع المحقّق، والمحكيّ مستفيضاً، وهو الدليل عليه دون الأصل وحديثِ الجبّ"23 وقال الميرزا القميّ: "لا يجب القضاء على الكافر الأصليّ إذا أسلم, لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله، ولعلّه من المتواترات، وللإجماع، بل قيل: إنّه ضروري"24.

حكم وجوب الغسل:
لوكان الكافر مجنباً ثمّ دخل الإسلام فهل يجب عليه أن يغتسل؟ والجواب: لا يرتفع الغسل بالإسلام، ولذلك يجب عليه أن يغتسل منها، قال في الجواهر: "بلا خلاف أجده فيه، ويصحّ منه لموافقته للشرائط جميعها، إذ الظاهر أنّ المراد بكونه يجبّ ما قبله إنّما هوبالنسبة للخطابات التكليفية البحتة، لا فيما كان الخطاب فيها وضعياً، كما فيما نحن فيه، فإنّ كونه جنباً يحصل بأسبابه، فيلحقه الوصف وإن أسلم"25. وقوله عليه السلام: "إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة والغسل"26، وقوله تعالى: ï´؟...وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ...ï´¾27 مطلقان، يدلاّن على حكم شرعيّ وضعيّ، أعني حدوث الجنابة، الّتي يترتّب عليها الحكم التكليفيّ، وهو وجوب الغسل، على من أجنب.

حكم زنا الكافر بالمسلمة اذا اسلم
إذا زنا الكافر بمسلمة ثمّ أسلم فهنا حالتان:
الأولى: أن يسلم بعد ثبوت الزنا عند الحاكم، فلا يسقط القتل عنه؛ لإطلاق صحيحة حنان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "سألته عن يهوديّ فجر بمسلمة قال: يقتل"28.
الثانية: أن يسلم قبل ثبوت الزنا عند الحاكم، فقد يقال بسقوط الحدّ عنه؛ لرواية جعفر ابن رزق الله، قال: "قدم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بامرأة مسلمة، وأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام، وسؤاله عن ذلك، فلمّا قدم الكتاب، كتب أبوالحسن عليه السلام: يضرب حتّى يموت، فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا، فإنّه شيء لم ينطق به كتاب، ولم تجئ به السنّة، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا، وقالوا: لم تجئ به سنّة ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا بِمَ أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟ فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم ï´؟فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَï´¾. قال: فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات"29.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- ظهر من القاعدة أنّ ما هومن حقوق الله تعالى مطلقاً - سواء أكان بدنيّاً فقط، أم ماليّاً فقط، أوكان مركّباً منهما - يسقط عن الكافر لو أسلم.
2- المراد من القاعدة أنّ الإسلام يُسقط الآثار الّتي تترتّب على الأفعال والأقوال في العبادات، وحقوق الله، الّتي تصدر عن الكافر في حال كفره، فيما لودخل الإسلام.
3- المستفاد من القاعدة أنّ الإسلام يُسقط الآثار التي تترتّب على الأفعال والأقوال في العبادات وحقوق الله، وجميع المعاملات الّتي تصدر عن الكافر في حال كفره، فيما لودخل الإسلام.
4- لوكان الكافر مجنباً ثمّ دخل الإسلام فلا يرتفع الغسل بالإسلام، ولذلك يجب عليه أن يغتسل منها.
5- إذا أسلم الكافر رُفع عنه العقاب الأخرويّ من ناحية أعماله في حال كفره، وكذا الحدود والتعزيرات كلّها.
6- لو سرق الكافر، أو سبّ الله والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ... إلخ ـ حال كفره ـ ثمّ دخل الإسلام فإنّه لا يؤاخذه على تلك الأفعال الصادرة عنه، فلا يخضع للأحكام والحدود الإسلاميّة.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- هل يجب الحجّ على من كان مستطيعاً أيَّام كفره ثمَّ أسلم وأصبح غير مستطيع؟
2- لو زنى بامرأة حال كفره فحرمت ابنتها وأمَّها فهل ترتفع بإسلامه؟ ومن أوقب غلاماً حال كفره فحرم نكاح أمّه وأخته فهل ترتفع بإسلامه؟
3- إذا كان قد عقد النكاح في زمن الكفر، ولم يكن قد وقع بصيغته الّتي هي في الإسلام، فهل يحتاج إلى إعادة عقد النكاح بعد إسلامه؟
4- إذا كان في ذمّته دَين وحقوق للآخرين ثمّ أسلم فهل يرتفع الدَين؟ وإذا كان الجواب سلبياً، لماذا؟.
5- إذا طلّق زوجته وهوعلى مذهب الكفر دون مراعاة شروط الطلاق الواجبة في الإسلام، فهل يستطيع إعادة زوجته دون العقد؟
6- إذا أسلم في النصف الثاني من شهر رمضان، فما هوحكم ما فاته من الصوم؟



هوامش

1- الكليني، الكافي، م.س، ج2،باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام ولا عكس، ح3، ص26.
2- النوري، حسين: مستدرك الوسائل، ط2، بيروت، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، 1408هـ.ق/ 1988م، ج7، باب15، من أسلم في شهر رمضان لم يجب عليه قضاء...،ص448،ح1-2.
3- م.ن، ج 12، باب 85، وجوب التوبة من جميع الذنوب،ح12، ص129.
4- القمّي، أبو القاسم: غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، تحقيق عباس تبريزيان؛ وآخرون، ط1، قم المقدّسة، مركزالنشرالتابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1417هـ.ق/ 1375هـ.ش، ج3،ص339.
5- م. ن، ج4، ص 52.
6- م. ن، ج5، ص368.
7- ولكن يتّضح لكلّ من سبر كتب الفقه من زمان الشيخ إلى زمان المتأخّرين، يكاد يطمئنّ في استناد الفقهاء إليه في مقام الفتوى، ما يورث كون الحديث صادراً عنهم، متلقّى بالقبول، وقد عاشه المتشرّعة سلوكاً وتطبيقاً، وهذا ما يفسّر قيام الإجماع على مفاد قاعدة الجبّ، فإنّ الإجماع من أهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة المتقدّمين يكشف عن ارتكاز ووضوح في الرؤية، متلقّى من الطبقات السابقة على أولئك الفقهاء المتقدّمين، بالرغم من عدم وجود مستند لفظيّ مشخّص بأيديهم، قال السيّد الشهيد الصدر رحمه الله: "وكثيراً ما تشكّل سيرة المتشرّعة.....الحلقة الوسيطة بين الإجماع والدليل الشرعيّ... إنّ الإجماع المذكور يكشف عن رواية غير مكتوبة، ولكنّها معاشة سلوكاً وارتكازاً بين عموم المتشرّعة"، "فإذا أمكن أن نستكشف بقرائن مختلفة أنّ سيرة المتشرّعة المعاصرين للأئمّة والمخالطين لهم واقتناعاتهم ومرتكزاتهم، كانت منعقدة على الالتزام بحكم معيّن، كفى ذلك في إثبات هذا الحكم".
8- الخوئي، شرح العروة الوثقى(تقرير بحث السيد الخوئي)، كتاب الحج، ج1، ص263.
9- الإحسائي، عوالي اللئالي، م.س، ج2، ص54.
10- الخوئي، شرح العروة الوثقى(كتاب الزكاة)،ج1، ص133.
11- الخوئي، شرح العروة الوثقى(كتاب الصلاة)،ج5، ق1، ص113.
12- الخوئي،شرح العروة الوثقى(كتاب الصوم)،ج2، ص156.
13- النووي، محيي الدين: المجموع، لاط، لام، دار الفكر، لات، ج7، باب ما يجبّ الحجّ على بائع مسلم...، ص18.
14- الشوكاني، محمّد بن علي بن محمّد: نيل الأوطار، لاط، بيروت، دار الجيل، 1973م، ج1، ص379.
15- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج10، الباب22 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح1.
16- م.ن، ح2.
17- الشيرازي، القواعدالفقهية، ج2‌، ص179.
18- الحجرات: 14.
19- المجلسي، بحار الأنوار، م.س، ج50، ص208.
20- الخلاف: ج 5، ص 469.
21- المازندراني، علي اكبر سيفي: مباني الفقه الفعّال في القواعد الفقهية الأساسية، ط1، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة، 1428ه‍ـ.ق، ج2، ص300.
22- الأنفال: 38.
23- النراقي، : مستند الشيعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياءالتراث، ط1، قم المقدّسة، مطبعة ستاره، 1416هـ.ق، ج7، ص269.
24- القمّي، غنائم الأيّام، م.س، ج3، ص339.
25- النجفي، جواهر الكلام، م.س، ج3، ص40.
26- العاملي، وسائل الشيعة، م.س،ج2، الباب54 من أبواب المهور،ح1.
27- المائدة: 6 .
28- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج28، الباب36 من أبواب حدّ الزنا، ح1.
29- م.ن، ح2.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
رد مع اقتباس