عرض مشاركة واحدة

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 29-12-2017 الساعة : 12:36 AM


الأعظم، وهو أحد أركان دار التحقق الأربعة بل هو أعظم أركانها وأشرف أنواعها، لأن تلك الذات النورانية ملك موكل للعلم والحكمة وصاحب الأرزاق المعنوية والأطعمة الروحانية. ويستفاد من كتاب الله والأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقدمه على سائر الملائكة.

وأما عظمة المرسل إليه ومتحمّله، فهو القلب التقي النقي الأحمدي الأحدي29 الجمعي30 المحمدي الذي تجلى له الحق تعالى بجميع الشؤون الذاتية31 والصفاتية32 والأسمائية والافعالية، وهو صاحب النبوة الختمية، والولاية المطلقة، وهو أكرم البرية، وأعظم الخليقة وخلاصة الكون، وجوهرة الوجود، وعصارة دار التحقق، واللبنة الأخيرة، وصاحب البرزخية الكبرى، والخلافة العظمى.

وأما حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة ï´؟إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَï´¾33 وأما شارحه ومبيّنه فالذوات المطهرة المعصومون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجة العصر عجل الله فرجه34 والذين هم مفاتيح الوجود، ومخازن الكبرياء،


--------------------------------------------------------------------------------
20

--------------------------------------------------------------------------------


ومعادن الحكمة والوحي، وأصول المعارف والعوارف، وأصحاب مقام الجمع35 والتفصيل.

وأمّا وقت الوحي فليلة القدر36 أعظم الليالي وï´؟خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍï´¾37 وأنور الأزمنة، وهي في الحقيقة وقت وصول الوليّ المطلق والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.


--------------------------------------------------------------------------------
21

--------------------------------------------------------------------------------


القرآن جوامع الكلم(3)

وحيث أن الذات المقدسة للحق جل وعلا على حسب كل ï´؟كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍï´¾38... يتجلى لقلوب الأنبياء والأولياء في كسوة الأسماء والصفات، وتختلف التجليات على حسب اختلاف قلوبهم، والكتب السماوية التي نزلت على قلوبهم بنعت الإيحاء بتوسط ملك اللوح جبرائيل تختلف على حسب اختلاف هذه التجليات وعلى حسب اختلاف الأسماء التي لها المبدئية، كما أن اختلاف الأنبياء وشرائعهم أيضاً باختلاف الدول الأسمائية، فكل اسم تكون إحاطته أكثر ويكون أجمع؛ تكون دولته أكثر إحاطة، والنبوة التابعة له أكثر إحاطة والكتاب النازل منه أكثر إحاطة وجامعية، وتكون الشريعة التابعة له أكثر إحاطة وأدوم. وحيث أن النبوّة الختمية والقرآن الشريف وشريعة سيد البشر من مظاهر المقام الجامع الأحدي وحضرة اسم الله الأعظم ومجاليها، أو من تجلياتها وظهوراتها؛ فلهذا صارت أكثر النبوات والكتب والشرائع إحاطة وأجمعها. ولا يتصور أكمل وأشرف من نبوّته وكتابه وشريعته. ولا يتنزل من عالم الغيب39 على بسيط الطبيعة علم أعلى منه، أو شبيه له، بمعنى أن هذا هو آخر ظهور


--------------------------------------------------------------------------------
22

--------------------------------------------------------------------------------


للكمال العلمي المربوط بالشرائع، وليس للأعلى منه إمكان النزول في عالم المُلك40، فنفس الرسول الخاتم أشرف الموجودات، والمظهر التام للاسم
الأعظم، ونبوّته أيضاً أتمّ النبوّات الممكنة، وصورة لدولة الاسم الأعظم، ولهذه الجهة لهذا الكتاب أحدية الجمع والتفصيل. وهو من جوامع الكلم، كما أن كلامه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً كان من جوامع الكلم، والمراد من كون القرآن أو كلامه من جوامع الكلم ليس أن القرآن، أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم بيّنا الكليات والضوابط الجامعة، وإن كانت أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً من الجوامع والضوابط بذلك المعنى، كما أن ذلك معلوم في علم الفقه، بل جامعيته عبارة عن أن القرآن نزل لجميع طبقات الإنسان في جميع أدوار العمر البشري، وهو رافع لجميع حوائج هذا النوع. وحقيقة هذا النوع حيث أنها حقيقة جامعة وواحدة لتمام المنازل، من المنزل الأسفل الملكي إلى أعلى مراتب الروحانية والملكوت41 والجبروت42، ولهذه الجهة يختلف أفراد هذا النوع في هذا العالم الأسفل الملكي اختلافاً تاماً، والاختلاف والتفاوت الموجودان في أفراد هذا النوع لا يوجدان في أفراد سائر الموجودات، ففي هذا النوع الشقيّ الذي هو في كمال الشقاوة، والسعيد الذي هو في كمال السعادة وهو نوع بعض أفراده أسفل من جميع الحيوانات، وبعض أفراده أشرف من جميع الملائكة المقربين.

وبالجملة، حيث أن أفراد هذا النوع مختلفة متفاوتة في المدارك والمعارف، فالقرآن نزل على نحو يستفيد كلٌ منه على حسب كمال إدراكه ومعارفه وضعفها، وعلى حسب ما له من الدرجة العلمية.


--------------------------------------------------------------------------------
23

--------------------------------------------------------------------------------


شروط فهم القرآن(4)

لو لم تكن التزكية لما أمكن تعليم كتاب الحكمة. يجب تزكية النفوس وتطهيرها من جميع الأدران، وأعظم الأدران هي النفس الإنسانية والأهواء النفسية. فما دام الإنسان في حجاب نفسه؛ فإنه لا يستطيع أن يدرك القرآن الذي هو نور، كما يعبر القرآن عن نفسه. فالذين يقفون خلف حجب عديدة لا يمكنهم أن يدركوا النور، ويظنون أنهم يستطيعون دركه، لكنهم لا يقدرون على ذلك. ما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جداً، وطالما أنه مبتلى بالأهواء النفسية، وطالما أنه مبتلى بالعجب، طالما أنه مبتلى بالأمور التي أوجدها في باطن نفسه، وتلك الظلمات التي ï´؟بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍï´¾43، فإنّه لا يكون مؤهلاً لانعكاس هذا النور الإلهي في قلبه.

الذين يريدون فهم القرآن ومحتواه، لا صورته النازلة المحدودة، بل يفهموا محتواه ويزدادون سمواً ورقياً كلما قرأوه، ويقتربون من مصدر النور والمبدأ الأعلى كلما قرأوه44 فإن هذا لا يتحقق إلاَّ أن تزول


--------------------------------------------------------------------------------
24

--------------------------------------------------------------------------------


الحجب و"إنك بنفسك حجاب لنفسك"45 لذا يجب رفع هذه الحجب حتى تتمكن من رؤية هذا النور كما هو وكما يليق بالإنسان أن يدركه، فأحد الأهداف هو تعليم الكتاب بعد التزكية، وتعليم الحكمة بعد التزكية.


--------------------------------------------------------------------------------
25

--------------------------------------------------------------------------------


مائدة القرآن الواسعة(5)

القرآن هو آيات إلهية، والغرض من البعثة هو المجيء بهذا الكتاب العظيم، وتلاوة هذا الكتاب العظيم والآية الإلهية العظيمة. ورغم أن جميع العالم هو آيات الحق تعالى، لكن القرآن الكريم هو عصارة الخليقة، وعصارة الأشياء التي يجب أن تتم في البعثة. فالقرآن الكريم عبارة عن مائدة أعدّها الباري تبارك وتعالى للبشر بواسطة نبيه الأكرم، ليستفيد منها كل إنسان بمقدار استعداده.

هذا الكتاب وهذه المائدة الممتدة في الشرق والغرب، ومنذ زمان الوحي وحتى تلاوة يوم القيامة، هو كتاب يستفيد منه كل الناس الجاهل والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه والكل يستفيدون منه، أي أنه في الوقت الذي هو كتاب نازل من مرتبة الغيب46 إلى مرتبة الشهود، ومنبسط عندنا نحن الموجودون في عالم الطبيعة، في نفس الوقت الذي هو فيه مُنزَل من ذلك المقام، ووصل إلى الموضع الذي يمكننا الاستفادة منه. وإنه في الوقت الذي يحتوي على مسائل يستفيد منها جميع الناس الجاهل والعارف والعالم وغير العالم، فإنه


--------------------------------------------------------------------------------
26

--------------------------------------------------------------------------------


يحتوي على مسائل تختص بالعلماء الكبار، والفلاسفة العظام، والعرفاء الكبار، والأنبياء والأولياء. إذ أن بعض مسائله لا يتمكن من دركها سوى أولياء الله تبارك وتعالى، إلا من خلال التفسير الوارد عنهم، ويستفيد منه الناس بمقدار استعداداتهم. وثمة مسائل يستفيد منها الفلاسفة والحكماء الإسلاميين ومسائل يستفيد منها الفقهاء الكبار. وهذه المائدة عامة للجميع. وكما أن هذه الطوائف تستفيد منه؛ فإن فيه أيضاً المسائل السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية وغير العسكرية. إذ أن جميعها موجودة في هذا الكتاب المقدس.

إن الغرض من نزول هذا الكتاب المقدس، ومن بعثة النبي الأكرم هو لكي يصبح هذا الكتاب في متناول أيدي الجميع، حتى يستفيدوا منه بمقدار سعتهم الوجودية والفكرية. ومع الأسف فلم نتمكن نحن، ولا البشرية، ولا علماء الإسلام الاستفادة من هذا الكتاب المقدس بالمقدار الذي ينبغي الاستفادة منه.

يجب على الجميع استخدام أفكارهم، وتسخير عقولهم نحو هذا الكتاب العظيم حتى نتمكن من الاستفادة منه بمقدار استعدادنا وكما هو عليه.

فالقرآن جاء لتستفيد منه جميع الطبقات كل بمقدار استعداداه. وطبعاً فإن بعض الآيات لا يمكن أن يفهمها إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمتعلم بتعليمه ويجب علينا فهمها بواسطتهم وإن الكثير من الآيات الزخرى هي في متناول أيدي الجميع، حيث يجب عليهم استخدام أفكارهم وعقولهم ليستفيدوا منها مسائل للحياة، سواء في هذه الدنيا أو الحياة الأخرى.


--------------------------------------------------------------------------------
27

--------------------------------------------------------------------------------


لذا فإن أحد أهداف البعثة هو إنزال هذا القرآن الذي كان في الغيب47 بصورة غيبية وفي علم الله تبارك وتعالى، وفي غيب الغيوب، بواسطة هذا الموجود العظيم الذي جاهد نفسه كثيراً وكان على الفطرة الحقيقية وفطرة التوحيد وجميع المسائل الأخرى التي جعلته مرتبطاً بالغيب48 وبواسطة الارتباط الذي كان له بالغيب فقد نزّل هذا الكتاب المقدس من مرتبة الغيب، بل وقعت للأصل عدّة تنزّلات، حتى وصل لمرتبة الشهادة49، وخرج بصورة ألفاظ. ويمكنني أنا وأنتم والكل فهم هذه الألفاظ والاستفادة من معانيها بمقدار استعدادنا، واستهدفت البعثة بسط هذه المائدة بين الناس منذ زمان نزوله وحتى النهاية. فهذه واحدة من أهداف الكتاب وأهداف البعثة. "بعثه عليكم" رسولاً يتلو القرآن عليكم والآيات الإلهية وï´؟وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَï´¾50.

فقد تكون هذه هي الغاية من التلاوة، فالتلاوة تكون لأجل التزكية والتعليم، وتعليم الجميع.. تعليمهم هذا الكتاب، وتعليمهم الحكمة التي هي من هذا الكتاب أيضاً. إذن فهدف البعثة هو نزول الوحي ونزول القرآن، وهدف تلاوة القرآن على البشر هو ليزكّوا أنفسهم وينقذوا نفوسهم من هذه الظلمات، حتى تتمكن أرواحهم وأذهانهم بعد ذلك أن تفهم الكتاب والحكمة. فالهدف هو التزكية لأجل فهم الكتاب والحكمة. فلا يستطيع أي إنسان وأية نفس أن تدرك هذا النور المتجلي من الغيب المتنزل إلى مرتبة الشهادة.


--------------------------------------------------------------------------------
28

--------------------------------------------------------------------------------


تفسير القرآن(6)

إن تفسير القرآن ليس من المهام التي يستطيع أمثالنا أداء حقها، بل إن علماء الطراز الأول من العامة والخاصة ألّفوا على طوال التاريخ الإسلامي كتباً كثيرة في هذا الباب، ومساعيهم مشكورة بلا شك، ولكن كل واحد منهم لم يقم بأكثر من تفسير أحد وجوه القرآن الكريم وفقاً لتخصصه والوقت الذي كان لديه، وحتى هذا فليس من المعلوم أنه كان بشكل كامل.

فمثلاً عمد العرفاء على مدى عدّة قرون إلى كتابة تفاسير عديدة وفق طريقتهم، وهي طريقة المعارف أمثال محي الدين51 في بعض كتبه وعبد الرزاق الكاشاني52 في تأويلاته، والملا سلطان علي53 في تفسيره،


--------------------------------------------------------------------------------
29

--------------------------------------------------------------------------------


وبعضهم أجاد التأليف في الفن الذي كان لديه، ولكن القرآن لا ينحصر فيما ألفوا، فما قاموا به هو قراءة بعض وجوه القرآن الكريم وقراءة بعض أوراقه.

كما قام الطنطاوي54 وأمثاله، وكذلك قطب55 بتفسير القرآن بطريقة أخرى هي أيضاً ليست تفسيراً للقران بكافة معانيه، فهم أيضاً كشفوا حجاباً واحداً آخراً عنه.

وللكثير من المفسرين من غير هاتين الطائفتين تفاسير أخرى كتفسير "مجمع البيان"56 وهو تفسير جيد جامع بين أقوال العامة والخاصة، وحال هذه التفاسير كحال سابقاتها، فالقرآن ليس ذلك الكتاب الذي نستطيع نحن أو غيرنا تأليف تفسير جامع له يحوي كافة علومه كما هي، ففيه علوم هي فوق ما نفهم نحن. إننا نفهم ظاهراً منه، ووجهاً منه، والباقي يحتاج إلى تفسير أهل العصمة، وهم المعلَّمون بتعليمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


--------------------------------------------------------------------------------
30

--------------------------------------------------------------------------------


وقد ظهر في الآونة الأخيرة أشخاص ليسوا من أهل التفسير أصلاً أرادوا تحميل ما لديهم من أفكار على القرآن والسنة، حتى إن فئة من اليساريين والشيوعيين عمدت إلى التمسك بالقرآن أيضاً لنفس أهدافهم التي لهم، وهؤلاء لا علاقة لهم أصلاً بالتفسير ولا بالقرآن، فما يريدونه هو خداع شبابنا بما يقدمونه لهم على أنه هو الإسلام.

لا ينبغي للذين لم يصلوا بعد إلى المستويات العالية من النضوج العلمي أن يدخلوا مضمار التفسير، فلا ينبغي للشباب غير المطلع على هذه المسائل، وعلى المعارف الإسلامية، والذين لا اطلاع لهم على الإسلام اقتحام ميدان تفسير القرآن، وإذا حدث أن تطفّل أمثال هؤلاء لغايات وأهداف معينة، فلا ينبغي لشبابنا أن يولوا أهمية، أو يقيموا وزناً لمثل هذه التفاسير. فمن الأمور الممنوعة في الإسلام "التفسير بالرأي" كأن يعمد أيّاً كان إلى فرض أرائه على القرآن، فيطبق المادي أفكاره على بعض الآيات القرآنية، ويفسر القرآن ويؤوله وفق رأيه. أو أن يعتمد أحد أصحاب الآراء المعنوية والروحية إلى تأويل كل ما في القرآن الكريم، ويفسره بما يعتقده هو. لذا يجب علينا أن نحترز من كليهما من جميع هذه الجهات.


--------------------------------------------------------------------------------
31

--------------------------------------------------------------------------------


صعوبة فهم باطن القرآن(7)

إنّ‏َ هذه الآيات التي قيل عنها في رواياتنا أنها جاءت للمتعمّقين في آخر الزمان مثل: سورة التوحيد وست آيات من آية سورة الحديد، لا أعتقد أن أحداً من الناس اكتشف حقيقتها كما هي إلى الآن، ولا في المستقبل سيكتشف. وطبعاً فقد قيل الكثير في هذا المجال وكُتبت تحقيقات كثيرة وثمينة، إلا أن أفق القرآن هو فوق هذه المسائل. ويتصوّر الإنسان أن كلمة ï´؟الأوَّلُï´¾ في الآية الشريفة ï´؟هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُï´¾57 تعني أن أول خلق الله، وï´؟الآَخِرُï´¾ هو كذلك وï´؟الظَّاهِرُï´¾ بحسب أثاره أيضاً وï´؟الْبَاطِنُï´¾ أيضاً بحسب أسمائه. إلاّ أن الموضوع هو غير هذا الذي فهمناه نحن وفهموه، والموضوع أعمق من هذا فـï´؟هُوَ الظَّاهِرُï´¾ تريد نفي أصل الظهور عن غيره، وأنه خاص به. وحقيقة الأمر هي هكذا، لكن فهم هذا المعنى أن الظهور هو ظهوره وأنّ العالم وجميع الوجود هو ظهوره، صعب للغاية.

وï´؟وَهُوَ مَعَكُمْï´¾ الواردة في نفس هذه الآيات، فإنّ ï´؟مَعَكُمْï´¾ تعني معنا، أي إنه هنا، ونحن هنا. إن المعيّة يسميها الفلاسفة بـ"معيّة


--------------------------------------------------------------------------------
32

--------------------------------------------------------------------------------


القيّومية" فهل يتضح الموضوع؟ هل إنها مثل معية العلّة والمعلول؟ مثل معيّة التجلي وصاحب التجلّي؟ ليس الموضوع هكذا، وإن المتعمقين في آخر الزمان فهموا بمستوى عمق إدراكهم أفضل من الآخرين، وإلاّ فإنّ حد القرآن هو "إنّما يعرف القرآن من خوطب به" فهذه الجملة "يعرف القرآن من خوطب به" مرتبطة بمثل هذه الآيات، وإلاّ فإنّ بعض الآيات المرتبطة بالأحكام الظاهرية وبالنصائح يفهمها الجميع، وإن المقصود بـ"لا يعرفه إلاّ من خوطب به" هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أي أن الوسيط وهو جبرئيل لا يمكنه الفهم أيضاً. لقد كان جبرائيل الأمين وسيطاً ليس إلاَّ، يقرأ على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تلك الآيات الواردة من الغيب، فهو مكلف بإيصالها، لكنه ليس هو "من خوطب به"58 أيضاً. إن "من خوطب به" هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقط، وإن الآخرين فهموا أيضاً بواسطة ذلك النور المشع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتعليم النوراني الخارج من قلبه إلى قلوب الخواص. وأما أمثالنا نحن البشر العاديين فإننا عاجزون حقاً عن فهم حقيقة معنى ï´؟وَهُوَ مَعَكُمْï´¾ فما هي هذه المعية؟ وما هو معنى نور السماوات والأرض ï´؟اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِï´¾؟ ماذا يعني ï´؟نُورُ السَّمَوَاتِï´¾؟ وكيف يكون ï´؟نُورُ السَّمَوَاتِï´¾؟ ولذا قالوا "منور السماوات" وهذا لا يرتبط بالآية أبداً.

فالتحول المعنوي، والتحول العرفاني الحاصل بواسطة القرآن هو فوق جميع المسائل. وإن الناس ينظر كل واحد منهم من بعدٍ واحدٍ إلى القرآن؛ فالبعض ينظرون إلى بُعده الظاهري، أو إلى بعده الاجتماعي،


--------------------------------------------------------------------------------
33

--------------------------------------------------------------------------------


أو إلى بعده السياسي، أو إلى بعده الفلسفي، أو إلى بعده العرفاني، بَيْدَ أن البعد الحقيقي بين العاشق والمعشوق، والسر الموجود بين الخالق والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكننا أن نفهمه نحن. وقد نُقِلَ عن الإمام الباقر عليه السلام59 قوله بأنه قادر على نشر جميع الأحكام والشرائع والحقائق من كلمة "صمد" فهنا سر موجود. طبعاً نحن أيضاً يمكننا فهم أصول المعارف من كلمة "صمد" لكن الإمام الباقر عليه السلام يقول أكثر من ذلك.

أسفي لأولئك الناس الذين لا يريدون أن يعلموا، ولم يسلكوا طريق العلم، ولم يخطو خطوة في طريق التعرف على كتاب الله، ولم يحققوا ذلك الارتباط مع مصدر الوحي حيث إن التفسير يأتي من هذا المصدر.

وكان هذا الارتباط قائماً بين الخالق ورسوله فقط، وبواسطته أيضاً بين الخواص الذين كانوا موجودين.


--------------------------------------------------------------------------------
34

--------------------------------------------------------------------------------


الاستفادات ذات البعد الواحد من القرآن(8)

بعد مضي مدة من نزول الإسلام، اهتمت مجموعات مختلفة من أهل العلم بمعنويات الإسلام، وركّزوا أنظارهم على تلك الآيات والروايات المرتبطة بالمعنويات وتهذيب النفس وما وراء الطبيعة... في القرآن الكريم آيات كثيرة عن الأمور المعنوية، أي ذلك الوجه الإنساني الذي هو من عالم الغيب60.

استمر الوضع لفترة طويلة على هذه الشاكلة حيث كان الاهتمام معدوماً أو ضعيفاً بتلك الأحكام الاجتماعية والسياسية وغيرها الواردة في الإسلام. ثم ظهرت تدريجياً مجموعات اهتمت بالمسائل الاجتماعية والسياسية وقضايا الساعة، وهؤلاء وقعوا من هذا الطرف أي اقتصرت اهتماماتهم على هذه المسائل الاجتماعية والأحكام السياسية وقضايا الحكم فقط. أولئك كانوا ينظرون إلى ذلك الجانب من الورق لفترات سابقة كالفلاسفة والعرفاء والمتصوفة وأمثالهم، وكان كلامهم يدور حول بيان هذه المعنويات، ويدعون الناس إلى هذه الجهات المعنوية الإسلامية. حتى إن بعضهم حاول إرجاع الآيات أو الروايات الواردة بشأن الأمور الطبيعية والمتحدثة عن قضايا الاجتماع


--------------------------------------------------------------------------------
35

--------------------------------------------------------------------------------


والسياسة، إلى تلك الأمور المعنوية، ويعتبرون أن الجميع مرتبط بذلك الجانب. فهم كانوا ينظرون إلى الجانب الباطني للقران والإسلام... ينظرون إلى المعنويات فقط، ويغضّون أبصارهم عن المواضيع الاجتماعية الواردة في القرآن، وعن الآيات والروايات الواردة بشأن الحكم الإسلامي، والسياسة الإسلامية، والقضايا الاجتماعية، وإعمار هذا العالم، وهذه هي الغفلة... الغفلة عن الإسلام، لأنهم كانوا ينظرون إلى الإسلام من زاوية واحدة فقط. أما الجانب الآخر وعالم طبيعته فإنهم لم يهتموا به، ولم يعلموا أن الإسلام يهتم بعالم الطبيعة أيضاً، ويهتم بجميع تلك الأمور التي يحتاجها الإنسان. لذا فإن إحدى الابتلاءات التي ابتلي بها الإسلام هي أن هؤلاء الأشخاص أمثال المتكلمين، والأكثر منهم الفلاسفة، والأكثر منهم العرفاء والصوفية، أرادوا تفسير جميع الآيات الواردة في القرآن الكريم تفسيراً معنوياً... اهتموا بالباطن وغفلوا عن الظاهر. والآن فإن ابتلاء الإسلام أخذ منحنًى آخر وهو أن شبابنا ومثقفونا وعلماؤنا الذين تعلموا العلوم المادية، يحاولون تفسير جميع آيات القرآن والروايات تفسيراً طبيعياً، وغفلوا عن المعنويات، حتى إنهم فسروا تلك الآيات الخاصة بالأمور المعنوية تفسيراً طبيعياً عادياً. وهؤلاء مهتمون بالإسلام أيضاً، لكنهم غافلون أيضاً، لأنهم ينظرون للإسلام من جانب واحد. وهاتان الطائفتان لم تفهمان الإسلام بمعناه الحقيقي. فالإسلام لا يدعو إلى المعنويات فقط، ولا يدعو إلى الماديات فقط.

إنه يدعو إلى كليهما. فقد جاء الإسلام والقرآن الكريم من أجل بناء الإنسان وتربيته في جميع أبعاده.


يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
رد مع اقتباس