عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية مولى أبي تراب
مولى أبي تراب
عضو برونزي
رقم العضوية : 53658
الإنتساب : Aug 2010
المشاركات : 592
بمعدل : 0.12 يوميا

مولى أبي تراب غير متصل

 عرض البوم صور مولى أبي تراب

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : موسوي البحراني المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-05-2014 الساعة : 10:24 PM


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، عليه نتوكل وبه نستعين ، وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

مولانا الفاضل موسوي البحراني أعزه الله تعالى وأيده وأفاض عليه من علوم آل محمد عليهم السلام ...

بعد التحية والسلام والاحترام ، والدعاء والثناء لشخصكم الكريم ....

أتوجه لجنابكم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لتخصيصي بالذكر من بين المشايخ وطلبة العلم رغم أني أقلهم حظّاً وأدناهم نصيباً ، كما أتقدم لجنابكم بالشكر على طرح هذا الموضوع وفتح النقاش في هذه المسألة لما في ذلك من شحذ الأذهان والعقول ، وإلفات النظر الى ما في الخوض في هذا البحث من فوائد جانبية واستطرادية .

وبعد الاعتذار عن التأخّر في الرد والتفاعل مع الموضوع لتأخر اطلاعي عليه أقول :

رواية صلاة ليلة الرغائب - جمع رغيبة بمعنى الأمر المرغوب به - عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم ترد من طرقنا وإنما وردت بطريق عاميّ ينتهي الى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، ولم ترد في كتبنا ومصادرنا الحديثية المعتبرة . نعم ذكرها السيد ابن طاووس في إقبال الإعمال مرسلة (2) ، كما ذكرها العلامة الحلي في الإجازة الكبيرة مسندة (3) الا أن سندها يرجع الى السند العامي وينتهي أيضاً بأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والظاهر عدم وجود أثر لهذه الرواية وهذه الصلاة في المصادر السابقة على هذين المصدرين لذا لم يروها الحر العاملي في الوسائل عن غيرهما ولم يذكر سواهما (4) ، ثم تعارف ذكر هذه الصلاة بعد ذلك في كتب الحديث المتأخرة وكتب الأدعية والأعمال بصورة مرسلة من دون التنبيه الى سندها ومصدرها (5) ولعله نقلاً عنهما ليس الا كما صرح بذلك في مفاتيح الجنان (6) .

هذا وقد وقع الكلام في مشروعية هذه الصلاة واستحبابها ومدى صحة صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس عندنا فحسب بل عند العامة أيضاً الذين وردت الرواية من طريقهم ، أما عندنا فرغم عدم تعرض أغلب الأعلام لهذه الصلاة على عادتهم في عدم الخوض في المندوبات وعدم المداقّة في أسانيدها وصحة صدورها ، مع ذلك أشير إليها في كلمات بعضهم مع الغمز فيها كالشيخ التستري في النجعة ، قال : ( وأمّا باقي صلوات كلّ ليلة من رجب وبعض أيّامه المذكورة في الإقبال مرفوعة عن النّبي صلَّى الله عليه وآله فلا عبرة بها فلا بدّ من كونها عاميّة . وأمّا صلاة شعبان في أوّله ووسطه وآخره وإن كانت مذكورة في مصباح الشيخ لكنّه كذلك ، وكذلك صلاة الرغائب ليلة أوّل جمعة من رجب رواه الإقبال مرسلا عن النّبي صلَّى الله عليه وآله وقد ذكر العلَّامة في إجازته لبني زهرة سندا عاميّا لها ، وكذلك ما رواه الإقبال في كلّ ليلة من شعبان وفي بعض أيّامه مرفوعا عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله لا عبرة بها لكون الأصل في روايتها العامّة ) (7) ، ولم يصرح أحد باستحبابها عدا ما يظهر من صاحب الوسائل الذي عنون لها بـ ( باب استحباب صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب ) (8) بناء على أنه يفتي بمضمون عناوين الأبواب .

وأما عند العامة فالأكثر على عدم مشروعيتها وأنها بدعة وأن روايتها من الموضوعات والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن رواتها أكثرهم مجاهيل وفيهم من هو كذّاب وضّاع ، قال ابن الجوزي : ( هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب ، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول : رجاله مجهولون ، وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم ) (9) ، وقال ابن تيمية ( مسألة : في صلاة الرغائب هل هي مستحبة أم لا ؟ الجواب : هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ، ولا رغّب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصّها ، والحديث المرويّ في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك ، ولهذا قال المحققون : إنها مكروهة غير مستحبة ، والله أعلم ) (10) ، وقال : ( وأما صلاة الرغائب فلا أصل لها ، بل هي محدثة فلا تستحب لا جماعة ولا فرادى ، فقد ثبت في صحيح مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام أو يوم الجمعة بصيام ، والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلاً ) (11) ، وقال في مغني المحتاج : ( قال في المجموع : ومن البدع المذمومة صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ، ولا يغتر بمن ذكرهما ) (12) ، ونقل عن صاحب إرشاد العباد زين الدين المليباري قوله : ( ومن البدع المذمومة التي يأثم فاعلها ويجب على ولاة الامر منع فاعلها صلاة الرغائب اثنتا عشرة ركعة بين العشاءين ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة ، وصلاة آخر جمعة من رمضان سبعة عشر ركعة بنية قضاء الصلوات الخمس التي لم يقضها ، وصلاة يوم عاشوراء أربع ركعات أو أكثر ، وصلاة الأسبوع ، أما أحاديثها فموضوعة باطلة ، ولا تغتر بمن ذكرها ) (13) الى غير ذلك مما ذكروا في تكذيبها والتنفير عنها ، بل ألّفوا كتباً وكتبوا بحوثاً في ذلك مثل : ( ردع الراغب عن صلاة الرغائب ) لنور الدين المقدسي (14) . نعم ذهب الى مشروعيتها واستحبابها بعضهم كالغزالي في إحياء العلوم ، قال بعد أن نقل الرواية وكيفية الصلاة : ( فهذه صلاة مستحبة ، وإنما أوردناها في هذا القسم لأنها تتكرر بتكرر السنين ، وإن كانت رتبتها لا تبلغ رتبة التراويح وصلاة العيد ، لأن هذه الصلاة نقلها الآحاد ، ولكني رأيت أهل القدس بأجمعهم يواظبون عليها ولا يسمحون بتركها ، فأحببت إيرادها ) (15) فصرح باستحبابها ، وكتقي الدين ابن الصلاح ، قال الذهبي في ترجمته : ( ابن الصلاح * الامام الحافظ العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبد الرحمان بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ، صاحب علوم الحديث ) الى أن قال : ( وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد ، ولكن له إصابات وفضائل ) (16) .

لكن جمهورهم على ردّ هذه الصلاة ورميها بالابتداع والوضع وحسبك ما ذكره الفتني في تذكرة الموضوعات شاهداً على رأيهم فيها ، قال : ( وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق ، في اللآلئ " فضل ليلة الرغائب واجتماع الملائكة مع طوله وصوم أو دعاء وصلاة اثنتي عشرة ركعة بعد المغرب مع الكيفية المشهورة " موضوع رجاله مجهولون قال شيخنا وفتشت جميع الكتب فلم أجدهم ، وفي شرح مسلم للنووي احتج العلماء على كراهة صلاة الرغائب بحديث " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام " فإنها بدعة منكرة من بدع الضلالة والجهالة وفيها منكرات ظاهرة قاتل الله واضعها ومخترعها ، وقد صنف الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها وتضليل مصليها ومبدعيها ودلائل قبحها أكثر من أن تحصى ، وفي جامع الأصول قال بعد ما ذكر صلاة الرغائب مع الكيفية المعروفة واستجابة الدعاء بعدها هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين ولم أجده في واحد من الكتب الستة والحديث مطعون فيه ، وفي تذكرة الآثام أن بعض المالكية مر بقوم يصلون الرغائب وقوم عاكفين على محرم فحسّن حالَهم على المصلين لأنهم يعلمون أنهم في معصية فلعلهم يتوبون وهؤلاء يزعمون أنهم في عبادة ، وفي رسالة السماع للمقدسي اعلم أن للشيخ ابن الصلاح اختيارات أنكرت عليه منها اختياره صلاة الرغائب واحتجاجه عليه ، وفي بعض الرسائل قال علي بن إبراهيم حدثت صلاة الرغائب بعد المائة الرابعة والثمانين سنة ولا مزية لهذه الليلة عن غيرها واتخاذها موسما وزيادة الوقود فيها بدعة مما يترتب عليه من اللعب في المساجد وغيرها حرام والانفاق فيها والأكل من الحلوى وغيرها فيها وأحاديث فضلها وفضل صلاتها كلها موضوعة بالاتفاق ، وقد جرت مناظرات طويلة في أزمنة طويلة بين الأئمة وأبطلت فلله الحمد وفي حديث حسن من أحيى سنة وأمات بدعة كان له أجر مائة شهيد ) (17) .

والسؤال الذي يطرح بعد كل ما تقدم هو ما مدى مشروعية هذه الصلاة ؟ وهل هي بدعة أو لا ؟ وعلى تقدير عدم ثبوت استحبابها وعدم كونها بدعة هل يمكن الالتزام بها وأداؤها بوجه من الوجوه ؟

قبل الجواب عن ذلك نحتاج الى تقديم بعض المقدمات والتنويه الى بعض الملاحظات حتى يكون الأخوة المؤمنون من غير أهل العلم على دراية وإحاطة بالموضوع من جميع حيثياته ، وتكون دخيلة في الوصول الى النتيجة التي يمكن أن نصل إليها :

المقدمة الأولى / معنى البدعة ومتى يصح توصيف شيء بأنه بدعة : ونتكلم عن المعنى الاصطلاحي للبدعة لا اللغوي الذي هو عبارة عن إحداث شيء على غير مثال (18) ، وقد ذكروا للبدعة اصطلاحاً عدة تعريفات من قبيل ( النسبة إلى الله ما لم يشرّعه ) أو ( الحدث في الدين بعد الإكمال ) أو ( إدخال في الدين ما ليس فيه ) وغير ذلك كثير (19) ، الا أنها عبارة عن صياغات متعددة لمعنى واحد ، والمقصود على نحو الإجمال أن ننسب الى الشارع حكماً شرعياً في شيء بلا دليل ولا حجة معتبرة ، أو قل جعل شيء جزء من الدين وإضفاء الشرعية عليه مع العلم بأنه ليس كذلك ، وأوضح مثال لذلك من يبتكر ورداً أو دعاء أو صلاة بخصوصيات معينة وينسب وجوبها أو استحبابها الى الدين بلا مستند شرعي .

وعليه فكون الشيء بدعة يتقوم بأمرين : الأول / الإسناد الى الدين بأن يُنسب الشيء الى الدين ويُطرح على أنه حكم ورأي شرعي والا فمن دون الإسناد الى الدين كما إذا ابتكر دعاء مع اعترافه بابتكاره ولم يسنده الى المعصوم فلا بدعة ، قال السيد الخوئي قده : ( وأما البدعة فهي متقومة بالإسناد إلى الشرع ما ليس فيه فلا بدعة من دون الاسناد ، ومجرد كونه من الأمور المستحدثة لا يستوجبها ) (20) .

الثاني / أن يكون هذا الإسناد عن علم وعمد فليس مطلق الإسناد الى الدين ما ليس منه ولو مع الغفلة أو الجهل بدعة - اصطلاحاً - ، بل البدعة تعمّد إدخال ما ليس من الدين في الدين على سبيل الاجتراء والافتراء ، وهذا ما يشعر به التعبير بالإدخال المذكور في التعريف المعروف للبدعة وهو ( إدخال في الدين ما ليس منه ) ، وأغلب التعاريف التي ذكرت للبدعة وإن لم تصرح بذلك الا أنه متضمنة له ومشعرة به ، نعم ذكره صريحاً المحقق الاشتياني ، قال : ( البدعة إدخال ما علم أنه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع ) (21) ، ولعله يشير الى ذلك ما ورد من أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (22) ، فلا ينسجم ذلك الا مع العلم والعمد في الإسناد الى الدين ، نعم لا يصح إسناد شيء الى الدين الا بعد التروّي والتثبت ، لكن ليس كل من أسند الى الدين ما ليس منه فهو مبتدع بل يختص ذلك بالعامد العالم أن ما أسنده ليس من الدين ، وأما الجاهل المعذور وغير العامد فغايته أنه مخطأ ولا يقال له أنه مبتدع ، ويترتب على ذلك أمران : الأول / المبتدع هو الذي يسند الى الدين ما يعلم أنه ليس منه ، وليس من يسند الى الدين ما لا يعلم أنه منه ، وبينهما فرق فالثاني يحتمل صحة الإسناد والمطابقة للواقع بخلاف الأول فهو جازم بعدم صحة الإسناد . الثاني / أن العامل بالبدعة مع عدم الالتفات الى كونها بدعة وعدم الجزم بذلك لا يكون مبتدعاً ولا يؤاخذ على عمله بتلك البدعة بل يكون مثاباً إذا كان قد عمل بها بقصد التعبّد ورجاء الثواب كما هو كذلك غالباً ، فالبدعة ( هو إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد أنّه من الدين لا إتيان ما يحتمل كونه منه برجاء الثواب ) (23) .

وحاصل الكلام : البدعة يُذم فيها شخصان : الأول / مبتدعها ، بشرط أن يسندها الى الدين عن علم وعمد . الثاني / العامل بها ، بشرط أن يكون ملتفتاً الى أنها بدعة وعالماً بابتداعها والا لم يستحق الذم بفعلها بل هو مأجور ومثاب إن قصد التقرب بها ونيل ثوابها .

المقدمة الثانية / الاستحباب حكم شرعي وهو يعني أن الشارع المقدّس أمر بالشيء وبعث إليه لكن ليس على نحو الإلزام بل مع الترخيص بالترك ، وبما أنه حكم شرعي فهو من هذه الجهة كالوجوب يفتقر الى الدليل والحجة الشرعية فلا يصح الحكم باستحباب شيء شرعاً الا بعد قيام الدليل الدال على استحبابه وتوفّر الحجة المعتبرة شرعاً على ذلك ، فكما لا وجوب مع عدم الدليل لا استحباب مع عدم الدليل أيضاً ، والمقصود من عدم الدليل الأعم من عدم وجدانه أصلاً ومن وجوده مع كونه ليس حجة كالخبر الضعيف ، فكما لا يصح الحكم باستحباب شيء عند عدم الدليل عليه لا يصح الحكم باستحبابه لمجرد وجود دليل غير معتبر يدل عليه كالخبر الضعيف ، الا بناء على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، حيث ذهب بعض العلماء الى كفاية وجود الخبر الضعيف للحكم باستحباب الشيء ، فلا حاجة الى دليل صحيح ورواية معتبرة لإثبات استحباب هذا الغسل وتلك الصلاة ونحو ذلك بل يكفي أن يدل على الأمر بهما خبر ضعيف فإن ذلك كافٍ في إثبات الاستحباب ، لأن الاستحباب من السنن والسنن يتسامح في أدلتها ولا يتعامل معها على أساس المداقة السندية وإثبات الصدور كما في أخبار الوجوب ، فيكفي الخبر الضعيف في إثبات الاستحباب ويسمى ذلك بقاعدة التسامح في أدلة السنن ودليل هذه القاعدة بعض الأخبار التي تسمى أخبار من بلغ (24) ، بناء على أن مفادها ثبوت استحباب ما بلغ فيه الثواب ولو بطريق غير صحيح (25) . لكن في مقابل ذلك الرأي المعروف من أن أخبار من بلغ لا تدل على استحباب الشيء الذي دلّ على استحبابه خبر ضعيف بل تفيد أن من أتى بالعمل رجاء أن يكون صحيحاً وبأمل الحصول على ذلك الثواب لو كان واقعياً فالله تعالى يعطيه ذلك الثواب وإن لم يكن العمل ثابتاً واقعاً لا أن العمل يكون مستحباً فعلاً ، قال السيد الخوئي قده تعليقاً على كلام للسيد اليزدي من أن الجمع بين الماء والمسح بالأحجار في الاستنجاء أكمل ، قال : ( لم يظهر لنا معنى أكملية الجمع ، نعم هو جمع بين الأمرين ولا إشكال في جوازه وأما ما ورد عن علي عليه السلام « فأتبعوا الماء الأحجار » فقد عرفت أنه حديث عامي ، والحكم باستحباب الجمع بذلك مبني على القول بالتسامح في أدلة السنن ، واستحباب ما بلغ فيه الثواب ولو بطريق غير صحيح ، وأما بناء على ما سلكناه في محله من أن أخبار من بلغ لا دلالة لها على استحباب العمل ، وإنما تدل على ترتب الثواب على إتيانه برجاء الثواب والاستحباب ، وأنها إرشاد إلى حسن الانقياد فلا يمكننا الحكم باستحباب الجمع وأكمليته بالخبر الضعيف ، لأن الاستحباب كالوجوب حكم شرعي لا يثبت إلَّا بحجة معتبرة ) (26) ، وقال قده في مصباح الفقاهة : ( .... تمامية أخبار من بلغ الدالة على التسامح في أدلة السنن ، بدعوى أنها ظاهرة في ما بلغ عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثواب على عمل فعمله أحد برجاء أنه صدر من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيثاب على ذلك العمل وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ، ولو أريد من تلك الأوامر الدالة على التسامح في أدلة السنن الارشاد إلى حكم العقل بحسن اتيان العمل رجاء واحتياطاً لدرك الواقع فلا يدل على التسامح في أدلة السنن ) (27) .

وعليه فلا تسامح في أدلة السنن - بهذا المعنى - فلا يصح الحكم باستحباب شيء الا بعد قيام الدليل المعتبر على استحبابه ولا يكفي الخبر الضعيف ، فلا يكون شيء مستحباً شرعاً إذا كان الدليل على استحبابه خبر ضعيف .

المقدمة الثالثة / بناء على ذلك - أي عدم صحة التسامح في أدلة السنن وأن الاستحباب يتوقف على قيام الدليل المعتبر ولا يثبت بالخبر الضعيف - هل معنى ذلك عدم صحة الالتزام بكثير من الأعمال والأدعية والصلوات المذكورة في كتب الأدعية والأحاديث باعتبار أن أدلتها والأخبار الدالة عليها ضعيفة والخبر الضعيف لا يفيد الاستحباب ؟ أم يمكن فعلها والإتيان بها بوجه من الوجوه ؟

الجواب / ذكر الفقهاء أن قاعدة التسامح في أدلة السنن وإن لم تثبت وأنها لا تفيد استحباب الأعمال المدلول عليها بالأخبار الضعيفة ، لكن هذا لا يعني عدم إمكان فعل تلك الأعمال وعدم صحة الالتزام بها ، وذلك بأن لا يؤتى بها بنية الاستحباب بل بنية رجاء المطلوبية أي رجاء أن تكون فعلاً مستحبة ومطلوبة واقعاً ولا يجزم المكلف باستحبابها ، لأن كون الخبر ضعيفاً لا يعني أنه كاذب ومخالف للواقع جزماً بل يحتمل فيه الصحة والمطابقة للواقع ويحتمل فيه عدم الصحة والمخالفة للواقع ، فإذا وردنا خبر ضعيف يدل على استحباب صلاة معينة فكونه ضعيفاً لا يعني جزمنا بكذب الخبر وعدم صحة هذه الصلاة ، بل يحتمل أن الصلاة مستحبة فعلاً ويحتمل أنها ليست كذلك ، وهذا وإن كان ليس كافياً للحكم باستحباب الصلاة والإتيان بها بنية الاستحباب لأن الاستحباب حكم شرعي يفتقر الى الدليل والحجة المعتبرة كما تقدم لكن يمكن للمكلف أن يأتي بالصلاة بنية الرجاء أي رجاء أن تكون مستحبة ومطلوبة فعلاً من قبل المولى ، فإن كانت في الواقع مستحبة فعلاً فقد أتى بها وإن لم تكن كذلك واقعاً فالله تعالى يعطيه الثواب الوارد في ذلك الخبر الضعيف جزاء على نيته وعمله وإن لم تكن الصلاة مستحبة فعلاً ، ولا يصح أن يأتي بالصلاة بنية الاستحباب لأن الخبر ضعيف وقاعدة التسامح في أدلة السنن غير ثابتة فلم يثبت استحباب الصلاة حتى ينوي استحبابها بل يأتي بها رجاء أن تكون مستحبة ورجاء الحصول على ذلك الثواب المذكور لها .

وهذا ما نوّه عليه الفقهاء في مقدمة رسائلهم العملية حيث قالوا : ( إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولما لم تثبت عندنا فيتعين الاتيان بها برجاء المطلوبية ، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية ) (28) ، بمعنى أن كثيراً من المستحبات المذكورة في هذه الرسالة من قبيل مستحبات الوضوء ومستحبات الغسل ومستحبات التيمم ومستحبات التخلّي ومستحبات الصلاة والصوم وغيرها ، إنما ذكرناها تبعاً لذكر من سبقنا من الفقهاء لها ، وهم إنما ذكروها لا لثبوت استحبابها بأدلة معتبرة بل اعتمدوا في إثبات كثير منها على أخبار ضعيفة وذلك تسامحاً منهم في أدلة السنن ، وحيث أننا لا نرى صحة هذا المسلك فعلى المكلف أن لا يأتي بهذه المستحبات المذكورة بنية الاستحباب بل بنية الرجاء .

وحاصل الكلام أن كل عمل دلّ خبر ضعيف على استحبابه لا يصح فعله بنية الاستحباب جزماً وإنما يؤتى به بنية رجاء المطلوبية ، ولمّا كان المكلف عادة لا يميّز الأخبار الضعاف من غيرها ولا يعرف المستحبات الثابتة بأخبار ضعيفة من الثابتة بأخبار معتبرة ، يمكنه الإتيان بكل الأعمال المحتمل فيها الاستحباب بنية رجاء المطلوبية ، بل هذه النية ممكنة ونافعة حتى في المستحبات التي لم يدل عليها دليل أصلاً كبعض الأعمال التي جرى ذكر استحبابها على ألسنة الفقهاء ولم نعثر على ما يدل عليها وإن كان خبراً ضعيفاً .


من مواضيع : مولى أبي تراب 0 حكم الصوم في السفر
0 نيّة القطع والقاطع
0 حكم المسافر إذا خالف وظيفته من حيث القصر والتمام
0 مطهرية الشمس
0 إذا أحدث بالأصغر أثناء الغسل
رد مع اقتباس