عرض مشاركة واحدة

الشيخ عباس محمد
عضو برونزي
رقم العضوية : 81994
الإنتساب : Apr 2015
المشاركات : 1,288
بمعدل : 0.39 يوميا

الشيخ عباس محمد غير متصل

 عرض البوم صور الشيخ عباس محمد

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-01-2018 الساعة : 08:40 PM


الدرس الثاني: قاعدة الفراغ والتجاوز

أهداف الدرس
- التعرّف على معنى قاعدة الفراغ والتجاوز وأدلّتهما.
- القدرة على الاستدلال على حجّيّة القاعدة.
- التعرّف على إمكانية جريان قاعدة الفراغ والتجاوز في مختلف الأبواب الفقهيّة.
- التدرّب على تطبيق القاعدة في مواردها.


--------------------------------------------------------------------------------
25

--------------------------------------------------------------------------------


المقدّمة
إنّ من القواعد المهمَّة الّتي اشتهرت على ألسنة الفقهاء المتأخِّرين1 حتّى صارت كالمسلّمات الدائرة بينهم، هي قاعدة التجاوز والفراغ، وإن اختلفوا في أنّها هل ترجع إلى قاعدتين: (التجاوز) و(الفراغ)، أوهي قاعدة واحدة يعبّر عنها باسم تارة، وبآخر أخرى، بحسب اختلاف المقامات؟ وهي المدرك الوحيد لكثير من الفروع الفقهيّة في أبوابها، ولذا وضع غير واحد من المحقّقين رسالات خاصّة بها.

في بيان المراد من القاعدة
قاعدة الفراغ: معنى القاعدة هوالحكم بصحّة العمل المركّب الّذي شُكّ في صحّته بعد الفراغ منه (أي الشكّ بعد تمامية الفعل المركّب ونهايته)، كالشكّ في صحّة الصلاة (لاحتمال الخلل)، فيُحكَم بصحّة الصلاة وتماميّتها، ولا يترتّب الأثر على الشكّ2, ولهذا يفتي الفقهاء بأنّ المكلّف إذا فرغ من عمل عباديّ


--------------------------------------------------------------------------------
27

--------------------------------------------------------------------------------


معيّن كالوضوء أوالصلاة مثلاً، ثمَّ شكَّ في صحّته، فإنّه يبني على الصحّة، ولا يعتني بشكّه. وقيل إنّ قاعدة الفراع لا تختص بالشك في صحة الكلّ، بل تعمّ الشكّ في صحّة الجزء أيضاً، فمن شكّ في صحّة الفاتحة بعد الفراغ منها يبني على الصحّة، ومن شكَّ في صحّة تكبيرة الإحرام بعد الفراغ منها يبني على الصحّة، وهكذا...

قاعدة التجاوز: وأمّا قاعدة التجاوز فهي ‏الحكم بوجود عمل شُكَّ في وجوده بعد التجاوز عن‏ محلّه والدخول في غيره، أوبعد ما خرج وقته (علماً بأنّ الشكّ في أجزاء المركّب هنا يعني الشك في أثناء الفعل). فالمصلّي إذا شكّ في وجود3 جزء من أجزاء الصلاة بعد أن تجاوز محلّه لم يعتن بشكّه، واعتبر الجزء المشكوك كأنّه موجود، وبنى على صحّة صلاته. فهي قاعدة مجعولة لحكم الشكّ ‏في وجود الشيء بمفاد كان التامّة، بعد الخروج عن محلّه والدخول ‏في غيره، وهوالبناء على وجود المشكوك فيه، وحكمه عدم ‏الاعتناء بالشكّ، وصحّة العمل. قال السيد الخوئي قدس سره: "ملاك قاعدة التجاوز هو الشكّ في وجود الشيء بعد التجاوز عن محلّه"4 واشترط المحقّق النائيني قدس سره الدخول في الجزء الآخر"5.

في بيان مدرك القاعدة
يستدلّ على القاعدة بالأخبار المستفيضة الواردة في أبواب مختلفة6: بعضها مختصّة بالطهارة أوالصلاة، وبعضها عامّة لا تقييد فيها بشيء، وقسم ثالث منها وإن كان وارداً في مورد خاصّ، ولكنّه مشتمل على كبرى كليّة يُستفاد منها


--------------------------------------------------------------------------------
28

--------------------------------------------------------------------------------


قاعدة كليّة شاملة لسائر الأبواب الفقهيّة. ونحن نكتفي بذكر بعض الروايات بما يلبّي الحاجة اختصاراً.

1- ما رواه زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "رجل شكّ في الأذان والإقامة وقد كبّر؟ قال يمضي، قلت: رجل شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال يمضي، قلت: شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال: يمضي، قلت: شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال: يمضى على صلاته، ثم قال: يا زرارة، إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكُّك ليس بشيء"7.

هذه الرواية، بحسب ظاهرها، شاملة للطهارة والصلاة، وغيرهما من العبادات، بل تشمل جميع المركّبات الّتي لها أثر شرعيّ في أبواب العبادات والمعاملات, لعموم لفظ "شيء" فيها. ولكنّ ظاهرها بقرينة قوله: "خرجت من..." اختصاصه بالشكّ في صحّته بعد الفراغ عن أصل وجوده، فانّ الخروج عن الشيء - بحسب الظهور الأوّليّ - هوالخروج عن نفسه لا عن محلّه. كما أنّ ظاهره، بادئ الأمر، هواعتبار الدخول في الغير، إلّا أن يكون جارياً مجرى الغالب, لأنّ الإنسان لا يخلومن فعل ما غالباً، فكلّما خرج من شيء دخل في غيره عادة، فيكون قوله: "ودخلت في غيره" من باب التأكيد للخروج من الفعل الأوّل.

- وتوضيح ذلك: إنّ قاعدة الفراغ ناظرة إلى الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ منه، بينما قاعدة التجاوز ناظرة إلى الشكّ في الإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق.
فلو شكّ المصلّي في صلاته تارة يكون شكّه في صحّتها بعد الفراغ منها، وأخرى يشكّ في أثنائها بالإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في الجزء اللاحق. فإنْ شكّ في صحّتها بعد الفراغ منها حكم بصحّتها، وذلك مضمون قاعدة


--------------------------------------------------------------------------------
29

--------------------------------------------------------------------------------


الفراغ. وإن شك في الإتيان بالجزء السابق بعد الدخول في اللاحق حكم بتحقّقه، وذلك مضمون قاعدة التجاوز.

وبعبارة أوضح: أنً المصلي تارة يشك في صحة ما أتى به بعد جزمه بإتيانه به، سواء أكان ما شك في صحته هو الكل أم الجزء، وأخرى يشك في أصل إتيانه بالشيء. ففي الحالة الأولى يحكم عليه بصحة ما أتى به، وذلك هو مضمون قاعدة الفراغ، من دون تخصيصها بالشك في صحة الكل بل تعم الشك في صحة الجزء أيضاً. وفي الحالة الثانية يحكم بتحقّق الجزء المشكوك، وذلك مضمون قاعدة التجاوز. والأخبار الواردة في المسألة على نحوين، فبعضها ناظر إلى الحكم بوجود الشيء المشكوك، وبعضها الآخر ناظر إلى الحكم بصحة الشيء المشكوك.

2- عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو"8.
دلّت على الحكم بالصحّة والتماميّة، بالنسبة إلى العمل الذي شكّ فيه بعد الفراغ منه، وهي أعمّ من أن يكون المشكوك هوجزء العمل أوتمامه.
وهي ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير. إلّا أن يقال بأنّ إطلاقها منصرف إلى ما هو الغالب من تلازم بين مضيّ الشيء وبين الدخول في الآخر، ولكنّها من حيث اختصاصها بالشكّ في الصحّة دون أصل الوجود كالرواية الأولى، وإن كان القول بالتعميم (هنا) أقرب, لأنّ إطلاق مضيّ الشيء على مضي وقته أو محلّه كثير، يقال: مضت الصلاة أي فات وقتها9.

3- عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إذا شكّكت في شيء


--------------------------------------------------------------------------------
30

--------------------------------------------------------------------------------


من الوضوء، وقد دخلت في غيره، فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه"10. والرواية عامّة للشكّ في الصحّة والوجود معاً، وليست مختصّة بأحدهما، فظاهر صدرها التعميم، فإنّ الشكّ في شيء من الوضوء أعمّ من الشكّ في أصل الوضوء أو صحته.

4- عن إسماعيل بن جابر قال: قال أبوجعفر عليه السلام: "إنْ شكَّ في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شكّ في السجود بعدما قام فليمضِ، كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه".11

وصدر الرواية وإن كان مختصًّا بباب أجزاء الصلاة، إلّا أنّ ذيلها قضيّة عامّة كالرواية الأولى، وظهورها (بادئ الأمر) في اعتبارالدخول في الجزء الآخر مثلها.

5- صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "كلُّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد"12، دلّت على أنّ كلّ صلاة شكّ في صحّتها بعد الإتيان يُحكم بالصحّة والتماميّة.

وبالنتيجة يُستفاد من هذه الأدلّة وغيرها حجيّة مدّرك قاعدة الفراغ والتجاوز، فالروايات صحيحة السند، صريحة أو ظاهرة الدلالة على المطلوب في موردي الفراغ والتجاوز.


--------------------------------------------------------------------------------
31

--------------------------------------------------------------------------------


اعتبار الدخول في الجزء الآخر
يقع الكلام تارة في اعتبار هذا القيد في قاعدة التجاوز، وأخرى في اعتباره في قاعدة الفراغ.
- أمّا اعتباره في قاعدة التجاوز فمّما لا ينبغي الارتياب فيه, لكونه مصرّحاً به في صحيحة زرارة13، قال: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء"، وموثّق إسماعيل بن جابر: "كلُّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمضِ عليه"،14 ورواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: "إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه".15

- وأما اعتباره في قاعدة الفراغ، فإنّ النظر لا يساعد عليه, فإنّ المذكور في الأدلّة عنوان: "ممّا قد مضى"، وهو صادق على انقضاء الفعل سواء أدخل في فعل وجوديّ غير ما مضى أم لم يدخل فيه، خصوصاً إذا فسّرنا "غير" بمطلق المغاير للصلاة - مثلاً -، فإنّ الإنسان لا يخلو (بعد انتهاء الفعل) من الحركة أوالسكون. فالمتحصِّل هو عدم اعتبار الدخول في الغير في قاعدة الفراغ، بل يكفي صدق عنوان: "أنّ الفعل قد مضى"، وعليه، فإذا شكّ الإنسان في صحّة الصلاة لشكّه في آخر جزء منها بعد الفراغ منها، وهولا زال جالساً، فيبني على صحّة صلاته، بخلاف ما لواعتبرنا الدخول في غيره فإنه يجب إعادة التسليم.

ماذا يراد من الجزء الآخر؟
قد وقع الاختلاف في المراد بغير المشكوك المعتبر في قاعدة التجاوز، بين


--------------------------------------------------------------------------------
32

--------------------------------------------------------------------------------


متمسّك بإرادة الأجزاء المستقلّة, تمسّكاً بلفظ ما جاء في الأخبار، وبين من ذهب إلى القول بالعموم, اعتماداً على ما جاء من كلمات تفيد ذلك في الأخبار أيضاً، فهنا قولان:
الأوّل: اشتراط الدخول في الأجزاء المستقلّة:اختار جماعة منهم الشيخ النائينيّ اعتبار الدخول في الأجزاء المستقلّة، ولا يكفي الدخول في أجزاء الأجزاء16, لأنّ القدر المتيقّن من غيره الأجزاء المستقلّة المذكورة في صحيحة زرارة من الشكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة، والشكّ في الإقامة بعد الدخول في التكبير... الخ، ولا يجب الوقوف عند الأجزاء المذكورة لفظاً، بل يمكن إجراؤها في غيرها من الأجزاء المستقلّة، كما إذا شك في السجود بعد الدخول في التشهّد، لأنّ المتّبع إطلاق قوله عليه السلام: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء". فالمقصود من الدخول في "غيره" هنا الدخول في الجزء المستقلّ، بحسب الاصطلاح، على ألسنة المتشرّعة دون غيره كجزء الجزء ونحوه.

الثاني: اشتراط الدخول في الأجزاء المستقلّة وغيرها: ذهب فريق آخر إلى أنّ المناسب التعميم لتشمل القاعدة الأجزاء المستقلّة وغيرها من أجزاء الأجزاء، وأجزاء أجزاء الأجزاء، تمسّكاً بإطلاق كلمة "غيره" الواردة في صحيحة زرارة، حيث لم تقيّد بما إذا كان الغير جزءاً مستقلًّا بحسب الاصطلاح.

وعليه إذا شكّ المكلّف في القراءة بعد الدخول في الركوع، أو شكّ في قراءة الحمد بعد الدخول في السورة، أوشكّ في آية بعد الدخول في آية أخرى، فلا يعتني بشكّه كما هو واضح. نعم لا تجري قاعدة الفراغ فيما لو دخل في


--------------------------------------------------------------------------------
33

--------------------------------------------------------------------------------


كلمةٍ وشكّ في سابقتها، فضلاً عمّا إذا دخل في حرفٍ وشك في سابقه، لعدم صدق الخروج منه والدخول في غيره - عرفاً -، وإن كان الإطلاق صادقاً بالدقّة العقليّة.

عموم القاعدتين
وقع البحث في عموم القاعدتين وإمكانيّة الاستناد إليهما في مختلف الأبواب الفقهيّة أم لا، ونظراً لاختلاف الأدلّة يقع الكلام في مقامين:
الأوّل: في قاعدة الفراغ:
أمّا قاعدة الفراغ فينبغي الجزم بعمومها، فهي عامّة، وإن كانت أغلب نصوصها قد وردت في باب الطهارة أوالصلاة، كرواية محمّد بن مسلم17، ولكن يمكن استفادة العموم من موثّق ابن بكير في قوله عليه السلام: "كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو". وعموم التعليل كما في بعض الأخبار كقوله: "هو حين يتوضأ أَذْكَرُ منه حين يشكُّ"، وقوله: "وكان حين انصرفَ أَقْرَبَ إلى الحقّ منه بعد ذلك"، فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في كلّ مركّب شرعيّ إذا شكّ في صحّته بعد الفراغ منه وإحراز أصل وجوده.

الثاني: قاعدة التجاوز:
أمّا قاعدة التجاوز فهي من القواعد العامّة أيضاً، وقد خرج عنها الوضوء للنصوص الخاصّة، ووجود القدر المتيقَن في مقام التخاطب في صحيحة زرارة لا يمنع من انعقاد الإطلاق في القاعدة, لقول الإمام عليه السلام في آخرها: "يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء". أوبناءً على أنّ عموم موثقة محمّد بن مسلم، كما يشمل الشكّ في صحّة المركّب بعد الفراغ


--------------------------------------------------------------------------------
34

--------------------------------------------------------------------------------


منه، كذلك يشمل الشكّ في صحّة أوأصل تحقّقه، فلا تختصّ القاعدة بالطهارة والصلاة، بل تعمّ جميع العبادات بل والمعاملات أيضاً.

عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء
لقد أجمع الأعلام على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء، قبل إتمام الوضوء، يأتي به وإنْ دخل في فعل آخر، فمن شكّ في غسل الوجه وهويغسل اليد اليمنى وجب عليه إعادة غسل الوجه. ومستند خروج الوضوء من القاعدة صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدرِ أغسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله أوتمسحْهُ، ممّا سمّى الله ما دمت في حالة الوضوء، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه، وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أوفي غيرها، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوءه لا شيء عليك فيه"18، وهي صريحة في وجوب الاعتناء بالشكّ، والإتيان بالمشكوك مادام مشتغلاً بالوضوء، وأنّ عدم الاعتناء به يختصّ بصورة الفراغ منه والدخول في حال آخر.

اشتراط عدم العلم بالغفلة حين العمل في القاعدتين
توضيح ذلك: إنّه تارة يفرض أنّ الشخص بعد فراغه من العمل، وطروالشكّ عليه، يقطع بكونه حين العمل كان غافلاً عن الجزء أوالشرط المشكوك، وأخرى يفترض احتماله الالتفات. فمثلاً الشخص الّذي يتوضّأ وهولابس الخاتم، وبعد إتمامه الوضوء شكّ هل وصل الماء تحته، أولا19؟

فهنا يوجد حالتان: الأولى: يحتمل أنّه كان حالة الوضوء ملتفتاً إلى الخاتم،


--------------------------------------------------------------------------------
35

--------------------------------------------------------------------------------


وإلى تحريكه وإيصال الماء تحته. ففي هذه الحالة لا إشكال في جواز تطبيق قاعدة الفراغ. الثانية: إنّه تارة يقطع بكونه كان غافلاً حالة الوضوء(حين العمل) عن وجود الخاتم بيده، وعن تحريكه، غايته يحتمل تسرّب الماء تحته بلا التفات منه، ففي هذه الحالة عند القطع بكونه كان حين العمل غافلاً عن الجزء أوالشرط المشكوك، فقد رفض بعض الأعلام كالسيّد الخوئيّ قدس سره والسيّد الشهيد قدس سره تطبيق قاعدة الفراغ، مدّعياً عدم شمولها لمثل ذلك, لأنّ جريان قاعدة التجاوز والفراغ مختصٌّ بما إذا كان الشكّ ناشئاً من احتمال الغفلة والسهو، فلا مجال لجريانهما فيما إذا احتمل ترك الجزء أوالشرط عمد, لأنّ القاعدة ليست من القواعد التعبّديّة بل إمضاء لقاعدة ارتكازيّة عقلائيّة، وهي أصالة عدم الغفلة, لظهور حالهم حين الامتثال في عدم الغفلة، ولا يُستفاد من الأدلّة أزيد من هذا المعنى، مضافاً إلى دلالة التعليل المذكور في بعض الروايات على الاختصاص، فإنّ كونه "أذكر" إنّما ينافي الترك السهويّ، لا الترك العمديّ، كما هوواضح20.


--------------------------------------------------------------------------------
36

--------------------------------------------------------------------------------




الأفكار الرئيسة

- قاعدة الفراغ: هي الحكم بصحَّة العمل الّذي يُشكُّ في صحَّته وتماميّته بعد الفراغ منه.
- قاعدة التجاوز: هي الحكم بصحّة العمل وتحقُّق الجزء الذي يشكُّ في تحقُّقه وإيجاده بعد تجاوز موضع الشكّ ومحلِّه والدخول في غيره.
- تجري قاعدة الفراغ في كلِّ مركَّب فرغ منه المكلَّف وتعقَّبه الشكّ، في أبواب الصَّلاة والطَّهارة كالغسل والوضوء والتيمُّم، بل جميع العبادات والمعاملات.
- اختار جماعة اعتبار الدخول في الأجزاء المستقلّة ولا يكفي الدخول في أجزاء الأجزاء, لأنّ القدر المتيقّن من غيره الأجزاء المستقلّة.
- ذهب فريق آخر إلى أنّ المناسب التعميم لتشمل القاعدة الأجزاء المستقلّة وغيرها من أجزاء الأجزاء، وأجزاء أجزاء الأجزاء، تمسّكاً بإطلاق كلمة "غيره".
- ينبغي الجزم في عموم قاعدة الفراغ، والاستناد إليها في مختلف الأبواب الفقهيّة، فهي عامّة، وإن كانت أغلب نصوصها قد وردت في باب الطهارة أوالصلاة.
- يمكن أن يُقال بعموم قاعدة التجاوز, للإطلاق في صحيحة زرارة، ولا يمنع من انعقاد الإطلاق وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب.
- تجري قاعدة التجاوز في أجزاء المركَّب إذا كان الشكّ بعد تجاوز محلّه، فتجري في الصَّلاة أيضاً، ولا تجري عند الشكّ في أجزاء الوضوء قبل القيام عن محلّ الوضوء، وقد أُلحق الغسل والتيمُّم بالوضوء للدليل الخاصّ.
- لقد أجمع الأعلام على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، فإنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء، قبل إتمام الوضوء يأتي به وإنْ دخل في فعل آخر.



مطالعة

القواعد والفوائد للشهيد الأوّل
يعتبر كتاب "القواعد والفوائد" أوَّل تأليف مستقلّ وصل إلينا في قواعد الفقه الإماميّ وفروعه، وقد قال عنه الشهيد الأوَّل قدس سره في إجازته لابن الخازن الحائريّ: "فممَّا صنعته كتاب القواعد والفوائد، مختصر يشتمل على ضوابط كلّيَّة أصوليَّة وفرعيَّة، تُستنبط منها الأحكام الشرعيَّة، لم يعمل الأصحاب مثله"21. وقد احتوى هذا الكتاب على ما يقرب من ثلاث مئة وثلاثين قاعدة، إضافةً إلى فوائد تقرب من مئة فائدة، عدا التنبيهات والفروع.

أمَّا منهج الشهيد قدس سره في هذا الكتاب22 فهو أنَّه يورد القاعدة أو الفائدة ثمّ يبيِّن ما يندرج تحتها من فروعٍ فقهيَّة، وما قد يرد عليها من استثناءات إن كان هناك استثناء منها.ولم يقتصر الشهيد قدس سره على بيان رأي الإماميّة في ما يذكره من المسائل فحسب، بل اتَّخذ منهج المقارنة في أغلب الفروع الفقهيّة، فيعرض ما قيل من الوجوه سواءً أكان القائل إماميَّاً أم غيره، كما أنَّه قد يذكر قولاً نادراً تفرَّد به بعض الإماميّة أو غيرهم. ولا يكتفي بنقل تلك الأقوال والوجوه في المسألة الفقهيّة، بل هو ـ غالباً ـ ما يذكر أدلَّتها وحججها، ويناقش ما لا يرتضيه منها مناقشات جليلة.



أسئلة وتمارين

- ضع علامة أو خطأ في المكان المناسب:
1- معنى قاعدة الفراغ هوالحكم بصحّة العمل المركّب، الّذي شُكّ في صحّته بعد الفراغ منه والدخول في غيره.
2- معنى قاعدة التجاوز هو‏الحكم بوجود عمل شُكّ في وجوده، بعد التجاوز عن ‏محلّه بعد ما خرج وقته.
3- مورد قاعدة الفراغ والتجاوز هوالشكّ المتعلّق بالشبهات الموضوعيّة، دون الشكّ المتعلّق بالشبهات الحكميّة.
4- يُشترط في تطبيق قاعدة الفراغ الدخول في غير المشكوك من الأجزاء.
5- يُشترط في تطبيق قاعدة التجاوز الدخول في غير المشكوك من الأجزاء.
6- الدخول في غيره يصدق على الدخول في أجزاء الأجزاء.

- عالج الأسئلة الآتية:
1- إذا قطع بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، ولكنّه شكّ في أنّه هل كان هناك مسوِّغ لذلك من جبيرةٍ أوضرورة أوتقيّة، أم فعل ذلك من غير مسوّغ شرعيّ؟ فهل يمكن الالتزام بقاعدة الفراغ للحكم بالصحّة؟
2- إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله، ولكن شكّ في أنّه هل عدل عنه باختياره أوباضطرار؟ فهل تجري قاعدة الفراغ للحكم بالصحّة؟
3- إذا علم بوجود مانع، وعلم زمان حدوثه، وشكّ في أنّ الوضوء هل كان قبل حدوثه أوبعده؟ فهل يُبنى على الصحّة أم الفساد؟ ولماذا؟
4- إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجساً فتوضّأ، وشكّ بعده في أنّه طهّره ثمّ توضّأ أم لا، فما حكم هذا الوضوء؟ وما حكم الوضوء لما يأتي من الأعمال؟
5- إذا شكّ بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه، فما حكم الصلاة؟ وما حكم البناء على هذا الوضوء بالنسبة إلى لصلاة الآتية؟ وما حكم الشكّ السابق لوكان في أثناء الصلاة؟
6- إذا تيقّن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءاً ثمّ تبدّل يقينه إلى شكّ؟ فهل يحكم ببطلان الوضوء أم بصحّته؟ ولماذا؟



هوامش

1- لم تكن قاعدة الفراغ والتجاوز معروفة عند القدماء كمعروفيّتها عند المتأخِّرين وإن استند إليها بعضهم أحياناً في مسائل الطهارة والصلاة، لكن لا بعنوان أنّها قاعدة كلّية سارية في معظم أبواب الفقه.
2- المصطفوي، مائة قاعدة فقهية، ص 187.
3- أي: شكّ في الإتيان به.
4- الخوئي، مصباح الأصول، ج3، ص 279.
5- المحقّق النائيني: أجود التقريرات: ج2، ص 465.
6- الشيرازي، ناصر مكارم: القواعد الفقهية، ط 3، قم المقدّسة، مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، 1411هـ.ق، ج1،ص213.
7- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج5، الباب23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح1، ص237.
8- م.ن، ح3، 237-238.
9- الشيرازي، القواعد الفقهية، م.س، ج1، ص214.
10- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج1، الباب 42 من أبواب الوضوء، ح5، ص331.
11- م.ن، ج4، الباب 13 من أبواب الركوع، ح4، ص318.
12- م.ن، ج5، باب 27 من أبواب الخلل، ح2، ص343.
13- م.ن، الباب 23 في أبواب الخلل الواقع في الصلاة،ح1، ص237.
14- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج4، الباب 13 من أبواب الركوع، ح4، ص318.
15- م.ن، ج1، الباب 42 من أبواب الوضوء، ح2، 469-470.
16- الخوئي، أجود التقريرات، م.س، ج2، ص473.
17- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج5، الباب27 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح3.
18- العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج1، الباب 42 في أبواب الوضوء، ح1.
19- هاتان حالتان ولا ثالثة لهما، إذ الثالثة ليست هي إلا حالة القطع بالالتفات، ومعها لا يبقى مجال للشكّ واحتمال عدم وصول الماء ليحتاج إلى تطبيق قاعدة الفراغ.
20- الخوئي، مصباح الأصول، م.س، ج3، ص268.
21- العاملي، محمّد بن مكّي (الشهيد الأوّل): غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، تحقيق ونشر مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية،ط1، قم المقدّسة، مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ.ق، ج1، مقدّمة التحقيق، ص106.
22- انظر: العاملي، محمّد بن مكّي (الشهيد الأوّل): القواعد والفوائد، تحقيق السيّدعبدالهادي الحكيم، لاط، قم المقدّسة، منشورات مكتبة المفيد، لات، ج1، مقدّمة التحقيق، ص8.



يتبع

من مواضيع : الشيخ عباس محمد 0 دراسة بريطانية: تعدد الزوجات يطيل العمر ويجلب الرزق
0 كيف أجعل زوجي يهتم بي
0 أكثر ما تحبه المرأة في الرجل
0 هل حب المخالف لعلي (عليه السلام) ينجيه يوم القيامة ؟
0 عنى حديث الاجتماع على حب علي (عليه السلام)
رد مع اقتباس