عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية وهج الإيمان
وهج الإيمان
مشرف المنتدى العقائدي
رقم العضوية : 81228
الإنتساب : Jul 2014
المشاركات : 4,305
بمعدل : 1.20 يوميا

وهج الإيمان غير متصل

 عرض البوم صور وهج الإيمان

  مشاركة رقم : 30  
كاتب الموضوع : وهج الإيمان المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 30-01-2017 الساعة : 11:41 PM


بحث نفيس للشيخ محمد صنقور أنقله للقارئ الكريم فيه إجابه على الشبهات التي تعلق بها من حمل الوراثه لأنبياء الله على غير المال

وورث سليمان داوود


المسألة:
ذكر بعضهم انَّ قوله تعالى: ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([1]1) معناه وراثة سليمان لنبوة داود وعلمه وملكه وقال: انَّه يصح استعمال كلمة الوراثة في ذلك كما في قول النبي (ص): (العلماء ورثة الأنبياء).

الجواب:
لا ريب في ظهور الآية المباركة في انَّ المراد من قوله تعالى ï´؟وَوَرِثَï´¾ هو المعنى الحقيقي للميراث والذي هو انتقال أموال الميت الى أقربائه، وأيُّ معنًى آخر يُراد حمل لفظ الميراث عليه يكون هو المفتقر للقرينة، وذلك لانَّ حمل اللفظ على غير معناه الحقيقي يكون من حمل اللفظ على غير ما وُضع له، وهو ما يُعبَّر عنه بالمجاز، وهو خلاف الاصل، إذ انَّ الاصل هو استعمال كلِّ لفظٍ فيما وُضع له أي في معناه الحقيقي، فإذا أراد المتكلِّم تجاوز المعنى الموضوع له اللفظ فإنَّ عليه ان ينصب قرينةً على مراده وإلا كان كلامه جاريًا على خلاف ما تقتضيه قواعد اللغة وعلى خلاف ما عليه العقلاء من أهل المحاورة وأرباب الخطاب، وذلك ما يُنزَّه عنه القرآن الكريم حيث يجب الاعتقاد في انَّ آياته كانت في اعلى درجات الفصاحة والبلاغة.

ونظرًا لوضوح ما ذكرناه وانَّه لا محيص عن التسليم به لذلك تصدى الكثير من علماء العامة للفحص عن القرينة التي يصح التعويل عليها لصرف ظهور استعمال الآية لكلمة الميراث عن معناها الحقيقي، فما منهم من أحد الا وهو مذعن بأنَّ المعنى الحقيقي للفظ ï´؟وَوَرِثَï´¾ هو انتقال أموال الميت إلى ورثته إلا انَّهم يزعمون انَّ القرآن استعمل هذا اللفظ في هذه الآية في غير معناه الحقيقي ولذلك وجدوا انفسهم مُلزَمين ببيان القرينة على ارادة الآية للمعنى المجازي دون المعنى الحقيقي. فتمحَّلوا لذلك قرائنَ ادَّعوا انَّها صالحة لاثبات انَّ المراد من الميراث في الآية هو انتقال النبوة أو العلم أو الحكمة وليس هو انتقال المال.

والقرائن التي ذكروها بعضها قرائن خارجيَّة اي انَّها مستفادة من غير مساق الآية المباركة وبعضها قرائن داخلية أي انَّها مستفادة من سياق الآية المباركة.

أما القرائن الخارجية: فاستدلوا بالحديث المنسوب للنبي (ص): (نحن معاشر الانبياء لا نوِّرث)([2]) وهذا الحديث لم يرد من طرقنا فلا يصح الاحتجاج به علينا بل انَّه قد ثبت عندنا انَّ السيدة فاطمة وأهل البيت (ع) قد كذَّبوا هذا الخبر([3]) ووصفوه بالوضع. فهو ساقط عن الحجيَّة عندنا قطعًا.

ومما يؤيِّد انَّ هذا الحديث كان موضوعاً هو انَّ نساء النبي (ص) أرسلن عثمان بن عفان أو أردن انْ يرسلنه الى ابي بكر يسألنه ميراثهنَّ من رسول الله (ص) وقد روى ذلك الكثير من المحدِّثين كالبخاري في صحيحه وابن حبَّان في صحيحه وأحمد في مسنده وغيرهم([4]).

فكيف يخفى على عليٍّ (ع) وفاطمة (ع) ونساء النبي (ص) مجتمعات سوى عائشة انَّ النبي (ص) لا يورِّث؟! أيصحُّ القبول بذلك رغم انَّهم مورد الابتلاء بهذه المسألة والسكوت عن بيانها لهم يقتضي الجري على وفق ما تقتضيه قاعدة التوارث المنصوص عليها في القرآن، هل أراد النبي (ص) إحراجهم فخصَّ بيان حكم هذه المسألة بغيرهم؟! أو انَّهم علِموا بحكم هذه المسألة ولكنَّهم أرادوا الاستحواذ على غير ما يستحقون؟! أو انَّهم جميعاً علياً وفاطمةَ ونساء النبي الثمان نسوا مجتمعين حكم هذه المسألة رغم انَّ النبي (ص) قد بيَّنها لهم، أيصحُّ القبول بذلك؟!

إنَّ خصوصيَّة هذه المسألة بهم وعدم اشتمالها على تفاصيل تقتقضي النسيان لبعضها، فهي ليست أكثر من نفي التوارث مع الالتفات الى ما لِنفي التوارث عن الوارث من وقْعٍ على نفسه، انَّ كلَّ ذلك يجعل من احتمال النسيان مستبعداً غايته، خصوصاً بعد افتراض اجتماعهم على النسيان وبعد الالتفات الى انَّ أحدهم هو عليُّ بن أبي طالب (ع) الذي وصفه الرسول بباب مدينة علمه([5]).

واستدلوا أيضًا بأنَّ لداود (ع) أولادًا كثيرين، فلو كان المراد من وراثة سليمان لداود هي وراثة المال لما كان لسليمان خصوصيَّة، إذ انَّ استحقاق الميراث يكون لجميع الاولاد وليس لبعضهم دون البعض الآخر، ولذلك يتعيَّن إرادة الوراثة للنبوة، فهي التي اختص بها سليمان دون سائر اخوته.

والجواب عن ذلك انَّه لم يثبت انَّ لداود (ع) اولادًا كثيرين وإنَّ ما ورد في ذلك لا يعدوا خبر الآحاد الذي لم تثبت صحته عندنا([6]) بل وكذلك لم تثبت صحته عندهم فهو عندهم خبرٌ مرسل أرسله مثل الكلبي وقتادة([7]) كما ذكر ذلك بعض المفسرين منهم على انَّه لم يُنسب للرسول الكريم (ص) فهذا الخبر في أدنى درجات الضعف.

هذا مضافًا الى انَّ الآية المباركة لم تنفِ الوراثة عن بقية أبناء داوود (ع) لو كان له أبناء فإنَّ أقصى ما أفادته الآية هو انَّ سليمان ورث داود، فهي قضية اثباتيَّة أي انَّها ظاهرة في اثبات وراثة سليمان لداود، واثبات شيءٍ لشيء لا يدلُّ على نفي ذلك الشيء المثبت لغيره. فلو قيل انَّ زيدًا شاعر فإنَّ ذلك لا يقتضي انَّ عمرًا ليس بشاعر، وهكذا لو قيل إنَّ زيدًا ورث أباه فإنَّ ذلك لا يعني انَّ اخا زيدٍ لم يرث أباه. وانما لانَّ المتكلِّم كان بصدد الحديث عن زيد وأحواله لذلك أفاد انَّ زيدًا ورث اباه، فلا دلالة لكلامه على انَّ اخوة زيد لم يرثوا أباهم، نعم لو كان في الخطاب ما يقتضي الحصر لأفاد كلامه نفي الوراثة عن بقية اخوة زيد إلا انَّ الامر لم يكن كذلك بحسب الفرض، وهكذا الحال بالنسبة للآية المباركة فإنَّها لم تشتمل على ما يقتضي الحصر وكلُ ما أفادته الآية انَّ سليمان ورث داود، لذلك لو ورد لنفس المتكلِّم خطاب آخر في مقامٍ آخر أفاد فيه انَّ غير سليمان من أبناء داود قد ورثوه لما عُدَّ ذلك بنظر العرف تناقضًا بين الكلام الاول والثاني. فالمصحِّح للتنصيص على وراثة سليمان وإغفال سائر اخوته لو كان له اخوة هو انَّ القرآن كان بصدد الحديث عن أحوال سليمان ولم يكن بصدد الحديث عن أحوال اخوته، فلا يكون إهمالهم في الذكر قرينة على انَّ مراده من الوراثة هو ما اختصَّ به سليمان دون سائر اخوته والتي هي النبوة، فلأنَّ القرآن كان في مقام الحديث عن أحوال سليمان (ع) لذلك فهو غير معنيٍّ بالحديث عن أحوال اخوته.

ومن القرائن الخارجية: التي تمسَّك بها بعضهم هي ما روي عن النبي الكريم (ص) انَّه قال: (العلماء ورثة الانبياء) ([8]) فالنبي (ص) قد قصد من ذلك وراثة العلم، إذا انَّ الانبياء لم يورِّثوا للعلماء مالاً، وكذلك هو الشأن في داود (ع) ، فهو انما ورَّث ابنه سليمان العلم والنبوة.

والجواب عن ذلك هو انَّ الاستدلال بمثل هذا الحديث ينبغي ان يُعدَّ من الغرائب، لأنَّه من الاستدلال على أمرٍ أجنبيٍّ عن محل النزاع، إذ انَّ أحدًا لم يدع انَّ الوراثة لا تُستعمل في وراثة العلم اذا كان في الكلام قرينة على إرادته دون إرادة الوراثة للمال، ومن الواضح انَّ الحديث قد اشتمل على قرينة تدلُّ على إرادة النبي (ص) لوراثة العلم دون وراثة المال لذلك فاستعمال النبي (ص) للفظ الوراثة كان استعمالاً مجازيًا دون ريب، وكون اللفظ قد استُعمل في المعنى المجازي لا يدلُّ على انَّه قد استُعمل في المعنى المجازي في تمام موارد الاستعمال، ولذلك لا يصح الاستدلال على انَّ زيدًا أراد من قوله رأيت أسدًا انَّه أراد الرجل الشجاع لانَّه قد قال هو أو قال غيره في موردٍ من الموارد انَّ أسدًا في المدينة يضرب بالسيف، فإنَّ المراد من الأسد في قوله انَّ أسدًا يضرب بالسيف هو الرجل الشجاع دون ريب إلا انَّ ذلك لا يدلُّ على انَّه كلما استعمل لفظ الأسد كان مراده الرجل الشجاع بل لا بدَّ من ملاحظة كلِّ استعمال على حده فإنْ كان مشتملاً على قرينة تدلُّ على إرادة الرجل الشجاع وإلا تعيَّن كون المراد من الأسد هو معناه الحقيقي وهو الحيوان المفترس.

فالمقام من هذا القبيل فالنبي (ص) قد استعمل لفظ الوراثة في معنًى مجازي وكان كلامه مكتنفًا بقرينة تدلُّ على ذلك، وأما الآية فإنَّها لم تكتنف بقرينة تدلُّ على إرادة المعنى المجازي من لفظ الوراثة لذلك لا يصح حمل لفظ الوراثة على المعنى المجازي بل يتعيَّن حمله على إرادة المعنى الحقيقي للفظ الوراثة، ومجرَّد استعمال النبي (ص) للفظ الوراثة في المعنى المجازي لا يقتضي إرادة المعنى المجازي في كل موردٍ اسْتُعمل فيه لفظ الوراثة.

وما ذكرناه أوضح مِن انْ يحتاج الى بيان لو لا خشية التوهُّم مِمَّن لاحظ له بمعرفة أصول الكلام وضوابط اللغة.

وأما القرائن الداخلية: فهي قرينة واحدة تمسَّك بها البعض لاثبات دعوى انَّ المراد من الوراثة في الآية هي وراثة العلم والنبوة، وحاصل هذه القرينة المدعاة انَّ الآية وقعت في سياق بيان ما امتنَّ الله تعالى به على داود وسليمان وما اختصا به من فضلٍ، فأفادت الآية التي سبقت آية الوراثة انَّ الله تعالى آتى داود وسليمان علمًا ثم اشارت على تفضيلهما على كثيرٍ من عباده المؤمنين وبعد انْ أخبرت الآية عن وراثة سليمان لداود اشارت الى انَّ الله تعالى علَّمهما منطق الطير وآتاهما من كلِّ شيء وانَّه تعالى حشر لسليمان جنودًا من الجن والانس والطير.

فالوراثة وقعت في سياق التعداد لنعمٍ لم تكن قد اُعطيت لكثيرٍ من عباد الله فالمناسب انْ يكون المراد مِن الوراثة هي وراثة العلم والنبوة، إذ انَّ وراثة الابن لاموال ابيه ليست من المِنح ذاتِ الشأن لعدم اختصاص سليمان (ع) بها دون غيره، ولانَّها اذا ما قيست الى النعم التي وقعت الوراثة في سياقها فإنَّها تُعدُّ من النعم المُستحقرَة فيكون التنويه بها مُستهجَن لو كان المراد منها وراثة المال، ولذلك يتعيَّن المراد في وراثة النبوة والعلم والحكمة.

والجواب عن هذه القرينة نقضيٌ وحلَّي:
أما الجواب النقضي فنذكر له نموذجين:
النموذج الأول:قوله تعالى: ï´؟وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ / وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِï´¾([9]) فقوله تعالى:ï´؟وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِï´¾ والذي هو مثل الطعام والشراب وقع في سياق تعداد ما أنعم الله به على بني اسرائيل فما سبق هذه النعمة في الذكر هي انَّ الله تعالى انزل عليهم الكتاب وأعطاهم الحُكم والمُلك وجعل فيهم النبوة ثم بعد ذلك نوَّه على انَّه رزقهم الطعام الطيب والشراب ثم أفاد انَّه فضلهم على العالمين وآتاهم بيناتٍ من الأمر.

فاطعام بني اسرائيل للطيِّب من الطعام اذا ما قيس الى النعم التي عددتها الآية فإنَّها لن تكون من النعم ذات الشأن ورغم ذلك نوَّهت عليها الآية في سياق التنويه على النعم الكبرى التي انعم الله تعالى بها على بني اسرائيل.

فالكتاب الذي نزل على بني اسرائيل هو التوراة والذي وصفه القرآن بالامام والرحمة في قوله تعالى: ï´؟وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةًï´¾([10]) ووصفه بالهدى والنور والشريعة التي يحكم بها النبيون الذين جاؤوا من بعد موسى (ع) قال تعالى:ï´؟إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِï´¾([11]).

وقال تعالى:ï´؟وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍï´¾([12]) وقال تعالى:ï´؟وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَï´¾([13]).

وأما الحكم فهو انَّه تعالى أهلك عدوَّهم فرعون والذي كان يسومهم سوء العذاب يذبِّح ابناءهم ويستحيِّ نساءهم ويقطِّع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم ملَّكهم سلطانه على مصر قال تعالى:ï´؟وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَï´¾([14]).

وأما النبوة فكانت فيهم منذ انَّ بعث الله تعالى اليهم نبيَّه يعقوب (ع) ثم في ذريته، وظلَّت تتعاقب فيهم دون انقطاع الى انْ بُعث منهم موسى (ع) ثم تعاقبت النبوات في بني اسرائيل الى انْ استقرَّت في زكريا وبعده يحيى وعيسى والمسيح (ع).

وأما البيِّنات من الامر فهي المعجزات التي أظهرها لهم على أيدي أنبيائهم ليبصِّرهم طريق الحق والهدى. قال تعالى:ï´؟وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَï´¾([15]). وقال تعالى:ï´؟سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍï´¾([16]).

وقال تعالى:ï´؟وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَï´¾([17]).

ففي سياق تعداد النعم العظمى التي انعم الله بها على بني اسرائيل تنوِّه الآية من سورة الجاثية على انَّه تعالى رزقهم من الطيبات وهي نعمةٌ اذا ما قيست الى النعم التي عددتها الآية لا تكون ذات شأن خصوصًا وانَّ الله تعالى قد أكرم بها أكثر عباده قال تعالى:ï´؟وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِï´¾([18]).

فلم يكن بنوا اسرائيل وحدهم مَن رزقهم الله تعالى من الطيبات فكان المناسب عدم التنويه على هذه النعمة في سياق التنويه على النعم العظمى التي انعم الله بها على بني اسرائيل لوصح ما ذكره هذا الذي ادعى انَّ المراد من وراثة سليمان لداود هي وراثة النبوة لانَّ من غير المناسب إرادة الوراثة للمال لانَّها اذا ما قيست الى النعم التي عددتها الآية لكانت مستحقرة.

النموذج الثاني: قوله تعالى:ï´؟وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍï´¾([19]).

فهذه الآية المباركة بدأت بالاشارة الى أمرٍ عظيم لم يكن مسبوقًا في تاريخ الرسالات بل ولا اتفق وقوعه بعد ذلك وهو انَّه تعالى قدَّر ان تلد مريم (ع) بغير زوج، فكان مولودها آيةً في تخلُّقه وولادته، وهو آية حيث تكلَّم في المهد وهو آية حيث آتاه الله تعالى علم الكتاب والنبوة في المهد، وهو آية لانَّه كان يُبرء الاكمه والابرص بإذنِ الله ويُحي الموتى بإذنِ الله ويخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله ثم انَّه تعالى وفي سياق التنويه بهذه الآيات العظمى قال: ï´؟وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍï´¾([20]). أي انَّه تعالى اسكنهما موضعًا مستقرًا وفيه ماء. فإما انْ تكون دمشق أو فلسطين أو ظهر الكوفة أو أيُّ موضعٍ من بلاد الله تعالى، فإنَّ هذا الامر لا يكون ذو بالٍ إذا ما قيس الى ما بدأت به الآية المباركة من التنويه على انَّه تعالى جعل ابن مريم وامه آية، على انَّ الإيواء الى تلك الربوة ذات المعين لم تكن قد مُنحت لابن مريم وامه (ع) دون غيرهما.

ومن ذلك يتضح انتقاض ما تمسَّك به مدَّعي إرادة النبوة من الوراثة في قوله تعالى:ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([21]). إذ انَّ هذه الآية وهي قوله ï´؟وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَï´¾ قد اشارت الى أمرٍ ليس بذي بالٍ اذا ما قيس الى الامر الاول الذي نوَّهت عليه الآية المباركة وهو انَّه تعالى جعل ابن مريم وامه آية.

فكما صحَّ التنويه في الآية المباركة على أمرين احدهما ليس بذي بالٍ اذا ما قيس الى الامر الآخر فإنَّه يصح انْ ينوِّه الله تعالى في آية الوراثة على وراثة المال رغم انَّه ليس بذي بالٍ اذا ما قيس الى المنح الالهية الاخرى التي اعطاها لداود وسليمان (ع).

وأما الجواب الحلِّي: عن القرينة المذكورة فهو انَّ الآية ليست ظاهرة في انَّها بصدد تعداد ما أنعم الله تعالى به على داود وسليمان وانَّما هي بصدد الحديث عن بعض أحوال داود وسليمان نعم، مآلُ البيان لاحوالهما هو الوقوف على ما أنعم الله تعالى به عليهما إلا انَّ ذلك شانٌ آخر.

والقرينة على انَّ الآيات كانت بصدد البيان لاحوال داود وسليمان هو انَّ الآيات بدأت بالإخبار عن انَّ الله تعالى قد آتاهما علمًا ثم أخبرت عن انَّهما حمدا الله تعالى على هذه النعمة ï´؟وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَï´¾([22]) فهذه الفقرة انَّما تُناسب البيان للحال ووقع في سياق ذلك قوله تعالى: ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([23]) ثم قال تعالى:ï´؟وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِï´¾([24]) فقوله تعالى: ï´؟وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَاï´¾([25]) بيانٌ لبعض أحوال سليمان (ع).

فما سبق قوله تعالى: ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([26]) وما لحِقه واقعٌ في سياق البيان لحال سليمان (ع)، وذلك ما يؤكد دعوانا انَّ الآية بصدد بيان بعض أحوال سليمان ولم تكن بصدد التعداد للنعم.

ويؤكد ذلك أيضًا الآيات التي تلت قوله ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([27]) وهي سبعٌ وعشرون آيةً كلها تتحدث عن أحوال سليمان.

فبعد قوله تعالى: ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([28]) قال تعالى: ï´؟وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ / حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْï´¾([29]) ثم بعد ذلك قال تعالى: ï´؟وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَï´¾([30]) ثم قال تعالى بعد آيات:ï´؟اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَï´¾([31]) ثم قال تعالى: ï´؟فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُمï´¾([32]) ثم قال تعالى: ï´؟يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَï´¾([33]) الى ان قال تعالى:ï´؟قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَï´¾([34]).

فالآيات كما تلاحظون ظاهرة جدًا في انَّها كانت بصدد البيان لاحوال سليمان (ع) وبذلك يسقط منشأ استظهار إرادة الوراثة للنبوة من قوله تعالى: ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([35]) فهي ليست بصدد التعداد للمنح الالهية التي خصَّ الله بها سليمان (ع) حتى يُقال إنَّ وراثة الابن لابيه من الشئون التي تتفق لاكثر الناس فيكون التنويه عليها مستهجنًا، وليست بصدد التعداد للنعم الالهية التي فضَّل الله بها سليمان على كثيرٍ من عباده حتى يكون التنويه على الوراثة بمعناها الحقيقي مستهجنًا نظرًا لوقوعها في سياق نعمٍ لو قيست الوراثة بمعناها الحقيقي اليها لكانت من النعم المُستحقرَة التي لا يُناسب التنويه عليها في سياق التنويه على النعم الالهية الكبرى.

فهذه الدعوى وانْ لم تكن تامة حتى لو كانت الآيات بصدد التعداد للنعم الالهية لكنه لو سلَّمنا جدلاً بتماميتها إلا انَّ الواضح انَّ الآيات لم تكن بهذا الصدد وانَّما كانت بصدد البيان لاحوال سليمان (ع) وحينئذٍ ينتفي المقتضي لاستهجان الإخبار عن وراثة سليمان لابيه داود(ع).

وبما ذكرناه يتضح انَّه لا موجب لصرف ظهور قوله تعالى:ï´؟وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَï´¾([36]) عما يقتضيه المعنى الحقيقي للفظ الوراثة، حيث ذكرنا أنَّ أيَّ معنًى آخر غير المعنى الموضوع له لفظ الوراثة يكون استعمال لفظ الوراثة فيه استعمالًا مجازيًا ولهذا فهو مفتقر الى قرينة، فمع عدم نصب القرينة على إرادة المعنى غير الموضوع له يكون المتعيَّن هو حمل الاستعمال على إرادة المعنى الحقيقي كما هو مقتضى اصول الكلام وضوابط اللغة، وحيث لا قرينة على إرادة غير المعنى الحقيقي في المقام لذلك فالمتعيَّن هو استظهار إرادة الوراثة الحقيقية من الآية المباركة. وبذلك يثبت المطلوب.

ثم إنَّ البناء على إرادة الوراثة الحقيقية من الآية وإن لم يكن بحاجةٍ الى دليل بعد عدم قيام القرينة على إرادة المعنى المجازي إلا انَّه ورغم ذلك نُشير الى عددٍ من المؤيِّدات على إرادة الوراثة الحقيقية من الآية المباركة:
المؤيد الأول: انَّه لم يُعهد من القرآن الكريم والسنَّة الشريفة استعمال التوريث في جعل النبوة، ولا يصح الاستدلال بهذه الآية وبآية ï´؟يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَï´¾([37]) لانَّهما محل النزاع فالقرآن عندما يُخبر عن اعطاء النبوة لأحد فإنَّه يعبِّر عن ذلك بالاصطفاء والاجتباء والاختيار أو ما يناسب هذه المفردات.

قال تعالى:ï´؟إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَï´¾([38]) وقال تعالى: ï´؟وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُï´¾([39]) وقال تعالى: ï´؟وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءï´¾([40]) وقال تعالى: ï´؟وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىï´¾([41]).

فلم يُعهد عن القرآن انَّه عبَّر عن الاعطاء للنبوة بالتوريث نعم عبَّر القرآن عن تمكين المستضعفين بالتوريث فقال تعالى: ï´؟وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَï´¾([42]) وقال تعالى: ï´؟وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا..ï´¾ ([43]).

وعبَّر القرآن عن اعطاء الكتاب لأُمم الانبياء بالتوريث قال تعالى: ï´؟ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ..ï´¾ ([44]).


يتبع ......


توقيع : وهج الإيمان











من مواضيع : وهج الإيمان 0 الشيخ السني د. إبراهيم الزبيدي علي رضي الله عنه قتل مرحب وقلع لوحده باب خيبر
0 د. السني مبروك زيد الخير قال علي : فاضت بين سحري ونحري نفسك وستخبرك إبنتك عن حال أمتك
0 د. السني عبد الحليم الحسيني يصحح رواية نص الإمام الحسن العسكري على إبنه محمد المهدي وغيبته
0 د. السني الشنفا وأسدرم : العالم الصفوري السني قال بإسقاط المحسن
0 الباحث السني الحسيني قال الحافظ ابن الفوطي الحنبلي ولد المهدي ابن العسكري وأن له قبل قيامه غيبتان
رد مع اقتباس