|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 81994
|
الإنتساب : Apr 2015
|
المشاركات : 1,288
|
بمعدل : 0.37 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الشيخ عباس محمد
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
بتاريخ : 10-01-2018 الساعة : 08:11 PM
والأنصار يوم السقيفة خطب طويل ومجاذبة في الإمامة، وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع، ولم يبايعه أحدمن بني هاشم حتّى ماتت فاطمة (عليها السلام)(1).
وقال اليعقوبي: جاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم وقال: يا معشر بني هاشم..! بويع أبو بكر! فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه، ونحن أولى بمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال العباس: فعلوها، وربّ الكعبة.
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي (عليه السلام)، فلما خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس، وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، انّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم.
وقام عتبة بن أبي لهب فقال:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي الحسن
عن أول الناس ايماناً وسابقة وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهداً بالنبي، ومن جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به وليس في القوم ما فيه من الحسن(2)
____________
1. مروج الذهب: 2/301.
2. اليعقوبي: 2/124، وفي رواية: خرج العباس الى المسجد وقد اجتمعوا فيه، فأخذ بعضادتي الباب وأنشد هذه الأشعار كما في مثالب النواصب: 131. ونقل الأبيات عن عتبة أيضاً في المختصر في تاريخ البشر: 1/156 وتتمة المختصر: 2/215، ونسبها في غير واحد من المصادر إلى غيره راجع شرح نهج البلاغة: 6/21 و 13/232 ; فرائد السمطين: 2/82 ; كتاب سليم: 78 ; كنز الفوائد: 1/266 ـ 267 ; الارشاد: 1/32 ; الجمل: 118 ; الفصول المختارة: 268 ; إعلام الورى: 184 ; روضة الواعظين: 87 ; كشف الغمة: 1/67 ; الصراط المستقيم: 1/205، 236 ـ 237 ; قصص الأنبياء للجزائري: 194 ; المقنع للسدآبادي: 129، وذكر في المقنع: 120 ـ 131، أشعاراً لعدّة من المخالفين للبيعة فراجع.
وروى الزبير بن بكار عن محمّد بن اسحاق انه قال: إن أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة!!
قال: وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال الفضل بن العباس: يا معشر قريش! وخصوصاً يا بني تيم! إنّكم إنّما اخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها دونكم، ولو طالبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا حسداً منهم لنا وحقداً علينا، وإنّا لنعلم إنّ عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه(1).
وروى أيضاً الزبير بن بكار ضمن رواية: قال زيد بن أرقم: إنا لنعلم إنّ من قريش من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد.. علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).
وذكر الواقدي أن زيد بن أرقم قال ـ عقيب بيعة السقيفة لعبد الرّحمن بن عوف ـ: يا ابن عوف! لولا أن علي بن أبي طالب وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبحزنهم عليه فجلسوا في منازلهم ما طمع فيها من طمع!!(3).
قال اليعقوبي: وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأُبيّ ابن كعب..(4)
____________
1. شرح نهج البلاغة: 6/21.
2. شرح نهج البلاغة: 6/20، ونسب اليعقوبي هذا الكلام إلى المنذر بن أرقم، انظر اليعقوبي: 2/123.
3. كتاب الردّة للواقدي: 45 ; الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي: 1/12.
4. اليعقوبي: 2 / 124 ; المختصر في تاريخ البشر: 1 / 156 ; تتمة المختصر: 1 / 215 وراجع أيضاً: أنساب الأشراف: 1 / 588 (270 ـ 271 ط دار الفكر) البدء والتاريخ: 5 / 95 ; الطبري: 3 / 387 ـ 388 ; السيرة النبوية: 4 / 656 (ط دار المعرفة) ; العقد الفريد: 4 / 259 ; أسد الغابة: 1 / 37 و 3/222 ; تاريخ الخميس: 2 / 169 ; نهاية الأرب: 19 / 39 ـ 40 ; أخبار الموفقيات: ص 590 (تخلف غير واحد منهم).
وغيرهم(1).
بل يظهر من عبارة بعض أهل السنة تخلف جمع كثير، قال ابن عبد البرّ: وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش.. ثم ذكر علياً (عليه السلام) والزبير وطلحة وخالد بن سعيد..(2).
وقال محب الدين الطبري: وتخلّف... سعد بن عبادة في طائفة من الخزرج وعلي بن أبي طالب وابناه (عليهم السلام) وبنو هاشم والزبير وطلحة وسلمان وعمار وأبوذر والمقداد وغيرهم من المهاجرين، وخالد بن سعيد بن العاص(3).
وقال محمّد أبو الفضل محمّد ـ من أعلام أهل السنة في القرن الثامن والتاسع ـ: إنّ علياً (عليه السلام) كان في غاية الشجاعة ومعه فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)وكثير من أكابر الصحابة، حتى روي عنهم أنّه اجتمع عنده سبعمائة من الأكابر مريدين إمامته.. إلى أن قال: أجاب الشيعة: بأنه وان كان معه سبعمائة لكن جميع عوام الصحابة مع أبي بكر، وكانوا أكثر من ثلاثين ألفاً فأين القدرة..؟!(4).
ثم إنّ اثنا عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدّمه على عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)(5).
____________
1. تجد تخلف سعد بن عبادة، وأبي سفيان وأبان بن سعيد وغيرهم في غير واحد من كتب الفريقين بل في كتب الشيعة ذكروا جمعاً كثيراً منهم، راجع عيون اخبار الرضا (عليه السلام): 2/126 ; عنه بحار الأنوار: 10/358، مثالب النواصب: 127 ـ 128 تحفة الأبرار: 261 ـ 262 ; الكشكول للآملي: 138 ـ 140.
2. الاستيعاب: 3/937، (ط دار الجيل).
3. الرياض النضرة: 1/241.
4. قاموس البحرين: 337 (نشر ميراث مكتوب).
5. ذكر غير واحد من مؤلّفينا إنكار عدّة من الأصحاب على أبي بكر، ونقله السيد ابن طاووس (رحمه الله) عن بعض علماء السنّة وقال: روته الشيعة متواترين. والظاهر وقوع هذا الإنكار والاحتجاج بعد الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام)، إذ ورد في بعض رواياته إشارة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى إخراجه ملبّباً. ونحن نذكر تلفيقاً من الروايات في ذلك عن مولانا الصادق (عليه السلام)وعن زيد بن وهب ونعتذر عن عدم إيراد كلمات المنكرين واحتجاجاتهم، إذ لا نريد أن يملّ القارئ العزيز بطولها، فمن أراد الوقوف عليها يراجع المصادر الآتية.
من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص(1)، والمقداد بن الأسود، وأُبيّ بن كعب، وعمّار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود(2)، وبريدة الأسلمي.
ومن الأنصار: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وسهل بن حنيف، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الهيثم بن التيهان، وغيرهم(3).
فلمّا صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم في أمره فقال بعضهم: هلاّ نأتيه فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال آخرون: إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم، وقد قال الله عزّ وجلّ: ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )(4) ولكن امضوا بنا إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) نستشيره ونستطلع أمره، فأتوا عليّاً (عليه السلام)، فقالوا: يا أمير المؤمنين! ضيّعت نفسك.. وتركت حقّاً أنت أولى به..! وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّ الحقّ حقّك وأنت أولى بالأمر منه، لأنّا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " عليٌّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يميل مع الحقّ كيف مال " فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك.
فقال لهم علي (عليه السلام): " لو فعلتم ذلك ما كنتم إلاّ حرباً لهم، ولا كنتم إلاّ كالكحل في العين، أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأُمّة التاركة لقول نبيّها،
____________
1. وذكر في كتاب اليقين بدل خالد أخاه عمرو.
2. وفي الاحتجاج عثمان بن حنيف بدل ابن مسعود وفي رجال البرقي قيس بن سعد.
3. وروي أنّهم كانوا غيباً عن وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقدموا وقد تولّى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
4. البقرة (2): 195.
والكاذبة على ربّها، ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلاّ السكوت لما يعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عزّ وجلّ ولأهل بيت نبيّه..، وإنّهم يطالبون بثارات الجاهليّة، والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدّين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتّى قهروني وغلبوني على نفسي ولبّبوني وقالوا لي: بايع وإلاّ قتلناك!! فلم أجد حيلة إلاّ أنّ أدفع القوم عن نفسي، وذاك أنّي ذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عليّ! إنّ القوم نقضوا أمرك، واستبدّوا بها دونك وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتّى ينزل الله الأمر، وإنّهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي.. كذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام) من ربّي تبارك وتعالى ".
وفي رواية: " وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى، وإنّ الأُمّة من بعدي بمنزلة هارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه، فقلت: يا رسول الله! فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟ فقال: إن وجدتَ أعواناً فبادر إليهم وجاهدهم وإن لم تجد أعواناً كفّ يدك واحقن حتّى تلحق بي مظلوماً.. " " ولمّا تُوفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه ثمّ آليت يميناً أن لا أرتدي إلاّ للصلاة حتّى أجمع القرآن ففعلت، ثمّ أخذت بيد فاطمة وابنيّ الحسن والحسين (عليهما السلام) فدرت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقّي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط، منهم: سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر.. فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول رسولكم (صلى الله عليه وآله وسلم)ولا تدعوه في الشبهة من أمره ليكون ذلك أوكد للحجّة وأبلغ للعذر وأبعد لهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا وردوا عليه.
فسار القوم حتّى أحدقوا بمنبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وكان يوم الجمعة ـ، فلمّا صعد أبو بكر قاموا وتكلّموا ببيانات شافية وافية، فأوّل من تكلّم كان خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتّق الله يا أبا بكر! فقد علمت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال
ـ ونحن محتوشوه يوم قريظة، حين فتح الله له وقد قَتَل علي (عليه السلام) يومئذ عدّة من صناديد رجالهم وأُولي البأس والنجدة منهم ـ: " يا معاشر المهاجرين والأنصار! إنّي موصّيكم بوصية فاحفظوها، ومودّعكم أمراً فاحفظوه، ألا إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) أميركم بعدي وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربّي، ألا وإنّكم إن لم تحفظوا فيه وصيّتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم، واضطرب عليكم أمر دينكم، ووليكم شراركم، ألا إنّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري، والعالمون بأمر أُمّتي من بعدي، اللّهمّ من أطاعهم من أُمّتي وحفظ فيهم وصيّتي فاحشرهم في زمرتي، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي، يدركون به نور الآخرة، اللّهمّ ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنّة التي عرضها كعرض السماء والأرض ".
فقال له عمر بن الخطّاب: اسكت يا خالد! فلست من أهل المشورة ولا ممن يقتدى برأيه، فقال خالد: اسكت ـ يا ابن الخطاب! ـ فإنّك تنطق عن لسان غيرك، وأيم الله لقد عَلمَتْ قريش إنّك من ألأمها حسباً، وأدناها منصباً، وأخسّها قدراً، واخملها ذكراً، وأقلّهم غناءً عن الله ورسوله، وإنّك لجبان في الحروب، بخيل بالمال، لئيم العنصر، ما لك في قريش من فخر ولا في الحروب من ذكر، وانّك في هذا الأمر بمنزلة ( الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ )(1).
فأبلس عمر، وجلس خالد بن سعيد.
ثم احتجّ عليه بقية المهاجرين والأنصار..
قال الصادق (عليه السلام): " فأُفحم أبو بكر على المنبر حتّى لم يُحر جواباً، ثمّ قال: ولّيتكم ولست بخيركم أقيلوني أقيلوني. فقال عمر بن الخطاب: انزل عنها ـ يا
____________
1. الحشر (59): 16 ـ 17.
لكع! ـ إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة ".
" فنزل ثمّ أخذ بيده وانطلق إلى منزله ـ وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل وقال لهم: ما جلوسكم؟ فقد طمع فيها ـ والله ـ بنو هاشم.. وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل.. وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل.. فما زال يجتمع رجل رجل حتّى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين أسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عمر: والله يا صحابة عليّ! لئن ذهب الرجل منكم يتكلّم بالذي تكلّم به بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه. فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص... [وجرى بينهما كلام]، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): " اجلس ـ يا خالد ـ فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك "، فجلس، وقام إليه سلمان الفارسي... [فتكلّم]، فهمّ به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخذ بمجامع ثوبه ثمّ جلد به الأرض، ثمّ قال: " يا ابن صهاك الحبشية! لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تقدّم لأريتك أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً "، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال: " انصرفوا رحمكم الله، فوالله لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى وهارون إذ قال له أصحابه: [فـ] ( إِذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ )(1)، والله لا أدخل إلاّ لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو لقضية أقضيها فإنّه لا يجوز لحجّة أقامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يترك الناس في حيرة "(2).
____________
1. المائدة (5): 24.
2. راجع رجال البرقي: 63 ـ 66 ; الخصال: 461 ـ 465، عنه بحار الأنوار: 28/208 ـ 214 ; الاحتجاج: 75 ـ 80، عنه بحار الأنوار: 28/189 ـ 203 ; اليقين: 235 ـ 242، عنه بحار الأنوار: 28/214 ـ 219 ; إبطال الاختيار للحسين بن جبر، عنه الصراط المستقيم: 2/79 ـ 84 ; وحفيده علي بن جبر (ق7) في نهج الإيمان: 578 ـ 589، وقال: ذلك بينهم معروف مشهور لا خفاء به ولا تناكر فيه ; حقائق المعرفة، لأحمد بن سليمان اليمني الزيدي (المتوفّى 566)، عنه أنوار اليقين: 386 ـ 388، وشفاء صدور النّاس: 481 ـ 484 ; بهجة المباهج: 264 ـ 271، عن الصفواني (القرن الرابع)، الدر النظيم: 441 ـ 447، وأشار إلى احتجاجهم الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإفصاح: 48، والهادي الزيدي في تثبيت الإمامة: 14 ـ 15، ورواه مختصراً في مثالب النواصب: 127، ونقل عن ابن أبي جمهور الأحسائي شهرته، راجع مجالس المؤمنين: 1/858.
تدبير لم يتمّ!
روى الجوهري عن جرير بن المغيرة: إنّ سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليّاً (عليه السلام)(1).
وروى ابن أبي الحديد عن الزبير بن بكّار: لمّا بويع أبو بكر واستقرّ أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وذكروا علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهتفوا باسمه وأنّه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام(2).
وفي رواية أُخرى عنه بعد ذكر البيعة لأبي بكر يوم الوفاة: فلمّا كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم فاجتمع قوم من الأنصار وقوم من المهاجرين فتعاتبوا فيما بينهم..(3).
ويظهر من رواية البراء بن عازب أيضاً أنّ جماعة من الأصحاب اجتمعوا في تلك الليلّة ـ أي الليلة الأُولى من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وتكلّموا حول مسألة الخلافة، وأرادوا الوقوف امام دسيسة القوم وابطال مخططهم في البيعة لابي بكر،
____________
1. شرح نهج البلاغة: 2/49 و 6/43، وراجع أيضاً ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة النعمان بن عجلان الزرقي واشعاره في السقيفة، وأشار إلى بعضها في شرح نهج البلاغة: 16/174.
2. شرح نهج البلاغة: 6/23.
3. شرح نهج البلاغة: 6/19 ـ 20.
تفصيل قضيّة الهجوم
.
الهجوم الأوّل
لما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقام في منزله بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)، واجتمع إليه جماعة من بني هاشم والأصحاب من المهاجرين والأنصار(2) ـ كالعبّاس(3)، والزبير(4)، والمقداد(5)، وطلحة(6)، وسعد بن أبي وقّاص(7) ـ فإنّهم غضبوا من بيعة أبي بكر(8)، وأرادوا التحيّز عنه
____________
1. اثبات الوصيّة: 145 ـ 146.
2. راجع الطبري: 3/202 ; اليعقوبي: 2/126 ; نهج الحق: 271.
3. العقد الفريد: 4/259.
4. الطبري: 3/202، وذكره كثير من أرباب السيرة.
5. شرح نهج البلاغة: 2/56.
6. الطبري: 3/202 ; الكامل لابن الأثير: 2/325 ; وذكر هؤلاء الأربعة فى السيرة الحلبية: 3/360.
7. شرح نهج البلاغة: 2/56.
8. الرياض النضرة: 1/241 ; تاريخ الخميس: 2/169.
وإظهار الخلاف عليه(1)، وأن يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام)(2). وقد أشار إلى ذلك معاوية في كتابه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت أبا بكر..! والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك عنه، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخروا عن بيعته(3)..
فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه النّاس! فوثب الزبير إلى سيفه، فقال عمر: عليكم بالكلب فاكفونا شرّه.. فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده، فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره(4)، وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلمّا حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر! فقد بايعه الناس، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنّكم بالسيف.. فلمّا رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع(5)، حتّى لم يبق ممن حضر إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له: بايع أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " أنا أحقّ بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم
____________
1. الجمل: 117.
2. شرح نهج البلاغة: 2/56.
3. شرح نهج البلاغة: 15/186.
4. أقول: إخراج الزبير وكسر سيفه إنّما كان في الهجوم الثاني الذي وقع قبل الهجوم الثالث بلحظات يسيرة، راجع الطبري: 3/203 ; الكامل لابن الأثير: 2/325 ; شرح نهج البلاغة: 2/45، 50، 56 و 6/47 ـ 48 ; المسترشد: 378، وأمّا في الهجوم الأوّل فقد صرّحوا بعدم مبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام)بل قال (عليه السلام) في جواب عمر: " إذن والله لا أقبل قولك ولا أُبايعه "، وورد في غير هذه الرواية أيضاً سكوتهم عنه (عليه السلام) حينذاك. راجع مصادر الرواية في الهجوم الأوّل، والإيضاح: 367 ; المسترشد: 381. والمتحصّل من ذلك كلّه: أنّ ذكر إخراج الزبير وكسر سيفه هنا وهم صدر من الرواة بسبب الخلط بين الهجوم الأول والثاني.
5. لم يذكر ابن أبي الحديد مبايعة بني هاشم لأبي بكر هنا ويعضده ما ذكروه من عدم مبايعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وبني هاشم بأجمعهم في حياة فاطمة (عليها السلام) وقد مرّ قريباً.
بالقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطوكم المقادة، وسلّموا لكم الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيّاً وميّتاً. (وأنا وصيّه ووزيره، ومستودع سرّه وعلمه، وأنا الصدِّيق الأكبر، أوّل من آمن به وصدّقه، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، وأعرفكم بالكتاب والسنّة، وأفقهكم في الدِّين، وأعلمكم بعواقب الأُمور، وأذربكم لساناً، وأثبتكم جناناً، فعلامَ تنازعونا هذا الأمر..؟!)(1) أنصفونا ـ إن كنتم تخافون الله - من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلاّ فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون..
(فقال عمر: أما لك بأهل بيتك أُسوة..؟! فقال علي (عليه السلام): " سلوهم عن ذلك.. "، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم، فقالوا: ما بيعتنا بحجّة على علي (عليه السلام).. ومعاذ الله أن نقول أنّا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد، والمحل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(2) فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كرهاً. فقال علي (عليه السلام): " احلب حلباً لك شطره، اشدد له اليوم ليردّ عليك غداً، إذاً والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أُبايع "، فقال أبو بكر: مهلاً يا أبا الحسن! ما نشدّد عليك ولا نكرهك. فقام أبو عبيدة إلى علي فقال: يا ابن عم! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنّك حدث السنّ ـ وكان لعليٍّ (عليه السلام)يومئذ ثلاث وثلاثون سنة ـ وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك(3)، وهو أحمل لثقل هذا الأمر، وقد مضى الأمر بما فيه، فسلِّم له، فإن عمّرك الله لسلّموا هذا الأمر
____________
1 و 2. ما بين القوسين لا يوجد في شرح نهج البلاغة و الامامة والسياسة.
3. ذكره ابن قتيبة وابن أبي الحديد هكذا: هؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور..!). وفي هذا الكلام إشارة إلى حكومة " الحزب " دون شخص أبي بكر، فتدبّره.
________________________________________
إليك، ولا يختلف عليك اثنان بعد هذا إلاّ وأنت به خليق وله حقيق... (ولا تبعث الفتنة قبل أوان الفتنة، قد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك)(1).
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " يا معاشر المهاجرين والأنصار! الله الله (لا تنسوا عهد نبيّكم إليكم في أمري و)(2) لا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم وتدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس، يا معاشر الجمع! (إنّ الله قضى وحكم ونبيّه أعلم وأنتم تعلمون)(3) إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنّه لفينا لا فيكم، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحقّ بعداً، وتفسدوا قديمكم بشرّ من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري ـ (الذي وطّأ الأمر لأبي بكر ـ وقالت جماعة الأنصار)(4) : يا أبا الحسن! لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك قبل الانضمام لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان (.. فقال علي (عليه السلام): " يا هؤلاء أكنتُ أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجّى لا أُواريه وأخرج أُنازع في سلطانه؟!! ")(5).
وفي رواية: " لَبيعتي كانت قبل بيعة أبي بكر، شهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر الله بها، أو ليس قد بايعني؟!... فما بالهما يدّعيان ما ليس لهما وليسا بأهله "(6).
(" والله ما خفت أحداً يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه، ولا علمت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك يوم غدير خم لأحد حجّة، ولا لقائل مقالاً، فأُنشد الله رجلاً سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول: " من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره،
____________
1 ـ 4. ما بين القوسين لا يوجد في شرح نهج البلاغة والامامة والسياسة.
5. ما بين القوسين لا يوجد في شرح نهج البلاغة.
6. مثالب النواصب: 139.
واخذل من خذله ".. أن يشهد بما سمع ".
قال زيد بن أرقم: فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك، وكنت ممن سمع القول من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتمت الشهادة يومئذ فذهب بصري.
قال: وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشى عمر أن يصغى ألى قول علي (عليه السلام) ففسخ المجلس وقال: إنّ الله تعالى يقلّب القلوب والأبصار، ولا يزال ـ يا أبا الحسن ـ ترغب عن قول الجماعة، فانصرفوا يومهم ذلك)(1).
اشتغال أمير المؤمنين (عليه السلام) بجمع القرآن
فجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيته، واشتغل بجمع القرآن ـ كما أوصاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ من يومه ذلك ـ وهو اليوم الثالث من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي يوم الأربعاء(2) ـ فأكثر الناس في تخلّفه عن بيعة أبي بكر، واشتدّ أبو بكر وعمر
____________
1. الاحتجاج: 73 ـ 75، عنه بحار الأنوار: 28/183 ـ 188 ; الإمامة والسياسة: 1/18 ـ 19 ; مثالب النواصب: 138 ـ 139 ; شرح نهج البلاغة: 6/11 ـ 12. وجعلنا علامة () رمزاً للمواضع المحذوفة في الإمامة والسياسة وشرح نهج البلاغة: وبعد التأمل تجد ما حذف نصّاً على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)ووصايته، ولا يجديهم ما دلّسوه مع قولهم عنه (عليه السلام): وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً. وقوله: فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون؟
ثمّ ذكر بعض ما وقع في هذا المجلس في كتاب الردّة للواقدي: 46 ـ 47 ; الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي: 1/13 ـ 14 ; روضة الصفا: 2/595 ـ 597 ; حبيب السير: 1/447 ; المسترشد: 374 ـ 376 (عن مولانا أبي جعفر الباقر (عليه السلام)) ; أنوار اليقين، للحسيني الزيدي: 380، شفاء صدور الناس: 478 ـ 479 ; التاريخ السياسي والحضاري، للسيّد عبد العزيز سالم: 177 ; تاريخ الدولة العربية: 161 ; دائرة المعارف، محمّد فريد وجدي: 3/758 ـ 759.
2. أقول: بناءً على أنّ الدفن كان في ليلة الأربعاء ـ كما ورد في غير واحد من روايات الفريقين ـ فلا شكّ في كون يوم الأربعاء الأول من أيام جمع القرآن، هذا من حيث المبدأ. اما تاريخ الفراغ ; فالذي يظهر من رواية الفرات الكوفي في تفسيره بسنده عن مولانا أبي جعفر (عليه السلام)ومما ذكره ابن النديم في الفهرست أنه فرغ بعد ثلاثة أيام، راجع تفسير الفرات: 398 ـ 399 ; عنه بحار الأنوار: 23/249 ; الفهرست: 30 ولكن ورد في الروايات عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)عن آبائه (عليهم السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)خطب خطبة (الوسيلة) بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبعة أيام، وفي بعض النسخ بتسعة أيام، وذلك حين فرغ من جمع القرآن. الكافي: 8/17 ; التوحيد: 73 ; أمالي الصدوق: 320 ; أمالي الطوسي: 1/263، عنه بحار الأنوار: 4/221 و 77/382.
عليه في ذلك فخرجت أُمّ مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت:
كانت أُمور وأنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب(1)
يتبع
|
|
|
|
|