بسم الله الرحمن الرحيم ..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين المعصومين ..
ما ذكره شيخنا وأستاذنا الهاد رفع الله قدره مهم جدا
إنّ نصوص التشريع الإسلامي ، حينما تُقدّم لنا نماذج من التشكيلات الصوتية المباحة والمندوبة والمحرّمة ، إنّما تترك لنا تحديد ذلك في ضوء معرفتنا بالاستجابة العصبية لصوت لا يُخرج الإنسان عن التوازن العصبي المألوف ، وهذا أمر يمكن فرزه بسهولة ، وإن كان ( تجريبياً ) ممتنعاً كل الامتناع ويمكننا مقارنة ذلك بحالة خاصة تنتابنا حينما نُغمر بفرح غير طبيعي عند سماعنا لنبأ سعيد ، أو رؤيتنا لجمال مدهش ، حيث نفقد توازننا الطبيعي ونسمح لخيالنا بممارسة خبرات ملتوية نستحضرها في الذهن ، متصلة بما هو مكبوت في أعماقنا . . .
وهناك من النصوص الإسلامية ما يشير إلى أمثلة هذه الاستجابة الشاذّة للغناء ، أو ما يقترن بذلك من آثار نزعات وميول مرضية ، ومنها :
ظاهرة ( القسوة ) ، وظاهرة ( النفاق ) .
وقد ورد عن الإمام الباقر والصادق والرضا (عليهم السلام) في تفسيرهم للآية الكريمة : ( وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ) ، أنّهم (ع) قالوا : ( منه الغناء ) أي أنّ الغناء من اللهو الذي يضلّ عن سبيل الله .
وتعرّضوا (ع) إلى كل من ( اللهو ) و( الغناء ) ، مشيرين إلى كونهما يتسبّبان في إنماء النزعة العدوانية عند الشخصية ، حيث أشار النبي (ص) والصادق (ع) إلى ظاهرتين من العدوان هما : القسوة ، والنفاق ، مثل قوله (ص) : ( ثلاثة يُقسين القلب : استماع اللهو ، ...) ، ومثل قول الصادق (ع) : ( استماع اللهو والغناء يُنبت النفاق كما يُنبت الماء الزرع ) ، وورد أيضاً قوله (ع) : ( ضربُ العيدان يُنبت النفاق في القلب ) .
هذه النصوص الثلاثة تُفصح عن جملة من الحقائق النفسية متمثِّلة في أنّ كلاً من ممارسة الغناء والاستماع إليه ، أو ممارسة الصوت الخالص والاستماع إليه من خلال أدواته الموسيقية ، تستتلي الوقوع في براثن الانحراف النفسي والفكري متجسّداً في ظاهرتَي :
( القسوة ) ، و( النفاق ) .
إنّ معجم ( علم النفس المرضي ) ـ ومنه الأمراض السكوباثية ـ يشير بوضوح إلى خطورة ( القسوة ) عند الشخصية ، وما تفرزه من أنماط عدوانية في السلوك بالغة المدى . كما أنّ ظاهرة ( النفاق ) تجسّد بدورها واحداً من طوابع الشخصية ( المنحرفة ) المشار إليها ، حيث تتعامل بلغة ( النفع الخالص ) مع الآخرين ،
وليس بلغة ( الإنسان ) في عاطفته التي تفرزه عن العضويات الأخرى ، حتى إنّ الإمام علياً (ع) في تقسيمه المعروف للأمراض النفسية ، وصلتها بالانحراف الفكري ( الكفر والنفاق ) ، أرجعَ نصف السلوك المرضي إلى ظاهرة ( النفاق ) ، حيث أدرجَ ضمنها جملة من مفردات السلوك المنتسبة إليه .
إذاً ثمّة أسرار نفسية ـ وعضوية أيضاً ـ تظل على صلة بممارسة ( الغناء ) و( الموسيقى ) فيما أشار المشرّع الإسلامي إلى ذلك كما لحظنا ، فضلاً عن إشارة الطّب الأرضي إليها أيضاً ، حيث ألمحَ الطب الجسمي إلى صلة ارتفاع الدم وانخفاضه بحدّة التشكيلات الصوتية وهدوئها ، كما ألمحَ الطب النفسي والعقلي إلى ظاهرة ( الإعياء العصبي والنفسي ) وصلته بالتشكيلات المذكورة ، ممّا يعني أنّ ممارسة ( الغناء ) و( الموسيقى ) ، حيث خُيّل للبعض أنّهما يساهمان في تفجير المتعة للشخصية ، تظل على العكس ممّا هو متخيّل ، تماماً بمثل التصوّر الخاطئ للمخدّرات التي تحفر في أعصاب الشخصية آثاراً بالغة الضرر ( نفسياً وعقلياً وجسمياً ) ثمناً لمتعة عابرة .
المهمأنّ تنظيم الأصوات وفق مدّ وتفخيم وتقصير خاص ( الغناء والموسيقى ) ، يظل على صلة باستجابة عصبية شاذّة عبر عملية توريد المثير الصوتي وتصديره ، فيما تُخرج العملية المذكورة الإنسان عن نظامه العصبي الذي ركّبته السماء وفق طاقة محدّدة من الاستجابة العادية ، حيث يقتاد تجاوزها إلى خلخلة النظام العصبي من جانب ، وما تستجرّه من عمليات نفسية من جانب آخر
وبالمقابل قدّمت النصوص الإسلامية بعض التشكيلات الصوتية ( المباحة ) ،
بل ( المندوبة ) ، مثل ( الترتيل ) في القراءة والأذان ، و( الحدر ) في الإقامة مثلاً .