عرض مشاركة واحدة

منتظر العسكري
عضو برونزي
رقم العضوية : 80325
الإنتساب : Jan 2014
المشاركات : 1,048
بمعدل : 0.28 يوميا

منتظر العسكري غير متصل

 عرض البوم صور منتظر العسكري

  مشاركة رقم : 16  
كاتب الموضوع : منتظر العسكري المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي
قديم بتاريخ : 13-12-2014 الساعة : 08:14 PM


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ



قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) ).


( بيان )


السورة تصفه تعالى بأحدية الذات ورجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وهو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإسلامية.
وقد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتى ورد من طرق الفريقين أنها تعدل ثلث القرآن كما سيجيء إن شاء الله.
والسورة تحتمل المكية والمدنية ، والظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنها مكية.
قوله تعالى : « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » هو ضمير الشأن والقصة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له ، والحق أن لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربية كما أن له في غيرها من اللغات اسما خاصا به ، وقد تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة.
وأحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجا ولا ذهنا ولذلك لا يقبل العد ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانيا وثالثا إما خارجا وإما ذهنا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرا ، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانيا كان هو هو لم يزد عليه شيء.
واعتبر ذلك في قولك : ما جاءني من القوم أحد فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم وأكثر كما تنفي مجيء واحد منهم بخلاف ما لو قلت : ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد ولا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر ، ولإفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإيجاب مطلقا إلا فيه تعالى ومن لطيف البيان في هذا الباب قول
علي عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى : كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وقد أوردنا طرفا من كلامه عليه‌السلام في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب.
قوله تعالى : « اللهُ الصَّمَدُ » الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال : صمده يصمده صمدا من باب نصر أي قصده أو قصده معتمدا عليه ، وقد فسروا الصمد ـ وهو صفة ـ بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج ، وإذا أطلق في الآية ولم يقيد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإطلاق.
وإذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يحتاج إليه فيقصده كل ما صدق عليه أنه شيء غيره ، في ذاته وصفاته وآثاره قال تعالى : « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » الأعراف : ٥٤ وقال وأطلق : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى » النجم : ٤٢ فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئا إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.
ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وأنه لإفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإطلاق ، وهذا بخلاف أحد في قوله « اللهُ أَحَدٌ » فإن أحدا بما يفيده من معنى الوحدة الخاصة لا يطلق في الإثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر.
وأما إظهار اسم الجلالة ثانيا حيث قيل : « اللهُ الصَّمَدُ » ولم يقل : هو الصمد ، ولم يقل : الله أحد صمد فالظاهر أن ذلك للإشارة إلى كون كل من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إن المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختص به فقيل : الله أحد الله الصمد إشارة إلى أن المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا.
والآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات وصفة الفعل جميعا فقوله : « اللهُ أَحَدٌ » يصفه بالأحدية التي هي عين الذات ، وقوله : « اللهُ الصَّمَدُ » يصفه بانتهاء كل شيء إليه وهو من صفات الفعل.
وقيل : الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد وعلى هذا يكون قوله : « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ » تفسيرا للصمد.
قوله تعالى : « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئا بتجزيه في نفسه فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى أريد من الانفصال


والاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح عليه‌ السلام إنه ابن الله وكما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه.
وتنفيان عنه أن يكون متولدا من شيء آخر ومشتقا منه بأي معنى أريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية ففي آلهتهم من هو إله أبو إله ومن هو آلهة أم إله ومن هو إله ابن إله.
وتنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله (١) وهو الإيجاد والتدبير ولم يقل أحد من المليين وغيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدد واجب الوجود عز اسمه ، وأما الكفؤ في فعله وهو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنية من البشر كفرعون ونمرود من المدعين للألوهية وملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون ألوهيته في تدبير ما فوض إليه تدبيره كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره وهم الأرباب والآلهة وهو رب الأرباب وإله الآلهة.
وفي معنى كفاءة هذا النوع من الإله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى وهو محتاج من كل جهة والآية تنفيها.
وهذه الصفات الثلاث المنفية وإن أمكن تفريع نفيها على صفة أحديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته.
أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي والتبعض بأي معنى فسرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد ، وحاجة المركب إلى أجزائه ضرورية والله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته ولا حاجة له ، وأما كونه لم يولد فإن تولد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده وهو سبحانه صمد لا حاجة له ، وأما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفوا له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة والله سبحانه صمد على الإطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.
فقد تبين أن ما في الآيتين من النفي متفرع على صمديته تعالى ومآل ما ذكر من صمديته تعالى وما يتفرع عليه إلى إثبات توحده تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله بمعنى أنه واحد لا يناظره شيء ولا يشبهه فذاته تعالى بذاته ولذاته من غير استناد إلى غيره واحتياج إلى من سواه وكذا صفاته وأفعاله ، وذوات من سواه وصفاتهم وأفعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه وعظمته فمحصل السورة وصفه تعالى بأنه أحد واحد.
__________________
(١) لم نذكر الصفة لأنها إما صفة الذات فهي عين الذات وإما صفة الفعل منتزعة عن الفعل ، منه.


ومما قيل في الآية إن المراد بالكفؤ الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله : « تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً » وهو كما ترى.


توقيع : منتظر العسكري




وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ


من مواضيع : منتظر العسكري 0 حديث النبي(ص) في ولاية علي(ع)
0 سبيل النجاة
0 شجرة الجنة
0 روايات في فضل العقل وذم الجهل
0 مشروعية زيارة القبور من أحاديث وأقوال أهل السنة
رد مع اقتباس