الموضوع: الراعي
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية جودت الانصاري
جودت الانصاري
عضو برونزي
رقم العضوية : 70414
الإنتساب : Jan 2012
المشاركات : 832
بمعدل : 0.18 يوميا

جودت الانصاري غير متصل

 عرض البوم صور جودت الانصاري

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى الثقافي
افتراضي الراعي
قديم بتاريخ : 23-04-2013 الساعة : 12:11 AM


الراعي
كم كانت كبيرة ,, شجرة التوت تلك ,وهي تتوسط قريتنا الصغيرة ,كمارد من بطن الزمن ,, حيث تتوزع البيوت البسيطة حولها وكأنها دجاجة , تضم صيصانها تحت اجنحتها ,, شامخة بمحاذاة نهر القرية .
حتى اذا جاء الربيع جادت بثمار التوت السوداء كعناقيد عنب مبكّر.
كانت ملعبنا ,وظلّنا الوارف الذي نحتمي به ,,قديمة قدم القرية حتى كبار السن لا يعرفون من زرعها ومتى ,,مضيافة ,,فمئات الطيور تعود اليها في المساء لتقضي ليلتها ,, وقد تبني اعشاشها ايضا , فكأنها مجمع سكني من التي نراها في المدن اليوم وهي متراصة كقفير نحل تسكنه عشرات العوائل ,,يا الله , كيف يعيش هؤلاء الناس متقاربين بل كيف يتشاجرون مع نسائهم في هذه الزحمة من الناس .
في الصباح كان يخرج بنعاجه الى المراعي القريبة , حتى اذا حلت الظهيرة عاد بها ليتخذ من ملعبنا مكان قيلولة لنعاجه ,, والويل لمن يقترب منها , وهي نائمة بتشكيلة غريبة يحرسها كلبان كبيران , احدهما اسود كبير ,, لكنه طيب لا يؤذي احدا بل يكفي ان يزمجر بارزا انيابه لنهرب بعيدا , كان اسمه( بارود ), اما الثاني فشرس بخبث, حتى انه ذات يوم اخذ عباءة احدى النساء وهي تملأ جرتها من النهر ,,فارغم صاحبه على دفع مبلغ من المال بتسوية عشائرية للموضوع .
الايام في القرى تمر بطيئة , فلا جديد , ليل ببطن نهار ,, الى ان جاء ذلك اليوم المليء بالأحداث ,, فقد عاد القطيع ذلك اليوم لوحده تحرسه الكلاب طبعا ,,لم يفطن احد للأمر , فلم يكن للراعي احد لا زوجة ولا اطفال ,, فلقد توفي الوالد مبكرا ,, وسارعت الوالدة هي الاخرى باللحاق به ,, ولم يفكر حينها بالزواج ,,فعاش كطير بري ,, واكثر ما يمكن ان ينطقه هو : اهلا لمن يبادره بالتحية , واذا صادف وسأله : وكيف الحال فسيكون جوابه : وما شانك ؟ في اليوم الثاني خرجت النعاج وكأنها مبرمجة والكلبان اصبحا اكثر حساسية وتنمرا من ذي قبل بغياب الرجل ,, حل اليوم الثالث فخرجت القرية تبحث عن الرجل , دون جدوى وهكذا الرابع والخامس ,فص ملح وذاب في بحر ,,قبل مغيب شمس اليوم السادس عاد ,يتوكأ على عصا وكأنه عائد من القبر ,, متعب ممزق الملابس , واثار الجوع والعطش واضحة على محياه وجراح سطحية على رقبته ووجهه نزفت ثم جمد الدم عليها ,,تحاشا نظرات السائلين , ومد يديه الكبيرتين في النهر وغرف عدة غرفات شرب وغسل وجهه وراسه ثم اختفى خلف السياج تاركا الناس في حيرة كبيرة .
تكررت غيبات الرجل في كل اسبوع يختفي يومين او ثلاثة ثم يعود منهكا ,,من جديد ,,
اصبح الرجل يتصدر احاديث القرية ,,وتبعه بعض الفضوليين خفية فوجدوه يدخل بستانا قديما تركه اهله فاصبح كغابة مكتظة لا يدخلها الا الخنازير, وبعض الهاربين ,,شاع حديث في القرية انه تحدّث مرة لاحد الصيادين , حين عيّره بانه مجنون ,, فأدعى انه متزوج من جنية تسكن ذلك البستان ,, وانها لا تسمح له بالمغادرة وبرقّتها وجمالها , تنسيه الأكل والشرب ,, وتغضب حين يهرب منها لفرط تعلّقها به ,وما ملابسه الممزقة الا دليل على تمسكها به حين يهم بالمغادرة , لذلك لا يستطيع العودة الى بيته ,,
ذات يوم صحت قريتنا على نبأ المحزن , حيث وجده الصيادون متكورا في عشه الصغير وهو يحتضن جنيته المزعومة! ,, بينما اغنامه كعادتها تروح وتغدو الى المرعى, تحرسها
الكلاب


من مواضيع : جودت الانصاري 0 شهيد ,,, آمرلي
0 رأي
0 لك الله سوريا
0 من انت
0 وتريات مظفر النواب
رد مع اقتباس