|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 34252
|
الإنتساب : Apr 2009
|
المشاركات : 1,863
|
بمعدل : 0.33 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحوزويه الصغيره
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 22-07-2011 الساعة : 06:22 PM
الشك في الاستحالة
أطلق السيد الطباطبائي اليزدي القول بعدم الطهارة عند الشك في الاستحالة، لكن سيدنا الاستاذ (قده) يستخدم مهارته الخاصة في الاستنباط، فيفرع البحث إلى مقامين:
1- إذا شك في الاستحالة في الاعيان النجسة.
2- إذا شك في الاستحالة في المتنجسات.
ويعالج كلاً منهما بضوابط وقواعد أصولية دقيقة، ففيما يتعلق بالمقام الأول يقول ان الشبهة قد تكون:
أ- موضوعية: حيث يكون الشك في الاستحالة ناشئاً عن اشتباه الأمور الخارجية.
ب- مفهومية: حيث يكون الشك في الاستحالة ناشئاً عن الشك في سعة المفهوم وضيقه.
مثال الأول: إذا وقع كلب في الأرض الملحية وشككنا بعد يوم في أنه هل استحال ملحاً أم لم يستحل.
ومثال الثاني: إذا صارت العذرة فحماً وشككنا بذلك في استحالتها، وذلك للشك في أن لفظة العذرة هل وضعت على العذرة غير المحروقة، فإذا أحرقت خرجت عن كونها عذرة، أو أنها وضعت على الأعم من المحروقة وغيرها، وعليه فالشك في سعة المفهوم وضيقه.
ففي الشبهة الموضوعية: وقد مثل لها سيدنا الاستاذ (قده) بالكلب إذا وقع في الأرض الملحية، وأردنا أن نعرف حكم ذلك بعد يوم، أي شككنا في أنه هل استحال ملحاً أم لم تحصل الاستحالة بعد، هنا الموضوع باق على حاله والتغير أو التبدل المطلوب ليس متحققاً، لذلك يمكن الإشارة إلى هذا الموضوع الخارجي ويقال: إنه كان كلباً ونشك في تحوله فالأصل عدم التحول.
وإذا أردنا أن نصوغ ذلك صياغة أصولية قلنا: إن الشك تعلق بعين ما تعلق به اليقين، والقضية المتيقنة والمشكوك فيها متحدتان، وعليه لا مانع من التمسك باستصحاب كون العين النجسة باقية بحالها وعدم صيرورتها ملحاً.
مثال آخر: عظم الحيوان غير المذكى، أو عظم الخنزير وضع في جهاز وصار مسحوقاً فنشك هل استحال إلى موضوع آخر أو صورة نوعية أخرى حتى نحكم بطهارته أم لا؟! وبالتأمل نجد أن الموضوع باق وملاك الاستحالة (وهو التبدل في الصورة النوعية) لم يتحقق، ومع فرض حصول شك كهذا -أي شك من قبيل الشبهة الموضوعية- لا مانع من جريان الاستصحاب لوجود أركانه الأساسية، ومنها اتحاد القضية المشكوك فيها والمتيقنة.
أما في الشبهة المفهومية: وهي الناشئة من الشك في سعة المفهوم وضيقه، أي انا لا ندري هل أن مفهوم (الاستحالة) من السعة بحيث يشمل هذه الموارد المشكوك فيها، أو أنه ضيق ينحصر في الأمثلة التي ساقها بعض الفقهاء مثلاً، فيختار فيها سيدنا الاستاذ (قده) عدم جريان الاستصحاب لا في ذات الموضوع، ولا في الموضوع بوصف كونه موضوعاً، ولا في حكمه، أي لا مجال لاستصحاب النجاسة التي كانت تتصف بها العين سابقاً.
وقد مثل سماحته (قده) لذلك بالعذرة إذا احترقت وصارت فحماً، ونضيف لذلك مثالاً من وضعنا المعاصر وهو (الجيلاتين)، حيث أنه يؤخذ من عظام الحيوانات ولعلها غير مذكاة، أو نقطع بعدم تذكيتها، بل تعتمد بعض المصانع على استخراجه من عظام الخنزير، ومن الناحية العملية يؤخذ العظم ويسحق، ويغلى ثم يستخلص ويخضع لعمليات كيماوية عديدة بحيث لا يصدق على المادة الجديدة أنها (عظم)، ولا يجد العرف أدنى شك أو تردد في الملاك الذي ذكره فقهاؤنا وهو (التبدل في الصورة النوعية) حيث أن هذا المعلب في الأكياس ليس عظماً لحيوان أبداً.
وهنا إذا شك أحد في حصول الاستحالة بالشبهة المفهومية، لشكه في سعة مفهوم الاستحالة وضيقها، بمعنى أنه يشك في أن مفهوم الاستحالة هل هو من السعة بحيث ينطبق على هذا التبدل أم لا، فلا مجال لإجراء استصحاب النجاسة التي كانت ثابتة للعظم سابقاً باعتباره من الميتة أو الخنزير.
ونفس الشيء ينطبق على قائمة المواد الحافظة التي تسجل على علب بعض المأكولات في بلاد الغرب مثل (E430-E472-E471) وغيرها، حيث يعمد بعض السذج -وبدافع الغيرة على الدين وعلى المسلمين من أن يتناولوا محرماً- إلى طبع قائمة تحتوي هذه العلامات مع الإشارة إلى أن أصلها متخذ من شحوم الحيوانات، أو أنه من الحوامض الدسمة (Fatty Acid) وبما أنه يجب الاجتناب عن كل الشحوم الحيوانية فلا يجوز تناول هذه المواد والأطعمة.
وقد غفل هؤلاء عن أن الحوامض تنقسم في الكيمياء إلى نوعين: دسمة وغير دسمة، وهذا مصطلح علمي لا صلة له باحتوائه على شحم الحيوانات غير المذكاة، وحتى لو كان الأصل مأخوذاً من حيوان غير مذكى فإن الاستحالة قد طهرتها، والموضوع قد تبدل بصورة كاملة إلى شيء آخر، فلا مجال لاستصحاب النجاسة لما عرفناه من ضرورة اتحاد القضية المشكوك فيها والقضية المتيقنة في الموضوع. بعد بيان هذه الأمثلة نعود لنقتبس من كلام سيدنا الاستاذ (قده) ما يوضح السبب في عدم جريان الاستصحاب بأنواعه الثلاثة (19):
أ- أما عدم جريان الاستصحاب في ذات الموضوع الخارجي، أي هذا الشيء الذي أمامنا ونتعامل معه مباشرة (كالجيلاتين في مثالنا) فلأنه وان تعلق به اليقين بمعنى أنا كنا على يقين بأنه في السابق كان عظماً وكان نجساً، إلا أنه ليس متعلقاً للشك، للعلم بزوال وصف من أوصافه واتصافه بوصف جديد، وبما أن الاستصحاب يتقوم باليقين السابق والشك اللاحق، ولا شك في الموضوع هنا فلا يجري الاستصحاب.
ب- وأما عدم جريانه في الموضوع بوصف كونه موضوعاً، فلأنه عبارة أخرى عن النوع الآتي وهو استصحاب الحكم، فإن الموضوع بوصف كونه موضوعاً لا معنى له سوى ترتب الحكم عليه.
ج- وأما عدم جريانه في نفس الحكم فلأننا وإن كنا عالمين بترتب النجاسة على العذرة سابقاً قبل إحراقها، وعلى العظم قبل طحنه وإجراء التغييرات الكيماوية والصناعية عليه، ونشك في بقاء تلك النجاسة، إلا أن القضية المتيقنة والمشكوك فيها يعتبر إحراز اتحادهما، ومع الشك في بقاء الموضوع لا مجال لإحراز الاتحاد.
فإذا أريد التمسك بالاستصحاب هنا كان من موارد الشبهة المصداقية، وعليه لا يمكن التمسك بإطلاق أدلته أو عمومه، مضافاً إلى عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية وهو ما بينه سيدنا الاستاذ (قده) في بحث الاستصحاب من أبحاثه الأصولية العليا.
كلمة أخيرة
ولكي نلخص رأي الإمام الخوئي (قده) في الشبهات المفهومية التي ترجع إلى مقام التسمية والموضوع له، نقول: إن الشك في سعة المفهوم وضيقه يعود لدى التحليل إلى أن كلمة (العظم) مثلاً هل وضعت لمطلق العظم حتى لو جرت عليه تبدلات وتغييرات أخرجته عن الصورة الأولى أو أنها موضوعة للعظم الذي لم يجر عليه أي تغيير، وحيث لا يوجد في المقام أصل يعين السعة أو الضيق، يرجع في موارد الشك في الاستحالة إلى (قاعدة الطهارة) ومفادها: كل شيء لك طاهر حتى تعلم بنجاسته، وبها يحكم بطهارة الموضوع المشكوك استحالته (20).
الهوامش
1- الحلي، الحسن بن يوسف: نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ج1 ص292.
2- الكركي، علي بن الحسين: جامع المقاصد في شرح القواعد ج1 ص181.
3- الدليل الاجتهادي هو: الدليل الذي يدل على الحكم الشرعي الثابت لموضوع معين معلوم مثل قوله تعالى: {أقيموا الصلاة} الدال على وجوب الصلاة.
وفي مقابله الأصل العملي: وهو الذي يحدد الموقف العملي تجاه الحكم المجهول، مثاله: أصالة البراءة حيث تحدد براءة ذمة المكلف تجاه كل حكم مجهول.
4- حيث لا يوجد دليل اجتهادي محرز ينتقل الفقيه إلى (الأصول العملية) التي تحدد الوظيفة العملية للمكلف، وقاعدة الطهارة هي الجارية في المقام.
5- جواب على إشكال مقدر هو: لماذا لا نستصحب النجاسة قبل الاستحالة؟!
6- الغروي، الميرزا علي: التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير أبحاث الإمام الخوئي ج3 ص197.
7- العلاقة بين الحكم والموضوع تشبه -إلى حد ما- العلاقة بين المسبب وسببه، فكما أن المسبب (وهو الحرارة مثلاً) يتوقف على سببه (وهي النار) كذلك الحكم يتوقف على موضوعه.
8- المصدر السابق ص197.
9- ولهذا نجد في بعض بلاد الغرب مثل بريطانيا أنواعاً من الخل تسمى (wine vinegar) أو (spirit vinegar) يتردد بعض المسلمين في شرائها لعبارة (wine) أو (spirit) المكتوبة على الزجاجة، في حين أنها لدى العرف خل وليست خمراً.
10- النجفي، محمد حسن: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج6 ص279.
11- اليزدي، محمد كاظم: العروة الوثقى- الرابع من المطهرات.
12- المظفر، محمد رضا: المنطق ص80.
13- قد تعمد حقول الدواجن إلى إطعام الدجاج بالطعام النجس أو العظام النجسة فيصبح ذلك جزءاً من الدجاج نفسه، ومن الواضح أن العرف لا يسمي الدجاج باسم العظام النجسة التي يأكلها، بل يرى فيه موضوعاً جديداً.
14- في المثالين 3و4 يتوقف السيد الطباطبائي اليزدي في الحكم بتحقق الاستحالة، أما سيدنا الاستاذ فيصرح بأنهما من حقيقة واحدة ولا يرى العرف أي مغايرة بين الخزف والآجر وإنما يراهما طيناً مطبوخاً، وكذلك الحال في الخشب والفحم، فالاختلاف بينهما في الأوصاف.
15- إنما ذكر ذلك ليؤكد على الحقيقة النوعية، دون الجنس الذي يضم الأنواع تحته.
16- الغروي، الميرزا علي: التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير أبحاث الإمام الخوئي ج3 ص198.
17- الحر العاملي، محمد بن الحسن: وسائل الشيعة ج2 باب 81 من أبواب النجاسات حديث 1.
18- راجع: التنقيح في شرح العروة الوثقى ج3 ص202.
19- الغروي، الميرزا علي: التنقيح في شرح العروة الوثقى ج3 ص207.
20- لم نعالج الشك في الاستحالة في المتنجسات لقلة الابتلاء بها، ومن أراد فليراجع: التنقيح ج3 ص409.
راق لي هذا المقال
فأتمنى ان اكون قد افدتكم بنقله لكم
تحيتي
|
|
|
|
|