عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية دخيل عليكم
دخيل عليكم
عضو جديد
رقم العضوية : 64698
الإنتساب : Mar 2011
المشاركات : 54
بمعدل : 0.01 يوميا

دخيل عليكم غير متصل

 عرض البوم صور دخيل عليكم

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : دخيل عليكم المنتدى : المنتدى العقائدي
قديم بتاريخ : 21-03-2011 الساعة : 09:32 PM


أما النهي الوارد في شد المطي لغير المساجد الثلاثة فإنما هو بالنسبة لنذر الصلاة فيها، فإنه لا يختلف ثواب الصلاة لديها.
وأما المزارات فتختلف في التصريف مقاماتها، وتتفاوت في ذلك كراماتها، وذلك لسرّ في الاستمداد والإمداد لا تطلع عليه، وضُرب بسور له باب بينك وبين الوصول إليه، وقد أوضح ذلك حجة الإسلام، ومن شهد له بالصديقية العلماء والأولياء العظام.
وأما إدماجكم لقبور الأنبياء في أثناء النكير، والتضليل لزائرها والتكفير، فهو الذي أحفظ عليكم الصدور، وأترع حياض الكراهة والنفور، وسدد إليكم سهام الاعتراض، وأوقد شُواظ البغض والارتماض.


فقل لي – يا أخا العرب- هل قمت لنصرة الدين أم لنقض عراه، وهل أنت مصدق بالوحي لنبيه أو قائل: إن هو إلا إفك افتراه؟ وما تصنع بعد اللتيَّا والتي، في حديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي"؟ وأخبرني هل تضلل سليمان بن داود في بنائه على قبر الخليل ومن معه من أنبياء بني إسرائيل؟ وما تقول –ويحك- في الحديث الذي رواه جهابذة الرواة، وصححه المحدثون الثقات، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لما أسري بي إلى بيت المقدس، مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم عليهما السلام، فقال لي انزل فصلّ هنا ركعتين، فإن ههنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام". وعنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أنه قال: "من لم تُمكنْه زيارتي فليزُر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام". فأين تذهب بعد هذا يا هذا؟ وهل تجد لنفسك مدخلاً أو معاذًا؟ وهل أبقيت بعد تضليل جميع الأنبياء ملاذًا؟ {ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذْ هَدَيْتنا وهبْ لنا من لدُنكَ رحمةً إنكَ أنتَ الوهاب}.

وأما تلميحكم للأحاديث التي تتلقفونها، ولا تحسنونها ولا تعرفونها، فهِمْتُم بسبب ذلك في أودية الضلالة، ولم تشيموا بها إلا بُرُوق الجهالة، وسلكتم شِعابها من غير خبير، ونحوتم أبوابها بلا تدبر ولا تدبير، فإن حديث: "لا تتخذوا قبري مسجدًا"، محمله عند البخاري على جعله للصلاة متعبدًا، حفظًا للتوحيد، وحماية للجاهل من العبيد، لأن المصلي للقبلة يصير كأنه مصلٍّ إليه، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى ذلك من الوقوع فيه. وأما قصده للزيارة والاستشفاع والاستمداد ببركته والانتفاع، وقصد المسلمين إياه من سائر البقاع، فما يسعنا إلا الإتباع.
وكذلك ما لوَّحْتَ به إلى شدّ الرحال، فإنك أخطأت في الاستشهاد به في نازلة الحال، وذلك أن الحصر في المساجد، دون سائر المشاهد.
وكذلك ما لمحت إليه من حديث تعظيم القبر بإسراجه، فإنك أخطأت فيه واضح منهاجه، مع بهرجة نقده في رواجه، ومحمله – على فرض صحته- على فعل ذلك للتعظيم المجرد عن الانتفاع للزائرين، أما إذا كان القصد به انتفاع اللائذين والمقيمين، فهو جائز بلا مين.
وأما ما تدَّعونه من ذبح الذبائح والنذور، وتبالغون في شأنها التغيير والتنكير، وتصف ألسنتكم الكذب، وتثيرون في شأنها الهرج والشغب، فكون الذبائح المذكورة مما أهِلَّ به لغير الله مكابرةٌ للعيان، وقذفٌ بالإفك والبهتان، فإنا بلونا أحوال أولئك الناذرين، فلم نر أحدًا منهم يسمي عند ذبحها اسم ولي من الصالحين، ولا يلطخ الضرائح بدم تلك الذبائح، ولا يأتون بفعل من الأفعال، الحاكمة على تحريم الذبيحة والإهلال.
وأما نذرها لتلكم المزارات، فليس على أنها من باب الديانات، ولا أن من لم يفعل ذلك يكون ناقص الدين في العادات، وإنما يقصدون بذلك مقاصد الرُّقى والنشر، والانتفاع في الدنيا بسر في التصدق بها استتر، ولم يدر منها إلا ما اشتهر.
والواجب علينا وعليكم الرجوع في حكم نذرها إلى العلماء الأعلام، المتضلعين من دراية الأحكام، المقيمين لقسطاسها، المسرجين لنبراسها، الناقبين على أساسها، ومن لديهم محك عسجدها ونحاسها.

فإن كنتم للحق تقيمون، ومن مخالفة الشريعة تتجرمون {فسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتم لا تعلمون}، {ولا تَقْعُدوا بكُلِّ صِراطٍ توعدون}، فإنهم يهدونكم السبيل، ويفتونكم في هذه المسألة بالتفصيل، وأن هذا الناذر إن نذر تلك الذبائح للولي المعيّن بلفظ الهدي والبدنة، فقد جاء بالسيئة مكان الحسنة، ولكن ما رأينا من خلعَ في هذا المحظور رسَنَه، ولا من اهتصَرَ فَتَنه، وإن نذر تلك الذبائح لمحل الزيارة، بغير هاته العبارة، وكان من الذبائح التي تقبل أن تكون هديًا، فهل يلزمه أن يسعى به لذلك المزار سعيًا، أو لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه رعيًا، خلاف في مذهب مالك شهير، قرره النحارير. وإن كان ذلك النذر مما لا يصح إهداؤه، فالقاصد للفقراء الملازمين بمحل الشيخ يلزمه بعثه وإنهاؤه، والقاصد للولي في نذره وتشرعه، لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه.

وإذا اتضح لديك الحال، فأي داعية للحرب والقتال؟ وهل يتميز المشروع من هذه الصور بالمحظور، إلا بالنيات التي لا يعلمها إلا العالم بما في الصدور؟ والله إنما كلفنا بالظاهر، ووكل إليه أمر السرائر. ولم يقيّض بالخواطر نقيبًا، ولا جعل عليها مهيمنًا من الولاة ولا رقيبا.ً

وإذا التزمت سدَّ الذريعة بالمنع من المشروع، خوفًا من الوقوع في الممنوع، فالتزم هذا الالتزام، في سائر العبادات الواقعة في الإسلام، التي لا تفرقة فيها بين المسلم والكافر، إلا بما انطوت عليه الضمائر. فإن المصلي في المسجد يحتمل أن يقصد عبادة الحجارة، بمثل ما احتمل صاحب الذبائح والزيارة، والصائم يحتمل أن يقصد بصومه تصحيح المزاج، أو المداواة والعلاج، والمزكي يحتمل أن يقصد مقصدًا دنيويًا، أو معبودًا جاهليًا، والمُحرِم بحج أو عمرة، يحتمل أن ينوي ما يوجب كفره.
وإذا وصلت إلى هذا الالتزام، نقضت سائر دعائم الإسلام، والتبس أهل الكفر بأهل الإيمان، وأفضى الحال إلى هدم جميع الأركان، واستبيحت دماء جميع المسلمين، وهدمت صلواتهم ومساجدهم وصوامعهم أجمعين.

فانظر أيها الإنسان، ما هذا الهذيان، وكيف لعب بك الشيطان، وماذا أوقعك فيه من الخسران. فارجع عن هذا الضلال المبين، وقل ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
وأما ما جلبتم من الأحاديث الواردة في تغيير النبي صلى الله عليه وسلم للقبور، وأنه أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بطمسها وتسويتها، فقد أخطأتم الطريق في فهمها، ولم يأتِكم نبأ علمها، ولو سألتم عن ذلك ذويه، لأخبروكم بأن محمله طمس ما كانت الجاهلية عليه، وكانت عادتهم إذا مات عظيم من عظمائهم، بنوا على قبره بناء كأطمٍ من آطامهم، مباهاة وفخرًا، وتعاظمًا وكبرًا، فبعث صلى الله عليه وسلم من يمحو من الجاهلية آثارها، ويطمس مباهاتها وفخارها، وإلا فلو كان كما ذكرتم، لكان حكم التسنيم كحكم ما أنكرتم.
وإذا استبان لكم واتضح لديكم، انقلبت الحجة التي أتيتم بها عليكم، وكيف تجعلون تلك الأحاديث حجة قاضية على وجوب كون القبور ضاحية، والفرق ظاهر بين البناء على القبور، وحفر القبور تحت البناء، فالأول من فعل الجاهلية الوارد فيه ما ورد، والثاني هو الذي يعوزكم فيه المستند، ولا يوافقكم على تعميم النهي أحد.

وأما ما نزعتم إليه من التهديد، وقرعتم فيه بآيات الحديد، وذكرتم "أن من لم يُجِب بالحجة والبيان، دعوناه بالسيف والسنان"، فاعلم يا هذا أننا لسنا ممن يعبد الله على حرف، ولا ممن يفرُّ عن نصرة دينه من الزحف، ولا ممن يظن بربه الظنون، أو يتزحزح عن الوثوق بقوله تعالى: {فإذا جاءَ أجلُهُم لا يَسْتأخِرونَ ساعةً ولا يستقدِمون}، ولا ممن يميل عن الاعتصام بالله سرًا وعلنًا، أو يشك في قوله تعالى: {قُل لن يُصيبَنا إلا ما كتبَ اللهُ لنا}، وما بنا من وهن ولا فشل، ولا ضعف في النكاية ولا كسل، ننتصر للدين ونحمي حماه، وما النصر إلا من عند الله.

وأما ما جال في نفوسكم، ودار في رؤوسكم، وامتدت إليه يد الطمع، وسوَّلته الأماني والخدع، من أنكم من الفئة الذين هم ومن حالفهم، لا يضرهم من خالفهم، وأنكم من الطائفة الظاهرين على الحق، وأن هذه المناقب تساق إليكم وتَحقّ، فكلا وحاشا أن يكون لكم في هذه المناقب من نصيب، أو يصير لكم إرثها بفرض أو تعصيب، فإن هذا الحديث وإن كان واردًا صحيحًا، إلا أنكم لم تُوفّوا طريقه تنقيحًا، فإن في بعض رواياته "وهم بالمغرب" وهي تحجبكم عن هذه المناقب، وتبعدكم عنها بعد المشارق من المغارب.
فانفض يديك مما ليس إليك، ولا تمدَّنَّ عينيك إلى ما حرِّمت عليك، فإنكاح الثريا من سهيل، أمكن من هذا المستحيل.

أما أهل هذه الأصقاع والذين بأيديهم مقاليد هذه البقاع، فهم أجدر أن يكونوا من إخواننا، وتمتدُّ أيديهم إلى خِواننا، لصحة عقائدهم السنية، وإتباعهم سبيل الشريعة المحمدية، ونبذهم للابتداع في الدين، وانقيادهم للإجماع وسبيل المؤمنين.
وقد أنبأتنا في هذا الكتاب، وأعربت في طيّ الخطاب، عن عقائد المبتدعة، الزائغين عن السنة المتبعة، الراكبين مراكب الاعتساف، الراغبين عن جمع الكلمة والائتلاف، فالنصيحة النصيحة، أن تنزع لباس العقائد الفاسدة وتتسربل العقائد الصحيحة، وترجع إلى الله وتؤمن بلقاه، ولا تكفّر أحدًا بذنب اجتناه، فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله.

وزبدة الجواب وفذلكة الحساب، أنك إن قفوت يا أخا العرب نصحك، وأسَوْت بالتوبة جرحك، وأدملت بالإنابة قرحك، فمرحبًا بأخي الصَّلاح، وحيهلا بالمؤازر على الطاعة والنجاح، وجمع الكلمة والسماح، وإن أطلت في لُجّة الغواية سبْحَكَ، وشيدت في الفتنة صرحك، واختلتَ عارضًا رُمحك، فإن بني عمك فيهم رماح، وما منهم إلا من يتقلد الصفاح، ويجيل في الحرب فائز القِداح

والله تعالى يسدد سهام الأمة الساعية فيما يحبه ويرضاه، ويُخمد ضرام الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله. والسلام. انتهى.


من مواضيع : دخيل عليكم 0 رسالة مفتي الديار التونسية رحمه الله في الرد على رسالة محمد عبد الوهاب رحمه الله.
0 بسم الله على بركة الله
رد مع اقتباس