عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية *سماء العشق*
*سماء العشق*
عضو نشط
رقم العضوية : 19658
الإنتساب : Jun 2008
المشاركات : 179
بمعدل : 0.03 يوميا

*سماء العشق* غير متصل

 عرض البوم صور *سماء العشق*

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : *سماء العشق* المنتدى : منتدى العقائد والتواجد الشيعي
افتراضي
قديم بتاريخ : 08-04-2010 الساعة : 10:03 PM



الصلح بين سليمان باشا والمتاولة وبداية الحكومة الإقطاعية الثانية:
أدت هزيمة المتاولة في معركة يارون إلى سقوط الحكومة الإقطاعية الأولى في جبل عامل، وإلى إضعاف الاتحاد العاملي(41). وخضع إقليم جبل عامل لحكم الجزار المباشر، في الوقت الذي شكّل فيه
الشيخ فارس بن الشيخ ناصيف النصار الفرق الانتحارية، أو العصابات المسماة "الطياح" لاعتراض سبيل جند الجزار وعماله، واستمر الحال هكذا حتى بعد وفاة الجزار سنة 1219هـ/1804م(42).
وبوفاة الجزار، استرد لبنان عافيته ونفوذه وسيطرته على مقدرات بر الشام السياسية التي افتقدها زمني حكم الشيخ ظاهر العمر وأحمد باشا الجزار. ويرجع هذا النفوذ إلى عاملين أساسيين هما قوة لبنان
العسكرية، وشخصية أميره بشير الثاني الشهابي(43).
وبوفاة الجزار أيضاً، تمكن الشيخ طه اليزيدي كيخيته من إخراج إسماعيل باشا من السجن الذي وضعه فيه الجزار نفسه، وأقنع رجال الدولة بأن الجزار قبيل وفاته أوصى بتعيين إسماعيل المذكور والياً من
بعده. وعمد الأخير فيما بعد إلى إرسال كتب ترضية إلى جميع المقاطعات والمتسلمين عليها، فسُرَّ الجميع بموت الجزار وبدأ الهاربون بالعودة إلى ديارهم(44).
وعندما تأكد مشايخ المتاولة من خبر وفاة الجزار، حضروا من بلاد عكار إلى الأمير بشير الشهابي لطلب المساعدة في استعادة بلادهم وممتلكاتهم، كما استنجدوا أيضاً بالشيخ بشير جنبلاط لنفس الغرض مقابل
أن يدفعوا للأخير نصف حكم إقليم الشومر في جباع الحلاوة. وبعد الاتفاق، خرج أهالي الشوف وآل أبو نكد معهم، كما كتب الأمير بشير إلى أمراء حاصبيا وراشيا للتوجه معهم برجالهم واحتشد الجميع في مرجعيون،
وفور علم عسكر الدولة العثمانية المتواجدين في بلاد المتاولة بقدوم تلك الجموع، فروا إلى صور، فانتقل الأمراء والمتاولة من مرجعيون إلى قلعة هونين واصطدموا بعسكر الدولة فانهزموا وخرجوا من القلعة
المذكورة بعدما تكبدوا خسائر فادحة. وتم إلقاء القبض على الأمير حسن أحد أمراء وادي التيم. غير أن الشيخ طه أرسل كتاباً للأمير بشير يعتذر فيه عما حدث، مبرراً ذلك بأن إسماعيل باشا لم يكن على علم بما
حدث(45).
غير أن بعض الباحثين يشككون في صحة هذه الرواية التي أوردها حيدر الشهابي على أساس أن الشيخ طه اليزيدي أصبح بعد وفاة الجزار أضعف من أن يحرك ساكناً بدون علم قادة العسكر في عكا
وموافقتهم(46)، ولو أن الشيخ طه هو الذي عين إسماعيل باشا بالفعل لما أمر الأخير بقتله فيما بعد حسب ما أكده حيدر الشهابي نفسه(47).
وإذا كان جميع الأهالي قد فرحوا وسُرّوا بموت الجزار بما فيهم مشايخ المتاولة، فكيف يعمد هؤلاء المشايخ – الذين لاقوا الأمرين من عنف الجزار – للثورة على الحكم الجديد الذي أمّن الجميع. كما أن
مشايخ المتاولة لم يكونوا في بلاد عكار عندما علموا بوفاة الجزار، وإنما كانوا داخل بلادهم قسمان: الأول مع الطواح، والآخر موالٍ للدولة كالشيخ مرعي الصعبي(48).
وحيدر الشهابي لم يسم مشايخ المتاولة الذين استنجدوا بالأمير بشير الثاني والشيخ بشير جنبلاط بأسمائهم كما سمى أمير حاصبيا الشهابي باسمه. ويهمز علي الزين إلى وجود مؤامرة قد يكون الأمير بشير نفسه
ضالعاً فيها بالاتفاق مع سليمان باشا – مملوك الجزار – الذي كان يطمع في الحصول على حكم عكا، فموه الأمير المذكور الثورة باسم المتاولة – ربما – استخفافاً بشعورهم وبمصالحهم السياسية واعتقاداً منه
بأنه ليس فيهم من يجرؤ على مخالفته، أو خوفاً على أبنائه المرهونين في عكا منذ زمن الجزار. وإذا كان مشايخ المتاولة هم بالفعل السبب المباشر للمعركة وأبطالها، فلماذا إذن اعتذر الشيخ طه للأمير بشير عنها
على أساس أنها كانت بغير علم إسماعيل باشا، والأجدر أن يعتذر الأمير نفسه للباشا(49).
ومما يضعف بنيان رواية حيدر الشهابي أيضاً، أن مشايخ المتاولة لم يكن بيدهم شيء من إقليم الشومر أو غيره من أقاليم جبل عامل الثمانية قبل تولية سليمان باشا الحكم في عكا وصيدا ويتصالح مع المشايخ
ويمنحهم إقليم الشومر معاشاً موزعاً على كل فرد منهم – كما سيأتي بيانه -. فكيف إذن منح مشايخ المتاولة ما لا يملكونه أو يحكمونه (نصف حكم إقليم الشومر الذي في جباع) للشيخ بشير جنبلاط. مع
الأخذ بعين الاعتبار أن لا علاقة لإقليم الشومر بجباع الحلاوة، ولا علاقة لجباع الحلاوة بإقليم الشومر من الناحيتين الجغرافية والإدارية(50).
ولم يلبث أن عُزل إسماعيل باشا عن منصبه، ووُلي سليمان باشا حكم عكا وولاية صيدا في أواخر سنة 1219 وأوائل سنة 1220هـ/ الأول من نيسان سنة 1805م(51). ولم تكن الأحوال قد هدأت في
جبل عامل عندما تسلم سليمان باشا الحكم، بل اتسعت حرب العصابات وامتدت سلطة الثوار (الطياحة) فشملت بلاد عكا وصفد وفرضوا الضرائب والرسوم على البلاد وفتكوا بمن خالفهم الرأي(52).
اتسم حكم سليمان باشا بالعدل والإنصاف، لذا أُطلق عليه لقب العادل. ويؤكد ذلك راوي سيرته المعلم إبراهيم العورة بقوله: "وإذ توطد في منصبه وزال قلق باله أمر بإطلاق المناداة بالأمان والأمن
والعدل، وأمر بإصدار أوامر التبشير لسائر محلات الإيالة (صيدا) ونشر بيارق العدل على جميع العباد وأطلق المحبوسين وسدَّ أبواب المظالم التي كان فاتحها (فتحها) الجزار.... وكذلك وطدّ الأمير
بشير الشهابي في حكومة جبل لبنان كله وفتح له سبيل الأمان والتركين لكي يستريح فكره ويقدر بواسطته أن يؤمن غيره ويستجلب الهاربين ويرد النازحين من بلادهم إلى أوطانهم بالأمن والراحة"(53).
ويبدو من هذا النص صحة ما ذهب إليه الشيخ على الزين من وجود علاقةٍ ما بين سليمان باشا قبيل توليه السلطة وبين الأمير بشير، وأن الأخير قد ساعده وأيده في هذه التولية، فردَّ له سليمان باشا الجميل بأن
منحه عموم حكومة جبل لبنان، كما منحه المقدرة على التوسط بينه وبين بقية العشائر المتمردة على حكم الدولة.
إن سليمان باشا قد عقد معاهدة مع متاولة جبل عامل، الذين لاقوا اضطهاداً شديداً زمن حكم الجزار، بعد أن أمّن مشايخهم، خاصة الشيخ فارس الناصيف وإخوته وسائر مشايخ بيت على الصغير، ومشايخ بني
منكر، وبني صعب، لرفع الضيم الذي لحق بهم من قبل(54).
اختلفت الروايات التاريخية حول كيفية عقد معاهدة الصلح بين الوالي الجديد ومشايخ المتاولة والتي تعدّ بداية عهد للحكومة الإقطاعية الثانية في جبل عامل والتي دامت حتى سنة 1247هـ/1831م، السنة
التي استولى فيها إبراهيم باشا على بلاد الشام.
يقول إبراهيم العورة المقرب لدى سليمان باشا، أن الأخير لاحظ ما ألمّ بجبل عامل وسكانه من البؤس والشقاء وانهيار الوضع الاقتصادي للبلاد، حتى أن المشايخ لم تعد لهم مهنة يعتاشون منها، فأيقن أن
الأمور إذا ما استمرت على هذا المنوال، فإن المنطقة ستصل حتماً إلى الخراب التام، لا في جبل عامل فحسب بل وفي بلاد صفد أيضاً، مما دعاه للميل إلى اللين وتهدئة الأمور(55).
ووفقاً للنتيجة التي توصل لها سليمان باشا، فقد أرسل ضابطاً ألبانياً يسمى "بكر أغا الأرناؤوطي" لمفاوضة الثوار المتاولة والاتفاق معهم على شروط الصلح والتسليم، فرفضوا التفاوض معه خشية الغدر
والخديعة. علماً بأنهم كانوا يتشوقون للحصول على الأمان من الوالي، ولكن الظروف القاسية والمرعبة التي عاصروها في عهد الجزار هي التي دعتهم لرفض التفاوض مع بكر أغا، فاضطر سليمان باشا أن يكتب
للأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان، طالباً وساطته لإقناع مشايخ المتاولة بالموافقة على الصلح مقابل أن يستجيب لمطالبهم. وبما أن الأمير المذكور يعتبر زعيماً لكافة العشائر اللبنانية بما فيها المتاولة، فقد وافق
على التوسط في هذه القضية.
واستحسن المتاولة بدورهم فكرة وساطة الأمير بشير بينهم وبين الوالي لأنهم -حسب ما أورده إبراهيم العورة – لا يستطيعون الركون إلى أحدٍ سواه، كما وأن لغيرته الواضحة على أبناء العشائر.
وبالفعل تدخل الأمير بشير في أمر الصلح بين الطرفين، وحاول جاهداً عدة مرات تحسين شروط الصلح لصالح المتاولة مما أثار حفيظة الوالي عليه. ومهما يكن من أمر، فإن كافة الأطراف توصلت إلى صياغة
شروط اتفاقية الصلح التي أقرها سليمان باشا نفسه وراغب أفندي مأمور الباب العالي.
وتتمثل شروط الصلح فيما يلي:
أولاً: العفو العام عن الثوار كافة.
ثانياً: أن يشارك المتاولة لاحقاً في حروب الوزير متى لزم ذلك والحضور دون تردد.
ثالثاً: يُعطي مشايخ المتاولة إقليم الشومر ملكاً لهم ولذريتهم مقسوماً بالتساوي بدلاً عن أملاكهم التي ضبطتها الدولة، ويستثنى منها قرى الصرفند، وأنصار، وميس، مفروزة القلم مرفوعة القدم (أي معفاة
من الضرائب والأموال الأميرية). وأن يوقّع الجميع في دفتر خاص بذلك للتأكيد على أن عملية التوزيع قد تمت برضاهم واتفاقهم حتى لا يحدث في المستقبل أي خلاف.
رابعاً: ألا يكون لموظفي الدولة أي تدخل في حكم البلاد ولا سلطة على مشايخها. وإنما يرجع المشايخ في أمورهم وفصل الخلاف الذي يقع بينهم إلى شيخ المشايخ فارس الناصيف، الذي يمثلهم أمام الحكومة،
وعليه تعود المسئولية.
ومهما يكن الأمر، فإن الشيخ فارس الناصيف وصل إلى عكا مترأساً وفد العشائر العاملية ولاقى من الوالي سليمان باشا كل إكرام ورعاية وحفاوة بالغة، وتم توقيع الاتفاق في مجلس حافل، حضره قاضي عكا ومفتيها
وراغب أفندي وكبار رجال الحكم في عكا والشيخ جرجس باز وكيلاً عن الأمير بشير. ولكي يُظهر سليمان باشا رضاه عن الشيخ فارس الناصيف أهداه خلعة فاخرة من فرو السمور إضافة إلى خمسة آلاف قرش
وعشرة غراير* من الحنطة وعشرين من الشعير(56).
يلاحظ من سياق ما أورده إبراهيم العورة عدة أمور جديرة بالملاحظة منها: أن مشايخ المتاولة لم يكونوا البادئين أو السباقين بطلب الصلح مع سليمان باشا، وإنما الأخير هو الذي حرص كل الحرص على استجلاب
المشايخ وتأمينهم بأي وسيلة ليريح العباد من شرهم وضررهم، ولتعمر البلاد باتفاق الدولة معهم، وإذا كانت هذه هي غاية الباشا، فمن المحقق أن لا يفكر بإبعادهم عن حكم بلادهم أو أن يفرض عليهم شروطاً مجحفة.
"تلك الشروط التي افترضها المغرضون من رُسل الأمير بشير، ثم لفق لها المؤرخون خلفياتها وعللها بحيث تصبح بنظر القارئ العادي ضرورية وطبيعية" (57).
ويؤكد علي سبيتي صحة ما استنتجه على الزين بقوله: "إلى سنة تسعة عشر(ة) (1219هـ) فهلك الجزار وخلفه سليم باشا. (يقصد إسماعيل باشا) أحد أهل مماليكه فالتاث (فانقلب) عليه الجند
وقتلوه ونصبوا سليمان باشا... واستوزر حسن أغا البلارسان واستكتب حايين اليهودي (حاييم فارحي) وغلب على أمره علي باشا فاستبد الثلاثة بتدبير البلاد. فكان أول أمرهم أن صانعوا أولاد العشاير
وأرضوهم وعوضوهم عن أملاكهم المغصوبة التي اغتصبها (أي الجزار) وردوهم إلى أوطانهم بعد التشريد، فبذلك استراحت البلاد من فسادهم أيام تشريدهم ومن فساد عساكر الجزار..."(58). أي أن
سليمان باشا هو الذي سعى أولاً لاسترضاء مشايخ المتاولة وتعويضهم عن أملاكهم التي كان الجزار قد صادرها منهم.
ثم إن مشايخ المتاولة لو كانوا قد استمعوا من قبل لاقتراحات "بكر أغا" لحققوا نتائج أفضل من التي حققوها فيما بعد، بعدما فُرضت عليهم واستغلها الأمير بشير للقضاء على نفوذهم وتطويقهم سياسياً
واقتصادياً وعسكرياً بقيود ثقيلة، كما استغلها للتقرب من الباشا وكسب رضاه وتقديره. ويرى على الزين أن التماسات الأمير بشير بشأن مشايخ المتاولة لم تكن خالصة من المكر والخداع، وأن غضب الباشا منه لم
يكن حقيقياً، وإنما نوع من التصنع والتمثيل كان ضحيته المشايخ أنفسهم الذين كان يجب عليهم التصلب في مطالبهم وعدم الاستجابة لأيٍ من الشروط أو الاشتراك في حرب من الحروب مع الباشا أو الأمير بشير، إلاَّ
بعد الإجابة لمطالبهم الأصلية، ولكانت حجتهم بأنهم لا يستطيعون فرض إرادتهم على المتاولة ما دامت بلادهم محكومة لغيرهم وليس لهم سلطة رسمية على أهاليها، وليس لديهم إيرادات تساعدهم على تحمل نفقات بعض
الشروط المفترضة كالالتزام بنفقات ألفي راجل وفارس سنوياً تكون مهيأة عندهم للحرب مع الدولة متى دُعوا لذلك(59).
ويدلل علي الزين على تآمر الأمير بشير وسليمان باشا على مشايخ المتاولة، بأن الضابط "بكر أغا الأرناؤوطي" حينما عرض على المشايخ المذكورين فكرة العفو والأمان من الباشا لم يكن يفكر بشيء من
هذه الشروط المجحفة التي فُرضت فيما بعد على هؤلاء المشايخ. وإنما كان فقط يفكر بما كان يفكر به الباشا نفسه من استجلاب المشايخ وتطمينهم بأية وسيلة يطمئنون لها ويرضون عنها. ولم تكن فكرة كف يد
المشايخ عن حكم بلادهم واردة لا في ذهن الباشا ولا في ذهن بكر أغا قبل أن يتدخل الأمير بشير وحاشيته لتخطيط المؤامرة والتلبيس على المشايخ(60).
وربما كان للخلاف الذي دار بين مشايخ المتاولة - خاصة بين أبناء ناصيف النصار – والذين حاول كل منهم إرضاء سليمان باشا على حساب أخيه – دور ساعد الأمير بشير ومدبريه من أن يلعبوا
لعبتهم في السعي لكف أيدي المشايخ عن حكم بلادهم وتقييدهم بتلك الشروط المجحفة، ثم حصرهم ضمن قرى إقليم الشومر، كما أتضح من شروط الصلح وملحقاته(61).
ويبدو، أن "بكر أغا الأرناؤوطي" حاول بعد إبرام الصلح الإيقاع بين مشايخ المتاولة وسليمان باشا، وبدأ يُحسّن للمشايخ فكرة منحهم متسلمية البلاد كلها لا إقليم الشومر فحسب، ومع أن بعضهم مال لقوله،
فإن محاولته باءت بالفشل وتم طرده من الخدمة العسكرية(62).
تحسنت الأحوال المعيشية في جبل عامل في عهد سليمان باشا كما أكد ذلك المؤرخون، يقول الشيخ علي سبيتي: "... وهدأت الحال أيام سليمان باشا وعمرت البلاد عمراناً زائداً ونمت نمواً فائقاً،
فعمرت الأبنية وغرست الأشجار وسار سيرة حسنة إلى أن هلك..."(63).
وبالفعل قام سليمان باشا بتعمير جسر نهر الزهراني على شاطئ البحر ما بين صور وصيدا عام 1226هـ/1811م. كما جدد تعمير قلعة البحر في صيدا سنة 1228هـ/1813م، وأصلح طريق النواقير في
أواخر سنة 1227هـ وأوائل سنة 1228هـ/ 1812-1813م، وهو الطريق الذي يربط بين صور وعكا عند الناقورة، وغير ذلك من الإصلاحات(64).
في تلك الأثناء كان الوهابيون في الجزيرة العربية قد تملكوا الحجاز، وبدأوا يتأهبون لمهاجمة حدود الشام والاستيلاء عليها(65)، بعدما منعوا وصول قافلة الحج الشامي عام 1222هـ/1807-1808م، إلى الديار
المقدسة وكان يترأسها عبد الله باشا العظم آخر باشوات آل العظم(66). وكان وقع الصدمة قوياً على الآستانة، بعد الإحراج الشديد الذي تعرضت له الدولة العثمانية وشعورها بالإهانة لمنع قافلة الحجاج من
الوصول إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فقرر الباب العالي عزل عبد الله باشا وتعيين يوسف كنج باشا محله(67).
كلف السلطان محمود الوالي الجديد للشام يوسف كنج باشا بالتوجه لمقاتلة الوهابيين في الحجاز نفسها، ولكنه عجز عن إنفاذ الحملة، مما أحرج موقفه أمام الباب العالي(68). ولكي يدافع يوسف باشا عن الأقاليم
الجنوبية لولايته ضد المد الوهابي، ابتنى عدة مواقع مراقبة عسكرية في حوران وركّز قواته فيها، كما عزز القلاع الموجودة في منطقة المزيريب. ولم يتطلع يوسف باشا للقيام بعمل هجوم مضاد للوهابيين بل اكتفى
فقط بمحاولة الدفاع عن دمشق. ويبدو أن الوالي الجديد كان واقعياً إلى حدٍ ما، لأن مشكلة الوهابيين كانت مستعصية وأكبر من إمكانياته، ولم يكن بإمكانه حلها بمفرده نظراً للتحديات التي واجهت سلطته داخل
الولاية(69). ومن أهمها خلافه مع والي عكا وصيدا سليمان باشا وتوتر علاقته بالأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان(70). فوجد يوسف باشا أن الأجدى أن ينسق ولاة مصر والشام وبغداد خططهم
العسكرية بأن يرسلوا في وقت واحد ثلاث حملات من جهات مختلفة تفتح على الوهابيين جبهات متعددة متباعدة(71).
ومهما يكن من أمر، فإن نجم يوسف باشا بدأ في الأفول لعجزه عن تجريد الحملة ضد الوهابيين، بينما نجم سليمان باشا كان في صعود متواصل بعدما أرسل إلى الآستانة مساعدات غذائية وغلال بسبب القحط الذي نزل
بها، فكسب إلى صفه رجال الحكم في الدولة العثمانية(72).
قدم الوهابيون إلى حوران سنة 1225هـ/1810م، وأكلوا الأخضر واليابس وحرقوا القرى وسبوا النساء والأطفال(73). فاضطر يوسف باشا للاستنجاد بسليمان باشا تحت مبررات خدمة الدين والدولة(74)،
فلبى طلبه وسار إليه بجنده. كما أوعز سليمان باشا إلى الأمير بشير بجمع ما يمكنه من الرجال وملاقاته في طبرية للزحف معاً إلى المزيريب، حيث تمكن الأمير بالفعل من حشد خمسة عشر ألف مقاتل(75).
وينبغي الإشارة إلى اشتراك مشايخ المتاولة في هذه الحملة، بعدما حرر سليمان باشا مرسوماً إلى الشيخ فارس الناصيف شيخ مشايخ المتاولة أمره به بجمع رجال العشائر الخاضعة لنفوذه والحضور بهم إلى
طبرية(76)، التي وصلها فعلاً رفقة الأمير بشير الشهابي(77).
وقبيل مغادرة سليمان باشا لعكا في طريقه إلى طبرية، وصله مأمور عثماني وسلمه فرماناً بتعيينه والياً على دمشق وطرابلس وعزل يوسف باشا. واستشهد الفرمان بالقول أن يوسف باشا تم عزله لعدم تمكنه من
قيادة قافلة الحجاج وتأجيله قيادة الحملة ضد الوهابيين(78).
ويبدو أن سليمان باشا – الذي كان معنياً برد الخطر الوهابي عن الشام- لا يختلف كثيراً عن ولاة صيدا السابقين له الذين كانوا يتطلعون إلى حكم ولاية دمشق بأية وسيلة ممكنة، ولهذا لم تكن استعداداته جدية
لمساندة ومساعدة جهود يوسف باشا كنج المتواضعة ضد الوهابيين(79).
في تلك الأثناء كان يوسف باشا – الذي لم يكن على علم بالفرمان السابق- قد وصل إلى حوران لنجدة شمدين أغا متسلم أربد وعجلون المُحاصر في قلعة المزيريب (80)، ووصلها في الوقت المناسب بعدما
أوشكت على السقوط في أيدي الوهابيين، وبدأ بإطلاق مدفعيته لإرهابهم، فاضطروا للفرار والتراجع(81).
بعدما علم سليمان باشا والأمير بشير بفرار الوهابيين قررا تنفيذ ما ورد في الفرمان السلطاني، وعزموا على مهاجمة دمشق بالقوة مستغلين فرصة وجود يوسف باشا خارجها، الذي علم لاحقاً بنية سليمان باشا، فترك
المزيريب وعاد إلى دمشق لتدبير أمره في كيفية مواجهة عدوه الجديد(82).
قام سليمان باشا والأمير بشير بعساكرهما ورفقتهما جموع المتاولة إلى دمشق بطريق القنيطرة – داريا، ولدى وصولهما إلى قطنا علما بعودة يوسف باشا إلى دمشق، فأرسلا إلى أعيان دمشق يخبرانهم بالفرمان
السلطاني الذي يقضي بعزل يوسف كنج باشا ومنحوهم مهلة ثلاثة أيام للرد، وبعد انقضاء تلك المهلة قاما بعساكرهما إلى الجديدة وداريا واشتبكا مع الجيش الدمشقي وفشل يوسف باشا في صدهما، فاضطر للفرار إلى
مصر طالباً اللجوء من واليها محمد علي باشا. ودخل المنتصرون دمشق، وعُين سليمان باشا والياً عليها إضافة إلى طرابلس وصيدا(83).
ومما يدلل على مساعدة مشايخ المتاولة لسليمان باشا والأمير بشير في حربهما مع يوسف باشا ما ذكره أحد المؤرخين العامليين بقوله: "وفي آخر الشهر إجى (حضر) سليمان باشة إلى الشام ومعه الدروز (
أعوان الأمير بشير) والمتاولة، وصار بينه وبين يوسف باشة وقعة كان الوجه (النصر) إلى سليمان باشا وقتل أحمد بن عباس المحمد من المتاولة ومعه اثنين أخوة أولاد متيرك، وانهزم يوسف باشا وعاد سليمان
باشا إلى الشام"(84).
اعتقد مشايخ المتاولة أن ما أسدوه لسليمان باشا من خدمات ووقوفهم إلى جانبه في حربه مع يوسف باشا سوف يؤهلهم للطلب منه منحهم كامل حكومة جبل عامل لا إقليم الشومر فحسب، فأكثر هؤلاء المشايخ من التردد
على الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط كتخدا الأمير ومدبر أموره والطلب منهما إقناع الباشا برد كل ممتلكاتهم إليهم. وحاول الأمير بشير إقناع الباشا بمطلب المشايخ المذكورين عدة مرات دون طائل،
لدرجة تأزمت معها العلاقة بين الطرفين(85).
ووصل التأزم بين الطرفين حداً وصلت إلى درجة التهديد، وقد ردّ الباشا على الأمير بشير قائلاً: "حيث ما أفاد معك جميع ما استعملته نحوك فافعل ما تريد وأنت مأذون أن تتفق مع مشايخ المتاولة وتفعل معهم ما
تريد وأنا مستعد لكل أمر يأتي. ومن حنث فإنما يحنث على نفسه"(86).
ويبدو أن الأمير بشيراً ندم على تدخله في هذه القضية وخشي على نفسه وعلى مشايخ المتاولة من غضب الباشا، فأرسل يطلب العفو والصفح من الباشا عما بدا منه، ونجح في تحقيق ذلك. أما مشايخ المتاولة فلم يعد
بمقدورهم الجسور على إعادة طلبهم هذا طيلة حياة سليمان باشا(87)، وحتى وفاته في ذي القعدة 1234هـ(88)/1818م.
يتضح مما سبق بيانه شيئاً من المبالغة فلا يعقل أن يعرّض الأمير بشير مستقبله السياسي للخطر من أجل إرضاء مشايخ المتاولة، فقد كان يكفي أن يلتمس الأمير من سليمان باشا منح هؤلاء المشايخ كامل ممتلكاتهم مرة
واحدة فقط. غير أن الكاتب كرر مراجعة الأمير للباشا في هذا الشأن عدة مرات، كما لو كان الأمير بشير متلهفاً على المصلحة العليا للمتاولة، أو أن مستقبله السياسي مرهون بهم.
وما يحسب لسليمان باشا – قبل وفاته بعامين (1232هـ) – أنه أمر بعزل إبراهيم أغا الكردي عن متسلمية بلاد بشارة بسبب ما فرضه هو وجنده الأكراد على الفلاحين من غرامات زائدة حتى أنهم جعلوا
الفلاحين عبيداً لهم(89).


توقيع : *سماء العشق*
سماء العشق
آسمان عشق
Sky of love
من مواضيع : *سماء العشق* 0 الساكت عن الحق شيطان اخرس
0 حل مشكلة تشغيل Realplayer في الفايرفوكس
0 اضافة Auto Copy لعمل نسخ ولصق في الفايرفوكس
0 5 نصائح لكي تكون مدوّناً محبوباً
0 كتاب " جناية البخاري -إنقاذ الدين من إمام المحدثين" للباحث السوري زكريا اوزون
رد مع اقتباس